المغرب... رياح التغيير تربك السلطة وتحفز الاسلاميين

علي معاش

 

شبكة النبأ: أسوة بنظيراتها من الدول العربية سعت المغرب الى معانقة رياح التغيير التي هبت على المنطقة، ولاحت العديد من بوادر الاحتجاجات التي استطاعت السلطة احتوائها وان الى حين، حيث نجح المخاض الشعبي في انجاب اول حكومة منتخبة في تاريخ المغرب.

الا ان لا تزال العديد من التحديات تواجه تلك الدولة على صعيد الاصلاح السياسي والاقتصادي، حيث لا يزال سلطان الملك يمثل عقبة صلبة في طريق البناء الديمقراطي ومكافحة الفساد المستشري في مفاصل المؤسسات العامة، الى جانب استمرار بعض السياسات التعسفية المتبعة.

السجن 3 سنوات ل"اهانة شخص" الملك

فقد افادت المنظمة المغربية لحقوق الانسان ان محكمة الاستئناف في مدينة تازة المغربية (شمال شرق) حكمت على شاب مغربي بالسجن ثلاث سنوات ل"اهانة شخص" الملك محمد السادس عبر موقع الكتروني. وجاءت ادانة عبد الصمد الهيدور (24 عاما) بعد اقراره امام المحكمة بانه الشخص نفسه الذي ظهر في شريط مصور عبر الموقع المذكور. واوردت مواقع الكترونية مغربية نشرت الخبر ان محامين رفضوا الدفاع عن الهيدور.

فيما اكد مسؤول رفيع المستوى في وزارة الاتصالات المغربية ان صحيفة ال باييس الاسبانية التي تنشر فصولا من كتاب حول العاهل المغربي الملك محمد السادس اعتبرتها السلطات المغربية "افترائية" وممنوعة من التوزيع.

واوضح هذا المسؤول ان الصحيفة التي نشرت هذه الفصول "الافترائية والتي لا تستند الى ادلة" قد "اساءت الى صورة جلالته والى مؤسسات البلاد". ويحمل الكتاب الذي سيصدر في فرنسا في الايام المقبلة عنوان "الملك المفترس". واشترك في اعداد هذا الكتاب كل من كاترين غراسييه واريك لوران.

وقال المسؤول المغربي ايضا ان "منع توزيع الصحيفة لا علاقة له بحرية التعبير. انها افتراءات"، ملمحا الى ان ال باييس زادت هذا النوع من المقالات في وقت تشهد فيه العلاقات بين المغرب واسبانيا تحسنا كبيرا على الصعيد الثنائي مع عدد كبير من الزيارات الرسمية من الجانبين.

كما منع ايضا توزيع عدد من ال باييس مؤخرا بسبب كاريكاتور عن الملك محمد السادس. واعلنت وزارة الاتصالات ان "قرار المنع قد اتخذ تطبيقا للمادة 29 من قانون الصحافة التي تحظر اي مساس بشخص الملك". واضاف "في هذا الرسم الكاريكاتوري، ثمة ارادة متعمدة لتشويه الصورة والاساءة الى شخص الملك". ويأتي منع ال باييس فيما منعت مجلات فرنسية اسبوعية في الشهرين الماضيين في المغرب بسبب رسوم عن النبي محمد او عن الله تحظرها الشريعة الاسلامية.

وفاة عاطل عن العمل احرق نفسه

من جهة أخرى توفي احد خريجي الجامعة العاطلين عن العمل اللذين اضرما النار في نفسيهما في 18 كانون الثاني/يناير في الرباط، حسبما اعلن طبيب في مستشفى ابن رشد في الدار البيضاء. وصرح الطبيب الذي رفض الكشف عن هويته ان "عبد الوهاب زيدون توفي حوالى الساعة الخامسة (بالتوقيت المحلي وتوقيت غرينيتش) متاثرا بجروحه".

وكان الشاب البالغ من العمر 27 عاما حاول احراق نفسه بعد ان سكب وقودا على نفسه في العاصمة. ونقل بعد اصابته بحروق من الدرجة الثانية الى مستشفى في الدار البيضاء (80 كلم جنوب الرباط) لتلقي العلاج في وحدة متخصصة. وكان زيدون الحائز دبلوما في التوثيق من جامعة فاس (وسط) ضمن مجموعة من خريجي الجامعات يشاركون منذ اسبوعين في اعتصام في مبنى تابع لوزارة التربية في الرباط للمطالبة بوظائف في القطاع العام.

وقال الطالبة اسماء متحدثة باسم مجموعة الخريجين "نحن تحت الصدمة ولا نعرف ماذا سنفعل. حاليا سنواصل اعتصامنا". واضافت ان عشرات من خريجي الجامعات توجهوا الى الدار البيضاء بعد اعلان وفاة الشاب، للتجمع امام مستشفى ابن رشد. واظهر تسجيل فيديو عرض على الانترنت والشبكات الاجتماعية خمسة رجال يسكبون الوقود على انفسهم خلال الاعتصام الا ان السائل لم يشتعل الا على اثنين منهم.

وانتشر هذا النوع من الاعمال خلال الفترة الماضية في بلدان شمال افريقيا منذ احراق التونسي محمد البوعزيزي نفسه في كانون الاول/ديسمبر 2010 نفسه ما شكل الشرارة الاولى للربيع العربي الذي انطلق من تونس وانتقل الى مصر وليبيا. ويتظاهر الاف المغاربة حائزي الشهادات الجامعية والعاطلين عن العمل بشكل شبه يومي منذ سنوات للمطالبة بوظائف في القطاع العام.

المغرب يحتاج الي قوانين لتجريم التعذيب

في سياق متصل حث نشطاء من مجموعة من المنظمات الحقوقية في المغرب السلطات على وضع قوانين لتجريم استخدام التعذيب قائلين ان بعض المسؤولين الامنيين يمارسونه. واشارت المنظمات الاربع عشرة ومن بينها الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الانسان -اهم المنظمات الحقوقية في المغرب- والفرع المحلي لمنظمة العفو الدولية الي ان التشريعات الحالية تكتفي بادانة التعذيب وان بعض المسؤولين يمارسونه ويفلتون من العقاب.

وقالت في بيان انه بعد ست سنوات من وضع المغرب لقانون يدين التعذيب فانه ما زال يمارس بشكل فعال وحقيقي. واضافت ان استخدام التعذيب يمتد الي جميع مناطق البلاد ويتعرض له كثير من الشبان والنساء والرجال في الشوارع وأقسام الشرطة.

ولم توثق المنظمات حالات بعينها. لكنها قالت ان التعذيب يتنوع من الاستخدام المفرط للقوة ضد الاحتجاجات السلمية الي الاعتقالات الوحشية واستجواب اشخاص بعد القبض عليهم احيانا في مراكز احتجاز سرية لا تخضع لاي شكل من المراقبة او السيطرة.

ونظم المغاربة سلسلة احتجاجات العام الماضي مستلهمين الربيع العربي وفرقت الشرطة بعضها بضرب المتظاهرين بقسوة. وفي حين ان تلك الاحتجاجات كانت متواضعة اذا قورنت بانتفاضات في دول عربية اخرى فان ثمانية اشخاص على الاقل قتلوا في المغرب.

وقالت المنظمات الحقوقية ان قانون العقوبات في المغرب يفتقر الى تعريف واضح للتعذيب ويعاني ضعفا في الاجراءات الجنائية التي تضمن عدالة التحقيقات في قضايا التعذيب.

وتحدثت ايضا عن استمرار الحصانة من العقاب التي يتمتع بها مسؤولون يستخدمون التعذيب أو يأمرون به وخصوصا المسؤولون الامنيون وبعض مسؤولي وزارة الداخلية. وسئل مسؤول بوزارة العدل التعقيب على البيان فقال ان الحكومة على علم ببعض "الحالات الفردية" للتعذيب وانها ستضع قانونا أكثر حزما لمكافحته. ولم يذكر اطارا زمنيا.

حذر بعد تعيين أول حكومة اسلامية في المغرب

في حين عبر صحفيون ومحللون عن تفاؤل حذر بعد تعيين أول حكومة اسلامية في تاريخ المغرب جاءت في ظل احتجاجات "الربيع العربي" في حين عبر البعض عن خيبة الأمل. وعين العاهل المغربي محمد السادس أعضاء الحكومة الجديدة على رأسهم الوزير الاول عبد الالاه بن كيران الامين العام لحزب العدالة والتنمية الاسلامي المعتدل الفائز في الانتخابات التشريعية التي جرت في 25 نوفمبر بحصوله على 107 مقاعد.

واستأثر حزب العدالة والتنمية بأكبر عدد من المناصب الحكومية (11 منصبا) مقارنة بالاحزاب الثلاثة الاخرى المتحالفة معه وهي حزب الاستقلال (6 مناصب) وحزب الحركة الشعبية (4 مناصب) وحزب التقدم والاشتراكية (4 مناصب).

كما عينت شخصيات لا تنتمي لاحزاب سياسية في مناصب حكومية ليبلغ مجموع الوزراء 31 وزيرا. وعلق المحلل السياسي المغربي محمد ضريف بالقول ان التوقعات "كانت كبيرة بالنسبة لتشكيل هذه الحكومة لانها جاءت في ظرف الربيع العربي وحراك الشارع المغربي." وأضاف "هناك خيبة كبيرة لان كل ما قاله رئيس الحكومة عبد الالاه بن كيران لم يتحقق."

وقال ان أول هذه الاشياء التي لم تتحقق هي تقليص عدد الحقائب الوزارية حيث بلغت في النهاية 31 في حين كان بن كيران قد صرح في وقت سابق أنه يمكن تقليص عدد الحقائب الوزارية الى 20 منصب كحد أدنى. وأضاف كما أن تشكيلة الحكومة تغيرت أكثر من مرة بسبب مستشاري الملك. وقال "في اخر المطاف ظهر أن محيط الملك تحفظ على العديد من الاسماء."

وقال ضريف أن "أكبر خيبة أمل هي وجود امرأة واحدة وزيرة." وكانت الحكومة السابقة تضم سبع وزيرات كما ضمت حكومات سابقة نساء.

ومن جهتها قالت صحيفة الصباح المستقلة "أول ملاحظة ذات بعد سياسي نرى أن الحكومة الجديدة تضم امرأة وحيدة وهو ما يمكن اعتباره تراجعا كبيرا مقارنة مع الحكومة السابقة." وأضافت الافتتاحية "هذا يعني أن أحزاب التحالف الحكومي لم تقتنع بأهمية دور المرأة."

ومن جهتها كتبت صحيفة المساء المستقلة التي يوجد رئيسها المؤسس في السجن "حكومة بن كيران والاحزاب الثلاثة اليوم أمام المحك. انها باكورة حكومات مغرب ما بعد دستور 2011. وهو أول دستور في عهد الملك محمد السادس. ويعلق عليه المغاربة آمالا عريضة." جاءت هذه الحكومة بعد الانتخابات التشريعية المبكرة في 25 نوفمبر الماضي.

ويعلق كثير من المغاربة أمالا كبيرة على الحكومة الجديدة بعد وعود بالاصلاح اثر احتجاجات الربيع العربي التي وصل تأثيرها الى المغرب تمثلت في خروج عدد من الشباب خاصة شباب حركة 20 فبراير مطالبين بالاصلاح ومحاربة الفساد ودستور جديد.

وكان العاهل المغربي قد طرح الدستور الجديد للاستفتاء في يوليو تموز الماضي وحصل على موافقة الاغلبية. لكن عددا من النشطاء والحقوقيين اعتبروه "دستورا ممنوحا" كغيره من الدساتير وليس منبثقا من الشعب باعتبار أن العاهل المغربي عين لجنة لصياغة نسخته الجديدة.

وقالت سلمى شرف الطالبة الجامعية (23 عاما) وهي تطالع عناوين الصحف في الشارع الرئيسي بالعاصمة "أظن أنه من السابق لأوانه تقييم الحكومة الحالية خصوصا أن الهم الرئيس للمغاربة هو ما ستقدمه هذه الحكومة من عمل وليس تشكيلتها." وأضافت "ولكن رغم ذلك أشعر بخيبة أمل لان هناك وجوها لم أتوقع رؤيتها مرة أخرى باعتبار أنها سبق ومرت في حكومات سابقة ولم تغير من الواقع المغربي شيئا." وقالت "لقد وعدونا بالجديد لكن هذا الجديد كان باليا."

وفوجيء عدد من الصحفيين والمراقبين بعدد الوزراء المنتدبين على رأس الوزرات الهامة وخاصة فيما يعرف بوزارات السيادة مثل الداخلية والخارجية.

وتولى محند العنصر من حزب الحركة الشعبية وزراة الداخلية لكن الشرقي الضريس المدير العام للامن الوطني (الشرطة) هو الوزير المنتدب في الداخلية. كما أن سعد الدين العثماني وزير الخارجية من حزب العدالة والتنمية يشرف عليه يوسف العمراني كوزير منتدب في الخارجية وألحق بحزب الاستقلال في اخر لحظة. وقال ضريف ان"الوزراء المنتدبون هم بمثابة حكومة ثانية موازية لحكومة بن كيران." وأضاف "الوزراء المنتدبون من المتوقع أن يمارسوا دورا أقوى."

كما يعتبر مراقبون أن تعيين العاهل المغربي لعدد من المستشارين الجدد للاحاطة به بعد فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات بمثابة حكومة ظل تعمل بالموازاة مع حكومة بن كيران. وقال ضريف "هذا صحيح لانه يبدو منذ اقدام الملك على تعيين مستشارين مكلفين بمهمات خاصة سواء في الامن أو الخارجية أو الجهوية أو الملفات المالية أن المغرب يدخل في تجربة جديدة."

وأضاف "ربما لان سلطات البلد لا تثق بشكل كاف في كفاءات حزب العدالة والتنمية لذلك أرادت أن تكون هناك حكومة ظل جاهزة." وقال ان هذا التأثير بدا واضحا من خلال تأخير اعلان الحكومة واعادة هيكلتها في أكثر من مرة باقتراح واعتراض من مستشاري الملك.

فرض نظام أخلاقي متشدد

على صعيد متصل قال عضو كبير في حزب العدالة والتنمية أول حزب إسلامي يقود حكومة بالمغرب إن الحزب لن يفرض نظاما أخلاقيا متشددا لكنه سيدعم الفنون التي تعكس التراث الثقافي المغربي.

وجاء فوز الحزب في الانتخابات البرلمانية بعد فوز مماثل حققه حزب اسلامي اخر في تونس في أعقاب انتفاضات "الربيع العربي" في المنطقة. وقال محمد يتيم عضو الامانة العامة للحزب "نحن في العدالة والتنمية لا نبالي بالحياة الخاصة للاشخاص وليس من مهامنا التدخل لا في عقائد الناس ولا في تصرفاتهم.

"أولوياتنا هي تحسين الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمغاربة. لكن ولابد أن تكون للحكومة الجديدة سياسة في هذا المجال .. لكن لن تكون شرطة الاخلاق مثلا" مفندا مخاوف من أن انتصار الحزب يمكن أن يؤدي الى توتر على غرار ما حدث بين الاسلاميين والعلمانيين في تونس.

ومن شأن فرض نظام أخلاقي متشدد ان يشكل تحديا لقطاع السياحة المغربي الذي يمثل عشرة في المئة من الناتج المحلي الاجمالي ويعمل به نحو 450 الف شخص. لكن يتيم قال ان حزب العدالة والتنمية لن يجبر السياح على ارتداء الحجاب.

وقال "فيما يخص الاداب العامة والاخلاق العامة والاماكن العامة هناك قوانين تنظمها. لكن لن نرغم النساء على ارتداء الحجاب لان ديننا دين تسامح حتى الله سبحانه وتعالى يقول ..لا اكراه في الدين.. كما هناك اية (تقول) لست عليهم بمسيطر.

وكان مسؤولون كبار في الحزب قد انتقدوا في السابق مهرجانات موسيقية بوصفها خليعة رغم أن الملك محمد السادس دعم مثل تلك الاحداث مرارا. وقال يتيم ان مثل تلك الاحداث سوف تزدهر في عهد حكومة الحزب اذا ساهمت في دعم الثقافة المغربية.

وكان سياسيون من حزب العدالة والتنمية قد أبلغوا المطرب البريطاني المثلي التون جون بأنه غير مرحب به في المغرب لان وجوده على حد قولهم من شأنه أن يشوه صورة المملكة. ورغم ذلك أحيا جون حفلا حضره الالاف.

ولم تركز احتجاجات الشوارع التي انتقدت المهرجانات على الجانب الاخلاقي وانما على الاجور الضخمة التي يحصل عليها نجوم مثل شاكيرا وكاني ويست في بلد يقبع نحو ربع سكانه تحت خط الفقر.

وقال يتيم "لم نكن يوما ضد الفن والثقافة كنا دائما ضد تبذير المال العام في المهرجانات" معتبرا أن حصول الفنانين على مبالغ طائلة "من شأنه أن يخلق نوعا من الحقد من طرف المواطن الفقير." وأضاف "بالرغم من أن حجتهم أن هذه المهرجانات لا تمول من الميزانية العامة وانما من أصحاب الشركات الخاصة ولكن مهما يكن فهذه الاموال المغرب أولى بها في منافع أخرى .. هناك أولويات."

ومضى يقول "نحن لسنا ضد المهرجانات ولذلك جميع المهرجانات ستبقى وربما ستزدهر أكثر. نحن مع المهرجانات التي تساهم في الرقي بثقافتنا ولا تبذر المال العام. برنامجنا هو خلق ثقافة وطنية ... تساهم في ترسيخ الهوية الوطنية والهوية التاريخية مع احترام قيم الجمال والذوق العام والمواطنة والتضحية."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 29/شباط/2012 - 6/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م