الرحمة يا شيخ حسان

علاء بيومي

شاء الله أن أحصل على عدد الثاني من مارس من جريدة الرحمة المصرية ضمن مجموعة من الصحف المصرية حديثة الصدور والتي تصلنا متأخرا كمصريين في الخارج، ولكننا نسعد بها ونحرص على قراءتها من الغلاف للغلاف للاطمئنان على أخبار مصر والمصريين ولتذكرنا بهم قدر الإمكان.

وقد استوقفني بعد قراءة الصحيفة عدد كبير من موضوعاتها التي أعتقد أنها تستحق المناقشة، وأرصدها سريعا في النقاط التالية:

- العنوان الرئيسي للجريدة يقول "مؤامرة مشبوهة لإسقاط مبادرة المعونة المصرية" وهو موضوع ملف العدد (ص 10-11)، أما العنوان الثاني فيقول "رئيس الوزراء يطلق "صندوق في حب مصر": تفاصيل لقاء الجنزوري والشيخ حسان لتفعيل المبادرة".

- أما المقال الرئيسي بالصفحة الأولى فكان بعنوان "جيشنا آمن عسكريا وتسليحيا ولا خوف إذا قطعت أمريكا معونتها" ويستطلع المقال رأي لواءين سابقين بالجيش المصري وفريق متقاعد، حيث يؤكد المقال على أن "جيشنا آمن عسكريا وتسليحيا وذلك ردا على مخاوف البعض"، ويقول أحد المسئولين العسكريين السابقين للصحيفة "إذا وضعنا الأمور في نصابها الصحيح، وهذا هو الحق المبين، سنجد أن الولايات المتحدة تحتاج إلى مصر أكثر من حاجة مصر إليها".

وطبعا لم يذكر المقال أو أي من ضيوفه أن مصر تعتمد على أميركا كمصدر لأكثر من 80% من أسلحتها منذ نهاية التسعينيات على الأقل كما تشير تقارير بحثية أميركية منشورة ومعروفة للجميع.

- في الصفحة الخامسة تطالعنا الجريدة بعمود بعنوان "فاصل .. ونواصل" لكاتب يدعى "ملهم العيسوي" والذي اختار لعموده عنوان فرعي وهو "بكري ودعاة الحلم الأمريكي".

وفي المقال يكتب العيسوي قائلا "عندما تتحدث عن النائب مصطفي بكري فأنت مجبر على احترامه، حتى لو اختلفت معه في الرأي، مدافع قوي عن الفقراء والبسطاء ويشعر بهمومهم ويسعى دائما لآن ينالوا حقوقهم ... مهني موضوعي. لا يزيد أو يبالغ يتمتع بأدوات مهنية عالية ولديه مصادره ويوثق معلوماته وما يقوله بالأدلة والبراهين التي لا يختلف عليها اثنان".

- في الصفحة الثامنة تطالعنا الجريدة بعمود بعنوان "ع الهواء" لكاتب يدعى "محمد موافي" والذي اختار لعموده عنوان "ماذا قدم محمد حسان؟".

وخلال المقال يدافع موافي عن الشيخ حسان ضد منتقديه ويقول "ولكني فقط أتعجب من هجمة بعض المرضى النفسيين، من المتخلفين والمتخلفات والناشطين والناشطات على الرجل ... وجاءت مزايدات من أقلام معروفة بتلقيها المعونة الساويرسية ومساعدات منظمات حقوقية ملوثة باليورو، ولا أريد أن أتعرض لما قيل فهو لا يستحق حبر قلمي ولا وقتكم الثمين".

- أما ملف العدد والذي يحتل صفحتي قلب الجريدة (ص 10-11) فهو مخصص للدفاع عن الشيخ حسان ومبادرته، وهو يطالعنا بعدد كبير من العناوين على غرار "العلماء: لا يستطيع أحد التشكيك في إخلاصه (الشيخ حسان)"، "السياسيون: مبادرة رفض المعونة وراء محاولات تشويه الصورة"، "الدعاة: هذه ضريبة من يحب الخير لأبناء وطنه"، "رجال القضاء والقانون: أعداء مصر ظهروا على حقيقتهم".

- وتطالعنا الجريدة في صفحة 16 بعمود بعنوان الحقيقية لكاتب يدعى "محمد جلاء إدريس"، والمقال منشور بعنوان فرعي يقول "الأصابع اليهودية فيما يحدث بع الثورة المصرية (2)"، ويذكر المقال في مقدمته "كان لابد أن أقدم وصفا موجزا لما كانت عليه أوضاع بلادنا قبيل الثورة وعلاقة هذا الوضع ببروتوكولات اليهود، ولنحاول في هذا المقال أن نربط بين خيوط هذه المؤامرة وما حدث ويحدث بعد الثورة".

وتحتوي الجريدة في صفحتها قبل الأخيرة بعمود بعنوان "بهدوء" يكتبه كاتب يدعى "مجدى طنطاوي" وقد اختار لمقاله عنوان يقول "إسرائيل الطرف الأول".

في الحقيقة قراءة الجريدة ومحتوى مقالاتها ومطالعة صحف مصرية أخرى ومتابعة الأحداث الأخيرة المرتبطة بقضية المنظمات الأجنبية والسماح بسفر المتهمين فيها (في حادثة هزت القضاء والبرلمان والسياسيين في مصر ويطالب مجلس الشعب المصري بتحقيق عاجل فيها)  دفعوني جميعا إلى الحرص على الرد على النقاط السابقة من خلال النقاط السريعة التالية:

- هل أثبتت الأحداث الأخيرة أن الشيخ حسان - وكل من تم استغلاله في الحملة الحكومية الفارغة ضد المؤسسات الأميركية - قد تسرعوا في مواقفهم المؤيدة لها وقد أخطئوا - عن حسن نية على الأقل - في المشاركة في حملة لا يعرفون أبعادها وباتت تمثل حرجا لهم يستوجب الاعتذار على أقل تقدير لكل من انخدع وانساق وراء هذه الحملة بتأثير بعض المشايخ كالشيخ حسان والذي لعب دورا هاما في حملة تعبئة المصريين خلف الموقف الرسمي من القضية كأحد قيادات التيار السلفي الدينية في مصر!؟

وهل يستحق أتباع الشيخ حسان وشباب التيار السلفي اعتذارا منه أو على الأقل توضيحا لدوره وكيف ساهم – بغير قصد كما نتمنى – في تمثيلية خالية المضمون وحملة دعائية باءت بالفشل يحقق فيها البرلمان المصري حاليا!؟

- منذ متى تحول التيار السلفي لبوق دعاية لمسئولين عسكريين أو حكوميين في مصر بوعي أو غير وعي يروج لأفكار غير دقيقة ودعاية بلا مضمون لا ينخدع بها إلا المواطن البسيط المحاط بالأكاذيب؟

- هل بات الصوت العالي والخطاب الزاعق الباحث عن عدو خارجي والخانع للسلطة في الداخل هو توجه المرحلة كما يبدو من تأييد بعض قادة التيار السلفي لشخصيات مصرية معروفة بتزعمها لهذا التوجه منذ سنوات طوال؟

- منذ متى والتيارات السلفية تسمح بالإساءة للآخرين على منابرها واهانتهم واتهام من يخالفهم الرأي بتلقي أموال من آخرين وبالمرض النفسي والتخلف، ولماذا يقفون أصلا ضد بعض فئات المعارضة السياسية المصرية بدلا من احتوائها من منظور الرحمة والدين على الأقل!؟

- منذ متى والشخصيات الدينية تسمح بأن يتم تملقها ونشر مقالات تمتدحها في منابر إعلامية تابعة لها بهذا الشكل!؟ ومنذ متي يتم مديح الشخصيات الدينية بأساليب الدعاية السياسية ذاتها التي ورثناها من عهود الاستبداد المظلمة والتي ظلت تتغنى بحكمة القائد ومواقفه التي لا يأتيها الباطل!؟

ألم يكن الأولى بالصحيفة أن تستضيف عدد من معارضي المبادرة ومنتقدي الشيخ حسان وتحاورهم وتحاول فهم مواقفهم من باب التوازن الصحفي على الأقل قبل أمانة الطرح!؟

وأخيرا، إلى متى سوف نستمر في تعليق مشاكلنا على عدو خارجي من خلال كتابات سطحية وبدون متابعة حقيقية لما يقوله أو يفعله خصومنا!؟ وبدون فهم مشكلنا في الداخل!؟ وإلى متى سوف نستمر في عدم فهم العالم الخارجي لهذه الدرجة من السطحية والتي تذكرنا بنوع من الصحافة لا نريد أن نسميها باسمها الصحيح حتى لا نجرح مشاعر أحد!؟

وفي النهاية أحب أن أؤكد على أمرين:

أولا: التيار السلفي وشبابه هم أولى الناس بتوضيح من الشيخ حسان وجريدته عن دورها في أزمة المنظمات الأجنبية وبتحليل موضوعي لهذا الدور وباعتذار على أي أخطاء ارتكبت وبمراجعة سياسة "الرحمة" التحريرية.

ثانيا: نحن نعلم أن هناك حالة احتقان في مصر وحالة تشدد من قبل أطراف مختلفة، ولكننا نحب أن نوضح لقارئ هذا المقال إن هناك فئة من المصريين – نتمنى أن نكون منهم – تحاول أن تبحث عن الحقيقة وترفض التشكيك والإشاعات وتحاول أن تذهب للمصادر الأصلية للتعرف على مواقف التيارات المختلفة، ومحاولة تكوين رأي موضوعي عن تلك التيارات ومواقفها من الأحداث الهامة التي تشهدها مصر حاليا وتقييم قدرة تلك التيارات وقيادتها على قراءة الأحداث وتقديم نموذج حقيقي في الوعي والقيادة.

ومن المنطلق السابق فقط تابعنا الرحمة وكتبنا المقال الحالي والذي نتوجه به بالأساس للمواطن المصري العادي ثم لشباب التيار السلفي ومحبي الشيخ حسان قبل غيرهم لعل النصيحة تصل، مع خالص دعائنا بكل خير للجميع، والله أعلم.

www.alaabayoumi.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/آذار/2012 - 12/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م