تونس... ديمقراطية التشدد السلفي!

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: تشهد الساحة التونسية تحركات الجديدة لبعض الجماعات السلفية التي وجدت لها متنفس من الحرية بعد اسقاط نضام الحكم التي قيدتهم بمجموعة قوانين للحد من توسعهم، تلك التحركات تثير مخاوف العديد التونسيين وترفها الاحزاب العلمانية بشكل قطعي خصوصا بعد تنامي انتشار بعض المضامين والافكار المتشددة لهذا التيار التي ادت لحدوث بعض المشاكل، ويرى بعض المراقبين ان تلك التجمعات السلفية ستسعى جاهدة الى اثبات وجودها في الساحة التونسية الامر الذي قد يؤدي الى حدوث نزعات داخلية تسبب في سقوط ضحايا ابريا خصوصا مع وجود دعوات خارجية تعمل لتجديد ونشر الفكر السلفي في هذه البلاد، ففي جامع حي التضامن بالعاصمة التونسية تزاحم نحو ألفين من أنصار الجماعة السلفية بين قائم وجالس للاستماع الى درس للشيخ الخطيب الادريسي في دلالة قوية على العودة العلنية لهذا التيار في البلاد في ظل الحكومة الائتلافية التي تقودها حركة النهضة الاسلامية. ودعا الادريسي وهو من ابرز شيوخ السلفية في تونس انصاره خلال الدرس الى عدم الوقوع في "فخ الاستفزازات" وحماية الدين الاسلامي بالاساليب الدعوية دون ان يتضمن خطابه أي اشارة للعنف. غير أن ظهور التيار السلفي بقوة في تونس بعد أن كان مشتتا بسبب القمع خلال حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي أثار مخاوف لدى الطبقة العلمانية التي ترى ان قيمها اصبحت مهددة في ظل ما تقول انه تزايد العنف الديني بسبب الاختلاف في الاراء. وأصبح بامكان السلفيين التمتع بحرية التحرك بعد ان أمضوا سنوات في عهد بن علي في السجن بموجب قوانين مكافحة الارهاب. واتاحت الاطاحة ببن علي لحركة النهضة الاسلامية المعتدلة الحصول على الترخيص القانوني لتفوز في اول انتخابات حرة في تاريخ البلاد بينما لاتزال بقية الحركات الاسلامية محظورة.

وفي حين تمكن التيار السلفي من تحقيق نتائج قوية مفاجئة في الانتخابات المصرية لا يزال السلفيون في تونس يرفضون المشاركة في أي انتخابات ويرفضون الديمقراطية ولم يبدوا اي اهتمام بالسلطة. لكن ظهور بوادر العنف في تحركات بعض السلفيين اصبح مبعث قلق متزايد في تونس وهي المخاوف التي غذتها اشتباكات وقعت بين مسلحين اسلاميين وقوات الامن وانتهت بمقتل متشددين واعتقال ثالث. وقال وزير الداخلية علي العريض ان المسلحين لهم صلات بتنظيم القاعدة واضاف انه تم تفكيك "تنظيم ارهابي" ينوي اقامة امارة اسلامية في تونس. وفي وقت سابق تعرض صحفي وناشط حقوقي لاعتداء امام محكمة في تونس اثناء نظر قضية ضد قناة نسمة التلفزيونية بسبب بثها فيلما ايرانيا يجسد الذات الالهية. واتهمت وسائل اعلام محلية مجموعات سلفية بتدبير الاعتداء. وسعيا للتصدي لهذا التيار دعت منظمات وأحزاب علمانية الى مظاهرة حاشدة شارك فيها حوالي عشرة الاف شخص طالبوا الحكومة بوقف التطرف الديني وحماية الحريات المهددة في ظل ما يعتبرونه صمتا من جانب الحكومة على تجاوزات السلفيين.

وقال حمادي الرديسي وهو نشط حقوقي تعرض لاعتداء على يد شاب ملتح "هناك توسع لمجال السلفية والتشدد الديني نتيجة تواطؤ الحكومة مع هذا التيار. انا ضحية عنف قد ينال اي شخص اخر نتيجة اختلاف فكري وهذا امر خطير جدا". واضاف الرديسي خلال المظاهرة التي شارك فيها قادة احزاب بينهم زعيم المعارضة نجيب الشابي "انها صيحة فزع من المجتمع المدني الذي يدافع عن نفسه ضد تيار ديني جارف. وقد يحدث الاسوأ اذا لم يتم معالجة الامر".

لكن سلفيين يرون أن هناك محاولات لتضخيم ما يجري وتوجيه الاتهام لهم لتخويف الناس من الاسلامين. وقال الشاب سلفي محمد الصفاقسي "لسنا دعاة عنف ولكنهم يريدون جرنا للعنف جرا من خلال الاستهزاء بالدين والالحاد سنواصل منهجنا السلمي بالدعوة للإسلام." وأضاف "يحاولون ايهام الناس بفزاعة السلفية والتشدد الديني حتى يبعدوا الناس عن دينهم وحتى يروجوا لمشروعهم الفرنسي الامريكي في المنطقة." ويضيف في أحد مقاهي منطقة العمران "ننصح الاخوان بألا يسقطوا في الاستفزاز وان لا يردوا على العنف الفكري بعنف فكري او جسدي حتى لا نعطيهم الفرصة". ورفض كثيرون من قيادات التيار السلفي التحدث معتبرين أن الظروف لا تسمح مع تزايد الاتهامات للتيار السلفي بالوقوف وراء العنف. ومما زاد قلق العلمانيين تسبب عشرات الطلبة السلفيين في تعطيل الدروس لنحو شهر في كلية الاداب في منوبة قرب العاصمة تونس. واعتصم عشرات الطلبة السلفيين في الكلية مطالبين بفصل الذكور عن الاناث وانشاء مسجد والسماح للمنقبات بدخول الجامعة. وتسبب الاعتصام في اشتباكات بين طلبة اسلاميين واخرين يساريين يتهمون السلفيين بمحاولة فرض ارائهم بالقوة. بحسب رويترز.

ونفى السلفيون هذه الاتهامات وقالوا ان اعتصامهم سلمي وانهم يطالبون بحرية اللباس وحقهم في مسجد في الجامعة في بلد مسلم. وينقسم اتباع السلفية في تونس الى قسمين رئيسيين.. تيار جهادي ينادي بالجهاد لنصرة الاسلام واخر علمي يعتمد على الدعوة الدينية. ويقدر مراقبون عدد اتباع التيار السلفي في تونس بحوالي 20 الفا لكن انصار التيار أنفسهم يقولون ان العدد أكبر من ذلك بكثير.

ويتهم العلمانيون السلفيين بأنهم يماسون عنفا جسديا ولفظيا ولايتوانون عن تكفير خصوهم. وخلال مظاهرة ضد قناة نسمة رفع محتجون شعارات بينها "عار عار يا كفار" ضد صحفيين علمانيين. وقالت صحيفة المغرب المحلية انها تلقت تهديدات بقتل صحفيين يعملون بها وحرق مقرها. وقالت الناشطة الحقوقية سعيدة قراش "تنامي التيار السلفي يسعى بوضوح الى دفع البلاد للعنف.. حياتنا وعاداتنا اليومية اصبحت مهددة. هذه الافعال تهدف الى اجبارنا على التخلي عن افكارنا ولباسنا واختلاط الذكور والاناث."

ويحذر كثيرون من أن العنف الديني يمكن ان يهدم قطاع السياحة في تونس الذي تراجع بشدة منذ اندلاع الثورة التي اطاحت بالرئيس السابق. وتعتمد صناعة السياحة على الاوروبيين بشكل أساسي وتوفر حوالي نصف مليون فرصة عمل في تونس حيث تعتبر اول مصدر للعملة الاجنبية. ويلقي كثير من العلمانيين باللوم على الحكومة التي يرأسها القيادي في حركة النهضة حمادي الجبالي معتبرين انها لا تقوم بدورها في التصدي للعنف السلفي.

لكن رئيس الوزراء الجبالي قال ان حكومته لن تقبل أي عنف مهما كان مصدره سواء من السلفية الاسلامية او "السلفية اليسارية" في اشارة الى اليسار المتشدد وقال ان القانون يطبق على الجميع. واضاف "المجتمع التونسي لن يقبل العنف.. ولن نتسامح مع العنف مهما كان مصدره والقضاء سينزل العقوبات على كل من يمارس العنف مهما كان تصنيفه الايديولوجي".

ولم تشارك الجماعات السلفية في الانتخابات لكن كثيرا من السلفيين يقولون ان تونس لم تعد ارضا للجهاد بل اصبحت مجالا دعويا.

ويبرز الحضور القوي للجماعات السلفية في البلاد من خلال الاعمال الخيرية وتنظيف الشوراع والمدارس وحلقات النقاش الدينية. لا ويستقبل بعض السلفيين بالسخرية المخاوف الكبيرة من تنامي التيار السلفي وتزايد حضوره في الجامعة والشارع والمساجد واتهامه بالعنف. وعلى أحد الصفحات السلفية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك نشر أحدهم صورا يرافقها تعليق ساخر يقول "مجموعة من السلفيين والارهابيين اقتحموا حرمة دار المسنين في منوبة اخر شهر جانفي/يناير/ ووزعوا البسمة والفرحة في أرجائها كما فجروا مواهبهم في الدعابة والعناية بكبار السن وبعد ساعات من النشاط انسحبوا وتركوا المكان مفخخا بالهدايا والمساعدات."

رفض الافكار المتشددة

في سياق متصل اثار قدوم الداعية المصري السلفي وجدي غنيم الى تونس موجة من الانتقادات في اوساط المجتمع المدني التونسي التي تطالب السلطات بالتحرك لمنع نشر الافكار الظلامية والوهابية المنافية للتقاليد الاسلامية في تونس. وكان وجدي غنيم المشهور بمواقفه المتطرفة قد وصل الى تونس استجابة لدعوة ثلاث جمعيات اسلامية سلفية شكلت بعد ثورة 14 كانون الثاني/يناير. والقى غنيم سلسلة من المحاضرات والخطب في مدينتي سوسة الساحلية والمهدية (200 كلم جنوب شرق العاصمة). و حضر حشد كبير من التونسيين لقاء عقده غنيم في قبة المنزه في تونس العاصمة. ودعا الداعية المصري الذي ورد اسمه ضمن لائحة الاشخاص الممنوعين من دخول الاراضي البريطانية منذ 1994 بحجة دعم الارهاب، خلال زيارته الى تونس الى "تطبيق الشريعة الاسلامية" و"انتقاد العلمانيين والليبراليين والمرتدين" في تونس. وفي حديث عن ختان الاناث اعتبر غنيم انه "عملية تجميل" مؤكدا ان "كل من يعترض على مشيئة الله هو كافر".

وزيارة غنيم الى تونس ليست هي الاولى فقد سبقتها زيارات اخرى لدعاة سلفيين اخرين لا سيما من السعودية. وجاءت اولى الانتقادات من امنة منيف المسؤولة السابقة في حزب افاق تونس الليبرالي والتي تتراس حاليا "حركة كلنا تونس". ودانت منيف "تناوب من يعتبرون انفسهم علماء دين على زيارة تونس في حين انهم من دعاة الاسلام الظلامي والوهابي". ووجهت "حركة كلنا تونس" رسالة الى السلطات التونسية من بينها وزارة الشؤون الدينية ووزارة حقوق الانسان والعدالة الانتقالية للمطالبة "بضرورة اتخاذ الاجراءات والسبل الكفيلة لمنع الداعية المصري من مواصلة سلسلة المحاضرات". ودانت الحركة ما رات فيه "دعوة الى الكراهية والعنف والتدخل في الشؤون التونسية". بحسب فرنس برس.

وتجمع مئات الحقوقيين امام مسجد بسوسة اثناء تقديم محاضرة لغنيم ورفعوا شعارات مناوئة لهم ودعوا الى طرده. وحصل نفس الامر تقريبا انثاء محاضرة له في المهدية وردد المتظاهرون العلمانيين امام المسجد النشيد التونسي فرد غنيم امام انصاره بالقول "ايها الظلامين قل موتوا بغيظكم.. تونس تونس اسلامية.. لالالا للعلمانية" وسط تأييد الاف من انصاره. كما رفع محامون تونسيون شكوى ضد "استغلال المساجد لاغراض سياسية" اثر القاء غنيم سلسلة من الخطب. وقالت المحامية بشرى بلحاج حميدة احدى الاطراف المدعية "هنالك اعتداء على سيادة تونس وليس هنالك سبب لاستغلال المساجد لبث خطب الكراهية والفتنة". كما اثارت زيارته انتقادات من بعض المسؤولين السياسيين من بينهم محمد بن نور المتحدث باسم حزب التكتل اليساري المتحالف مع حركة النهضة الاسلامية الذين طالبوا السلطات بإيضاحات بشأن هذه الزيارة واتخاذ موقف.

وفي حديث لاذاعة شمس اف ام قال الناطق الرسمي باسم وزارة الشؤون الدينية علي لافي ان "مكتبه كلف بتقديم تقرير حول المحاضرات والخطب التي القاها غنيم". واضاف "عليه (غنيم) ان يحترم الثورة التونسية وخصوصيات البلاد ولا يحق لاحد ان يعتدي على مكتسباتها". وفي ذات السياق شدد مفتي الديار التونسية عثمان البطيخ "على ان تونس بلد اسلامي منذ اكثر من 14 قرنا ونحن لسنا في حاجة اليهم". غير ان الباحث التونسي صالح الدين الجورشي من اليسار الاسلامي يرى ان "نشر الاسلام الراديكالي في تونس البلد المعتدل يجب اخذه ماخذ الجد". واضاف "لقد افرغ الرئيس السابق زين العابدين بن علي الحياة الدينية من معناها باضطهاده الاسلاميين ما جعل التونسيون يبحثون عن الروحانيات عبر الفضائيات التي وجد فيها الدعاة مساحة واسعة للحديث". وتابع "السلطات لم تقدر بعد اهمية بلورة خطاب ديني يتماشى والخصوصيات التونسية" ونبه الى ان "عدم اتخاذ الاجراءات اللازمة سيؤدي الى تغييرات في المشهد الديني خلال الخمس او الست سنوات المقبلة وخلخلة الخطاب المعتدل".

وتحت عنوان "كفى انحلالا.. داعية ختان الاناث في الديار التونسية" انتقدت صحيفة المغرب التونسية زيارة غنيم ودعت الى التوقف عن استقبال مثل هؤلاء الدعاة.

واذاعة الزيتونة الدينية هي وسيلة الاعلام المحلية الوحيدة التي روجت لزيارة غنيم واعطت برنامجا تفصيليا لمحاضراته في البلاد. ونفى غنيم خلال تصريح لراديو شمس ا ف م المحلي ان يكون قد افتى بختان الاناث وقال ان ذلك متاح لغاية التجميل فقط. ووجدي غنيم من الدعاة الاسلاميين المعاصرين وهو مصري الاصل وينتمي الى جماعة الاخوان المسلمين. وأُبعد غنيم من البحرين عام 2008 وسافر الى عدة بلدان منها انجلترا التي تم طرده ومنعه من الدخول اليها بتهمة التحريض على الارهاب وقد رحل الى اليمن الذي غادره بعد ذلك الى ماليزيا من غير نفي أو اي قرار ترحيل. بحسب رويترز.

الى جانب ذلك خرج مئات التونسيين تظاهروا امام مقر الجمعية التأسيسية قرب تونس للتنديد بمن يزرعون "الفتنة"، في اشارة الى الداعية المصري وجدي غنيم الذي زار البلاد قبل ايام. وحمل المتظاهرون لافتات كتب على بعضها "كلنا مسلمون ولا نقبل بالفتنة"، و"غنيم ارحل، لا نعترف بك وباشكالك من دعاة الفتنة"، و"طهر عقلك طهر قلبك يا غنيم يا طهار". وتأتي هذه التظاهرة تلبية لدعوة من مجموعتين، تضم الاولى ثلاثة احزاب سياسية جديدة هي "كلنا تونس" و"شبكة دستورنا" و"حزب المبادرة"، اما المجموعة الثانية فتضم بشكل خاص شبانا يدعون الى العصيان بوجه هذا النظام وينددون بقيام "دخلاء ببث افكار متطرفة".

وقال كامل جلولي من حزب كلنا تونس خلال التظاهرة "لا نريد الذين ياتون الى تونس لبث الفرقة بين المواطنين. يجب ان تكون الخطب في المساجد محصورة بالمسائل الدينية". بحسب فرنس برس.

من جهة اخرى، اصدرت وزارة الصحة التونسية بيانا اكدت فيه ان "عمليات بتر الاعضاء التناسلية للاناث هي ممارسات مدانة ولا تمت بصلة الى ثقافة وعادات بلادنا، كما ليس لها ايجابيات على الصحة" بحسب ما نقلت وكالة تونس افريقيا للانباء، موضحة ان هذا البيان جاء "اثر الجدال الذي اثارته تصريحات الداعية المصري غنيم حول ختان الاناث".

التحقيق في نشاطات السلفيين

من جهتها حثت الرابطة التونسية لحقوق الانسان السبت الحكومة التونسية على اجراء تحقيق رسمي حول "ظاهرة الاصولية" في منطقة سجنان شمال غرب العاصمة، معتبرة ان هذه الظاهرة "تسعى الى فرض قوانينها مع غياب مؤسسات الدولة". ودعت الرابطة السلطات التونسية الى "تحمل مسؤولياتها" و"القيام بتحقيق رسمي حول المجموعة السلفية التي تسعى الى استبدال مؤسسات الدولة وتجاوز قوانينها وتعويضها بتشريعاتها تحت غطاء الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" في هذه المنطقة الريفية التي يبلغ عدد سكانها 3000 نسمة. وعزت الرابطة التي تعد من اعرق المنظمات العربية والافريقية ما اسمته "ظاهرة السلفية اللافتة" في سجنان في محافظة بنزرت (60 كلم شمال تونس) الى "الغياب التام لجهاز الامن ومؤسسات الدولة وانعدام التنمية". واوضح رياض الغربي احد اعضاء فريق التحقيق التابع للرابطة "ان منطقة خارجة عن القانون وجدت لها طريقا نتيجة الياس والتهميش رغم ما تزخر به هذه القرية من ثروات طبيعية لم يتم استغلالها". واعتمد تقرير الرابطة على شهادات لاهالي المنطقة بعد تلقيها شكاوي حول ابتزاز وممارسات للعنف نسبت لمجموعة من السلفيين يبلغ عددها نحو 50 شخصا. وركزت الشكاوى على عمليات استيلاء على ممتلكات خاصة واقتحام بعض المؤسسات الادارية وضغط على الموظفين ومداهمة المنازل والاملاك العامة وطرد امام مسجد واستبداله باخر سلفي. وطالت ممارسات "السلفيين" التلميذات "بالضغط عليهن من اجل ارتداء الحجاب ونعت من ترفض بالكفر واعتقال من يشرب الخمر او من لا يصلي والاعتداء عليهم بالعنف". ووصل "الاعتداء حد تهشيم اصابع احدهم وتهديده من مغبة ابلاغ السلط"، حسبما جاء في التقرير نقلا عن احد المتضررين. بحسب فرنس برس.

كما شمل التقرير على شهادات اخرى مخالفة حول مخاوف الاهالي الذين بدوا غير مبالين بالاعتصام الذي ينفذه عدد من شباب القرية من اجل تحقيق مطالب اجتماعية شرعية. وكشاهد على غياب مؤسسات الدولة، اتخذ المعتصمون من مقر المحافظة مقرا لهم. واوضح التقرير حسب بعض الشهود "ان الاهالي تمردوا ضد مغالطات المراد منها اخفاء المشاكل الحقيقية التي تعاني منها المنطقة وبهدف الحفاظ على مصالح اصحاب امتيازات نظام بن علي الذين يوجهون التهم للسلفيين تحاشيا للمساءلة". واعتبر بعض الشهود وجود "السلفيين" مجديا لا سيما وانهم يساهمون في "استرجاع المسروق والحد من ظاهرة الانحراف واستتباب الامن".

واكد عبد الستار بن موسه رئيس الرابطة ان "ظاهرة السلفية بارزة للعيان في سجنان لكن لا يمكن الحديث عن امارة سلفية".واوضح الغربي ان التقرير "يضع الاصبع على المشكل الرئيسي الذي يتمثل في غياب مؤسسات الدولة وان ظاهرة السلفية موجودة ويجب معالجتها بطريقة جذرية بدون عنف ". ودعا الحكومة الى "التعجيل بايجاد الحلول لمشكلة الفقر والظلم" اللذين تسببا في سقوط نظام بن علي قبل اكثر من عام.

ولفتت مدينة سجنان المنسية الانظار اليها اثر نشر صحيفة محلية مقالا بعنوان "اول امارة سلفية في تونس" ما اثار جدلا واسعا. وشكلت وفاة استاذ تعليم ثانوي وجد مشنوقا على شجرة في غابة سجنان مادة للسجال. واوضح عبد الرحمن الهذيلي قيادي في نقابة التعليم الثانوي ان "الوفاة حسب التقرير الطب الشرعي قد تكون ناجمة عن عملية انتحار بسبب مشاكل عائلية".

إحباط مخطط

 في سياق متصل كشف وزير الداخلية التونسي، علي العريض، أن المواجهات المسلحة التي وقعت مؤخراً في منطقة "بئر علي بن خليفة" كان "الهدف منها إنشاء إمارة إسلامية في تونس،" مشيرا إلى أنه قد تم إيقاف 12 شخصا لهم علاقة مباشرة بالقضية، معظمهم على صلة بـ"تنظيمات متطرفة" في ليبيا. وقال العريض، إن الأجهزة الأمنية مازالت تبحث عن تسعة مطلوبين، مرجحاً أن غالبيتهم بات في ليبيا، وفقاً لوكالة "تونس أفريقيا" الرسمية. ولم يستبعد الوزير التونسي، خلال مؤتمر صحفي عقده بمقر الوزارة، أن تكون لهذه "الجماعة المتطرفة صلة بتنظيمات متطرفة في ليبيا،" خصوصا وأن المعلومات الأولية حسب قوله تشير إلى أن هذه الجماعة "شاركت في الإطاحة بنظام (العقيد الراحل معمر) القذافي." وأفاد بأنه جرى إلى الآن ضبط 34 قطعة سلاح من نوع كلاشينكوف وطلقات عائدة لها، إلى جانب آلاف الدولارات الجنيهات الليبية والدنانير التونسية، مرجحاً أن تكون عملية تهريب هذه الأسلحة والأموال قد تمت عبر المناطق المتاخمة للمعبر الحدودي بالذهيبة. وأشار إلى أن التحقيقات مازالت جارية مع الشباب الذين وقع إيقافهم والذين لم يتجاوزوا في أغلبهم سن الثلاثين، داعيا إلى "عدم الاستهانة بما حدث، دون تضخيم حجمه في نفس الوقت." وأكد وزير الداخلية التونسي احترام المعايير الإنسانية خلال التحقيقات الجارية مع المجموعة التي تم القبض عليها موضحا أن وزارته ستتخذ جميع الإجراءات الأمنية "ضد كل من يهدد أمن التونسيين وسلامتهم." بحسب CNN.

وكانت منطقة "بئر علي بن خليفة" بولاية صفاقس قد شهدت مطلع فبراير/شباط الجاري مواجهات قاسية بين قوات الجيش والأمن من جهة، ومجموعات مسلحة من جهة أخرى، ما أدى إلى سقوط قتيلين في صفوف المسلحين، وعدد من الجرحى. يشار إلى أن المناطق الحدودية بين ليبيا وتونس قد شهدت خلال الأشهر الماضية الكثير من التوتر بسبب نشاطات لمسلحين على خلفية حالة الانفلات الأمني التي تسود مناطق من ليبيا.

في السياق ذاته أطلقت تونس حملة لجمع الاسلحة غير المرخصة وأعلنت اعفاء كل من يحمل سلاحا دون ترخيص من التبعات القضائية اذا سلمه خلال اسبوعين وذلك بعد يوم من اعلان وزير الداخلية تفكيك "تنظيم ارهابي" على صلة بتنظيم القاعدة وضبط كميات من الاسلحة. وقالت وزارتا الداخلية والعدل في بيان مشترك اليوم "تقرر الاعفاء من التتبعات العدلية لكل من يسلم سلاحا ناريا بحوزته بصفة غير قانونية مهما كان نوعه الى اقرب وحدة أمنية لمقر اقامته وذلك في أجل أقصاه 15 يوما من تاريخ صدور هذا البلاغ." وأضاف البيان "وتحذر كلا الوزارتين كل من يحتفظ لنفسه بسلاح ناري دون موجب قانوني بتتبعه عدليا وتعرضه للعقوبات المستوجبة قانونا."وتشير الدعوة الى تسليم الاسلحة غير المرخصة الى اعتقاد واسع بانتشار الاسلحة في عدة مناطق من البلاد تم تهريبها من ليبيا أثناء وبعد الثورة الليبية.

توحد علماني

من جانب اخر أعلنت احزاب وشخصيات علمانية اندماجها داخل حزب واحد بهدف انشاء كتلة قوية تحدث التوازن في ظل سيطرة حركة النهضة الاسلامية على الحكم بعد فوزها في الانتخابات الاخيرة. ومنيت الاحزاب العلمانية بهزيمة قاسية في الانتخابات التي جرت في 23 اكتوبر تشرين الاول الماضي بينما حققت حركة النهضة الاسلامية فوزا كاسحا بعد ان تمكنت من الحصول على 89 مقعدا في المجلس التأسيسي من مجموع 217 مقعدا. وشكلت النهضة الحكومة مع حزبين علمانيين هما التكتل والمؤتمر. وضم الحزب الجديد الذي اعلن عنه في قصر المؤتمرات بالعاصمة الحزب الديمقراطي التقدمي ابرز حزب معارض لبن علي قبل هروبه في 14 يناير كانون الثاني والحزب الجمهوري وحزب افاق وحزب الارادة وحركة بلادي. وخلافا للتوقعات لم يحصل الحزب التقدمي الا على 15 مقعدا في المجلس التأسيسي بينما نال حزب افاق خمسة مقاعد. كما ضم الحزب الذي سيعقد مؤتمره الاول في وقت قريب عددا من الشحصيات البارزة من بينها وزير التشغيل السابق سعيد العابدي وعبد العزيز الرصاع وزير الصناعة السابق والياس الجويني وزير الاقتصاد السابق.

وقال نجيب الشابي مؤسس الحزب الديمقراطي التقدمي امام مئات من انصاره "نتائج الانتخابات لم تكن عنصرا مشجعا لعودة الاستثمار الاجنبي ولا استمرار الاستثمارات المحلية" وقال "هذه المبادرة بلم احزاب حداثية وسطية هدفها خلق توازن في القوى وحتى نعد انفسنا بشكل جيد للاستحقاقات المقبلة في افضل الظروف..تجميع القوى بأكبر عدد لا يكفي ويتعين علينا تطوير الخطاب والوصول الى كل الفئات المحرومة". واضاف ان المبادرة تسعى الى اظهار الوجه الحقيقي لتونس في ظل تضرر صورتها نسبيا في الخارح بسبب بعض الشعارات الدينية المتشددة والتضييق على الحريات احيانا. بحسب رويترز.

من جهته قال يوسف الشاهد رئيس الحزب الجمهوري " امامنا فرصة تاريخية لقلب موازين القوى ونحن نخوض معركة ستحدد مستقبل تونس على المستوى المتوسط والبعيد". وتجري مفاوضات لضم حركة التجديد وهي من بين أكبر قوى اليسار في البلاد الى هذا الحزب. وتسعى الحركات العلمانية في البلاد الى ترتيب بيتها والاستعداد للانتخابات المقبلة التي من المقرر ان تجري العام المقبل بعد فوز حركة النهضة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/شباط/2012 - 30/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م