شبكة النبأ: يرى الكثير من المراقبين
للأحداث في سوريا ان حقيقة ما حقيقة ما جرى هو اختطاف سافر لاحتجاجات
مشروعة مطالبة بالإصلاح والديمقراطية وتحويلها الى صراع طائفي واثني
غير مسبوق في تلك الدولة الشامية.
حيث لعبت الجماعات الوهابية السلفية المدفوعة من قطر والسعودية على
اذكار الفتنة الطائفية في سوريا، مستغلة تأثير رياح التغيير العربي
لتصفية حسابات سياسية قديمة مع الحكومة السورية.
فقد اغضبت دمشق طيلة العقد الماضي حكام الخليج لتمسكها بخيار دعم
حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية أبرز حلفاء ايران في المنطقة
الى جانب سوريا، الى جانب تمسكهما بخيار العنف في مواجهة الاحتلال
الاسرائيلي.
وتنقل العديد من وسائل الاعلام أنباء عن بوادر خطيرة للإقتتال
الداخلي بين طوائف ومكونات الشعب السوري، خصوصا بعد ان نجحت الجماعات
التكفيرية في تحويل الاحتجاجات الى معركة طائفية مع النظام ومؤيديه من
الشعب.
قتال حتى النهاية
أذ يرى محللون ان الاقلية العلوية المسكونة بهاجس الاذلال الذي
تعرضت له لقرون، ستقاتل حتى النهاية للاحتفاظ بالحكم في سوريا في
مواجهة غالبية سنية تنظر اليها على انها كيان مغتصب للسلطة.
الا انه في حال هزيمة نظام الرئيس السوري بشار الاسد المنتمي الى
هذه الطائفة، فان العلويين قد يعمدون الى اقامة كيان مستقل في الجبل
والساحل الشمالي الغربي، تجنبا لخياري النفي او الموت، وفقا للمحللين.
ويقول مدير مجموعة البحوث حول البحر المتوسط والشرق الاوسط في مدينة
ليون الفرنسية فابريس بلانش ان "العلويين يخشون من انتقام السنة".
ويضيف ان مسار الاحداث بلغ "نقطة اللاعودة، حيث بات على النظام ان يسحق
المعارضة، والا فانه هو الذي سيسقط".
ويبدي النظام السوري تصميما على انهاء حالة التمرد معتمدا القمع
الذي ادى الى مقتل اكثر من ستة آلاف قتيل في 11 شهرا بحسب ناشطين
حقوقيين، وعمق الهوة بين العلويين والسنة.
ويشير بلانش العالم الجغرافي، الى انه "بهدف حماية انفسها، فان
وحدات النخبة في القوات العسكرية، التي يسيطر عليها العلويون او تتشكل
منهم، ستقاتل حتى النهاية كونها تخشى ان يكون مصيرها كمصير الحركيين".
ويشير بلانش بذلك الى المقاتلين الجزائريين الذين جندوا في صفوف الجيش
الفرنسي ابان الثورة الجزائرية، ثم قتلوا او اجبروا على الهروب الى
فرنسا بعد الاستقلال.
وبالنسبة الى المحاضر في جامعة ادنبره طوماس بييريه فان هناك "خشية
من ابادة الطائفة العلوية في حال سقوط الاسد"، وذلك ردا على القسوة
الكبيرة التي تعتمدها قوات النظام في مواجهتها لحركة التمرد.
وتعرضت الطائفة العلوية التي تمثل 12 بالمئة من سكان سوريا، على مدى
قرون للاحتقار والاضطهاد اللذين ولدا البؤس في نفوس اتباعها. وظهر
المذهب العلوي في العراق في القرن التاسع ميلادي على ايدي محمد بن
نصير، احد اتباع الامام علي الهادي، عاشر ائمة الشيعة.
واذا كان الشيعة يمجدون علي بن ابي طالب، ابن عم النبي محمد، فان
العلويين يحسبونه الها، حيث يؤمنون بان محمد ليس سوى الحجاب الذي يغطي
"الحصن" المتجسد بعلي. كما يعتبرون ان الصحابي سلمان الفارسي هو
"بوابة" المعرفة.
وتحظر الطائفة العلوية الافصاح عن الاسس التي تقوم عليها، تحت طائلة
الاعدام، علما ان العلويين الذين يؤمنون بالتقمص لا مساجد لهم، وهم لا
يؤدون واجب الصيام لدى المسلمين ولا الحج، ويسمحون بشرب الكحول، فيما
ان نساءهم لا يضعن الحجاب. كما انهم يحتفلون باعياد المسلمين
والمسيحيين ايضا. بحسب فرانس برس.
وكان العالم الاسلامي السني المتشدد احمد بن تيمية (1263-1328) يرى
في العلويين "الد اعداء المسلمين"، ويعتبر ان "الجهاد ضدهم واجب ايماني
عظيم". في العام 1920، اسست فرنسا التي كانت في ذلك الحين قوة منتدبة،
منطقة حكم ذاتي للعلويين.
وبهدف تشجيعهم على الاندماج في الدولة المستقبلية، حصل هؤلاء
القوميون السوريون في وقت لاحق على فتوى من الحاج امين الحسيني، مفتي
الديار الفلسطينية، تعترف بالعلويين كمسلمين، وتدعو المسلمين من
المذاهب الاخرى الى التعاون معهم "على البر والتقوى".
وانخرطت اعداد كبيرة من العلويين في الاكاديميات العسكرية خلال فترة
الخمسينيات، وتبنت افكار العروبة وعلمانية حزب البعث. وحمل انقلابان
عسكريان (1963 و1966) العلويين الى الحكم، فيما امتعض الكثير من
البرجوازيين السنة من فكرة وصول "ابناء الخادمات" الى الحكم، وفقا
لبلانش. وتحول بعدها الجبليون الذي لطالما احتقروا، الى المسؤولين عن
البلاد، واستثمروا نفوذهم الجديد في المناطق الساحلية حيث يشكلون
الغالبية، طرطوس واللاذقية وبانياس وجبلة.
ويرى خبراء ان سقوط نظام الاسد قد يدفع نحو احتمال بروز "كيان علوي".
ويقول برونو باولي، مدير الدراسات العربية في المعهد الفرنسي للشرق
الادنى في بيروت انه "نظرا لهذا المازق، فان النظام قد يجد نفسه مضطرا
للانطواء على نفسه في المنطقة الساحلية بهدف خلق كيان مستقل".
بدوره يرى بلانش انه "في حال زادت حدة الصراع، فان مصير سوريا قد
يكون كمصير يوغوسلافيا، حيث انه قد تكون هناك دويلة علوية" عاصمتها
اللاذقية.
الهوة الطائفية
الى ذلك بدأت التوترات قبل عدة أشهر بنظرات ريبة من الجيران.. بعد
ذلك تحول الامر الى تهديدات ثم هشمت سيارتهم وكتبت عبارات طائفية مسيئة
على بابهم.
في ذلك الحين قال مالك العقار ان الوقت حان لرحيل عائلة خالد السنية
عن حي كرم اللوز الذي تسكنه أغلبية علوية شيعية في مدينة حمص وهي
المدينة التي دمرت فيها العلاقات الطائفية بعد 11 شهرا من الانتفاضة ضد
حكم الرئيس السوري بشار الاسد.
قال خالد الذي كانت أسرته الفقيرة المكونة من سبعة أفراد تعيش في
هذا الحي منذ 15 عاما وحتى الشهر الماضي "عندما فررنا.. كنا نعامل
كمجرمين... حمص ضحية للثورة السورية."
وحتى قبل أن تبدأ القوات الحكومية قصفا مدفعيا للمناطق التي تسكنها
أغلبية سنية في حمص قبل نحو ثلاثة أسابيع لمحاولة القضاء على المعارضة
كانت المدينة مقسمة طبقا لاعتبارات طائفية. ويخشى البعض ان يكون هذا
نذيرا بحرب أهلية.
وأذكى القصف والقتل والخطف الغضب والخوف بين الاغلبية السنية
والاقلية العلوية مما دفع السكان الى الفرار واللجوء الى مجموعات من
نفس طائفتهم. ويقول عمال اغاثة انهم لا يعرفون تحديدا عدد النازحين
السوريين من مناطق مضطربة مثل حمص التي يسكنها مليون نسمة ويقدرون أنهم
بالالاف.
ومن يملك المقدرة المادية فيمكنه التوجه الى العاصمة دمشق. لكن
أغلبهم مثل خالد وأخوته الذين يكسبون قوت يومهم من أعمال الطلاء أو
قيادة سيارات الاجرة. وهم يفرون الى قرى أو أحياء مجاورة تنتمي لنفس
الطائفة. بحسب رويترز.
وقال خالد (30 عاما) في مكالمة هاتفية من حمص "من الان فصاعدا لن
نحاول أبدا أن نعيش في منطقة خارج 'أحيائنا'." وشأن خالد شأن كل السكان
الذين أجري معهم مقابلات فقد طلب عدم نشر اسم عائلته خوفا على سلامته
الشخصية.
كان سكان حمص يتجاهلون أو على الاقل لا يتحدثون جهرا عن الاختلافات
الطائفية لكن قادة الانتفاضة ضد حكم عائلة الاسد العلوية الذي استمر
أكثر من 40 عاما هم من السنة مما جعل التوترات التي ظلت خافية لزمن
طويل تظهر على السطح.
ويشعر أبو أحمد (33 عاما) وهو علوي بنفس مخاوف خالد السني فيما
يتعلق بالعيش وسط طائفة أخرى غير التي ينتمي لها. فر من حمص متوجها الى
ميناء طرطوس حيث يمثل العلويون أغلبية. وقال "أعتقد أن ثلث العلويين من
حمص موجودون الان هنا في طرطوس.. هناك الاف العلويين في طرطوس والقرى
المجاورة."
كان أبو احمد وهو متزوج من سنية ولديه طفلان رجل أعمال ثريا يعيش في
حي الانشاءات الذي كان حيا للاثرياء تسكنه أغلبية سنية في حمص. أغلق
مطعمه ومصنع الرخام بسبب الاضطرابات وغادر المنطقة قبل عدة أشهر عندما
تلقى تهديدات عبر البريد الالكتروني وتحذيرات مكتوبة كانت توضع تحت باب
منزله.
وجاء في احدى رسائل البريد الالكتروني التي تلقاها "حمص ليست لك.
ومن الافضل ان تتركها بدلا من أن ترى ابنك برصاصة في رأسه."
قال أبو أحمد "بعد ما حدث سأضحي من أجل أي علوي.. سوف أعرض عليهم
المساعدة حتى ان لم أكن أعرفهم شخصيا... لماذا.. لاني أرى كيف يعاملنا
السنة." ومضى يقول "علاقتي بزوجتي طيبة.. لكن من أجل طفلي كان من
الافضل أن أتزوج من علوية."
ويقول سكان ان الاحياء الواقعة بين مناطق السنة والعلويين تشبه مدن
الاشباح. كما يفر المسيحيون من حمص التي كانت محورا للانتفاضة وكانت
مستهدفة بشدة من قوات الامن السورية. وسكان مدينة حمص والمحافظة ذاتها
يمثلون على الاقل ثلث ما يزيد على خمسة الاف شخص قتلوا في سوريا منذ
اندلاع الانتفاضة.
وفر عابد (26 عاما) الى دمشق مع أبويه واخوته الاربعة قبل نحو شهر.
وكان القصف والقتال يزداد حدة مع احكام القوات الحكومية تطويقها لحي
باب السباع الذي يمثل معقلا لقوات معارضة.
قال عابد "كان الوضع سيئا للغاية لدرجة أننا بدأنا ننام في الردهات
لاننا كنا نخاف جدا من احتمال اطلاق النار علينا من نوافذ غرفنا.. هكذا
قتل جارنا... كنا نرى القناصة وهم يسيرون على الاسطح في الشارع وكان
هذا يروعنا."
بعد ذلك بدأت قوات الامن تداهم منزل الاسرة بشكل متكرر. وقال عابد
انهم كانوا يهددون والديه ويفحصون أجهزة الكمبيوتر لمعرفة ما اذا كان
أي شخص يبحث في محركات البحث عن كلمات منها "بشار" و"شهيد" و"ثورة".
وكان والد عابد الذي يعمل في مجال مبيعات السيارات يدخر ما يكفي من
المال للخروج بأسرته من حمص. وقال عابد "أعتقد أن نصف السكان في
الاحياء السنية المجاورة تركوا المكان... كان كل ما يمكننا أخذه معنا
هو الملابس وكنا من المحظوظين... فمن لا يملكون شيئا مضطرون للبقاء
والمكوث في منازلهم."
وفي طرطوس يفكر أبو أحمد في منزله القديم لكنه يخشى ألا تتسنى له
فرصة العودة قبل سنوات. وقال "الوضع في حمص سيستمر هكذا لزمن طويل. لن
نرى نهاية سريعة لهذا الوضع."
ومنذ أن ترك منزله اتصل به الجيران ليبلغوه بأن منزله نهب. كما أن
ابن عمه الذي خطف قبل أشهر ما زال مفقودا.
وقال متنهدا "تعرضنا للظلم فحسب بسبب انتمائنا لنفس طائفة النظام."
ومضى يقول "عائلتي تعيش في الانشاءات منذ 150 عاما. لقد ولد والدي وجدي
هنا... لكني لا أجرؤ على العودة.. هذا مؤلم بالنسبة لي. أنا ابن حمص."
التطهير الطائفي
من جهتها تقول مراسلة صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية شارلوت
ماكدونالد-غبسون في تقرير بعثت من سوريا ويتضمن لقاءات مع افراد من
الطائفة العلوية وبعض المسيحيين السوريين انه "يفر اعضاء الاقلية
العلوية في سوريا من بيوتهم ويختبئون مرعوبين من ان يصطادهم ثوار
مدفوعون بالرغبة في الانتقام فيما يخضع المزيد من مناطق البلاد لسيطرة
المقاتلين الذين يحاولون الاطاحة بالرئيس بشار الاسد.
ومع ان بلداناً كثيرة القت بثقلها تأييداً للمعارضة، بمصادقة
الجمعية العامة للامم المتحدة على قرار يدعو الرئيس الاسد الى التنحي
عن السلطة واعلان بريطانيا التزامها بمساعدة مقدارها مليونا جنيه
للسوريين المتأثرين بالقتال، فان الوضع يبقى عصيباً.
وتنقل شارلوت ماكدونالد: عاشت وفاء احمد، وهي بائعة بوالص تأمين من
عائلة علوية من الطبقة الوسطى، حياة هادئة في السنوات الـ42 الماضية.
ولكن عندما سئلت عن المذبحة الحالية في مدينتها حمص، انفجرت بالبكاء
الغضب الشديد وعبرت عن دعمها الحازم للهجوم الضاري الذي يشنه الرئيس
الاسد.
وقالت للـ "اندبندنت": "اذا كنت قاتلاً، فلا بد من قتلك. إما انت او
انا - ماذا تظنين؟ انها مسألة وجود: حياتك او حياتي. انا لست قاتلة،
ولكني مستعدة لأن ان اتسلح وأقتل اذا كان هذا سينهي ما يحدث الآن". ان
الخوف هو الذي يحرك سخط وفاء احمد.
وتبدو على العلويين والمسيحيين ندب التأثر بتجربة مصر حيث جلبت
الاطاحة بالرئيس حسني مبارك مزيداً من الاضطهاد للمسيحيين وصعوداً
للاحزاب السياسية الاسلامية. وانتظر مصير اسوأ الموالين للنظام في
ليبيا حيث عاقبت الميليشيات المسلحة بوحشية اولئك الذين اعتبروا مؤيدين
للعقيد للراحل العقيد معمر القذافي.
وبينما يبذل اعضاء كثيرون في المعارضة قصارى جهدهم لابقاء ثورتهم
علمانية، فان تقارير من مسؤولين اميركيين عن دخول مقاتلين متطرفين سنَة
وآخرين مرتبطين بـ"القاعدة" الى سوريا من العراق تزيد من إذكاء المخاوف
وتخدم رواية النظام عن تمرد اسلامي.
وقال مهندس دمشقي، وهو مسيحي يدعم المعارضة ان "الطائفية كانت
موجودة في المجتمع السوري وهم (نظام الاسد) استغلوها ولعبوا فيها
لعبة".
بالنسبة الى وفاء احمد، بدأت المضايقة قبل ستة اشهر عندما علقت
ملاحظة مكتوبة على منزل عائلتها في حي من احياء حمص تقطنه غالبية ساحقة
من السنة. قالت الملاحظة: "يجب ان تغادروا وإلا فستموتون". ولذلك رحلت
عائلتها المكونة من سبعة يافعين وخمسة اطفال الى منطقة مسيحية ارمنية.
وقالت ان معظم جيرانها العلويين فعلوا نفس الشيء. وبينما يجهد كل من
طرفي الصراع لاظهار انه هو الذي يستطيع حماية الاقليات، فان عائلة
الاسد هي التي لها سجل طويل من هذه الناحية.
وقال بطرس اسبر، وهو قس في الكاتدرائية الارثوذكية اليونانية
المريمية في دمشق (صورته منشورة مع التقرير): "نحن نؤيد هذه الحكومة
لأنها جيدة بالنسبة الينا...ليس علينا ان ندفع كلفة الكهرباء في
الكنائس او المساجد. وليس علينا ان ندفع كلفة الماء". وبيما كان يتحدث،
شارك مئات من المسيحيين والمسلمين في مهرجان برعاية النظام لاظهار مدى
اتحاد الاديان – وهو حدث قال انصار المعارضة ان هدفه هو عمل النقيض ودق
اسفين بين مجموعات السكان المتنوعة. وقال المهندس الدمشقي: "يوجد ميل
لقول ان النظام السوري يحمي الاقليات. ولكن الاسد لا يحمي الاقليات –
انه يحمي نفسه من الاقليات". |