الانتخابات الايرانية... تغيير قادم أم تكرار لسيناريو سابق؟

شبكة النبأ: يتسابق اكثر من 3444 مرشح ايراني للفوز بعضوية البرلمان الايراني المكون من 290 مقعد وسط توقعات مؤكدة بقلة اعداد المصوتين، ويرى بعض المراقبين الذين رجحوا تلك الفرضية ان نسبة المشاركة ستكون اقل من المتوقع بسبب عزوف اغلب الإيرانيين عن المشاركة فيها لانشغالهم بأمورهم الاقتصادية وحياتهم اليومية التي اصبحت شغلهم الشاغل بعد اقرار قوانين العقوبات الاقتصادية التي فرضت على بلادهم بسبب ملفها النووي، هذه التوقعات دفعت السلطات الايرانية الى دعوة الناخبين للمشاركة الفعالة في هذه الانتخابات وتضيع الفرصة على اعداء ايران ، فقد دعت السلطة ووسائل الاعلام الرسمية الى مشاركة كثيفة من اجل الرد على "تهديدات اعداء" النظام. وفيما قرر قسم من المعارضة الاصلاحية مقاطعة الانتخابات للاحتجاج على القمع الذي تعرضت له منذ اعادة انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد المثيرة للجدل في 2009، كثف التلفزيون برامجه حول هذه الانتخابات التشريعية والدعوات الى مشاركة كثيفة فيها.

وقال المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي انه "عبر المشاركة في الانتخابات التشريعية، سيوجه الشعب الايراني الذي شارك بالملايين (في تظاهرات ذكرى الثورة الاسلامية في 11 شباط/فبراير) ضربة قاسية جديدة للعدو". لكن ضعف النقاشات السياسية والمحصورة عموما بمختلف تيارات المحافظين الحاكمين، وعدم وجود رهانات سياسية واضحة يضفيان اجواء رتيبة على فترة ما قبل الانتخابات.

واذا كان سمح ل3444 مرشحا بخوض الانتخابات لشغل مقعد في مجلس الشورى الذي يضم 290 مقعدا، فان المعركة ستكون محصورة بين المحافظين المنقسمين اكثر من اي وقت مضى ضمن تحالفات انشئت ظرفيا وتوجهاتها غامضة في غالب الاحيان. واحد ابرز المتنافسين في هذه المواجهة هو "الجبهة المتحدة للمحافظين" المقربة من رئيس مجلس الشورى الحالي علي لاريجاني ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف.

وتشدد هذه الجبهة على معارضتها للرئيس احمدي نجاد وتدعو الى اعتماد المزيد من "العقلانية" في العمل السياسي. وهذا التيار المهيمن على مجلس الشورى المنتهية ولايته، يواجه "جبهة ثبات الثورة الاسلامية" المحافظة ايضا والتي تقدم نفسها على انها المدافع الفعلي عن نهج المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية وتندد بسياسة لاريجاني وقاليباف "اللينة" تجاه المعارضة. وهذا التحالف يدافع عن الرئيس احمدي نجاد مع التنديد بمدير مكتبه اصفند يار رحيم مشائي العدو اللدود للمحافظين بسبب رؤيته لاسلام منفتح وقومي. اما المقربون من احمدي نجاد الذي يبدو انه كان لديه في احد الاوقات مشروع تقديم مرشحيه الخاصين قبل الازمة السياسية التي قسمت تيار المحافظين في 2011، فلم يظهروا حتى الان. وفي الايام الماضية بدأت الصحافة الحديث عن وجود مرشحين منفردين مدعومين ضمنيا من الحكومة لا سيما في المحافظات.

وبينما يكافح الاقتصاد لمواجهة العقوبات الغربية المرتبطة ببرنامج ايران النووي المثير للجدل، وعزلة ايران المتنامية يؤثران بشكل متزايد على الحياة اليومية للايرانيين، فان هذه المواضيع كانت شبه غائبة حتى الان عن الحملة. وقرر الاصلاحيون الذين عانوا من حملة القمع التي ادت الى حظر ابرز حركتين من تيارهم وارسلت ابرز شخصياتهم الى السجن او تم وضعهم في الاقامة الجبرية، الى حد كبير مقاطعة الانتخابات. بحسب فرنس برس.

وقدمت بعض الاحزاب الاصلاحية الصغيرة بضع لوائح مرشحين في طهران والمحافظات على امل الحفاظ على وجودهم في مجلس الشورى. ويضم المجلس المنتهية ولايته حوالى 60 نائبا اصلاحيا. ولم يتخذ الرئيس الاصلاحي السابق محمد خاتمي موقفا بعد. في المقابل فان سلفه المحافظ اكبر هاشمي رفسنجاني الذي تشهد علاقته مع السلطة الحالية فتورا، قدم دعما ضمنيا للاصلاحيين عند استقباله وفودا من حركاتهم قررت المشاركة في الانتخابات.

وانتخابات مارس هي الاولى منذ الانتخابات الرئاسية التي جرت في يوليو تموز عام 2009 المختلف على نتائجها والتي فاز فيها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد بفترة ثانية مما ادى الى اندلاع احتجاجات شعبية استمرت ثمانية اشهر وقمعتها الحكومة. ومن المتوقع ان يفوز المرشحون الموالون للزعيم الاعلى اية الله علي خامنئي المعادي للغرب والرافض لجهوده للحد من أنشطة طهران النووية في الانتخابات على حساب المرشحين الموالين لاحمدي نجاد في منافسة بين المحافظين المتشددين. وقال سياسيون ان مجلس صيانة الدستور الذي يضم ستة من رجال الدين وستة من القضاة ويتولى فحص طلبات الترشح استبعد كثيرين من انصار الرئيس مما اضطره الى اختيار مرشحين مغمورين أصغر سنا. وينتقد أنصار خامنئي بشدة حكومة أحمدي نجاد بسبب سياستها الاقتصادية. وارتفعت اسعار السلع الغذائية ارتفاعا كبيرا في الاسابيع القليلة الماضية بسبب انخفاض سعر الريال الايراني والضغوط التي تشكلها العقوبات الدولية على المؤسسات المالية الايرانية بسبب برنامج طهران النووي المثير للجدل.

لشعارات اسلامية

في السياق ذاته هيمنت صور خامنئي وأقواله على اللافتات الانتخابية في انحاء طهران. ومن بين هذه الاقوال عبارة "الانتخابات علامة على حيوية الامة ووعيها" التي قالها خامنئي وظهرت على لافتة بأحد الطرق السريعة الرئيسية بالعاصمة. وتناقض هذه الحملة الرصينة مع الحملات الصاخبة التي ميزت الانتخابات في السنوات الاخيرة. ويستعين حتى انصار أحمدي نجاد بصور خامنئي لجذب الناخبين نظرا لانخفاض شعبية الرئيس الذي يلقى باللوم على سياساته في الازمة الاقتصادية التي تشهدها ايران. وتتصدر صورة خامنئي لا صورة احمدي نجاد الموقع الالكتروني لجبهة انصار الحكومة الاسلامية وهي الحزب الرئيسي الممثل لحلفاء احمدي نجاد. وقال محلل سياسي في طهران طلب عدم نشر اسمه "حلفاء احمدي نجاد ينحون جانبا خلافاتهم مع القائد (الاعلى) مؤقتا من اجل مزيد من الاصوات ... انهم يريدون ان يخلقوا صورة توحي بأن الرجلين مقربين جدا." وتنقل لافتة أقيمت في شارع ولي عصر بوسط طهران -وضعتها بلدية العاصمة- عن خامنئي قوله "كلما ازدادت حيوية الانتخابات كلما كبرت عظمة الامة الايرانية في أعين الاعداء." بحسب رويترز.

وتعرض اللافتة التي تروج لجبهة الاصوليين الموالية لخامنئي صورا لمؤسس الجمهورية الاسلامية ايه الله الخميني وللزعيم الاعلى الحالي مع شعار يعد ببناء "بيت يناسب الشعب الايراني." ومن جهته حث رجل الدين المتشدد احمد خاتمي المرشحين على عدم "اساءة استخدام" شعبية خامنئي في حملاتهم والتركيز بدلا من ذلك على خططهم لتحسين حياة المواطنين. وهناك علامات على ان الاقبال على التصويت في المدن الكبرى سيكون ضعيفا بما يعكس احباط وغضب كثير من الناخبين تجاه مشكلاتهم الاقتصادية المتفاقمة. ويعتقد محللون ان الاقبال على التصويت سيكون اعلى في القرى والبلدات الصغيرة. وقال محلل ثان في طهران طلب ايضا عدم نشر اسمه "لا توجد انتخابات هذه المرة. هذه أكثر الانتخابات فتورا على الاطلاق. ليست هناك منافسة وهذه الانتخابات لا علاقة لها بالناخبين وانما تتعلق بمن يحصون الاصوات. "على الرغم من ان الامة الايرانية يصعب التنبؤ بسلوكها فهناك فرصة كبيرة ان يبقى اغلب الناس في المدن الكبيرة بعيدا عن الانتخابات." وتوقع مسؤولون ان تصل نسبة الاقبال الى نحو 60 في المئة. لكن ما زالت هناك مخاوف من ان استطلاعات الرأي لم تستطع الحصول على الرأي الحقيقي للإيرانيين. وقال مسعود بزشكيان عضو البرلمان الايراني انه يجب بذل مزيد من الجهد لجذب اهتمام الناخبين. ونقلت عنه وكالة انباء الطلبة الايرانية قوله "يجب ان تصبح الجامعات والمساجد ميادين نقاش بين المرشحين لخلق المزيد من الاهتمام حول الانتخابات." وقال فخري هوشمندي (53 عاما) في طهران "لن ادلي بصوتي .. حتى لو اردت فلن اعرف لمن اعطي صوتي. لا توجد ملصقات كافية في الشوارع." وقال علي (46 عاما) رجل الاعمال الغني الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة "لم أحسم أمري بعد بشأن التصويت لا اعتقد ان صوتي سيعني شيئا حقا لكن لان غيابنا يشجع اعداء ايران على شن حرب فسوف أدلي بصوتي لكن لصالح شخص ينتقد احمدي نجاد."

انتخابات صورية

 في سياق متصل نقل موقع سحام نيوز التابع للزعيم الايراني المعارض مهدي كروبي اتهامه للمؤسسة الاسلامية باعتزام اجراء انتخابات برلمانية "صورية" واعتقل كروبي وزوجته فاطمة في وقت سابق حين حث أنصاره على التجمع لعقد مؤتمر حاشد في طهران دعما للانتفاضات التي تجتاح العالم العربي. وسمح لزوجته فيما بعد بالخروج للعلاج لكنه لايزال قيد الاقامة الجبرية. وقال موقع سحام نيوز ان زوجته نقلت عنه خلال لقائهما قوله "المسؤولون لا يؤمنون بتصويت الناس ويعدون أنفسهم لانتخابات صورية." وقال الموقع ان زوجة كروبي نقلت عنه ايضا قولة "تريد السلطات تكرار ما فعلته في انتخابات عام 2009 حين حرمت المرشحين من خوض الانتخابات وحشت صناديق الاقتراع بأصوات مزيفة وخلقت أجواء من الخوف في البلاد." وخاض كروبي (73 عاما) ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي وهو قيد الاقامة الجبرية مع زوجته ايضا الانتخابات ضد الرئيس محمود احمدي نجاد في 2009 . بحسب رويترز.

وأصبحا رمزين للاحتجاجات التي شارك فيها كثيرون بعد الانتخابات ممن اعتقدوا أنها زورت حتى يتولى الرئيس احمدي نجاد الحكم لولاية ثانية. وتنفي السلطات الايرانية الاتهام وصورت الاحتجاجات على أنها محاولة مدعومة من الخارج لتقويض نظام الحكم الاسلامي. واعتقل الاف بينهم اصلاحيون بارزون بعد انتخابات 2009 بتهمة اذكاء العنف. وأطلق سراح أغلبهم منذ ذلك الحين لكن اكثر من 80 شخصا صدرت أحكام بسجنهم لمدد تصل الى 15 عاما فيما صدرت أحكام بإعدام خمسة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 3/آذار/2012 - 9/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م