على السلطة القضائية في العراق حسم ملف المطلوب للعدالة (السيد طارق
الهاشمي) بعد ان مر عليه قرابة ثلاثة اشهر مجهول المصير وبلا حسم، وذلك
من خلال احد طريقين:
فاما ان يمهله مدة زمنية معينة لتسليم نفسه للقضاء ليحاكم في
العاصمة بغداد، بعد ان رفضت اللجنة القضائية المشكلة من تسعة قضاة نقل
الملف الى كركوك او الى اية مدينة عراقية اخرى، وحصر الملف بالدوائر
القضائية في بغداد فقط.
او محاكمته غيابيا واصدار الحكم العادل ضده وحسب الاصول القانونية
في حال عدم مثوله امام القضاء خلال المدة التي ستمهله اياها المحكمة.
ان استمرار الملف مفتوحا الى ما لا نهاية يعرض البلاد الى ازمات
امنية وسياسية متكررة تعرقل عمل مؤسسات الدولة ولا تساعد على استقرار
البلاد ابدا، وكل ذلك ليس في صالح الشعب العراقي الذي يعاني الامرين من
جراء مثل هذه الازمات التي تعصف بالبلاد بين الفينة والاخرى، ما يؤخر
عملية التنمية واعادة البناء والاستثمار، وهذا ما نلحظه من خلال تردي
الاوضاع الخدمية والامنية، فضلا عن التردي الملحوظ في ملفات الصحة
والتعليم والبيئة والزراعة والصناعة وفرص العمل وغير ذلك.
كما ان استمرار الملف مفتوحا كل هذه المدة يعرض البلاد الى هزات
سياسية لا يحمد عقباها، والتي تسعى اطراف اقليمية ودولية لا تريد
بالعراق خيرا، الى استغلالها بكل الطرق لعرقلة بناء الدولة والنظام
الديمقراطي، ولذلك يجب ان يبادر القضاء الى حسم الملف باقصى سرعة،
ليساهم في استقرار العملية السياسية، ولتشعر اسر الضحايا بجديته في
انصافهم من القتلة والمجرمين.
ان استمراره بهذه الطريقة يفتح الابواب مشرعة امام كل الاحتمالات
السيئة، كما انه يضع العراق على كف عفريت، فضلا عن انه يفسح المجال
امام القوى الخارجية للتدخل والعبث بالعراق الجديد.
ان التعامل ببطء مع الملف لا يعني سوى احد ثلاثة امور:
فاما ان يكون الملف مسيسا، وهذا ما تحاول كل الاطراف السياسية في
مؤسسات الدولة نفيه وتجنبه باي شكل من الاشكال.
وانا شخصيا ثبت لي بان الملف غير مسيس، فلقد كتب لي محامون ثقاة
ممن اعتمد على رايهم وتقييمهم كانوا قد حضروا جانبا من جلسات اعادة
استجواب المتهمين بالملف من حماية المتهم الرئيس وبحضور عدد من اعضاء
مجلس النواب العراقي يمثلون مختلف اطياف ومكونات الشعب العراقي، بان
الملفات كلها صحيحة وسالمة وانها غير مسيسة ابدا، بغض النظر عما اذا
كانت بعض الاطراف السياسية حاولت استغلاله سياسيا، من خلال الاثارات
الاعلامية، الا ان اصل الموضوع سالما، فهي ملفات قضائية بحتة وغير
مسيسة.
واما ان تخشى الاطراف السياسية التورط والفضيحة اذا ما حاول القضاء
حسم الملف قضائيا، ولذلك تدفع باتجاه البحث عن فرص لحل سياسي لملف
قضائي يتعلق بدم العراقيين، كما اعلن ذلك الناطق باسم مجلس القضاء
الاعلى قبل فترة عندما قال في مؤتمر صحفي بان المتهم متورط بشكل مباشر
او غير مباشر باكثر من (150) عملية ارهابية حصدت ارواح العراقيين
الابرياء.
او ان هناك اكثر من طرف اقليمي ودولي يضغط باتجاه الابقاء على
الملف مفتوحا الى حين، اما من اجل ابتزاز اطراف في الحكومة العراقية او
من اجل المساومة فيما بينها او للضغط باتجاه تحقيق اجندات خاصة، او
للحصول من خلاله على حصان طروادة يمكنه من التدخل في الشؤون الداخلية
للبلد.
ان من المؤسف جدا ان يبدو كل هذا الضعف بعمل القضاء العراقي، فان
ذلك يعرض مصداقيته للخطر ويشجع الراي العام العراقي تحديدا على اتهامه
بعدم الحيادية او قبوله بان يتعرض للابتزاز من قبل الاطراف السياسية،
او انه عاجز عن حسم الملفات الصعبة في الزمن الصعب، الامر الذي يضعف
دوره وبالتالي لا يمكنه من تحقيق العدالة المطلوبة في العراق، خاصة اذا
كان المتهم مسؤولا في الدولة والضحية هو المواطن العراقي المسكين الذي
لا يمتلك من ادوات الضغط شيئا الا الدعاء على الظالم.
ان استمرار الملف بهذه الطريقة يعني ان هناك نوايا لدى البعض في
المتاجرة به، والذي سينتهي، اذا ما حصل ذلك، الى المتاجرة بدماء
العراقيين، وهو الامر الذي لن يغفره العراقيون اذا ثبت لهم تورط اية
جهة سياسية بمثل هذا الفعل.
لقد تسربت مؤخرا انباء من ان القائمة (العراقية) وكذلك تركيا بدأتا
تفكران بشكل جدي في التنصل من المتهم وعدم تبنيه والدفاع عنه مثل هذه
الانباء، ولو صحت فانا اعتقد بان الامر يعود الى الاسباب التالية:
الف: لقد بدأت الاطراف المعنية بالمدعو تتحسس بثقل العبء الكبير
الذي بات يشكله بالنسبة لها وهي تدافع عنه، فبعد ان اعلن القضاء
العراقي وبشكل رسمي عن تورط المدعو بكل هذا العدد الكبير من الجرائم
بحق الشعب العراقي البريء، لم يعد بالإمكان على اي طرف ان يتبنى
المدعو، اذ سيظهر للراي العام وكانه يدافع، وفي وضح النهار، عن مجرم
وقاتل تلطخت يداه بدماء الابرياء.
باء: كما ان هذه الاطراف، وتحديدا (القائمة العراقية) لا تريد ان
تخسر ما حققته من مكاسب (حزبية) طوال هذه المدة من الزمن وهي مشاركة
اساسية في العملية السياسية، لحساب الدفاع عن متهم لا يزيدها الا ضعفا
وتشظيا.
بمعنى آخر، فانها قارنت بين ما يمكن ان تكسبه اذا ما اصرت على
تبنيه والدفاع عنه الى ما لا نهاية، وبين ما ستخسره جراء موقفها هذا،
فوجدت ان ضرر الدفاع عنه وتبنيه اكثر بكثير من المنافع التي يمكن ان
تحققها من وراء ذلك.
جيم: فضلا عن وجود اطراف في (العراقية) تتمنى لو يتم تصفية المتهم
من صفوفها باسرع وقت ممكن، لما يمثله بالنسبة لها من منافسة سياسية
شديدة تسعى لازاحتها عن طريقها بتصفيته من خلال استغلال القضية،
وبالتالي لتبرز هي كقيادات ميدانية جديدة وبلا منافس للقائمة.
على كل الكتل السياسية ان تتنصل من مسؤولية كل من يثبت تورطه
بالارهاب من عناصرها كائنا من كان، والا فهي شريكة معه في الجريمة،
فالارهابي يجب ان يعرى من كل انتماءاته، الدينية منها والاثنية
والمذهبية والحزبية وغيرها، فانا اعجب حقا كيف تجيز طائفة مثلا او
اثنية او حتى كتلة او حزبا، كيف يجيزوا لانفسهم الدفاع عمن ثبت تورطه
بالارهاب من منطلق ان الدفاع عنه دفاع عن الطائفة او الحزب او المنطقة
الجغرافية التي ينتمي اليها؟ اي منطق اعوج هذا؟ ومتى كان الارهابي يمثل
دينا او طائفة او منطقة؟ لماذا يتحمل الاخرون وزر جرائمه؟ الا اللهم ان
يكونوا شركاءه في الارهاب.
ان الارهابي لا ينتمي الى شيء، ولذلك يجب ان ينفض الجميع ايديهم
منه، خاصة من ينتمي اليهم بالطائفة او المناطقية او الحزب والكتلة
السياسية، والا فلو ان كل ارهابي تدافع عنه طائفته او حزبه او منطقته
الجغرافية، لما حوصر الارهابيون ولما امكن تسميتهم وتحديد هويتهم
لعزلهم عن المجتمع.
يجب على كل القوى السياسية ان تطرد من صفوفها كل من يثبت تورطه
بالارهاب كائنا من كان، قبل ان يطردهم المجتمع، لا ان يتحزبوا او
يتعصبوا له، فتأخذهم العزة بالإثم، من خلال اعتبار ان الدفاع عنه دفاع
عن انفسهم وعن كتلتهم.
* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن |