عن العواصم الثقافية ومدنها

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: شرع في تطبيق فكرة عاصمة الثقافة العربية سنة 1996، وجاء ذلك بناءًا على اقتراح للمجموعة العربية في اليونسكو خلال اجتماع اللجنة الدولية الحكومية العشرية العالمية للتنمية الثقافية (باريس ما بين 3 و7 يناير 1995م) وفي الدورة الحادية عشرة لمؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي والذي عقد بالشارقة - الإمارات العربية المتحدة (21-22 نوفمبر 1998م).

تستند الفكرة إلى أن الثقافة هي عنصر مهم في حياة المجتمع ومحور من محاور التنمية الشاملة. وتهدف إلى تنشيط المبادرات الخلاقة وتنمية الرصيد الثقافي والمخزون الفكري والحضاري، وذلك عبر إبراز القيمة الحضارية للمدينة المستضيفة لفعاليات تظاهرة عاصمة الثقافية وتنمية ماتقوم به من دور رئيسي في دعم الابداع الفكري والثقافي تعميقاً للحوار الثقافي والانفتاح على ثقافات وحضارات الشعوب وتعزيز القيم، التفاهم والتآخي، التسامح واحترام الخصوصية الثقافية.

كبف نشأت فكرة العواصم الثقافية الاسلامية؟

منذ ذلك اللقاء التاريخي ليوم 15 / 12 / 2004 لوزراء خارجية الدول الاسلامية في الجزائر أطلقت المنظمة الإسلامية للعلوم والتربية والثقافة (الايسيسكو) برنامجا مميزا اعتمده المؤتمر التاريخي المؤسس (للعواصم الثقافية الإسلامية) في إقامة ثلاث تظاهرات للثقافة الإسلامية سنويا في عواصم المناطق الثلاث عربية وأسيوية وإفريقية، حيث كانت الانطلاقة الأولى لتلك التظاهرة الثقافية الإسلامية شبه العالمية في ظهور فعاليتها بمدينة مكة المكرمة العام 2005م، ونظرا للنجاح الهائل والحضور الثقافي الإسلامي المتميز الذي حققته تظاهرة مكة المكرمة، انطلقت تظاهرة عواصم للثقافة الإسلامية 2006 بالمناطق الثلاث المذكورة في كل من: حلب (سوريا)، أصفهان (إيران)، تومبوكتو (مالي).

وعام 2007 في: فاس (المغرب) وطرابلس (ليبيا) طشقند (أوزبكستان دكار (السينغال).

وعام 2008 في: الاسكندرية (مصر) لاهور (باكستان) جيبوتي (اريتريا).

وعام 2009 في: القيروان (تونس) باكو (أذربيجان) كوالالمبور (ماليزيا) نجامينا (تشاد).

وعام 2010 في: تريم (اليمن) دوشن به (طاجاكستان) موروني (جزر القمر)،

وعام 2011 في: (أندونيسيا) كونا كرى (غينيا) وتظاهرة تلمسان الثقافية التي تحتل الصدارة بالمنطقة العربية في العشرية الأولى من الألفية الثالثة باحتضانها التظاهرة التاريخية (تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية).

جزء من خراب العراق هو خراب ثقافته، والقائمين عليها، وهو جزء من الخراب كبير.. نحتاج الى مدارس كثيرة، ولا يمكن اتمام مثل هذه العملية الا في العام 2020، حسب تصريحات متفائلة.

الشباب باعداد كبيرة والاطفال باعمار مختلفة، يتسربون من مقاعد الدراسة كل عام، وينضافون الى اجيال سبقتهم للتشرد على الارصفة والشوارع، ترافقهم كثير من الانحرافات في السلوك.

التعليم العالي، حدث ولا حرج... الدرجات تباع، بحوث التخرج من اكاديمية غوغل العليا، ومكاتب باب المعظم، كل ماتريده موجود، رسائل الماجستير، اطاريح الدكنوراة، والبحوث القصيرة.

الكادر التعليمي لا يقرأ ولا يزور مكتبات شارع المتنبي الا من رحم ربي، الجميع مشغول بالعلاوات والترقيات والزيادات في الرواتب.

الجميع ينتظر من الحكومة اعطياتها، دون حراك، فلا زيت في المحركات، والثقافة تابع مطيع للسياسة.. هل قلت السياسة؟

لاشيء مما تعارف عليه الناس من السياسة، حتى تلك الابجديات البسيطة لازلنا نتهجى احرفها، فطوفان الفساد اغرقنا واغرق تلك الثقافة التي ما تعبنا من التغني بامجادها الغابرة.

المثقفون الان اخذوا يندبون حال الثقافة العراقية، لان الحكومة قد قررت الا تكون هذه السنة هي سنة النجف كعاصمة للثافة الاسلامية، وكانهم صحوا فجأة على واقع الخراب الذي يحبط بتلك الثقافة منذ عقود طويلة، وانهم لم يبرحوا اماكنهم، تلك الاماكن التي ارتضوها، في قاطرة الحكومات المتعاقبة.

ما الذي سيقدمه مثل ذلك الاختيار لو افترضنا جدلا انه سار مثلما كان مخططا له؟

الجميع يطمح ان يتصدر المشهد الثقافي العراقي، وهي فرصة توفرها مثل تلك المهرجانات او الاختيارات، وهي فرصة ايضا للبحث عن منافذ للانتشار يطمح اليها انصاف مثقفين، وانصاف متعلمين، يحملون الباجات الرسمية للدخول الى القاعات وحضور الفعاليات.

ما الذي يمنع المثقف العراقي ان يكون مبدعا بعيدا عن قاطرة الحكومة ومؤسساتها؟ وما الذي يمنعه ان يفجر طاقات مدينته لتصبح مدينة للثقافة؟ او عاصمته بغداد لتصبح واحدة من عواصم تلك الثقافة؟

كتب احد الصحفيين العراقيين قبل مدة من الزمن قبل قرار الغاء النجف عاصمة للثقافة الاسلامية كما طالبت بذلك الحكومة العراقية في رسالتها الى المنظمةللعلوم والتربية والثقافة (الايسيسكو).

شكلت الكثير من اللجان، واخرى الغيت و تمت إضافة اسماء معينة،و الغيت اسماء آخرين وهناك من إستقال، وهناك من أقيل.

كل ذلك حدث والعراق يريد اقامة (بغداد عاصمة للثقافة) و(النجف عاصمة للثقافة الاسلامية) وما بين العاصمتين، هناك مهرجانات ومسابقات محلية وعربية ودولية، يتم الاعلان عن إقامتها في بغداد او المحافظات وعلى وفقها تغدق الاموال على (لجان) لا حضور لها، ولا تتمتع بمكانة ثقافية ومعرفية يعتد بها... فيما هي تتولى الحكم على اساتذتها من دون مؤهل يذكر!

المسؤولون العراقيون، يخفون اسماء اعضاء هذه اللجان لسببين:

إما لا ادراكهم ومعرفتهم بأن اسماء المنضوين في هذه اللجان هامشيون وطارئون على المشهد الثقافي.. ولا يراد من وجودهم سوى إستئثارهم وهيمنتهم على مشاريع لا قبل لهم على معرفة اسرارها.. وكل ما هو مطلوب منهم بسط نفوذهم وحصاد غنائمهم.. لذلك لا يتم الاعلان عن اسمائهم أبداً الا في لوائح الصرف المالي والنفوذ الاداري.

اما السبب الثاني، فانه يتعلق باسماء الكفاءات والقدرات والخبرات والعقول النيرة والتجارب الحية.. التي لا تنضوي بمجموعها الى اية جهة كانت، إدراكاً منها بان الكفاءة التي تملكها كل شخصية من هذه الشخصيات، تكفي لوحدها في نجاح اي مشروع ثقافي يراد تقديمه على الملأ.. ومن ثم يصبح النجاح مقترناً بهذه الاسماء.

ولعل اسباب فشل الكثير من المهرجانات والنشاطات والمسابقات الثقافية، يكمن بشكل اساس في اسماء الاعضاء الذين يتولون تلك المهام التي تعد اكبر بكثير من حجوم العقليات المحدودة المستوى التي يختزنونها ويرفضون رفضاً قاطعاً ان تمر عليها رياح اكتساب المعرفة وتغيير القناعات المحنطة التي يتمتعون بها جهلاً وغفلة.

ان مفهوم (العواصم) الثقافية التي يراد اقامتها في العراق، تحتاج الى تأن ومراجعة حقيقية واضحة وسليمة، تخرج عن نطاق ودائرة الدعاية والاعلان والاعلام الفج والمفرغ من المحتوى.

والانصراف كلياً الى ان هذه (العواصم) لابد ان تكون معصومة من الاخطاء والسلبيات التي نشهدها يومياً وبشكل مسبق، فيما نحن ننشد عواصم ثقافية جد رصينة، تؤتي ثمارها اثناء وبعد إقامتها، بحيث تظل نبع ثراء فكري يختزن معه كل مؤشرات الثقافة الحقيقية المنشودة، وليست ثقافة الاستعراضات العابرة الهشة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 7/آذار/2012 - 13/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م