الخطوات العملية المطلوبة لتحسين البيئة عالميا

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: مع الزيادة المتصاعدة على نحو متسارع في السكان، تكون الارض معرضة لنقصان متسارع ايضا في الموارد، وهو أمر ينبغي أن يدرسه الانسان المعاصر بعناية، وفقا للمسؤولية الملقاة على عاتقه حيال الاجيال القادمة، إذ أن سكان الارض يستهلكون مواردها على نحو غير مدروس، والدليل هذه الاضرار البالغة التي تلحق بالبيئة عالما، والاسباب واضحة وجلية للجميع، حيث الصناعات والتنافس المتواصل على تحقيق الارباح وصنع العالم المادي الافضل، دوافع اساسية تمضي بالبشرية الى مصير مجهول.

الاسراف وتراكم النفايات

من أسباب الاستنزاف العشوائي لموارد الارض، عدم تنظيم الاستهلاك البشري بالصورة التي تحافظ على ثروات الارض وما يختبئ في بطونها من كنوز معدنية او سواها، ناهيك عن المخلفات التي تتركها الاستخدامات الخاطئة للموارد، الامر الذي يعود بأخطار كبيرة على البيئة العالمية، فحين تسعى دول العالم الى تحسين مداخيلها القومية عبر التصنيع والانتاج في عموم ميادين الصناعة، فإنها في الغالب لا تحسب الاضرار الناتجة عن طبيعة الاستهلاك الخاطئ لهذا المنتج او ذاك، وما يخلفه من نفايات او مخلفات اخرى تضر بالبيئة، ولعل الاسراف في الاستهلاك يقف في المقدمة من الاساليب البشرية الخاطئة.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه الثمين الموسوم بـ (الفقه: البيئة) بهذا الخصوص: (لقد سبب الإسراف في الاستهلاك إلى تراكم النفايات لتسارع عمليّات الإنتاج والاستهلاك، ففي أمريكا يطرح الفرد من الفضلات بما يساوي وزنه عشرين مرّة وزن الفرد في السنة. وفي فرنسا يطرح سنوياً 750 ألف سيّارة و500 ألف متر مكعّب من الأجهزة المنـزلية العاطلة. ولأجل القضاء على الإسراف في الاستهلاك، لابدّ من إعادة استخدام المواد ودورتها).

لذا فإن الاستخدام الرديء لموارد الارض يؤدي الى اضرار قد لا تكون واضحة المعالم في البداية، لكنها ستظهر بقوة مع التقادم الزمني، بحيث تؤدي كثير من الصناعات الى نشر انواع متعددة من التلوث الذي يطول أهم مقومات الحياة البشرية فوق الارض، حيث ينتشر التلوث في عناصر الحياة الاساسية، بأفعال مسبقة من لدن الانسان الذي بات في العقود الاخيرة يتعامل عشوائيا مع موارد الارض، يدفعه في ذلك حب المال والثراء على حساب الآخرين من الحاضرين أو القادمين من الاجيال اللاحقة، ناهيك عن تدخل عوامل التلوث في الكثير من مجالات الحياة البشرية، لذا يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: لقد (اتضح لنا بعد تبيين عوامل التلوّث: أن لتلوّث المياه، وتلوّث التراب، وتلوث الهواء، أهمية وخطورة في هذا الموضوع الذي أصبح يتدخل في حياة البشرية، ويضرّها ضرراً بالغاً فأصبح للتلوث تأثير على مختلف مرافق الحياة. أصبح يحدد عمر الإنسان. وأصبح يحدد له طعامه. وأصبح يحدد له نوع الموت الذي يموت فيه. وأصبح يتدخل حتى في ساعات الراحة والاستجمام).

ضرورة العودة للقانون الالهي

من لابد لنا من العودة الى مسار الحكمة والعقل، لاسيما فيما يتعلق بطبيعة الاستهلاك ونوعه وطرائقه، وأهمية مكافحة الاسراف على نحو منظم ومخطط له بوضوح، مع تحقيق مبدأ الإلزام في التطبيق على الصعيد الدولي، على أننا نجد في اتباع القانون الالهي حلا مثاليا لهذه المشكلة الكبيرة التي تهدد حاضر ومستقبل الانسان في كوكب الارض، لهذا يقترح الامام الشيرازي بعض المعالجات السهلة والواضحة، فيقول الامام في هذا الصدد: (يجب القضاء على الإسراف عبر تعديل أنماط الاستهلاك وتعديل النظام الاقتصادي بحيث لا يكون استهلاك الموارد على حساب الأجيال القادمة ويجب اتّباع القانون الإلهي العام من: إنّ فضلات أحد الكائنات الحيّة هي أسباب حياة كائن حيّ آخر. وهذا القانون لو طبّق، فإنّه يساهم بدور فعال في إيجاد مورد غذائي للحيوانات والنباتات).

إن معضلة البيئة قد لا تبدو واضحة المعالم لمن لا يهتم بها او لا يعبأ بمراقبة سلبياتها واضرارها كونها خارج اختصاصه او اهتماماته، لكن في كل الاحوال هناك مسؤولية جماعية واخرى فردية، وهناك مسؤولية رسمية واخرى أهلية، بمعنى لابد من تعاضد الجميع في وضع الحلول الصحيحة لمعالجة اضرار البيئة، وطرائق استثمار الموارد الارضية المتاحة.

مكافحة التلوث البيئي

هنا يقترح الامام الشيرازي خطوات عملية واضحة وسهلة التطبيق، فيما لو قرر المعنيون في المجتمع الدولي، حكومات او مؤسسات او شخصيات يعنيها أمر البيئة، معالجة المخلفات البشرية التي تلحق أضرارا بالغة بالبيئة، ويضع الامام الشيرازي هذه الخطوات في تصور بالغ الوضوح لمن ينوي القيام بما يجب في هذا المجال، سواءً كان جهدا دوليا او محليا، بل حتى على مستوى الجماعات الصغيرة والافراد، إذ يرى الامام بهذا الخصوص ما يلي: (يبدأ الحل أولاً بالوعي. لابدّ أن تعي البشرية خطورة التلوّث، وعليها الالتزام بالقوانين والسنن التي سنّها الله في الكون والتي أوصلها إلينا عبر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف بالشكل الأشمل والأكمل).

ويؤكد الامام الشيرازي في الخطوة الثانية على اهمية الحزم في معالجة قضية التلوث قائلا: (ثم بعد ذلك تأتي الخطوة الثانية وهي الوقوف وقفة حازمة وقوية أمام المشاريع والفعاليات التي تنتج التلوّث. وهذه الخطوة تتوقف علـى مقدار ما تبديه البشرية من تعاون وتآزر لوقف هذه المشاريع الخطرة). ويضيف الامام قائلا:

أما (الخطوة الثالثة فتقع مسؤوليّتهـا أيضاً علـى هيئة الأمم المتحدة وهي إصدار قانون دولي لحماية البيئة، ويكون هذا القانون إلزامياً بحيث تدعمه قوة تعمل على الحفاظ عليـه كما تقـوم القوات الدوليـة بتطبيق قرارات الأمم المتحدة).

ويأتي في الخطوة الرابعة دور المكافحة الفعالة لأنواع التلوث ومصادرها المختلفة، بغض النظر عن كونها دولة او شركة أو فردا وما الى ذلك، فيقول الامام الشيرازي في هذه الخطوة: أما (الخطوة الرابعة فتتمثل بمكافحـة جذور التلـوث سواء كان مصدره دولة أو مصنعاً أو شركة أو فرداً. فمن مسؤولية المجتمع الدولي ـ حكومات وهيئات دولية ـ مقاومة أية دولة أو جماعة أو مؤسسـة تقـوم بتلويث البيئـة، وبذلك وبالعمل بآيات الكتاب الحيوية: استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم.-1-، كما قـال تعالى، ستستطيع البشرية مواجهة مخاطر هذه الظاهرة التي باتت عالمية، تقضّ مضاجع البشرية جمعاء).

.............................................................

هامش:

1 ـ سورة الأنفال: الآية 24.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/آذار/2012 - 18/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م