المرأة في العراق... واقع قاتم وهامش مصادر

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تعد النساء الضحية الأولى لانتهاكات حقوق الإنسان في العراق، فإلى جانب العنف "التقليدي"، الذي تتعرّض له النساء في المجتمعات الذكورية، تواجه العراقيات أنواعا أخرى من العنف على غرار عمليات الاغتصاب داخل السجون والمعتقلات وخارجها، ناهيك عن بعض حالات الاختطاف والاتجار بالنساء، كما ارتفعت نسبة الأمية بينهن لتتعدى الـ20 %، هذا بالإضافة إلى تعرّض الكثيرات إلى الترمّل، حيث خلفت الحروب وإعمال العنف التي مر بها العراق، أكثر من مليون أرملة يعانين من مشكلات اجتماعية ومالية كثيرة، ومن ابرز هذه المشكلات قلة الدخل، وكثرة الضغوط الاجتماعية على الأرامل، خاصة الشابات في مقتبل العمر، وهن يعشن في مجتمع محافظ كالمجتمع العراقي. بحسب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.

إذ إن هناك أسئلة كثيرة تدور حول واقع المرأة في العراق، بين التقاليد والأعراف وقانون الأحوال الشخصية، وموقف القانون والدستور العراقي في ضمان حقوقها، فإن حقوق المرأة والمطالبة بها في العراق هي ناتج طبيعي لبلد تشكل فيه النساء الطبقة الأكبر، وتعاني المتعلمات فيه تهميشا كبيرا، ويتم فيه دعم أعراف مخالفة للدين مثل الزواج بالإكراه، وختان الإناث في كردستان العراق، والعنف المنزلي، وتعدد الزوجات وغيرها الكثير الكثير من الانتهاكات، حتى تحوّل العراق إلى بلد لغير النساء في ظل انعدام الأمن وخطر العنف اللذان يحدان من حرية المرأة، إذ تعيش النساء العراقيات ظروفا صعبة على مدى العقود الثلاث الأخيرة، بشكل يجعل من تلك الشريحة الأكثر تضررا نفسيا واجتماعيا وماديا أيضا. ويبقى السؤال قائما هل ستصبح المرأة العراقية مواطنة من الدرجة الثانية؟.

هوية المجتمع

فقد كشفت ردود الفعل الواسعة التي أثيرت على خلفية صدور توصية تطالب موظفات القطاع العام بالتزام اللباس المناسب، حجم التخوّف لدى شريحة من العراقيات، على هوية المجتمع، صدرت التوصية عن لجنة النهوض بالمرأة، وهي لجنة مكوّنة من ممثلين عن مختلف الوزارات وترأسها وزيرة الدولة لشؤون المرأة ابتهال الزيدي. لم تحدد التوصية ما هو مناسب أو غير مناسب، "فكل امرأة تعلم وحدها ما هو اللباس المناسب للعمل"، حسب الزيدي، إلا أن تحديد نوع الألبسة الممنوعة، وبشكل مفصل يتم بعد تعميم التوصية على الوزارات المختلفة. ومع ذلك فقد خرجت أصوات عدة من المجتمع المدني تتهم الوزيرة بأنها تنتهك الحقوق الدستورية للمرأة وتحدّ من حرياتها الشخصية، وصل حجم الانتقاد إلى حد مطالبة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان بمراجعة النص الأساس الصادر عن اللجنة، للنظر في ما إذا كان الأمر يستدعي استجواب الوزيرة المعنية، وتقول الزيدي "قامت الدنيا ولم تقعد واتهموني بأمور غير صحيحة. وهي أنني فرضت الحجاب واللباس الاسود. وهذا غير صحيح أبدا. نحن لسنا دولة إسلامية معلنة، وانا أحترم أطياف المجتمع كافة، وتضيف: "اتهمت بأنني لا احترم المراة وأنتقص من حقوقها، وهذا خطأ. إن الإشارة إلى التزام الموظفة بالزي المناسب هو من باب احترام حرمة الدائرة الحكومية، وهو امر معمول به في دول عدة في العالم.

وعلى الرغم من توضيحات الزيدي، تحوّلت قضية زي الموظفات إلى واجهة لمعركة ثقافية واجتماعية كبرى تعكس بالنسبة للبعض مدى التحوّل الذي شهده العراق منذ انقلاب الوضع السياسي فيه، وتتحدث السيدة ادور، رئيسة جمعية امل وعضو شبكة النساء العراقيات عما تقول إنه "توجّه سياسي وعقائدي باسم الدين وباسم التقاليد للحدّ من حرية المراة والتجاوز على حريتها الشخصية التي يكفلها الدستور، ادور تدعّم كلامها بالحديث عما تقول إنه "محاولات لجعل المرأة مواطنة من الدرجة الثانية. فيما تقول أم بلال وهي في الستين من عمرها "لماذا يحشرون أنفسهم بما لا يعنيهم، أن تتحجب المرأة أو لا تتحجب. أين الاهتمام بتثقيف المراة. فلماذا لم نعد نسمع بالمنح الدراسية التي كانت تخصص لنساء عراقيات للدراسة في الخارج. هكذا يكون الاهتمام الحقيقي بوضع المرأة. بحسب البي بي سي.

هذا مع العلم بأن كثيرين في العراق يتفقون على أن الوضع الآن من ناحية عدم التضييق على النساء، أفضل بكثير مما كان عليه بين عامي ألفين وستة وألفين وثمانية يوم كان للميليشيات الطائفية اليد الطولى في مناطق بكاملها في البلاد، ولكن كثيرين هنا يؤمنون بأن العراق لن ينهض إلا بنهضة ثقافية فكرية، تكون المرأة والمسرح والثقافة مرآتها... نهضة يخشون ألا تأتي قريبا.

بلد لغير النساء

في سياق متصل يتناقض التمثيل السياسي للمرأة في العراق الذي يشهد تحسناً ملحوظاً مع ما تعانيه النساء من استضعاف على نطاق أوسع، مثلما يتضح من استمرار العنف المنزلي والزواج بالإجبار، وفقاً لتقرير جديد صادر عن وحدة تحليل المعلومات بين الوكالات التابعة للأمم المتحدة، وعلى الرغم من أن النساء قد يشغلن 25 بالمائة من مقاعد البرلمان العراقي، إلا أن واحدة من كل خمس نساء بين سن 15 و49 عاماً تعاني من العنف الجسدي على يد زوجها. وتشير الأدلة السردية إلى أن "العديد من النساء يتعرضن للاختطاف ويجبرن على ممارسة البغاء،" كما لا يزال ختان الإناث شائعاً في الشمال، حسب التقرير، وفي هذا السياق، قالت الصحفية إيمان خماس أن "أوضاع العديد من النساء والفتيات العراقيات أسوأ مما يمكن أن تصفه الكلمات". وأضافت متحدثة عن نفسها: "لقد كنت فيما قبل صحفية أما الآن فأنا لا شيء، وأوضحت خماس أن هناك مناخاً سياسياً مبطناً يشجع التعصب الذي يضر بالمرأة على نحو متزايد، مشيرة إلى أنها أجبرت على الفرار من العراق بعد تلقيها تهديدات بالقتل أوقفتها فعلياً عن العمل، مثلما حصل للآلاف من العراقيات الأخريات. وتعيش خماس حالياً في إسبانيا.

وقد شهدت مشاركة المرأة في القوى العاملة انخفاضاً حاداً منذ عام 2003. فقبل غزو العراق، كانت النساء يشكلن 40 بالمائة من القوى العاملة في القطاع العام، وفقاً لتقرير صادر عن "براسلز تريبيونيل"، وهي إحدى المنظمات المناهضة للحرب. كما أوضحت خماس أن النساء كن يشكلن مجمل القوى العاملة في بعض المجالات مثل التعليم. .وأشارت إلى "التفكير الأصولي الجديد"، الذي نشأ في أعقاب غزو العراق عام 2003 والذي قامت بفرضه الميليشيات والجماعات المسلحة الرامية إلى إعلاء القانون الديني، كما تسبب انهيار الخدمات الاجتماعية العامة أيضاً في تقليص إمكانية الحصول على الخدمات الصحية والتعليم والوظائف، في الوقت الذي دفع فيه تزايد انعدام الأمن النساء خارج الحياة العامة وأجبرهن على الانعزال في منازلهن، بالإضافة إلى النظام القضائي غير الفعال الذي تسبب في خلق جو من الإفلات من العقاب، حسب خماس، وقد عززت الحكومة المؤيدة لإبقاء النساء في المنزل المواقف المحافظة لمسؤولي القطاع العام، وفقاً لتقرير صادر عام 2007 عن شبكة الموارد الدولية للمرأة MADRE. وأشار هذا التقرير إلى أن "وزارة الداخلية العراقية أصدرت في عام 2006 سلسلة من الإنذارات للنساء بعدم مغادرة منازلهن دون مرافق، مرددة توجيهات القادة الدينيين الذين يحثون الرجال على منع قريباتهم من النساء من العمل [خارج المنازل]". وأضاف التقرير أن "هذا أعطى لأعمال العنف التي تقوم بها الميليشيات في الشوارع دعماً من قبل الزعماء السياسيين الذين يحظون باحترام أكبر ويؤيدون الدعوة إلى خلو القطاع العام من النساء، كما شجع الفقر المتزايد الأسر العراقية على إعطاء الأولوية في التعليم للبنين دون البنات مما يتسبب بدوره في خنق أي فرص مستقبلية للمرأة. وفي هذا السياق، أفادت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسف) في تقرير صادر عنها في سبتمبر 2010 أنه "مقابل كل 100 فتى مسجل في المدارس الابتدائية في العراق، هناك أقل من 89 فتاة فقط". وقد شهدت أرقام التحاق الفتيات بالمدارس تراجعاً تدريجياً في الوقت الذي ترتفع فيه معدلات الانقطاع عن المدرسة في كل عام دراسي. وتشمل عوامل انقطاع الفتيات عن التعليم "المخاطر الأمنية والمواقف من تعليم الفتيات ووضع المدارس بالبلاد ونوع المناهج التي يتم تدريسها والمهارات والمواقف من المعلمين وفقر الأسر"، حسب اليونيسف.

وقد اختارت العديد من النساء، مثل خماس، مغادرة العراق، ولكن اللجوء لا يساهم بالضرورة في إنهاء الصعوبات التي يواجهنها. وتستضيف سوريا المجاورة معظم العراقيين الذين يدخلون في نطاق اهتمام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أي الأشخاص الذين أجبروا على ترك بلادهم خوفاً على سلامتهم دون أن تتوفر فيهم بالضرورة شروط التعريف القانوني "للاجئ، وتشكل الأسر التي تعيلها نساء 28 بالمائة من مجموع العراقيين المسجلين لدى المفوضية في سوريا والبالغ عددهم 139,000 شخص، حسب مسؤولة الحماية بمكتب المفوضية في سوريا، عسير المضاعين. وتفتقر العديد من هؤلاء النساء لتصاريح العمل، مما يضاعف الصعوبات التي تعاني منها الأسر التي تعيلها نساء في البلدان المجاورة، حيث يكافحن لكسب لقمة العيش، وخاصة "دفع الإيجار،" في الوقت الذي لا زلن يحاولن "التكيف مع الضغوط الأسرية والاجتماعية والمجتمعية. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

ويمكن أن يؤدي ضعف النساء إلى تعرضهن للاستغلال، حيث أفادت المضاعين أن "هناك عمليات اتجار بالبشر تحدث بين اللاجئين العراقيين، ولكننا نجهل حجمها وكيفية حدوثها، ووفقاً للتقرير الصادر عن وحدة تحليل المعلومات المشتركة بين الوكالات التابعة للأمم المتحدة، "يتم الاتجار بالضحايا داخلياً وكذلك باتجاه البلدان المجاورة بما فيها سوريا ودول الخليج.

الغزو الأمريكي

فيما حذّرت تقارير صادرة عن عديد المنظمّات الحقوقية العراقية والعالمية من تداعيات استمرار ظاهرة العنف ضد المرأة في البلاد، ويتكرّر مسلسل أعمال العنف بشكل شبه يومية في العراق منذ اجتياح الولايات المتحدة الأمريكية في 2003 وحتى انسحابها في 2011، ذهب ضحيّتها ما يقارب 162 ألف شخص في العراق، 80% منهم مدنيون.. وفق إحصائيات نشرتها منظمة "ايراك بادي كاونت" الإنسانية البريطانية، وقالت مجموعة "أوكسفام" الدولية للمعونة في دراسة نشرتها إثر الانسحاب الأمريكي من العراق إنه "رغم أن الموقف الأمني الإجمالي بدأ يستقر نسبيا، تظل العراقيات، أمهات وزوجات وأرامل وفتيات لا حصر لهن في العراق، في قبضة حاجة ملحة صامتة"، يدفعن ثمن الغزو ويعانين من مخلفاته وآثاره حتى بعد انسحابه، كما أدت الظروف القاسية التي خلّفتها الحرب في نفوس العراقيات إلى دخولهن عالم العمليات الانتحارية؛ وقد شاركت نساء عراقيات في تنفيذ عشرات العمليات التفجيرية في مختلف محافظات البلاد، ومن إفرازات سنوات الغزو انتشار "تجارة الرقيق الأبيض"، حيث تقدر "منظمة حرية المرأة في العراق" اختفاء قرابة 4 آلاف عراقية، خُمسهن تقل أعمارهن دون سن 18 عاما، خلال السنوات السبعة التي أعقبت الغزو الأمريكي، وسلّط تقرير أعدته حركة "التغيير الاجتماعي للتعليم في الشرق الأوسط"، وهي منظمة غير حكومية مقرها لندن الضوء على معاناة الآلاف من العراقيات تم الاتجار بهن لاستغلالهن جنسيا، داخل وخارج العراق، منذ بداية الاحتلال، وكشف التقرير "أن ظاهرة الاتجار بالنساء تظل خافية نظرا لعدة أسباب مجتمعة، منها الفساد ومحظورات دينية وثقافية ولا مبالاة وعدم استعداد السلطات للتصدي لها، وكان موقع "ويكيليكس" أشار إلى أن حالات من القتل والتعذيب والإساءة للمدنيين على أيدي القوات العراقية والأمريكية أعلى بكثير مما هو معلن عنه.

تعدد الزوجات

على صعيد أخر تمضي حنان أيامها في تصفيف شعر زبوناتها من النساء اللواتي يزرن صالون الحلاقة المتواضع الذي تديره، ويحتل الصالون غرفة في منزل حنان الواقع في شارع حيفا في بغداد، يضجّ المنزل بالحياة، وتدل جدرانه المتسخة على ضعف حال صاحبته. تعمل حنان وتعيش في هذا المنزل منذ عشر سنوات مع أولادها الثلاثة، حنان امرأة ذات شخصية قوية تنعكس في صوتها الواثق والعميق. فقدت ثمانية أفراد من عائلتها في الحرب وفقدت زوجها أيضا وبقيت قوية، مع ذلك، استسلمت لحاجتها الى ما تسميه الرجل – الملجأ، وتزوجت من رجل متزوج، حنان واحدة من مليون أرملة عراقية خلفتهن الحرب في العراق، العديدات منهن شابات في مقتبل العمر على رأس عائلاتهن، انضممن الى جيل من النساء في عمر الزواج لا يجدن فرصة له لأن العدد الأكبر من الرجال من جيلهن قتلوا في الحروب، وفي بيئة تقليدية تغلب عليها القيم المحافظة بشكل متزايد، وفي بلد لا يزال يعيش حالة حرب، وجدت هؤلاء النساء أنفسهن في مواجهة حلول غير محبذة في الأوضاع العادية، جاءت السلطات العراقية في بعض المحافظات بحل أثار جدلا كبيرا في العراق وخارجه، كما تقول النائبة في البرلمان العراقي ندى الجبوري، وتقر الجبوري بمشروعية تعدد الزوجات بموجب الشريعة الاسلامية، لكن "يجب ان توضع له قواعد" كما تقول، وللاقتراح جوانب عديدة مثيرة للجدل، فإلى جانب تشجيعه على الزواج المخادع، فهو يخالف القانون العراقي بحسب الناشطة في مجال حقوق الانسان هناء أدوار من منظمة "الأمل" في بغداد، فبموجب قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يتوجب على الرجل ان يحصل على موافقة قاض ليتمكن من الزواج بثانية، تعتقد هناء أدوار ان "عدم الاستقرار السياسي وتدهور المعايير الأخلاقية" في العراق هما سبب هذه الاقتراحات التي تعارض القوانين والأخلاق برأيها، إذ تجعل من المرأة "سلعة" سهلة الشراء والاستفادة منها لأنها تضعها في منزلة متدنية عن الرجل وتعرضها للتعسف الذكوري.

لكن العراق لا يزال في حالة حرب، كما تقول النائبة الجبوري، وتحيل اللوم على "بعض السياسيين والمجموعات الدينية المتشددة التي تروج لتعدد الزوجات بدون قواعد، وتضيف انه على مدى السنوات الماضية تمكنت "مجموعات ارهابية من السيطرة على قرى عراقية بكاملها وروجت فيها تفسيرا خاطئا للشريعة الاسلامية، تقول الجبوري: "يجب ان تتم توعية النساء الى حقوقهن وان توفر لهن الرعاية الاجتماعية والصحية والخيار في تقرير مصيرهن" في نهاية الأمر، "المشكلة تتعلق بكرامة المرأة، لكن كرامة حنان نفسها هي التي دفعتها الى الزواج برجل متزوج ،"فالزواج لا يتعلق بالحاجة المادية فحسب" كما قالت عندما سألتها عن السبب الذي دفعها للاقتران برجل متزوج. وهي قادرة على إعالة عائلتها وأولادها الثلاثة بمفردها، لكن الزواج بالنسبة لها حاجة معنوية، كنت أشعر بانني وحيدة وهشة من دون أحد يدعمني. يمكن لأي كان ان يهاجمني أو يتحرش بي. الرجل حماية، خيمة" وهذا كل ما تطلبه المرأة من الرجل، كما ترى حنان. بحسب البي بي سي.

أرامل العراق

الى ذلك يعيش أكثر من ثلاثة ملايين أرملة عراقية كفاحا يوميا من أجل إعالة أبنائهن بعد أن فقدن أزواجهن جراء الغزو الأميركي للعراق وما نتج عنه من انفلات أمني وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وتحاول اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي مد يد العون لهذه العائلات الميتمة من خلال العمل على إيجاد مورد رزق قار يحقق لها بعض الاستقرار، وتقول إحصائيات لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية إن هناك أكثر من ثلاثة ملايين امرأة تكافح مع أطفالها للبقاء على قيد الحياة في العراق، وقالت إن الإحصائيات المتوفرة لدى المنظمة الدولية تشير إلى وجود ما بين مليون ومليوني أسرة في العراق تعيلها نساء.

العنف الأسري

من جهتها قالت وزيرة شؤون المرأة العراقية ابتهال كاصد الزيدي، إن خُمس نساء البلاد يتعرضن لعنف جسدي ومعنوي، مطالبة بإصدار قوانين لوقف هذه الظاهرة، وأضافت أن أخطر أنواع العنف ضد المرأة، هو العنف الأسري من الأب والأخ والزوج وحتى الابن. وأكدت أن خُمس نساء العراق يتعرضن للعنف بنوعيه الجسدي والمعنوي (النفسي)؛ الأمر الذي يشكل خطراً كبيراً على الأسرة والمجتمع. وطالبت بوقف هذه الظاهرة، معتبرة أن حماية المرأة من العنف واجب إنساني وشرعي ووطني، وهو مسؤولية الدولة والمجتمع. وأشارت إلى أن وقف ذلك يتطلب إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة، وتوفير الحماية القانونية لها، وتوعية المجتمع بالآثار السلبية للعنف ضد المرأة في الأسرة والمجتمع. بحسب فرانس برس.

تجارة الجنس

كما سلط تقرير منظمة بريطانية الضوء على معاناة الآلاف من العراقيات تم الإتجار بهن لاستغلالهن جنسيًا، داخل وخارج العراق، منذ بداية الغزو الأميركي عام 2003، وكشف تقرير "كرامتنا" الذي أعدته حركة "التغيير الاجتماعي للتعليم في الشرق الأوسط"، وهي منظمة غير حكومية مقرها لندن، إن الضحايا يتم نقلهن إلى دول مثل سوريا، والأردن ولبنان، ودولة الإمارات والسعودية، لغاية الاستغلال الجنسي، وذكر واضعو التقرير أن ظاهرة الاتجار بالنساء تظل خافية نظراً لعدة أسباب مجتمعة، منها الفساد ومحظورات دينية وثقافية ولا مبالاة وعدم استعداد السلطات للتصدي لها، وتناول التقرير معاناة الضحايا، وبعضهن تتراوح أعمارهن ما بين عشرة إلى 12 عاماً، فالضحايا بداخل العراق ينتهي بهن المطاف للعمل بنواد ليلية أو بيوت دعارة "أسست، في المقام الأول، لملاقاة الطلب المتزايد من قبل الجنود الأمريكيين، وقالت الباحثة التي شاركت في إعداد الدراسة، إيمان أبو عطا، في جلسة استماع بمجلس اللوردات بلندن، "إن الصمت الكبير إزاء القضية كان الدافع الأكبر وراء التحقيقات التي أجرتها، وتحدثت عن تحفظات قوبلت بها تحقيقاتها لدى إثارة القضية مع السلطات البريطانية والأمريكية، ويشكل الوجود العسكري للدولتين أحد أبرز العوامل المساهمة في القضية، على حد قولها، واعترفت بوجود الاستغلال الجنسي للسيدات في العراق قبل الغزو الأميركي بفترة طويلة، ولكن الحرب وعدم الاستقرار الذي تبع الغزو أدى إلى تهيئة بيئة أصبحت فيها السيدات والفتيات الصغيرات أكثر عرضة للاتجار، وتقدر "منظمة حرية المرأة في العراق" اختفاء قرابة 4 آلاف عراقية، خُمسهن تقل أعمارهن دون سن 18 عاماً، خلال السنوات السبعة التي أعقبت الغزو الأمريكي، الذي أدى لنزوح وتهجير مئات الآلاف من العراقيين، ولا يقتصر الاتجار بالفتيات على العصابات الإجرامية فحسب، بل إن العائلات أصبحت متورطة في تلك الظاهرة بشكل كبير عن طريق بيع الفتيات وإجبارهن على الزواج، من أجل التغلب على الصعوبات الاقتصادية ولحل النزاعات وسداد الديون، من بين النماذج التي ساقها التقرير، حالة "أميرة"، 17 عاماً، والتي وافق والدها على عرض رجل للعناية بزوجته المعاقة، مقابل 200 دولار شهريًا، فبجانب القيام بالأعمال المنزلية، أُجبرت على ممارسة الجنس مع الأبن وأصدقائه، ومن الحالات الأخرى التي استشهد بها التقرير، "شذى" التي تخلى عنها والدها قرب الحدود السورية، وجرى تهريبها إلى العاصمة دمشق حيث تعرضت للاغتصاب من قبل خمسة رجال وبيعت لاحقاً لامرأة أجبرتها للعمل كعاملة جنس بناد ليلي. بحسب السي ان ان.

وفي الأثناء، قالت هوزان محمود، من "منظمة حرية المرأة في العراق" التي نشرت تقريرها الخاص عن الدعارة العام الفائت، إن الحكومة العراقية تعترض عمل الحركة وعملت دون وصولها إلى وسائل الإعلام، وحثت حكومات الدول الغربية بذل المزيد من الضغوط على نظيراتها العربية للعمل على التصدي لظاهرة الاستغلال الجنسي، وعدم إعادة طالبي اللجوء من الضحايا إلى بلادهن حيث قد يتعرضن للاستغلال مرة أخرى، كما دعت لمساهمة رجال الدين بتطويع نفوذهم لتغيير المفاهيم الاجتماعية التي تنبذ وتحط من قدر ضحايا الاستغلال الجنسي، التغيير لن يأتي بسهولة مع استعداد الرجل لدفع المال مقابل الجنس، مضيفة: "المشكلة تكمن بأن هناك طلب وسوق لهذا.. الأمر يتعلق بصناعة المال والربح.

جرائم شرف

وفي العراق، تعرض عدد غير قليل من النساء، في سجن ابوغريب السيئ الذكر، للاغتصاب على أيدي الجنود والحراس الاميركيين على مدى السنوات الماضية، غير أن ذوي معظمهن اقدموا على قتلهن للتخلص من العار وتنظيف سمعة العائلة والقبيلة. وتقول العراقية ليما نبيل التي تشرف على مركز لحماية الفتيات الهاربات ومساعدتهن: «تعرضت النساء في ذلك السجن للتعذيب اكثر من الرجال، وانها شاهدت بأمّ عينها اغتصاب الاميركيين لخمس فتيات، وان معظم الاناث اللواتي كنّ فيه تعرّضن للاعتداء الجنسي، كما ينقل فيسك عن مصادر دقيقة وموثوقة للغاية في واشنطن، وعلى صلة قريبة من دوائر البنتاغون تأكيدها ان «هناك سلسلة مرعبة من حوادث الاغتصاب قامت بها عصابة من المهووسين جنسياً ضد النساء في ابوغريب وسجون عراقية اخرى»، مشيرا الى ان هناك قراراً حازماً بعدم نشر أي صور عن هذه الحوادث، حرصاً على عدم تأجيج الامور وتصعيد الاستياء الشعبي والرسمي من سجن ابوغريب الذي اكتسب سمعة سيئة ومقيتة للغاية على مستوى العالم، وعدم زيادة موقف ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما صعوبة وتعقيداً. بحسب البي بي سي.

اغتصاب

على صعيد ذو صلة وفي أحد المنازل، غير البعيدة عن بغداد، تجثم ذكريات رعب وفزع بالنسبة لهدى وعائلتها، التي تصف ما جرى لها في عام 2005، حين دخل مقاتلو القاعدة قريتها، وتقول هدى: حينما دخل إلى المنزل كان وجهه مغطى بقناع أسود وكنا أنا وأبنائي خائفين، إذ كان يحمل سلاحا في يده، وأرغمني على الذهاب معه إلى الغرفة، وحرصا منا على سلامة هؤلاء النساء، لن نكشف عن أسمائهن أو هوياتهن، فقد قام الرجل بدفعها أرضا ووجه سلاحه نحوها مهددا إما بقتلها أو قتل أبنائها إن لم تمتثل لمطالبه، وعلى سرير الزوجية فعل المغتصب فعلته، وتقول هدى إن الرجل عاد مرة ثانية فيما بعد، ولكنها لم تتعرف إلى هويته أو حتى اسمه، وتضيف: حبسنا هنا، فقد هدد بقطع أعناقنا إن تركنا المنزل، وكان زوج هدى قد قتل قبل ثماني سنوات نتيجة للعنف الذي ساد أرجاء مختلفة من البلاد، أما أبناء هدى الخمسة، فكانوا يسجنون في الغرفة المجاورة لغرفة نوم والدتهم في كل مرة تتعرض فيها للاغتصاب، ورغم ذلك لم تنج الابنة الكبيرة، التي سنسميها نور هي الأخرى من الاغتصاب، وهي لا تزال في الخامسة عشرة من عمرها، تقول نور: كانوا يأخذون أي فتاة يريدون، لقد جاء لي، وكان يأتي فقط في منتصف الليل ووجهه مغطى بالكامل، وتتذكر الأم تلك الليلة بالقول إن ابنتها زينب أصيبت بالإغماء وكانت حالتها مأساوية جدا، إلا أنها لم تستطع الاستعانة بالجيران لأنها إن فعلت فستكشف كل ما حصل، واليوم وبعد هروب رجال القاعدة من المنطقة تبقى هدى ونور وأطفالهما، فلدى نور طفلة في الثانية من عمرها أسمتها ورود لا تحمل أي أوراق ثبوت رسمية. بحسب السي ان ان.

تقول نور: أخبرني موظفو الحكومة أن لا دليل على أن هذه الطفلة ابنتي أو أنني كنت متزوجة، أما الأم فلديها طفل عمره ست سنوات، إذ تقول: في كل مرة أرى ابني، أتذكر ما مررت به، من الصعب أن أحبه، ولكنني أذّكر نفسي أنه بريء ولا ذنب له، ويبقى العدد الحقيقي للأطفال الذين ولدوا نتيجة لعمليات الاغتصاب المرعبة والمخيفة مجهولا.

حقوق المرأة العراقية مهددة بدرجة كبيرة

من جهة أخرى قالت الأمم المتحدة إن حقوق المرأة والفتيات العراقيات مهددة بدرجة كبيرة في المنزل والمدرسة ومكان العمل وأيضا في المحافل السياسية، وجاء في بيان أصدره صندوق رعاية الطفولة (يونيسيف) إن المرأة تعول أسرة من بين كل عشر أسر في العراق حيث يهدد العنف حريات النساء ويحد الفقر من إمكانية حصولهن على الخدمات الاساسية بما في ذلك الرعاية الصحية، وقال روجر رايت ممثل اليونيسيف المختص بشؤون العراق الذي يتخذ من العاصمة الاردنية عمان مقرا له "المرأة يجب ان تكون شريكا على قدم المساواة (مع الرجل) في مستقبل العراق لكن حقوقها مهددة بالضياع دون تحرك ايجابي لحمايتها، وتترمل كل يوم عشرات العراقيات وبدأت الاسر التي تحاول التكيف دون عائل لها تشكل عبئا على الخدمات الاجتماعية وذلك وفقا لليونيسيف الذي يقول أن الحقوق المتساوية للمرأة هي مفتاح المجتمعات القوية، وأظهرت احصاءات الامم المتحدة إن 14 في المئة فقط من النساء العراقيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 16 و60 عاما يشتغلن حاليا مقابل 68 في المئة من الرجال. وذكر اليونيسيف إن المرأة التي تغادر منزلها بحثا عن عمل تعرض نفسها وأطفالها للخطر، وأضاف "مع تنامي المخاطر التي تتعرض لها الفتيات اللاتي يذهبن الى المدارس وجدت أعداد متزايدة من الاسر نفسها مضطرة للاختيار بين التعليم وسلامة بناتها، وقال اليونيسيف إن تمثيل المرأة في الحكومة العراقية مازال "متدنيا بطريقة غير متناسبة" وانها تشغل فقط 25 في المئة من مقاعد البرلمان. بحسب رويترز.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/آذار/2012 - 11/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م