مكتبة سودان بوكشوب... نضال لأجل البقاء

 

شبكة النبأ: يغطي الغبار عددا من الكتب المنسية منذ خمسين سنة ربما على الرفوف في مكتبة "سودان بوكشوب" التي فتحت ابوابها قبل 110 اعوام. وقد تمر ثلاثة أسابيع من دون بيع كتاب واحد منها، على ما يقول مدير المكتبة العام الطيب محمد عبد الرحمن الذي يزاول هذه المهنة منذ عقود. لكن إقفال المكتبة التي تعود إلى 110 سنوات والتي يعتقد عبد الرحمن أنها الأقدم في السودان "وفي افريقيا ربما" ليس واردا. فيقول عبد الرحمن "إنه مكان شهير"، موضحا أن الكثيرين يقولون له "أرجوك افعل ما في وسعك للحؤول دون إقفال المكتبة". وتقع "سودان بوكشوب" في شارع صغير في وسط الخرطوم مليء بالنفايات، وتعكس "ثقافة الكتب" التي نشأت في ظل الاستعمار البريطاني والمصري وفي السنوات التي تلت الاستقلال أي بعد العام 1956، على ما يقول المؤرخ عبد الله علي ابراهيم. ويضيف ابراهيم "من المحزن جدا" رؤية المكتبة تتداعى مع تداعي دور الكتاب في المجتمع السوداني. ويتابع "كانت المكتبة واجهة هذه المدينة. أما اليوم فهناك مطاعم ومراكز تجارية مكتظة جدا".

ويقول عبد الرحمن البالغ من العمر 62 عاما إنه رأى وثائق تؤكد أن "سودان بوكشوب" فتحت أبوابها سنة 1902. وقد تولى ثلاثة رجال أعمال بريطانيين إدارة المكتبة في بداياتها قبل أن تنتقل ملكيتها إلى الحكومة السودانية في أواخر الستينات ثم إلى عبد الرحمن. ويقول هذا الأخير الذي مرض اخيرا فاضطر إلى إقفال المكتبة موقتا على الأقل "كان القادة في تلك الحقبة... يأتون إلى هنا لقراءة الكتب وشرائها". ويشير إلى أن كتب اللغة الانكليزية والقرطاسية كانت تأتي من لندن فيما كانت المجلدات العربية تأتي من لبنان ومصر، مضيفا أن كتبا سودانية عدة كانت تطلب من أوروبا وبلدان افريقية أخرى.

ويشك ابراهيم المؤرخ في أن تكون "سودان بوكشوب" الأقدم في القارة الافريقية لكنه يرجح أن تكون المكتبة الأولى التي أنشئت في السودان. وقد تكون أيضا الأولى التي باعت كتبا عربية، علما أن هذه الكتب انتشرت في الأربعينات مع بروز الحركة القومية السودانية. ويقول ابراهيم "كان المفكرون في الثلاثينات يحبون الاختلاط بالبريطانيين وقراءة وشراء الكتب نفسها التي يقرأها ويشتريها هؤلاء". وبحلول الستينات، نشأت أربع مكاتب بريطانية مهمة في وسط المدينة قرب نهر النيل لكن بعضها زال وبعضها الآخر يتداعى مثل "سودان بوكشوب"، على حد قول ابراهيم البالغ من العمر 69 عاما.

والتنزه داخل المكتبة أشبه بالتنزه داخل متحف. فبالقرب من المدخل الرئيسي نجد الكتب الانكليزية ومنها نسختان من كتاب "بتر كريكت فور بويز" الذي صدر سنة 1965 والذي يحوي صورا بالأبيض والأسود عن تقنيات لعب الكريكت. ومن بين هذه الكتب أيضا كتاب "مشكلة الاتحاد السوفياتي في العالم العربي" ونسخ من "ذي جنغل بوك" ونسختان من الكتاب الطبي "بروكتولوجي". ولكن الكتب كلها ليست قديمة، على ما يؤكد عبد الرحمن الذي يبيع أيضا دراسات أكاديمية جامعية صدرت في العقد الأخير وقواميس حديثة. أما الكتب العربية فعددها أكبر وهي مكدسة على رفوف معنونة "كتب انكليزية".

وإلى يسار الباب الرئيسي نجد القرطاسية التي تضم مفكرات حمراء مغطاة بالغبار تعود إلى العام 1988 وسائل لتنظيف آلات الطباعة وأشرطة لاصقة. ويقول عبد الرحمن "لم يعد الكثيرون اليوم يبحثون عن كتب أو قرطاسية كما في الماضي". ويعزي السبب إلى بروز التكنولوجيات الحديثة والانترنت وإلى الوضع الاقتصادي المتردي في السودان. ويقول عبد الرحمن الذي يزاول مهنة إضافية ولا يعتمد ماديا على المكتبة وحدها إن المداخيل انخفضت بشكل ملحوظ فيما ارتفعت تكاليف إدارة المكتبة. ويوضح أن مدخول المكتبة لا يكفي ليغطي فاتورتي الهاتف والكهرباء والايجار الشهري البالغ 1800 دولار تقريبا. بحسب فرنس برس.

أما ابراهيم فقد تساءل منذ 15 سنة تقريبا عما إذا كانت "سودان بوكشوب" قادرة على الصمود.

ويقول "لقد تدهورت بشكل كبير وهي تبدو مهجورة". ويشير هذا البروفسور الذي تابع دراسته في الولايات المتحدة وترشح للانتخابات الرئاسية في السودان سنة 2010 إلى أن الشعور القومي الذي برز بعد الاستقلال إدى إلى تراجع دور اللغة الانكليزية في النظام التعليمي المحلي. وبحسب الأمم المتحدة، تبلغ نسبة من يعرفون القراءة والكتابة في السودان 61 % فقط. ويقول ابراهيم "كان الأدب الانكليزي مرغوبا جدا هنا لكن الوضع مختلف اليوم". إلى ذلك، زالت أفكار القومية والاشتراكية والماركسية التي ساهمت حتى الستينات في ازدهار الكتب، على حد قول ابراهيم الذي يأسف "كثيرا" لزوال ثقافة القراءة. أما عبد الرحمن فلا يفقد إيمانه بالكتب على الرغم من التقلبات التي يشهدها عمله كمدير للمكتبة ويقول "أنا، طيب عبد الرحمن، أعتقد أن لا شيء أهم من الكتاب".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/شباط/2012 - 30/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م