غواية المعاصَرة وحماية الشباب من مخاطر الزلل

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: ملامح العصر الراهن وملامحه تشكل تحديا صارخا للشباب بالدرجة الاولى ولسائر الناس الآخرين، أما نوع التحدي فيتمثل بوسائل الغواية التي ينطوي عليها العصر، لاسيما أننا نعيش ثورة المعلومات والاتصال بطريقة لم يسبق لها مثيل، حيث تتاح أمام الشاب سبل الانحراف في العالم الافتراضي، الذي بات يحتوي على كل المتناقضات التي تحتوي على الشر والخير في آن واحد، لهذا أصبحت حالات التحصين وحماية الشباب من غواية العصر أمرا محتوما.

هنا يتضاعف العمل من اجل حماية الشباب من الانحراف، وهذا الامر يتطلب جهودا مشتركة ومتنوعة، لا تتوقف على المحيط العائلي او المدرسي او الاعلامي وسواه، إنها جهود ينبغي أن تكون حثيثة ومخلصة لدر مخاطر العصر المعلوماتي في جانبه الشيء على الشباب.

في هذا الصدد، يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في إحدى محاضراته القيمة: (أمّا وصيّتي إلى الشباب فأقول لهم: لا تدعوا أيّاً من الشباب ينحرف إلى طريق الفساد، إنّ خير من يسوق الشباب صوب الخير والهداية هو أمثالهم من الشباب) ويضيف سماحته قائلا: (ما أكثر الحالات ـ عبر التاريخ ـ التي أنقذ أخ أخاه أو أخته من الفساد والضلالة).

على أننا يجب أن ننتهج سبل الاصلاح الصحيحة في هذا المجال، فهناك طرق يمكن اتاحتها للشباب لكي يستدلوا بها على مكامن وسبل المسارات المتوازنة، وهي سبل كثيرة ومتعددة، لكن ينبغي اختيار ما هو أنسب منها للشباب، بمعني يلائم ذائقتهم واعمارهم ومستوياتهم العقلية والفكرية، لكي يذهبوا الى البدائل الخاطئة، لذا يركّز سماحة المرجع الشيرازي في هذا المضمار، على أهمية الأناة والاستدلال قائلا في محاضرته: (لابدّ من إنقاذ الشباب ـ بالأناة والاستدلال ـ من الطرق المنحرفة وإرشادهم إلى نور أهل البيت سلام الله عليهم. وفي هذا المضمار يجدر بالشباب أن يطالعوا رسالة الإمام الصادق سلام الله عليه إلى شيعته -الواردة في كتاب تحف العقول وبحار الأنوار وغيرهما- بدقّة وتأمّل، وأن يعملوا بها، ويكثّروها، يوزّعوها على الآخرين).

وكلنا نتفق على ان عمر الشباب يجعله أكثر حماسة من غيره، وربما يقوده ذلك الى حالة من التزمت بالرأي أو التوجّه، لذا لابد من مراعاة هذه النقطة بدقة، عندما نحاول توجيه الشاب نحو السبل التي لا تؤدي به الى المزالق، بمعنى ينبغي أن نتعامل مع ذهن الشاب ونوازعه النفسية وسواها، بطرق سهلة ومقبولة تجعله يندفع إلينا ويتشبث بنا، بدلا من أن يتهرب منا بسبب سوء الاسلوب والتعامل وما شابه، خاصة أن تجربة الشاب في الحياة لا تزال طرية بعد، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (ليتعامل الآباء والأمّهات إيضاً بحسن مع أبنائهم، وأن يكونوا أصدقاء معهم، لا أن يأمروهم وينهوهم فقط. ليسعوا في دعوتهم إلى مكارم الأخلاق عن طريق الكلام الليّن والقصص والأساليب المناسبة الأخرى، ولا ينسوا أنّ هؤلاء الأبناء لم يذوقوا مرارة الحياة ولم يكتسبوا التجارب بعد، ولكنهم في الوقت نفسه يتمتّعون بفطرة أنقى وأنهم يتقبّلون الخير أسرع من غيرهم. فعن الإمام الصادق سلام الله عليه أنه قال: عليك بالأحداث فإنّهم أسرع إلى كلّ خير).

إن قضية اصلاح الشباب ليست مهمة يسيرة، بل تتطلب جهودا مكثفة لابد أن تتحلى بالاقناع والسلاسة والكياسة ايضا، فكلما كان اسلوب التوجيه مقنعا ورقيقا وواضحا، كلما كان تقبل الشاب له اكثر وأكثر، وفي جميع الحالات لا يجوز التخلي عن الشاب، حتى لو أظهر نوعا من عدم القناعة او التفهم، بمعنى ينبغي مواصلة محاولات الاصلاح مرارا وتكرارا، حتى نضمن تحصين الشباب من الزلل، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (ربّ شابّ يتغيّر بجملة واحدة، ولكن ليس كل الشباب هكذا، فقد يحتاج شابّ آخر إلى مئة جلسة حتى يهتدي ويسير في طريق الصلاح، فهل طول الفترة والجهود اللازمة مسوّغ للتخلّي عنه، كلاّ بالطبع. لابدّ من بذل الوقت والجهد لكلا الشابّين).

إن الجهود التي يبذلها الأبوان مثلا في تربية اولادهما بالطرق السليمة، قد لا تكون سهلة، وقد تنطوي على متاعب جمة، لكن في نهاية المطاف يكون القطاف مثمرا لهما وناجحا ومجزيا أيضا، لأن قيمة الولد الصالح كبيرة جدا، ليس في الحياة الاولى فحسب، إنما في الدار الاخرى أيضا، وقد وردت كثير من الاحاديث الشريفة التي تؤكد على أهمية التربية الصالحة للابناء (الذكور والاناث)، يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص في محاضرته نفسها: (إنّ الولد الصالح أغلى من أيّ شيء، وكما أنّ لكلّ عمل صعوباته الخاصّة، فكذلك تربية الأولاد ليست مهمّة يسيرة ولكنّها تستحقّ ما يبذل في سبيلها، لأن الولد الصالح ينفع والديه في الدنيا وفي البرزخ والقيامة).

ربما يهتدي بعض الشباب بسهولة ويسر، وربما يعاند آخرون، أو تتعثر محاولات الاصلاح لهم، لكن على العموم، تبقى فطرة الشاب على درجة من النقاء تتيح للمصلح أن يعيدها الى طريق الرشد، نعم ربما نواجه عوائق وصعوبات في هذا المضمار، وهو أمر يرتبط بطبيعة النفس البشرية وتركيبتها، وليس فقط بالشباب وطبائعهم، لذا يتطلب الحال جهودا قد تكون استثنائية احيانا، بمعنى لابد أن نبذل ما يكفي من الجهود، لاصلاح الشاب في جميع الحالات ولا ينبغي أن نركن الى اليأس والكف عن محاولات التوجيه والاصلاح، لأن الامر ينطوي على أمانة لا يجوز تجاوزها، او عدم الالتزام بها، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي: (إن للشباب فطرة نقية، ولكن لابدّ من السعي والبناء حتى نهديهم إلى الطريق الصحيح).

وأخيرا إن العمل على تصحيح مسارات الشباب وهدايتهم الى الصواب، لا يمر من دون جزاء، مع أن الغاية الاولى من الاصلاح لا تكمن في طلب الجزاء، بل الهدف هو تحقيق حياة ناجحة للفرد والعائلة والمجتمع عموما، ومع ذلك يعد الاصلاح مصداقا من اهم مصاديق الوفاء للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (لاشك أن السعي لنشر ثقافة وتعاليم أهل البيت سلام الله عليهم والأخلاق النبوية وإنقاد الشباب من المزالق والمهاوي والأخذ بأيدهم نحو الخير والهداية والصلاح يُعدّ من أهمّ مصاديق الوفاء لرسول الله والعرفان بجميله وتوقيره والاعتراف بحرمته صلى الله عليه وآله).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 8/آذار/2012 - 14/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م