افلام سينمائية تتجول في مدن الترانزيت برفقة ساحرات غومباغا

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: السينما نتاج للمجتمعات، وغالبا ما تعبر في سياق افلامها وتقاريرها المصورة عن واقع يلامس ابرز قضايا تلك المجتمعات سواء على مستوى النقد والاصلاح او المدح والطموح، سيما وان المزيد من المسؤولية تقع على عاتق صناع السينما في الوقت الحاضر لما لها من دور متنامي في التأثير والتغيير على مستوى الرأي العام.

وتعاني السينما في كثير من البلدان، من الضغوط المتزايدة للرقابة الحكومية وتقييد الحريات في اظهار ما يرغب اظهاره السيناريو والنص الخاص بالفلم وحذف الكثير من المشاهد التي يرفضها المراقبون الحكوميون، اضافة الى قوة المنافسة والفرق التقني الكبير بين السينما الغربية المتطورة وصاحبة الخبرة والامكانية العملاقة وبين مثيلاتها في الدول النامية والبلدان العربية على وجه التحديد، الامر الذي قد يعود بالسلب على امكانية احداث الفرق بالنسبة للأخيرة، خصوصاً اذا تعلق الامر بفرض الاجندات والافكار الغربية على حساب الكثير من القضايا العربية كقضية الشعب الفلسطيني على سبيل المثال.   

مدن ترانزيت

اذ يسلط الفيلم الاردني "مدن ترانزيت" الذي يعرض للمرة الاولى في عمان حكاية امرأة اردنية تعود من الولايات المتحدة الى بلدها عقب انفصالها عن زوجها بعد غياب دام 14 عاما لتصطدم حياتها بتغير المجتمع الأردني، وتدور احداث الفيلم حول عودة ليلى كامل عبدالحميد (36 عاما)، الى مدينتها عمان في محاولة لاستعادة حياتها السابقة الى جوار اسرتها، لكن حياتها في الخارج ابعدت عينيها عن رؤية التحول الكبير الذي أصاب بلدتها البسيطة سابقا، فتصدم بالواقع الجديد وتنهال عليها التوترات والضغوطات من كل جانب، وتكتشف أن كل شيء قد تغير، الناس، العادات، طريقة العيش، المدينة التي ترعرعت فيها وحتى احوال اسرتها ووالدها الذي طالما احبها، نتيجة تحولات الواقع، ويصور الفيلم (71 دقيقة) وهو اول فيلم روائي طويل للمخرج الاردني الشاب محمد الحشكي مواقف يومية تواجهها ليلى بدءا من فقدان حقائبها في المطار مرورا بمحاولتها العبثية البحث عن عمل وانتهاء بشعورها بالضياع وعدم التواصل مع اهلها ومجتمعها الذي تحول الى جزء من عولمة دينية، ويتطرق الفيلم لموضوع الحجاب وحرية المرأة والعولمة والغلاء، كما يظهر كيف ان هناك اشخاصا يرفضون هذا التغيير ويعيشون على وقع ذكريات الماضي عندما يسلط الضوء على حياة خالة ليلى التي تعيش في شقتها شبه معزولة عن العالم تتابع الافلام العربية القديمة وتحفظ اغانيها عن ظهر قلب وترفض الخروج، والفيلم من بطولة صبا مبارك ومحمد القباني وشفيقة الطل واشرف فرح وهيفاء الآغا والتأليف لكاتب السيناريو احمد أمين وشارك في كتابة الفيلم المخرج محمد الحشكي، واعقب عرض الفيلم في المركز الثقافي الملكي وسط عمان جلسة النقاش شارك فيها المخرج وبطلة الفيلم مع الجمهور الذي حضر بالمئات وغصت بهم صالة العرض ووقف وصفق طويلا للفيلم، وقال الحشكي الذي يعد الفيلم ك"أكبر حدث" في حياته والذي سبق وان اخرج افلام قصيرة ووثائقية "لقد أرقني كيف يشعر الانسان انه غريب في بلده، وكيف تغيرت العادات والتقاليد، وكيف اصبح الناس غريبين ومعقدين جدا الى هذا الحد، وكيف اصبحنا مرتبطين ببعضنا البعض عبر الانترنت والموبايل وغيرها من اجهزة الاتصال الحديثة". بحسب فرانس برس.

واضاف "عندما يغيب شخص ما عن بلد لفترة طويلة فأنه حالما يشعر بالتغيير، وهذا ما حصل لبطلة الفيلم ليلى، فقد شعرت بعد عودتها وحيدة وكأنها بدون وطن وان عمان لم تعد كالسابق، فهناك عمارات كثيرة وعالية وسيارات حديثة كالبورش ومطاعم مكدونالدز ربما اكثر مما هو موجود في مدينة شيكاغو" في الولايات المتحدة، وتابع "لم اصدر احكاما وحاولت ان ابتعد عن توجيه رسالة، ليس هنا صح وخطأ، لكن حاولت التطرق الى الاشياء بأسمائها وان لا استخف بالامور الموجودة في بلدنا"، ويتميز "مدن الترانزيت" الذي يبرز واقع التحولات التي طرأت على الاردن خلال العقود القليلة الماضية بالبساطة وموسيقاه الجميلة، ورغم انه صور خلال ثمانية ايام الا انه نجح في رصد الواقع بطريقة صادقة، وتقول صبا مبارك ان "الفيلم يعد من الافلام الاردنية الهامة، وهو قريب من مشاكل المجتمع الاردني، ويلقي الضوء على مشاكل لا احد يتجرأ الحديث فيها"، وتضيف ان "المجتمع العربي تغير تغييرات كبيرة خلال العقود الماضية وفي كل شيء، وحصل انفتاح ثقافي"، وتابعت "كان هناك اماكن مكركبة فيها الكثير من الغبار، كان المطلوب منا كنسها ورفعها وعدم وضعها تحت السجاد، لقد القينا الضوء على هذه الاشياء ولم ندفن رأسنا بالرمال"، واوضحت مبارك ان "الفيلم ورغم تكاليفه القليلة وتصويره بوقت قياسي الا انه اثبت ان هناك سينمائيين اردنيين جادين وان هناك امكانيات واعدة"، مشيرة الى ان "كل ما نحتاجه هو الدعم كي تنطلق السينما الاردنية بعد ان عانينا من مرحلة فراغ في صناعة السينما الاردنية"، وشارك الفيلم وهو من انتاج العام 2010 في العديد من المهرجانات الدولية، وحاز جائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة الاتحاد الدولي لنقاد الأفلام (فيبرسكي) في مهرجان دبي السينمائي الدولي في عام 2010 كما حصل على جائزة الرئيس الأولى في مهرجان حوار الثقافات السينمائي الدولي في نيويورك، والفيلم نتاج ورشة تدريبية في الهيئة الملكية الاردنية للافلام التي تعمل على تطوير مهارات الشباب واجراء دورات تدريبية لهم.

سينمائيو غزة ورقابة حماس

فيما يقول الكاتب والمخرج الفلسطيني سويلم العبسي ان "السينما في غزة عبارة عن حفر بالاصابع في الصخر"، ولا تقتصر هذه الشكاوى من العاملين في صناعة السينما في قطاع غزة على نقص التمويل والمعدات والاستديوهات، وبعد مرور أربعة اعوام على حكم حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) تنهك الرقابة على الثقافية صناعة الافلام المحلية الواهنة، وفي ظل مواجهتها مع اسرائيل ومنافستها لحركة فتح في الضفة الغربية تضخ حماس منذ فترة طويلة استثمارات في الاخبار التلفزيونية وعلى شبكة الانترنت والبرامج التعليمية بل والرسوم المتحركة التي تروج لارائها السياسية، لكن فنانين مستقلين يقولون ان وزارة الثقافة في غزة حيث يجب ان تتم الموافقة على المشاريع قبل عرضها العام تسارع الى اتخاذ اجراءات صارمة مع المحتوى الذي لا يتفق مع معايير حماس، وكان هذا هو الوضع مع فيلم (ماشو ماتوك) (شيء حلو) وهو فيلم قصير اخرجه خليل المزين عام 2010 ويرصد التفاعل بين جنود اسرائيليين وأطفال فلسطينيين يلعبون كرة القدم في قطاع غزة حين كان محتل، وعلى الرغم من مشاركة الفيلم في مهرجان كان السينمائي فان حركة حماس منعت عرضه محليا وقالت ان هذا بسبب مشهد مدته أربع ثوان يتابع فيه جنود اسرائيليون باعجاب امرأة فلسطينية جميلة تمر من امامهم وشعرها مكشوف. بحسب رويترز.

وقال مصطفى الصواف وكيل مساعد وزارة الثقافة الفلسطينية في حكومة حماس بغزة ان المشهد "محشور على النص"، وأضاف "الفتاة كانت تتمايل وتضحك للجنود الاسرائيليين وهذا غير لائق، النساء الفلسطينيات لا يفعلن ذلك"، ووصف الصواف تدخل الوزارة في الاعمال السينمائية والتلفزيونية بأنه محدود، ويبدو أن جانبا كبيرا من الخلاف ينبع من أن أحداث الفيلم التي تجري في السبعينات تظهر امرأة غير محجبة وهو مشهد نادر في غزة الان، وفي حين أن الرقابة شائعة في المجتمعات العربية والاسلامية فان بعض الفلسطينيين يعتبرون أن الرقابة التي تفرضها حماس مبالغ فيها نتيجة جهودها لفرض النظام في القطاع الذي يقع بين اسرائيل ومصر والبحر المتوسط، وقال احمد ابو ناصر (23 عاما) الذي ساعد هو ومحمد توأمه وشريكه الفني المزين في فيلم ماشو ماتوك "هناك رقابة صارمة. مش من العدل ان يمنع فيلم لمجرد وجود مشهد لفتاة مظهرة شعرها"، ومظهر الشقيقين غريب على المجتمع الفلسطيني اذ يطيلان شعرهما ويدخنان الغليون، ولا توجد دور للعرض السينمائي في غزة، وكانت هناك ثلاث دور للعرض قبل أن تسحب اسرائيل جنودها ومستوطنيها عام 2005 غير أنها أحرقت خلال أحداث الاقتتال الفلسطيني الداخلي. وتنتشر اجهزة التلفزيون المتصلة بالاطباق التي تستقبل ارسال القنوات الفضائية في كل مكان. لكن لا توجد أماكن عامة للعرض.

ووقع مهرجان للفيلم استضافه مركز شؤون المرأة في غزة تحت طائلة مسؤولي الرقابة في حماس، وشمل المهرجان افلاما وثائقية وروائية عن قضايا المرأة من مصر ولبنان وتونس والمكسيك، ويقول العبسي ان جميعها وقعت تحت "مقص" وزارة الثقافة، وأضاف "ما شاهدته يدمي العين، بتر.. بتر.. بتر"، وتم حذف مشهد من فيلم تظهر فيه امرأة تتحدث الى حبيبها من الشرفة وقد أنزلت أحد كتفي فستانها. وفي فيلم اخر تم حذف تقريع محمل بالالفاظ البذيئة من زوج لزوجته، ووصف الصواف وكيل مساعد وزارة الثقافة الرقابة بأنها توافقية قائلا ان الافلام التي قدمت لفحصها قبل مهرجان مركز شؤون المرأة أعيدت مصحوبة بتعليقات للمخرجين، وقال "ما خالف القيم يجب أن يكون لنا موقف منه لاننا نريد أن نحافظ على موروث المجتمع".

"هلأ لوين" وعبثية الحرب اللبنانية

الى ذلك وفي بيروت عرض في وقت سابق فيلم "هلأ لوين" للمخرجة اللبنانية نادين لبكي، وهو فيلم يركز بحسب المخرجة على ابراز "عبثية الحرب" الأهلية التي شهدها لبنان بين العامين 1975 و1990، لكن لبكي تخوفت من ان تثير بعض مشاهد في الفيلم حفيظة "بعض الجهات المتعصبة دينيا"، رغم عدم اعتراض أجهزة الرقابة الرسمية على أي منه، وتناول "هلأ لوين" قصة صديقات مسيحيات ومسلمات من قرية لبنانية واحدة، يتجاور فيها المسجد مع الكنيسة، يحاولن بكل الوسائل منع تجدد الحرب في قريتهن، وتسعى الصديقات بطرق مبتكرة الى ابعاد الانقسامات الدينية عن القرية، لكي يدفن أهلها خلافاتهم الطائفية ولا يحملوا السلاح مجددا بعضهم ضد بعض، واعربت لبكي امام جمهور من الصحافيين في سينما "امبير صوفيل"، عن سعادتها الكبيرة بعرض فيلمها للمرة الاولى في لبنان، بعد أن عرض ضمن عروض "نظرة ما" في إطار الدورة الرابعة والستين لمهرجان "كان" الفرنسي، ونال الفيلم "جائزة فرنسوا شاليه 2011" في فئة "أفضل فيلم روائي طويل"، بالإضافة إلى "تنويه" من لجنة تحكيم جائزة أوكومينيك"، وتؤدي لبكي دورا تمثيليا ايضا في فيلمها، الى جانب عدد من الممثلين معظمهم من غير المحترفين، تماما كما في فيلمها الروائي الأول "سكر بنات"، واذ املت لبكي في ان يحب الجمهور اللبناني الفيلم، لاحظت أن "ثمة احداث مؤسفة دفعت بالناس في لبنان الى حمل السلاح والنزول الى الشارع"، وقالت "هذا الامر جعلنا، رودني حداد وجهاد حجيلي وأنا، نكتب هذا الفيلم، ربما لو لم اكن اما ولم يكن لدي شعور الامومة، لما كنت عالجت هذا الموضوع، ولما اصريت على معالجته وبهذه الطريقة". بحسب فرانس برس.

وأضافت "ربما لن يغير هذا الفيلم شيئا، لكني آمل في ان يجعلنا نفكر قليلا بعبثية الحرب، والناس الذين تركونا"، وأكدت لبكي أن الفيلم مر على الدوائر الحكومية المختصة بالرقابة ولم يواجه أي اعتراض، وقالت "بالفعل كانت الرقابة متعاونة كثيرا، لكني قد اخشى من ردات فعل بعض الجهات المتعصبة دينيا على بعض المشاهد"، وغالبا ما كانت أجهزة الرقابة في لبنان تقتطع مشاهد من الافلام التي تعالج مواضيع سياسية أو تتطرق الى مسائل طائفية حساسة أو لا تجيز عرضها، خشية تسببها ب"اثارة النعرات الطائفية"، بحسب التبرير الذي يعطى عادة لمثل هذه الاجراءات، من جهته قال رودني حداد الذي شارك في كتابة سيناريو "هلأ لوين"، "افضل ما يمكن أن يحدث للفيلم هو ان يثير جدل، لان الفيلم اصلا قائم على فكرة جدلية"، واضاف "ما يميز السيناريو هو أننا نكتب كما نتكلم، بعيدا من الثرثرة"، ورأى حداد أن "هلأ لوين" "قد يستفز المشاهد ويصدمه قليلا، والجانب السياسي موجود فيه بدرجة أكبر" من "سكر بنات"، فيلم لبكي الروائي الأول.

وحاز فيلم "هلأ لوين" جائزة الجمهور في مهرجان تورونتو الدولي للفيلم وهي اعلى جائزة في المهرجان، والفيلم الذي عرض في فئة "نظرة ما" في مهرجان كان في ايار/مايو الماضي هو الفيلم الطويل الثاني لنادين لبكي بعد "سكر بنات" الذي عرف نجاحا كبيرا في العام 2007، ونال الفيلم في كان "جائزة فرنسوا شاليه 2011" في فئة "أفضل فيلم روائي طويل"، بالإضافة إلى "تنويه" من لجنة تحكيم جائزة أوكومينيك"، وكان فيلما "انفصال" للايراني اصغر فرهادي و"ستاربك" للمخرج كين سكوت يتنافسان ايضا للفوز بهذه الجائزة، ومنح الجمهور جائزة افضل فيلم وثائقي الى "ذا ايلاند بريزيدانت" للبريطاني جون شينك وهو وثائقي يتناول معركة رئيس جزر المالديف محمد نشيد ضد التغير المناخي، وقد اتى الرجلان معا الى تورونتو لتقديم الوثائقي للفت انتباه العالم الى مصير 1200 جزيرة يتألف منها ارخبيل المالديف مهددة بان تغمرها مياه البحر، وقال الرئيس "نظرا الى خطورة الوضع وبما ان وسائلنا محدودة اعتبرت ان هذا الفيلم سيساعدني على تمرير رسالتي"، اما جون شينك الذي اخرج فيلما وثائقيا ملفتا العام 2003 بعنوان "لوست بويز اوف سودان"، فاعتبر ان فيلمه الاخير يتناول الى جانب التغير المناخي، احلال الديموقراطية في هذا البلد المسلم بالكامل، ومهرجان تورونتو للفيلم وهو الاكبر في اميركا الشمالية يعتبر حدثا اساسيا لجوائز الاوسكار اذ ان وسائل الاعلام الاميركية الشمالية تتابعه بشكل كبير، وخلافا لمهرجاني كان وبرلين مثلا لا يمنح المهرجان جائزة تقررها لجنة تحكيم، فالعام الماضي فاز فيلم "ذا كينغ سبيتش" حول قصة الملك جورج السادس الذي تغلب على مشكلة تأتاة ليتولى دوره كاملا ملكا لانكلترا خلال الحرب لعالمية الثانية، بجائزة الجمهور في مهرجان تورونتو، وقد حاز الفيلم بعدها ما مجموعه اربع جوائز اوسكار في الدورة الثالثة والثمانين لاعرق الجوائز السينمائية في لعالم، وسجل مهرجان تورونتو هذه السنة قفزة في مبيعات الافلام، وقد تابع المهرجان نحو اربعة الاف طرف شار اي 20 % اكثر من العام الماضي، وقد بيع اكثر من 35 فيلما لتوزيعها في اميركا الشمالية واوروبا والشرق الاوسط واسيا واميركا الجنوبية واسترالي، ويتوقع المنظمون الاعلان عن مبيعات جديدة خلال الايام المقبلة، وقال كامرون بايلي احد مدراء المهرجان "مع ان السوق تبقى حذرة فان الاطراف الشارية وقعت على خيار واسع من الافلام في تورونتو"، واوضح "نتوقع ان نشهد في الايام او الاسابيع المقبلة الاعلان عن مبيعات جديدة في تورونتو".

السينما الصينية

في سياق متصل إذا كان العالم بأجمعه يألف جوائز الأوسكار الأميركية للسينما، فإن الأمر يختلف بالنسبة إلى جوائز الديك الذهبي التي تعتبر مرادفا لها في الصين حيث يصبو الفن السابع إلى توسيع نطاقه، لكنه وحتى الساعة، لا يمكن مقارنته بهوليوود، ومؤخراً، تبنى القادة الصينيون توجها يهدف إلى توسيع رقعة "نفوذ" الثقافة الصينية خلال انعقاد جلسة مكتملة النصاب للحزب الشيوعي الحاكم، وبشكل أكثر دقة، التزمت ثاني اقتصاديات العالم بـ"حماية أمنها الثقافي" وبرفع "قوتها اللينة" أي قدرتها على التأثير من خلال وسائل غير قسرية، والثقافة مثال، لكن في ما يتعلق بالسينما، يبقى "الإشعاع" العالمي للصين محدودا جدا، كما هي حال السوق الصينية المفتوحة بشكل محدود جدا أمام الأعمال الفنية الأجنبية، ولعل أبرز ما يشهد على ذلك هو اللامبالاة التي تحيط بجوائز "الديك الذهبي" التي تمنحها سنويا الجمعية الصينية للسينما منذ العام 1981، وبالنسبة إلى مخرجي الأفلام الطويلة والقصيرة، فإن القيود التي تفرضها الدعاية السياسية للحزب الحاكم والرقابة تشكل عقبات أساسية واجب تخطيها، خصوصا إذا ما كان الهدف منافسة الانتاجات الهوليوودية الضخمة، ويشدد الناقد الثقافي زو ليمينغ على أنه "ليس بإمكانكم فرض قيود على الفنانين وجعلهم يتنافسون كلاعبين رياضيين، والثقافة ليست متراصة، أحادية، لا بد أن تكون متنوعة". بحسب فرانس برس.

ومؤخرا، أخرج تشين دامينغ نسخة صينية للفيلم الهوليوودي الكوميدي "وات ويمن وانت" (ماذا تريد النساء)، هو يؤكد أن الرقابة تعيق السينمائيين في ما يتعلق بإخراج مروحة واسعة من الأفلام المعاصرة، وعلى سبيل المثال لا تسمح الرقابة بتصوير تضادا قويا مثلا يأتي ضروريا في الأفلام البوليسية، بحسب ما يقول، ويضيف "من دون شخصية سيئة شريرة، لا دور للشخصية اللطيفة حسنة السلوك"، وحتى الأفلام التي تنجح في الصالات السينمائية الصينية حيث شباك التذاكر حقق قفزة كبيرة بنسبة 64% في العام 2010 مع أرباح بقيمة 1،5 مليار دولار، تشقى لنقل تجربتها إلى الخارج، فهي تواجه من دون شك عقبات الترجمة، لكن هناك أفلام غالبا ما تتعثر قبل ذلك، إذ لا تحظى بفرصة لعرضه، وعلى سبيل المثال فيلم "ليت ذي بوليتس فلاي" (فلتدع الرصاصات تطير) وهو فيلم عن عصابات عشرينات القرن الماضي من إخراج جيانغ وين، وتمكن الفيلم من العثور على موزع أميركي له في الربيع الماضي، إلا أنه لم يعرض بعد في الولايات المتحدة.

ولم تحقق الأفلام الصينية نجاحا يذكر في الولايات المتحدة منذ حصل فيلم الفنون القتالية "كراوتشينغ تايغر أند هيدن دراغون"، على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي في العام 2001.وفي العام 2003، تم ترشيح زانغ ييمو وفيلمه "هيرو" في الفئة نفسها، لكنه لم ينل الجائزة، وهذا الفيلم الذي أعد مع أبرز نجوم السينما الصينية (دجيت لي وماغي شونغ وطوني ليونغ) يبقى أفضل نجاح صيني في الخارج، من جهة أخرى، تأتي أفلام هولييود أكثر ربحية بمرتين في السوق الداخلي مقارنة مع الإنتاجات المحلية الصينية، وعلى سبيل المثال، "صوت" الجمهور الصيني لصالح "أفاتار" من خلال مجموع بطاقات بيعت متخطية 200 مليون دولار، كذلك حقق "كونغ فو باندا 2" نجاحا كبير، لكن يبقى أن بعض المخرجين الصينيين يعتقدون بأنهم يستطيعون العمل في ظل النظام التقييدي في بلادهم، ويقول إيفي زونغ القيم على مؤسسة الإنتاج الخاصة "بيجينغ غالوبينغ هورس"، أن "الحكومة تستخدم الثقافة كمحدد لما هو جيد وما هو سيء، للأفلام أثرها الفعال ولا بد من أن نرشد (المشاهدين) إلى الطريق الصحيح".

شارع هوفلين

بدوره يعتبر فيلم "شارع هوفلين" الذي انطلقت عروضه في الصالات اللبنانية في 17 تشرين الثاني/نوفمبر، اول فيلم عن مرحلة نضال الطلاب الناشطين سياسيا ضد النفوذ السوري في لبنان في الأعوام التي سبقت انسحاب القوات السورية منه العام 2005، ويتناول الفيلم يوميات سبعة طلاب جامعيين، ويركز في اطار درامي اجتماعي، على نشاطهم السياسي ضد الوجود السوري في لبنان الذي استمر قرابة الثلاثين عام، وقد تم تصوير "شارع هوفلين" في ربيع 2009 في الشارع الذي يحمل الاسم نفسه في بيروت، حيث حرم جامعة القديس يوسف، وكتب قصته مارون نصار في حين تولى اخراجه الممثل والمخرج اللبناني منير معاصري، واختيرت مجموعة الممثلين الشباب السبعة الذين يشكلون فريق الطلاب، من بين 1500 متقدم. ومن بينهم روبير كريمونا وشربل كامل وكارمن بصيبص وجيمي كيروز وستيفاني حداد ووائل مرقص وانطوني عازار، ووضع موسيقى الفيلم المؤلف الموسيقي الشاب كريستوفر سلاسكي، ويؤدي جيمي كيروز (24 عاما) دور واحد من الطلاب "الذين يحاولون ان يناضلوا وان يتأقلموا وان يعيشوا بطريقة طبيعية في وضع غير طبيعي"، على ما يقول، ويضيف "هذا الطالب نموذج من شخصيات المجتمع، انه شاب وسيم وذكي مغرم بزميلته، ويحاول ان يستفيد من الصفات التي يملكها لصالحه ولصالح قضيته". بحسب فرانس برس.

اما شربل كامل (24 عاما)، فيؤدي دور صحافي متدرب ومصور، متأثر سياسيا باليسار، يكتب الخطابات لنفسه ولرفاقه، وهمه ان يصل الى طموحه، وهو يتعرض للتعذيب في المشهد الاول من الفيلم، ويقول كريم طالب، احد المساهمين في انتاج الفيلم، إن فكرة الفيلم حفزته على المشاركة في العمل. ويضيف "انه فيلم شبابي يتطرق الى مرحلة شهدها لبنان، ولم نر بعد اعمالا سينمائية او ادبية او وثائقية تتناول هذه المرحلة"، ويعتبر طالب ان "بعض اللقطات الارشيفية المستخدمة في الفيلم موجودة لتثبت حقيقة الواقع، ويمكن ان نصفها قليلا بالوثائقية"، ويشرح كريم طالب ان علاقة الفيلم بالرقابة اللبنانية بدأت "منذ السماح بتصوير الفيلم"، ويضيف "عدل قليلا في السيناريو في الامور المتعلقة بالدين واللغة والسياسة، والمرحلة الاصعب كانت مرحلة المفاوضات الطويلة للسماح بعرضه في لبنان، بعدها وصلنا الى تسوية مع الرقابة بحذف بعض المشاهد التي وصفت بالحساسة، يا للأسف، نحن غير مستعدين بعد ان نتقبل تاريخنا ونأخذ الامور بالفعل كما جرت"، ويعترف كريم طالب "أي فيلم لبناني يتطرق الى السياسة، يسعى الى أن يراعي التوازن الديني والطائفي، وأن يعطي صورة عن انسجام اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم الطائفية، لكن شارع هوفلين لا يقع في هذه الكليشيهات، اذ اراد ان يظهر الصورة الحقيقية والواقعية للحياة في لبنان".

وردا على سؤال عما اذا كان الفيلم سيشعل الجدل السياسي، يرد "لا يسعى الفيلم الى ان يثبت شيئا لكنه يصور الشباب اللبناني في حياته الاجتماعية ونضاله التاريخي من اجل الحرية"، ويعتبر كريم طالب ان "معالجة هذه المرحلة من تاريخ لبنان المعاصر او اي موضوع واقعي وحقيقي ينبغي ان يكون امرا طبيعيا في السينما اللبنانية"، ويقول "بواسطة السينما يمكن للبنانيين ان يكونوا اكثر شفافية وصدقا في ما بينهم، مما يساعدهم على بناء مجتمع صحي اكثر"، ولا يستبعد كريم طالب أن يحظى الفيلم باقبال شعبي لأن "الفكرة التي تتعلق بقمع الحرية، تلامس الكثير من الناس"، ويقول كيروز في هذا الصدد "فكرة الفيلم جميلة، أصحابه لا يعملون في مجال السينما، لكنهم حلموا، ورأوا بعيدا. كان المشروع بمثابة هواية وكل خطوة قاموا بها كانت بمثابة انجاز بذاته".

سيرة سجينة رانغون

من جهته يكرم المخرج الفرنسي لوك بيسون المعارضة البورمية آونغ سان سو تشي الحائزة جائزة نوبل للسلام عام 1991، في فيلم يحمل عنوان "ذي ليدي" (السيدة) تؤدي فيه ميشيل يووه دور البطلة التي ضحت بسعادتها الشخصية من أجل قناعاته، وقد اختصر بيسون قدر "سجينة رانغون" الذي فرض عليها مجلس الحكم العسكري الإقامة الجبرية حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2010، في أكثر من ساعتين من الزمن ترسم سريعا خفايا السياسة البورمية ليركز على الحكاية في التاريخ، حكاية سو تشي وزوجها البريطاني مايكل آريس وابنيها كيم وألكسندر، لم تتمكن آونغ سان سو تشي من رؤية مايكل الذي توفي على اثر إصابته بسرطان البروستات في بريطانيا، في حين أن مجلس الحكم العسكري كان يحثها على التوجه إلى أوروبا لتكون إلى جانب زوجه، هي رفضت السفر لأنها كانت واثقة من أنها لن تتمكن من العودة إلى البلاد، فتوفي مايكل المتخصص بشؤون التيبت لدى جامعة أكسفورد، في العام 1999 بعيدا عنه، ويقول بيسون "كان ذلك، الثمن الواجب تسديده، آلاف الأشخاص يقدمون حياتهم في سبيل وطنهم من دون أن يطرحوا أسئلة، فقط لأنهم يؤمنون بعدالة قضيتهم"، وتشدد ميشيل يووه من جهتها على أن "الحب الذي كان يربطها بزوجها مدها بقوة غير محدودة". بحسب فرانس برس.

و"داو سو" (كما يطلقون عليها محليا) ابنة الجنرال آونغ سان الزعيم المناضل في سبيل استقلال البلاد والذي ما زال مبجلا من قبل الشعب، كانت في الثانية من عمرها عندما اغتيل والدها. وعندما عادت إلى البلاد لتكون إلى جانب والدتها المريضة في العام 1998 بعدما كانت قد استقرت في أكسفورد، وجدت نفسها فجأة وقد سلمها مواطنوها الأمانة، وبعدما شهدت على التظاهرات المطالبة بالديموقراطية والتي قمعت بالعنف، قررت "ذي ليدي" البقاء في البلاد لتنطلق بكفاحها اللاعنفي على رأس حزب الرابطة الوطنية الديموقراطية، وخلال انتخابات العام 1990، تمكنت من توجيه صفعة إلى العسكريين، وكما هي الحال عادة في الأفلام الناجحة التي تسرد سيرة حياة ما، انتهى الأمر بصورة الممثلة ذات الأصول الماليزية ميشيل يووه بأن تتطابق كليا وصورة سو تشي، فقالت "عشت طوال 4 سنوات معها ليلا نهار، وهي ما زالت تتملك بي" بشخصيتها المتميزة، وكانت يووه قد عملت جاهدة لهذا الدور فخسرت وزنا وتعلمت اللغة البورمانية، كذلك، التقت الممثلة بآونغ سان سو تشي ليومين في رانغون مع اقتراب نهاية التصوير.

فأخبرت قائلة "حضنتني بين ذراعيها وأمسكت بيدي، وكانت تبدو ضعيفة لكنها كانت تبعث بقوة هائلة"، وكان لوك بيسون قد تمكن من تصوير جزء من ديكورات فيلمه في بورما بواسطة كاميرا صغيرة "منتحلا" صفة سائح، فيقول "صورت 17 ساعة من اللقطات، في حين كنت أتواجد أحيانا على بعد ثلاثة أمتار من أحد الجنود"، لكن الجزء الأساسي تم تصويره في تايلاند على مقربة من الحدودة مع بورما، مع عدد كبير من الممثلين الثانويين البورميين الذي أصروا على عدم إدراج أسمائهم في قائمة أسماء الممثلين، وخلال تقديمه للفيلم في أيلول/سبتمبر في تورونتو، أخبر بيسون أن "البعض أجهشوا بالبكاء متأثرين خلال عرض مشاهد اللقاءات لأنهم استمعوا إلى ما قالته سو تشي في باغودا شويداغون" (ذاك المعبد البوذي)، وأسر المخرج أن آونغ سان سو تشي "شكرته" لإنجازه هذا الفيلم الذي لا ترغب بمشاهدته في الوقت الراهن، لكن أحد ابنيها شاهده وقد "تأثر كثيرا به"، ويعود المخرج البالغ من العمر 52 عاما إلى عالم البالغين مع فيلم "ذي ليدي"، وذلك بعد سلسلة أفلام الصور المتحركة "آرتور" الثلاثة وفيلم "أديل بلن-سيك" الذي أرسله إلى سو تشي والذي "أضحكها كثيرا"، ويعترف بيسون أنه "بكى كثيرا" عند قراءة سيناريو "ذي ليدي" لكنه لم يتردد أبدا في الموافقة على إخراجه، فيقول مؤخرا في لوس أنجليس "عندما نرى هذه المرأة التي تناضل ليس من أجل السلطة ولا من أجل المال، بل في سبيل شعبها حتى يتمكن من الحصول على الغذاء والحرية، فهذا أمر مؤثر جدا".

استوديو بابلسبرغ وذكراه المئوية

من جهة اخرى استقبل استوديو "بابلسبرغ" الشهير في برلين وهو أقدم استوديوهات السينما في العالم، نجوما أوروبيين وآخرين من هوليوود احتفالا بالذكرى المئوية الأولى لتأسيسه، وصمد هذا الاستوديو في وجه النازية والشيوعية، وهو اليوم يستفيد من تاريخه ليجذب معجبين من أمثال كوينتن تارانتينو وليتقدم على الاستوديوهات المنافسة في لندن وبراغ وبودابست، وقد شهد "بابلسبرغ" على بدايات مارلين ديتريش في فيلم الخيال العلمي الشهير "ميتروبوليس" في العام 1926، وكذلك على انطلاقة ألفرد هيتشكوك الذي بدأ حياته المهنية كمخرج مساعد، وبعد 100 عام على تأسيسه (في 12 شباط/فبراير) يستعيد استوديو "بابلسبرغ" ماضيه المجيد، في حين يتطلع نحو مستقبل تتوالى فيه الإنتاجات الضخمة، وكشف المسؤول الإعلامي لدى استوديو "بابلسبرغ" ايك وولف خلال إحدى الزيارات أن "نجوم هوليوود يقولون يا له من تاريخ مجيد! يشرفنا أن نعمل هنا، من توم هانكس إلى تارانتينو الذي يعرف بالتأكيد جميع الأفلام التي أخرجت هنا". بحسب فرانس برس.

كما أنهى توم هانكس مؤخرا في هذا الاستوديو تصوير فيلم "كلاود أطلاس" المقتبس من رواية لديفيد ميتشيل مع هالي بيري وسوزان ساراندون، إلى ذلك، صور تارانتينو فيه أحد أبرز أفلامه "إنغلوريوس باستردز"، في حين لعب فيه الممثل كلايف أوين أحد أدواره الكبرى في فيلم "ذي انترناشونال"، وشرح تشارلي فوبكن مدير "بابلسبرغ" قائلا "تثير برلين اهتمام المبدعين، كما تأتي أقل كلفة مقارنة مع لندن"، ومن المتوقع حضور كوكبة من النجوم بالإضافة إلى تنظيم عدد من المعارض وصدور كتب عدة احتفاء بذكرى تصوير أول أفلام "بابلسبرغ" تحت عنوان "توتنتانز" (رقصة الموت) في 12 شباط/فبراير 1912، إلى ذلك، من المرتقب أن يقوم مهرجان برلين السينمائي (9 - 19 شباط/فبراير) بعرض استعادي حول الاستديو، وفي الإطار نفسه، تنظم فعاليات أخرى خلال الأشهر المقبلة في كان ولوس أنجليس ونيويورك ولندن، وأشار تشارلي فوبكن "تركنا الارضية في استوديو مارلين ديتريش على حالها لنحافظ على تلك اللحظات التاريخية"، وعندما تسلم جوزيف غوبلز وزير البروباغندا في الرايخ الثالث إدارة الاستوديو، حوله إلى مصنع لإنتاج أفلام تروج للنازية.

وفي المرحلة التي تبعت الحرب، بات الاستوديو تحت سيطرة الشيوعيين الذين أطلقوا عليه اسم "هونيوود" في إشارة إلى إيريك هونيكر زعيم ألمانيا الشرقية، وبعد سقوط جدار برلين استخدم الاستوديو في نشاطات أخرى قبل ان يعود إلى الساحة الفنية في العام 2004 بشكل ملحوظ، بإدارة تشارلي فوبكن وشريكه كريستوف فيسر، ويمتد هذا الاستوديو حيث تم تصوير أكثر من ثلاثة آلاف فيلم من بينها "ذي بيانيست" و"ذي ريدر" و"بولي أو برون"، على 25 ألف متر مربع، وفي قسمه المخصص للأزياء، نجد أزياء قيمة جدا تعود إلى من مختلف العصور، ويرشح اليوم هذا القسم الذي صمم أزياء فيلم "أنونيموس" لرولارند إيمريش، لجائزة أوسكار في فئة أفضل تصميم أزياء، وأمل فوبكن أن يتمكن "بابلسبرغ" من فرض نفسه خلال القرن المقبل، إذا ما بقي يوفق بين ماض مجيد ومهارات يشهد لها.

أصابع الاتهام نحو النساء

على صعيد مختلف عرض الفيلم الغيني "ساحرات غومباغا" للمخرجة يابا بدوي حالة مأساوية تعيشها نساء غينيات القيت عليهن مسؤولية كوارث وقعت في قراهن، فاتهمن بالسحر وتعرضن للتعذيب واضطررن إلى ترك عائلاتهن للعيش في ما يشبه الغيتو ومعسكرات عمل شاقة منهكة، ويعتبر هذا الفيلم من أكثر الافلام الافريقية غرابة من حيث ما ينقله عن المجتمع الغيني، وقد عرض في المسابقة الرسمية للافلام القصيرة في الدورة الاولى من مهرجان الاقصر للسينما الافريقية الذي أنطلقت فعالياته مؤخر، ويروي الفيلم قصص نساء اتهمن بالسحر وألقيت عليهن مسؤولية حدوث كارثة طبيعية مثلا او موت طفل او رجل، فيتعرضن للتعذيب بطريقة قاسية جدا من أقرب الناس إليهن وكذلك من غرباء، كي يعترفن بانهن ساحرات، وقد يتعرضن للقتل خلال عملية التعذيب، وفي حال تمكنت امرأة من هؤلاء من الهروب او تم طردها من قريتها ومن مجتمعها، فهي مضطرة للجوء الى احد المعسكرات الخمس المشيدة على الاراضي الغينية، فتصبح بذلك في حماية رجل قوي تسدد له المال حتى يقوم بذلك، كما تعمل في ارضه شبه مجانا بالإضافة إلى جمعها الحطب للتدفئة من غابات بعيدة. بحسب فرانس برس.

في موازاة ذلك، يحرم ابناؤها من مرافقتها في حين تجبر على اخذ بناتها معها لان السحر يورث من الام الى ابنتها لكنه لا يورث الى الابناء، وبعد فترة زمنية، اذا ارادت احداهن مغادرة المعسكر فانه يتوجب عليها دفع مبلغ اخر للرجل او الزعيم القائم على حمايتها في المعسكر، وتهدد هؤلاء النساء اللواتي اتهمن باطلا بالقتل في حال عودتهن إلى قراهن وبلداتهن، أما القانون الذي يعمل على نبذهن فلا يطبق على الرجال بمن فيهم هؤلاء الذين يمتهنون السحر، بحجة انهم يملكون منازلهم ولا يحق لأي كان أن بطردهم منها خلافا للمراة التي لا تمتلك المنزل الذي تعيش فيه، وكانت المخرجة بدوي وهي بريطانية من اصل غيني قد تابعت دراستها في بريطانيا وفيما بعد قامت بالتدريس فيها وكذلك في جامايكا وعملت مراسلة لهيئة "بي بي سي" بالإضافة إلى كتابة القصة القصيرة والرواية، وقبل بضعة سنوات زارت هذا المعسكر الذي تلقي الضوء عليه في فيلمه، هناك، أجرت مقابلات مع عدد كبير من النساء اللواتي يعشن فيه وعادت بعد اربع سنوات لمتابعة ما حل بهؤلاء النسوة، لكنها سرعان ما اكتشفت بأنها قد تتهم هي أيضا بالشعوذة خصوصا وأن الصفات تنطبق عليه، فهي في منتصف العمر وغير متزوجة.

حين زارت المعسكر في العام 1994 كمراسلة صحافية، لم تكن تملك هاتفا نقالا كي تتصل بأسرتها، فشعرت بالمعاناة والخوف الشديد الذي تعيش فيه هؤلاء النساء، وأكدت بدوي انها "لم تزر سوى هذا المعسكر الذي صورت فيه الفيلم، في أول زيارة لها كان المعسكر يضم نحو الف امراة، أما في زيارتها الثانية فكان العدد قد تجاوز ثلاثة الاف امرأة"، واوضحت انه "وبحسب ما علمت، يوجد خمسة معسكرات مشابهة، وقد يكون العدد اكبر إذا ما تم البحث في طول البلاد وعرضها عن مثل هذه المعسكرات"، وأعادت بدوي "أسباب هذه الظاهرة التي تعود إلى ما يزيد عن مئة عام، الى الحالة الاقتصادية والاجتماعية والجهل"، أضافت أنه "ومنذ البدايات لجأ البشر إلى تحميل النساء اوزارا كثيرة تبرر عملية قتلهن وقمعهن، منذ اتهام حواء بإغواء آدم ودفعه إلى تناول التفاحة ومغادرته الجنة"، واعتبرت المخرجة ان "هذه الظاهرة غينية، لكن اتهام المراة والقاء اللوم عليها بشكل دائم أمر يسجل في كافة المجتمعات" بأشكال مختلفة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 11/آذار/2012 - 17/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م