البحرين... مفاوضات خلف الكواليس هل تنهي عام من الاحتجاجات؟

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: اجهضت الحركة الاحتجاجية التي يقودها الشباب في البحرين جهود السلطة في اخمادها، على الرغم من قساوة قمع وانتهاكات اجهزة الامن والجيش الحكومي في تلك الدولة.

وأبرز ما يلفت في انتفاضة الشعب البحريني خسارة الملك في رهانه على الوقت والجوع لكبت مناهضيه، فبعد سلسلة من الاجراءات التعسفية المتمثلة في استخدام القوة في الرد على المحتجين، الى جانب شنه حربا اقتصادية عبر طرد المئات من وظائف وعمليات هدم المساجد والحسينيات الشيعية، لا تزال جذوة الانتفاضة تشتعل في نفوس المطالبين بالتغيير.

فيما لم تفلح المساندة الغربية والخليجية الا مشروعة في دعم الملك في الحد من نشاط الثورة بل زادت من حجم اتساعها، سيما مع تزايد السخط الشعبي من العديد من الحالات الوحشية التي ارتكبها قتلة مأجورين استقدمتهم السلطة من الاردن وباكستان وبعض الدول الاخرى.

احتجاجات تهز البلاد

فقد قال شهود ان عشرات الالاف من البحرينيين تظاهروا خارج العاصمة المنامة للمطالبة باصلاحات ديمقراطية في أكبر مظاهرة خلال الاضطرابات المستمرة منذ نحو عام. وبدأ المتظاهرون السير على طريق سريع قرب المنامة استجابة لدعوة من رجل الدين الشيعي البارز عيسى قاسم الذي حث الناس على تجديد دعواتهم من أجل مزيد من الديمقراطية. وأظهرت صور حية على مدونة على الانترنت المتظاهرين وهم يحملون لافتات تندد "بالدكتاتورية" وتطالب بالافراج عن المحتجزين.

وقال الشيخ عيسى قاسم قبل المسيرة خلال خطبته الاسبوعية في قرية الدراز الشيعية ان المتظاهرين يتجمعون من أجل مطالبهم العادلة التي لا يمكنهم تقديم تنازلات بشأنها مشيرا الى انهم يتمسكون بها لانهم قدموا تضحيات من أجلها.

وتقدم قاسم المسيرة مع عدد من رجال الدين الشيعة. وقال مصور من وكالة رويترز بعد ان ازدحم الطريق السريع الرئيسي في منطقة الدراز وسار غربي المنامة بالمحتجين "انها أكبر مظاهرة على مدار العام المنصرم.. أقول ان العدد قد يكون أكبر من 100 ألف."

وانفصل مئات المحتجين لاحقا عن المظاهرة ليسيروا على الطريق السريع المؤدي الى المنامة في محاولة للعودة الى ساحة احتلها المحتجون لمدة شهر خلال احتجاجات العام الماضي.

وقال نشطاء ان شرطة مكافحة الشغب التي تغلق الطريق اطلقت الغاز المسيل للدموع وقالت وزارة الداخلية ان المحتجين رشقوا الشرطة بالحجارة. واستمرت الاشتباكات في المنطقة لاكثر من ساعة. وأضاف النشطاء أيضا أن اشتباكات اندلعت مع الشرطة في وقت لاحق في حي المخارقة في العاصمة وكذلك في قرية العكر جنوب شرقي المنامة.

ولكن المسيرة انتهت بهدوء في أماكن أخرى حيث عاد غالبية المحتجين الى بيوتهم. وسمحت الحكومة تحت ضغوط من حلفائها الغربيين الذين طالبوها باطلاق حرية التعبير السلمية للمعارضين بالمزيد من الاحتجاجات في الاشهر القليلة الماضية.

واشاد بيان صادر عن الديوان الملكي بمسيرة قاسم وبمسيرة صغيرة خرجت يوم الجمعة وضمت عدة مئات من الموالين للحكومة تحت اسم "تجمع الفاتح" ووصفهما بأنهما مؤشر على النضج الديمقراطي.

وقالت وكالة انباء البحرين نقلا عن البيان "ما حدث في تجمع الفاتح و ايضا ما حدث في تجمع المحافظة الشمالية لهو خير دليل على ذلك ويعد مفخرة لاهل البحرين ويحق لهم ان يفخروا بها كنموذج للممارسة الديمقراطية الصحيحة دون المساس بالمصالح العامة والخاصة وبحسب ما ينص عليه قانون التجمعات والمسيرات الذي اقره وارتضاه ممثلو شعب البحرين."

وكانت الاغلبية الشيعية في طليعة الحركة الاحتجاجية في البحرين في العام الماضي التي اندلعت في فبراير شباط بعد انتفاضتي مصر وتونس. لكن أسرة ال خليفة السنية الحاكمة سحقت الاحتجاجات بعد شهر من اندلاعها وفرضت الاحكام العرفية لفترة من الوقت واستعانت بقوات من السعودية والامارات للمساعدة في استعادة النظام. واتهمت السلطات البحرينية ايران باشعال الاضطرابات.

فيما قال نبيل رجب الناشط الذي يراس مركز البحرين لحقوق الانسان ان التظاهرة "هي احدى اكبر التظاهرات في السنوات الاخيرة" في المملكة. واضاف ان المتظاهرين الذين تظاهروا استجابة لدعوات من الجمعيات السياسية وبينها بالخصوص جمعية الوفاق الوطني الاسلامية اهم القوى الشيعية، جابوا جادة كبيرة في العاصمة بلا حوادث. وتابع "ان قسما صغيرا من المتظاهرين حاول الوصول الى دوار اللؤلؤة لكن الشرطة فرقتهم مستخدمة قنابل الغاز المسيل للدموع".

وفاة متظاهر متأثراً بجراحه

في السياق ذاته قال مسؤول في وزارة الداخلية البحرينية، إن أحد المتظاهرين توفي متأثراً بجراح أصيب بها في تظاهرة قبل نحو 10 أيام. وأشار محمد بن دينة، مسؤول الإعلام الأمني بوزارة الداخلية، إلى أن الشاب المتوفى يدعى فاضل ميرزا العبيدي، 22 عاماً، وقد قضى بعد 10 أيام من إدخاله المستشفى، مضيفاً أن النيابة بدأت التحقيق في سبب الوفاة وملابسات الحادث.

وقال بن دينة إن "غرفة العمليات بوزارة الداخلية تلقت بلاغاً من مستشفى البحرين الدولي يفيد بإحضار شخص مصاب بإصابة بليغة، وتم إخطار النيابة العامة بذلك."

من جهته، طالب والد الشاب المتوفى الجهات السياسية والأمنية بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لمعرفة أسباب الحادث وكيف قتل ابنه بطلق ناري مباشر في الرأس قبل 10 أيام."

وزعم بيان صادر عن جمعية الوفاق الشيعية المعارضة أن "العبيدي توفي بعد أن تعرض لإصابات من قوات الأمن أودت بحياته بسبب طلق ناري أصابه مباشرة في رأسه، مما أدى لوفاته بعد أكثر من أسبوع." غير أن وزارة الداخلية البحرينية تشير إلى أن "سبب الوفاة هو كسر الجمجمة نتيجة ضرب بآلة حادة على الرأس، وهو ما تؤكده بعض المؤسسات الحقوقية في المنامة."

تعذيب صحفية

الى ذلك أحالت النيابة العامة البحرينية قضية صحفية تعمل لصالح راديو مونت كارلو، وقناة فرانس 24 الفرنسية، اتهمت إحدى الشرطيات بتعذيبها، إلى المحكمة الجنائية الكبرى، بعد أن حكمت محكمة أخرى بعدم اختصاصها بالنظر في الدعوى.

وكانت الصحفية نزيهة سعيد، رفعت دعوى أمام المحكمة الصغرى الجنائية، تتهم فيها إحدى الشرطيات بإساءة معاملتها، غير أن المحكمة ردت الدعوى لعدم الاختصاص كون القضية تعد "جناية،" وأعادتها للنيابة العامة.

وقالت سعيد إن إحالة القضية إلى محكمة الجنائيات الكبرى "خطوة في الاتجاه الصحيح، ونأمل أن يصدر القاضي حكما نافذا على الشرطية لتكون عبرة لأي عنصر أمني يمارس التعذيب ضد أي شخص."

وقالت المحكمة الصغرى "إن الواقعة كما استقرت في وجدان المحكمة تشكل جناية استعمال المتهمة التعذيب والقوة والتهديد مع المجني عليها لحملها على الاعتراف بجريمة والإدلاء بأقوال ومعلومات بشأنها، وهو الأمر المعاقب عليه بمقتضى نص المادة 208 من قانون العقوبات كجناية تختص بها المحكمة الكبرى الجنائية."

وتشير تفاصيل الدعوى إلى استدعاء نزيهة سعيد يوم 22 مايو/ أيار الماضي إلى مركز شرطة الرفاع جنوب المملكة، حيث مكثت 12 ساعة ثم تم الإفراج عنها، بعد التحقيق معها حول ما إذا كانت شاركت في اعتصام جرى في دوار اللؤلوة. بحسب السي ان ان.

وتزعم الصحفية البحرينية أنها تلقت "صفعات" أثناء التحقيق، وأجبرت على التوقيع على عدة وثائق تحت التهديد والضرب، من دون أن تعرف حتى ما فيها."

حوار مؤجل!

على صعيد متصل قال نبيل الحمر مستشار عاهل البحرين للشؤون الاعلامية إن "الامور متجهة للحوار لجميع مكونات المجتمع البحريني والكل لديه الرغبة في انهاء هذه الازمة التي مرت بها البحرين." وأضاف أن اتصالات جادة لبلورة الرؤى لجميع الاطراف الرسمية والاهلية والوطنية التي تسعى لايجاد حل، وان هذه الاتصالات بدأت منذ شهر واحد ومستمرة وسوف ينتج عنها حوار يشمل الجهات المعنية قريبا.

واتفق مع الحمر، النائب المستقيل عن كتلة الوفاق، جميل كاظم العلوي، الذي توقع بدء حوار جدي بين الحكومة والمعارضة اولا، ومن ثم اجتماع ثلاثي مع الموالاة للخروج من الازمة الراهنة في البحرين خلال العشرة الايام المقبلة.

وأضاف العلوي، ان المعارضة بقيادة الوفاق ستدخل الحوار بدون شروط مسبقة وقبل الافراج عن الرموز المعتقلة وعودة جميع المفصولين باعتبار تلك مطالبات حقوقية طالبت بها اللجنة الملكية لتقصي الحقائق. بحسب السي ان ان.

وأكد العلوي ان المعارضة مستعدة للتفاوض والتنازل عن بعض مطالب " وثيقة المنامة"، موضحا بان الحوار يجب ان ينقسم الى قسمين، الاول بين المعارضة والحكم والاخر بين الموالاة والحكم، ومن ثم وبعد تقريب وجهات النظر يتم الجلوس على طاولة واحدة.

وحدد مطالب المعارضة بضرورة وجود حكومة منتخبة "تمثل الإرادة الشعبية بدلا من حكومة معينة، ويكون للمجلس النيابي صلاحية مساءلة الأعضاء فرادى وجمعاً ممثلين في رئيس الحكومة، ونظام انتخابي عادل يتضمن دوائر انتخابية تحقق المساواة بين المواطنين، والمبدأ العالمي في الانتخابات (صوت لكل مواطن)."

وتابع حديثه، بضرورة "وجود سلطة تشريعية تتكون من غرفة واحدة منتخبة، وتنفرد بكامل الصلاحيات التشريعية والرقابية والمالية والسياسية، وسلطة قضائية موثوقة، من خلال استقلال مالي وإداري وفني ومهني، يضمن استقلال جميع الإجراءات القضائية عن أي من السلطات، وتوفير الأمن للجميع عبر اشتراك جميع مكونات المجتمع البحريني في تشكيل الأجهزة الأمنية والعسكرية المختلفة."

الآلاف من مناصري تيار الصدر يتظاهرون

من جانبهم تظاهر الآلاف من مناصري تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الجمعة في انحاء متفرقة من العراق دعما لاحتجاجات البحرين، مطالبين بمنع حاكم المملكة الخليجية من حضور القمة العربية في بغداد.

ووسط اجراءات امنية مشددة، سار نحو ثلاثة آلاف متظاهر بينهم نواب ينتمون الى التيار الصدري عقب صلاة الجمعة في مدينة الصدر شرق بغداد وهم يهتفون ضد حكام البحرين.

وحمل المتظاهرون اعلام البحرين والعراق ورددوا هتافات بينها "البحرين حرة حرة درع الجزيرة بره بره". كما حمل المتظاهرون لافتات كتب عليها "نطالب بعدم التدخل السعودي في الشان البحريني"، و"اين كان الجيش السعودي من جرائم الاحتلال في غزة" في اشارة الى اسرائيل.

وقال مدير مكتب الصدر في المدينة ابراهيم الجابري في كلمة امام المتظاهرين "نقول لملك البحرين (حمد بن عيسى ال خليفة) انك ملك على نفسك وليس على الشعب البحريني المظلوم". واضاف "نقول للجامعة العربية لم لا تريدون اشراك (الرئيس السوري) بشار الاسد بحجة الانتهاكات في سوريا ولماذا لا ينطبق ذلك على ملك البحرين". وتابع "اذا لم يدع بشار الاسد الى القمة (العربية) فيجب الا يدعى ملك البحرين من مبدأ المعاملة بالمثل". بحسب فرانس برس.

ومن المقرر ان تعقد القمة العربية في 29 اذار/مارس في بغداد، علما ان سوريا لن تكون مدعوة اليها بسبب تعليق عضويتها على خلفية قمع حركة احتجاجية تطالب باسقاط النظام منذ نحو عام وقتل فيها الآلاف.

وكان الزعيم الشيعي مقتدى الصدر دعا الخميس انصاره الى التظاهر الجمعة دعما للحركة الاحتجاجية في البحرين. والى جانب بغداد، تظاهر الآلاف من مناصري الصدر في مدن اخرى تقع جميعها جنوب العاصمة. ففي النجف، حمل آلاف آلمتظاهرين بعد صلاة الجمعة في مسجد الكوفة شمال المدينة لافتات كتب عليها "كلا كلا استبداد، كلا كلا للطغيان، نعم نعم للبحرين".

وقال المتحدث باسم التيار الصدري صلاح العبيدي ان "تظاهرتنا هي للتعبير عن دعمنا لشعب البحرين وشجبا ورفضنا لما يتعرض له اخواننا في البحرين".

وفي الناصرية، تظاهر المئات في ساحة الحبوبي وسط المدينة، ورفعوا لافتات كتب على احداها "نطالب بنقل حكام ال خليفة وال سعود الى محكمة العدل الدولية"، وهتفوا " كلا كلا امريكا.. كلا كلا اسرائيل..كلا كلا ال خليفة". وتظاهر المئات ايضا في وسط الحلة وفي الديوانية وفي العمارة حيث هتف المتظاهرون "الموت لاعداء الاسلام".

وقال محمد الزركاني احد رموز التيار الصدري في العمارة "نرفض الافعال الجبانة واعمال العنف التي تقوم بها سلطات البحرين التي تستهدف العوائل والنساء واخواننا المسلمين هناك".

يذكر ان وزارة الخارجية البحرينية نددت في 30 كانون الثاني/يناير بتصريحات مسؤولين ورجال دين عراقيين حول احداث البحرين، وخصوصا منهم مقتدى الصدر، واعتبرتها "تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين". ودعت المنامة الحكومة العراقية التي يسيطر عليها الشيعة الى تحمل "المسؤولية الكاملة تجاه هذه التصريحات التي تمس سيادة مملكة البحرين واستقرارها".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/آذار/2012 - 18/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م