في اندونيسيا... لا طعام إلا الأرز!

 

شبكة النبأ: يرى بعض الخبراء أن محاولة اندونيسيا فطام سكانها من الأرز تعثرت بسبب غياب المحاصيل الغذائية البديلة والارتباط الثقافي بحبوب الأرز.

فبعد الارتفاع القياسي الذي شهدته أسعار الغذاء في عام 2008، أطلقت الحكومة حملة وطنية في عام 2009 لخفض استهلاك الأرز عن طريق تشجيع المواطنين على عدم استهلاك الأرز لمدة يوم في الأسبوع، كما تمت دعوة جميع المحافظات البالغ عددها 33 لتعزيز إنتاج محاصيل أخرى غير الأرز.

ولكن الحملة لم تحقق سوى نجاحاً محدوداً للغاية. وهو ما علق عليه موليونو مكمور، مستشار وزير الزراعة الإندونيسي، بقوله أنه "ينبغي على الحكومة أن تولي اهتمامها بالمزارعين وأن تقدم لهم ضمانات تطمئنهم أنهم سيستفيدون من زراعة محاصيل أخرى مثل المنيهوت. ولا يتم حاليا تقديم أي دعم للأسمدة أو الحبوب أو أي ضمان للأسعار أو لوجود مهتمين بشراء المحاصيل الأخرى بخلاف الأرز".

وتضمن وكالة الخدمات اللوجستية الحكومية أسعار الأرز عن طريق دفع "السعر الحكومي للشراء" وتوزيع الأرز المدعوم على الفقراء.

ووفقاً لمصادر حكومية، يأتي إنتاج الأرز على رأس المحاصيل الأخرى بدرجة كبيرة حيث أنتجت البلاد 37 مليون طن من الأرز في عام 2011، و تليه بمعدلات إنتاج أقل بكثير محاصيل أخرى مثل المطاط الطبيعي وجوز الهند وزيت النخيل والمنيهوت.

ويرى مكمور أن تنويع العناصر الغذائية عبر إضافة محاصيل محلية مثل البطاطس والذرة والمنيهوت من شأنه أن يخفف من تأثير ارتفاع أسعار الأرز على الأمن الغذائي بالبلاد.

وكان بنك التنمية الأسيوي قد حذر في بداية هذا الشهر من أنه ينبغي على جنوب شرق آسيا الاستعداد لارتفاع محتمل في أسعار الغذاء.

وطبقا للمكتب المركزي للإحصاء، يستهلك الإندونيسيون في المتوسط 113 كجم من الأرز سنويا معظمه من الأرز الأبيض. وعلى الرغم من أن ذلك يعد انخفاضاً عن متوسط الاستهلاك في عام 2010 الذي بلغ 139 كيلوغرام من الأرز إلا أنه لا يزال مرتفعاً، حسب مكمور الذي قارنه بمتوسط الاستهلاك في دول مثل ماليزيا واليابان حيث لا يتعدى 80 و60 كيلوغرام سنويا على التوالي.

مرض السكري

يرى مؤيدو الحملة أن خطوة خفض استهلاك الأرز تهدف، بالإضافة إلى تعزيز الأمن الغذائي، من شأنها أيضا أن تساهم في تحسين صحة الناس من خلال تناولهم وجبات غذائية أكثر تنوعاً وتوزاناً.

وقد توصلت دراسة أجرتها كلية هارفرد للصحة العامة في الولايات المتحدة عام 2010 إلى أنه من بين مائتي ألف شخص الذين شملتهم الدراسة، واجه المشاركون الذين كانوا يتناولون خمس وجبات أو أكثر من الأرز الأبيض في الأسبوع زيادة في معدل خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني بنسبة 17 بالمائة.

وتشير التقديرات المستقاة من أحدث دراسة صحية على مستوى البلاد إلى أن 6 بالمائة تقريبا من السكان الإندونيسيين (حوالي 13,3 مليون شخص في عام 2007) مصابون بمرض السكري.

وأشار مكمور إلى أن اندونيسيا، التي تعد أكبر أرخبيل في العالم حيث تضم 17 ألف جزيرة، تعتبر موطنا لـ77 نوعا من أنواع الأرز. وهناك اعتقاد سائد بين سكانها أن من لم يأكل الأرز فكأنما لم يأكل شيئا، حسب المثل الشعبي المحلي.

وكانت الحكومة قد قامت في عام 2010 إثر الاستجابة الشعبية الضعيفة لحملة خفض استهلاك الأرز بتغيير دعوتها من "يوم واحد بلا أرز" أسبوعيا إلى "وجبة واحدة بلا أرز" يوميا. ولكن سكان هذه البلاد التي تتم فيها زراعة واستهلاك 90 بالمائة من الأرز في العالم لا زالوا يقاومون تلك الدعوة.

جذور الارتباط بالأرز

أفاد تيجو واهيو جاتميكو، منسق التحالف من أجل القرى المزدهرة، وهي منظمة غير حكومية محلية تعمل من أجل توفير الغذاء في المناطق الريفية، أن هناك تصور خاطئ بين الإندونيسيين مفاده أن الفقراء فقط هم الذين يأكلون المحاصيل الأخرى.

كما أكد أهسول هاسيم، مدير معهد بحوث الخضروات الإندونيسي، أن نفس وصمة العار تنطبق على مستهلكي الفواكه والخضروات، مضيفاً أن "الناس في إندونيسيا يأكلون الأرز ثلاث مرات في اليوم وإذا لم يفعلوا ذلك فإن الآخرين يعتقدون أنهم يواجهون صعوبات اقتصادية".

وهو ما أكده جاتميكو بقوله أن "هناك تصور بأنك إذا أكلت الأرز أو القمح فإنك تعيش حياة مزدهرة. أعتقد أن القضية تتمثل في كيفية تقديمنا لسلع مثل البطاطس والمنيهوت لجعلها أكثر جاذبية للإندونيسيين". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

وأضاف جاتميكو أن الحكومة السابقة للرئيس سوهارتو روجت للأرز كرمز للرخاء في السبعينيات وهذه الصورة طُبعت في الأذهان بالرغم من أن 75 بالمائة من أفقر سكان العالم يعتمدون على الأرز، طبقاً للمعهد الدولي لبحوث الأرز في مانيلا.

وكان الرئيس سوهارتو قد أطلق "الثورة الخضراء" في عام 1969 بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز. وفي عام 1984 تجاوز الإنتاج المحلي للأرز الاستهلاك للمرة الأولى. وعلق جاتميكو على الموضوع بقوله أن "الإندونيسيين في ذلك الوقت، بدءاً من إقليم أتشيه وصولاً إلى بابوا، أُجبروا على أكل الأرز".

ولكن العديد من الإندونيسيين اعتمدوا في طعامهم، قبل أن يصبح الأرز المحصول الغذائي الرئيسي على الصعيد الوطني، على الذرة والبطاطس وغيرها. وحسب جاتميكو "استخدم الرئيس سوهارتو الأرز كأداة سياسية لوقف مد الشيوعية لأنه أعتقد أن الناس لو حصلت على غذاء جيد فسيصعب جذبهم نحو الشيوعية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/شباط/2012 - 3/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م