حقوق الانسان... ام حقوق المجرم للإفلات بجريمته؟

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: على الرغم من الضجة العالية الصوت لمنظمات حقوق الانسان والعديد من الدول العربية والاسلامية، لم تغلق امريكا معسكر غوانتانامو الذي تعتقل فيه الكثير من قيادات القاعدة والمحسوبين عليها بتهم الارهاب، لسبب بسيط هو ان الادارة الامريكية لا تريد التخفيف عن هؤلاء المتهمين بقتل العشرات او المئات من الامريكيين او من جنسيات اخرى رغم مناداتها بحقوق الانسان والدفاع عن شرائع ومواثيق الامم المتحدة المتعلقة بها، ورغم وجود راي شعبي حتى في الولايات المتحدة نفسها يدعم مثل تلك الحقوق.

وقريب من ذلك الدعوات الكثيرة التي تطلقها جماعات حقوق الانسان ايضا حول ما يتعلق بعقوبة الاعدام المنصوص عليها في الكثير من قوانين الدول لجرائم القتل او التحريض عليه، بالمقابل هناك من يصر على عقوبة الاعدام كحل ناجع لتخليص المجتمع من مثل هؤلاء القتلة والمجرمين والتقليل من عدد ضحاياهم لو اطلق سراحهم.

الحديث عن مثل تلك القضايا في المجتمعات الغربية وفي المجتمع الامريكي لايتم من خلال نفس اللغة والاطر القانونية والاخلاقية والثقافية التي يتم فيها في مجتمعاتنا.

لسبب بسيط هو الاختلاف الجذري والفارق الزمني الكبير بين ثقافتين.. كيف؟

في المجتمعات الغربية، قطعت الديمقراطية اشواطا طويلة في تجذرها عبر المؤسسات والممارسات الفردية، وهي لاتنفك تسير نحو شروط استكمالها وتساؤلاتها ونقدها وتغيير الكثير من اطرها العامة، فلا جمود او ثبات في بعض التفريعات، بل اصرار على توسيعها ومدها باطر ومفاهيم جديدة تستوعب حجم التغيرات الحاصلة في جميع شؤون الحياة اليومية.

على صعيد اخر تحقق تلك المجتمعات تطورا كبيرا فيما يتعلق بمفاهيم المواطنة او حرية التعبير او العدالة او غيرها من مفاهيم، وهو تطور يتناسب طرديا مع التطور المذهل في آليات الديمقراطية ومفاهيمها.

قبل سنوات قليلة على سبيل المثال لم يكن الانترنت والتمتع بخدماته والحق في الوصول الى المعلومة عن طريقه من حقوق الانسان، لكنه اليوم اصبح حقا متميزا من تلك الحقوق.

حقوق الانسان في مجتمعاتنا يحيط بها الكثير من الالتباس، ومرد هذا الالتباس بالدرجة الاساس انها تنهل من مرجعيات غربية تعود الى عصر النهضة الاوربية او حرب التحرير الامريكية او الثورة الفرنسية، والفكر العربي باستعارته لهذه المرجعيات يحاول تبيئتها في محيط عربي متاخر ثقافيا عن المحيط الذي نشات فيه تلك الحقوق.

مناسبة هذه السطور هو الحديث المتكرر في وسائل الاعلام العراقية عن منظمة مجاهدين خلق الايرانية، واقتران الحديث عنهم بموضوعة حقوق الانسان... وهو حديث يعبر عن خلط والتباس كبيرين لدى المتحدثين عن ذلك وخصوصا القائمة العراقية التي ترى في الخطوات التي اقدمت عليها الحكومة العراقية، فيما يتعلق بنقلهم من معسكرهم السابق والذي وفره صدام حسين لهم منذ الثمانينات الى معسكر ليبرتي القريب من مطار بغداد بانتظار توطينهم في دول اخرى، ترى تلك القائمة ان مثل هذا العمل هو انتهاك لحقوقهم الانسانية، متناسية دورهم القمعي في اعقاب الانتفاضة الشعبانية في العام 1991، ومشاركتهم في قتل واعتقال المئات من المنتفضين.

وقد دأبت تلك القائمة في اكثر من مناسبة بالدفاع عن المجرمين والقتلة تحت شعارت المشاركة الوطنية او المصالحة او اطلاق سراح السجناء والمعتقلين، وهو دفاع لايخلو من محاولة ابتزاز لبقية الكتل السياسية للحصول على مكاسب معينة.

قد يكون مفهوما ان منظمة مجاهدين خلق الايرانية تكون محل تجاذبات سياسية فيما يتعلق بالعلاقة بين ايران والدول الاوربية وامريكا، حيث أيدت أعلى محكمة أوروبية في العام 2011 قراراً أخرج تلك المنظمة من قائمة الاتحاد للمنظمات الارهابية.

وكانت فرنسا استأنفت قرار محكمة أمرت برفع اسم منظمة «مجاهدين خلق» من قوائم الاتحاد للمنظمات الإرهابية لكن محكمة العدل الاوروبية رفضت الاستئناف. وأيدت قراراً صدر عام 2008 جاء فيه أن الاتحاد الاوروبي فشل في إطلاع المنظمة على الأدلة التي شكلت أساس الحكم القاضي ببقاء المنظمة على لائحة الإرهاب.

وأعلنت أنه (يجب من حيث المبدأ أن يسبق تبني مثل هذا القرار إخطار الشخص او الكيان المعني بالقرار والسماح له بفرصة للدفاع عن نفسه).

وأسقط الاتحاد الأوروبي المنظمة من قوائمه عام 2009 بعد قرار المحكمة عام 2008. وقال مسؤولون في الاتحاد ان القرار مبني على الدعوى وليس نتيجة للتوصل إلى أن المنظمة نفسها لم تعد جماعة ارهابية.

وحاولت واشنطن حض الناشطين على قبول خطة للأمم المتحدة للانتقال إلى معسكر جديد قرب مطار بغداد في انتظار إعادة توطنيهم في دول اخرى وهو أمر يسهل تنظيمه اذا لم تكن المنظمة التي ينتمي إليها اللاجئون مدرجة على قوائم المنظمات الارهابية.

ولكنه ليس مفهوما ان تتبنى القائمة العراقية مثل تلك النتيجة، على اعتبار ان الضحايا لهم اسماء وسجلات محفوظة لدى من يعنيهم الامر.. وهي تستحق ان تقدم الى محاكم عراقية مختصة وليس محاولة تبرئتهم من تلك الجرائم والافلات من العقوبات المنصوص عليها في القوانين العراقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 11/آذار/2012 - 17/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م