العراق في أجندة الإعلام العربي... رسائل قاتلة

لطيف القصاب/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

تتسارع الخطى حثيثة هذه الأيام في العراق من اجل عقد القمة العربية في العاصمة بغداد، لكن لحد الآن لم تصدر إعلانات عربية رسمية كافية توافق على حضور مؤتمر القمة البغدادي تتناسب مع المبالغ الفلكية التي رصدها أهل بغداد احتفاء بأخوتهم العرب الذين من المحتمل أن يأتوا أو لا يأتوا.

 ومع كل ما بذله العراق وما يبذله من تودد تجاه الدول العربية فما يزال نَفَسَ الخطاب الإعلامي العربي تجاه الدولة العراقية نفسه لم يتبدل شيء من طعمه ورائحته ولونه إذ لم ينهج هذا الخطاب نهجا أقل عدائية بمستوى يستحق الإشادة، فما تزال تغطيات أحداث العراق من وجهة نظر كبريات أجهزة الإعلام العربي ابعد ما تكون عن الإعلام المهني فضلا عن الأخوي.

 والمقصود بالإعلام المهني هو الإعلام المثالي الذي لا يرتكز إلى رؤى فكرية مسبقة ولا يحمل بين ثناياه رسائل سياسية مبطنة ويتبنى ميثاق شرف غير مطاط، فهو إذن ذلك الإعلام الهادف لنقل الصورة الحقيقية للحدث خلواً من الرؤية والرسالة المبيتتين وهو بذلك إعلام نظري صعب التطبيق إن لم يكن محالا، في حين أن المقصود بالإعلام الأخوي هو الإعلام الذي يشترك مع الإعلام العدائي في كونه إعلاما واقعيا يرتكز على حقيقة الانحياز العاطفي الذي يستدعي بدوره الرؤية المسبقة والرسالة المبطنة ويفترق عن الإعلام العدائي من حيث التعاطي مع الحالة المستهدفة سلبا وإيجابا تبعا للأجندة السياسية المستندة أساسا إلى ميثاق المصلحة السياسية ليس إلا.

لقد امتاز الإعلام العربي الموجه تجاه الحكومات العراقية طوال العقد الأخير تقريبا باستصحاب النظرة العربية القديمة تجاه العراق، هذه النظرة التي تضعه في خانة الأعداء وكانت قد تأصلت مع غزو العراق لدولة الكويت مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي ولم تتعرض هذه النظرة إلى تغيير يذكر إلا في نطاق بعض البلدان التي لم تكن متعاطفة بشدة مع الصراع العراقي الكويتي لصالح الأخير لكن حتى هذه الدول انخرطت تماما في تبني النهج العربي الرسمي المضاد للتجربة العراقية السياسية التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين واجتهدت ما وسعها في الحط من قيمة هذه التجربة الفتية ونعتها بمختلف أوصاف القدح والذم.

 وفي هذا السياق شرعت قرائح بعض الصحفيين العرب بابتكار مصطلحات مخيفة تنذر من عواقب التجربة العراقية (الكارثة) متلفعة في بادئ الأمر بادعاءات معاداة الاحتلال الغربي للعراق ، وهكذا فقد راج مصطلح (العرقنة) مثلا وصار يفوق في تأثيره المخيف أي مصطلح سياسي مخيف آخر.

وليت المنظومة الإعلامية العربية اكتفت بهذا القدر من النقد والتجريح المستمد من معطيات معاصرة بل تعمقت هذه الحالة العدائية إلى مديات أكثر عمقا واشد خطرا وعداوة حينما دخلت العقلية التاريخية بشقها الطائفي على خطوط الإعلام العربي المتطفل على الشأن الداخلي العراقي لتصور غالبية العراقيين على أنهم مجرد دخلاء فاقدين للحس الوطني ويدينون بالتبعية المطلقة إلى إيران بزعم أنهم يمثلون جماعات دينية شيعية صفوية ويضطهدون مواطنيهم المسلمين السنة.

 وعلى وفق هذا المنظور الإعلامي المرسوم سياسيا بعناية فائقة فقد اجتهدت الصحافة العربية لاسيما المرئية منها طوال عشر سنين خلت تقريبا اجتهدت في إخراج صور نمطية رئيسة للدولة العراقية الراهنة من أبرزها:

• إن عراق نظام صدام حسين على جميع سلبياته يُعد أفضل من عراق هذه الأيام.

• تصوير العراق على أنه بلد غير مستقر تماما من خلال إفراد مساحات إعلامية شاسعة لحوادث الأمن التي تضرب البلاد حتى الطفيفة منها.

• تجاهل الأحداث الايجابية على الصعيدين السياسي والاقتصادي والثقافي التي طرأت على الساحة العراقية ومقابلتها في كثير من الأوقات بالتهكم والاستهزاء ، والتعامل مع ما لا يحتمل التجاهل منها تعاملا سياسيا معاديا يُركز في المقام الأول على الزوايا المعتمة والملاحظات السلبية.

• إشاعة وجود احتراب طائفي دائم وواسع النطاق بين مكونات الشعب العراقي.

• تعبئة المواطنين في البلدان العربية ضد الغالبية من العراقيين باعتبارهم يمثلون طلائع المد الشيعي ضد معتنقي المذاهب السنية.

ومن فرط ما لاقى العراقيون من أذى الإرهاب لاسيما الصادر من الأخ العربي عبر عقد من الزمان تقريبا فقد عاش قسم كبير من العراقيين على حلم سقوط إحدى الدول العربية المجاورة في براثن الإرهاب ليس من باب التشفي ببقية العرب ولكن لان مثل هذا السيناريو في حال تحققه عمليا فان من شانه إنقاذ عموم العراقيين ولو مؤقتا من محنة الإرهاب الجاثم على حياتهم فضلا عن التقليل من وطأة مدفعية الإعلام العربي الثقيلة الموجهة ظلما وعدوانا ضد بلادهم.

 وبشكل من الأشكال فقد تحققت هذه الأمنية العراقية بالفعل حينما شهدت سوريا المجاورة للعراق قبل حوالي سنة من هذا التاريخ صراعا دمويا أودى حتى الآن بحياة آلاف الضحايا من السوريين، فبدا في لحظة من اللحظات كأن السلام سيستأنف إقامته على ارض السواد مجددا إلى الحد الذي جعل بعض كبار المسؤولين الأمنيين يدلون بتصريحات لوسائل الإعلام يؤكدون فيها هجرة الإرهابيين بشكل جماعي من العراق صوب المدن السورية الساخنة. بيد أن موجة حادة من التفجيرات ضربت العراق مؤخرا استوجبت إعادة التفكير مجددا بمصداقية مثل تلك التصريحات المستعجلة. وفي تسويغ لما حدث من خروق أمنية خطيرة فقد اجتمعت معظم آراء أهل الحل والعقد لدينا على أن ما حدث مؤخرا من تفجيرات ضربت العاصمة بغداد وبعض المحافظات العراقية يمثل رسالة سياسية ضد التواجد العربي في القمة البغدادية المرتقبة.

لكن هذا التحليل على وجاهته لا ينبغي أن يُعد سببا جذريا لكل ما حدث بقدر ما ينبغي أن يُعد نتاجا لآخر رسالة إعلامية عربية مكثفة تمثلت في إقحام العراق بالملف السوري بعنوان أن حكومته (الطائفية) تمثل الداعم الاقتصادي والأمني الأكبر للنظام السوري ضد مواطنيه السنة.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 11/آذار/2012 - 17/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م