مستقبل الكويت في ظل المجلس السلفي

احمد جويد/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

أفرزت الانتخابات الكويتية لعام 2012 مجلساً تغيب عنه المرأة بشكل مطلق ويتراجع فيه الليبراليون والنواب المعتدلون، بينما كان التقدم واضحاً لما كان يعرف بـ(نواب الأزمة) أو نواب الشحن الطائفي، ويبدو من خلال هذه النتائج إن الناخب الكويتي يفضل النواب الذين يجادلون الحكومة بصوت عال.

 غير أن المشهد السياسي الكويتي وبخاصة في ظل التطورات الحاصلة في المنطقة العربية وتقدم القوى السلفية في أكثر من دولة عربية بعد الإطاحة بنظام الحكم فيها خلال ما يسمى بالربيع العربي والمناخ السياسي الإقليمي المتأزم لا يتحمل أزمات إضافية أو خطاب طائفي متشدد، كما ان الحرج الذي سببه النواب (المشاكسون) للحكومة الكويتية في الدورة السابقة وعرقلتهم تنفيذ برامجها الاقتصادية والإنمائية فسح المجال لأبواب الفساد في مؤسسات الدولة، الأمر الذي قد يضع العائلة الحاكمة وبالتحديد أمير البلاد أمام تحدي كبير في مواجهة هؤلاء النواب.

 ويبدو إن الغياب التقليدي المأزوم للمواقف الحازمة والمسئولة من قبل الحكومة السابقة وضعف مبادراتها للحد من تداعيات ظاهرة تنامي التطرف السلفي الذي استغل فرصة التغافل تجاه التحرشات التي كان يمارسها نواب التيار السلفي من داخل البرلمان الكويتي والسلوك التخريبي الذي مارسه هذا التيار ضد الحياة السياسية من خلال الاستخدام المغرض للآليات الدستورية التي منحتها له الديمقراطية نفسها وبتشجيع ودعم من دول خليجية معروفة لدى الكويتيين، أدت بالنتيجة إلى تجرؤ هذا التيار إلى انتهاك حرمة المجلس ورفع هتاف "دخلنا مجلس الأمة" وكأنه إعلان عن انتهاء لمرحلة العمل الديمقراطي وارتهان المجلس بيد مجموعة من النواب السلفيين والانتقال إلى مرحلة أكثر خطورة يراد منها هذه المرة إحكام سيطرة التيار المتشدد على مؤسسات الدولة عبر آليات دستورية، وهذا ما تخشاه العديد من النخب الكويتية.

 استطاع التيار السلفي بالتحالف مع الإخوان المسلمين ممثلين بحركة "حدس" وبمد ودعم مالي وإعلامي من دول خليجية تساند نفس التوجهات في دول الربيع العربي بالحصول على أغلبية نيابية داخل المجلس، الأمر الذي يمكن اعتباره استنساخ للتجربة الانتخابية في تونس ومصر وليبيا، والذي قد يضع الحريات الدينية والمدنية وفي مقدمتها حقوق المرأة تحت رحمة الخط المتشدد وبالتالي تهدد استقرار البلاد سياسياً وأمنياً.

وهذا ما تسعى له القوى السلفية من خلال تغير المادة الثانية من الدستور والتي تنص على (دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع) بجعل "الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع"، وبهذا التوجه يسعى هؤلاء النواب الى إعادة تجربة حكم طالبان في أفغانستان والذي مثل أكبر حالات التطرف وانتهاك الحقوق والحريات العامة وفي مقدمتها حقوق المرأة، وبتعديل المادة الثانية سوف يرجح إلغاء المادة الخامسة والثلاثين من الدستور أيضاً والتي تنص على (حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقا للعادات المرعية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب).

 أما بالنسبة للمادة الرابعة من الدستور فسوف تشكل تهديدا كبيرا للأسرة الحاكمة بتعين ولي العهد والذي يتطلب تعينه مبايعة مجلس الأمة وفي حالة عدم التعيين على النحو السابق يزكي الأمير لولاية العهد ثلاثة على الأقل من الذرية المذكورة فيبايع المجلس احدهم وليا للعهد، كما هو منصوص عليه دستورياً، الأمر الذي يجعل التحالف السلفي قائماً مع أصحاب التوجه المتطرف داخل الأسرة الحاكمة وإدخال البلاد في نفق مظلم.

 وبما إن الانتخابات أفرزت على أرض الواقع السياسي مجلسا قبليا وسلفيا، فلابد من تسليط الضوء واستشراف مستقبله، بل ومستقبل المشهد السياسي الكويتي القادم بصورة عامة من خلال:

أولاً: استمرار الأزمات داخل المجلس إلى أن يحقق نواب الأزمة أهدافهم بسحب الصلاحية المخولة بموجب الدستور الكويتي لأمير البلاد والتي تنص بتعين رئيس الوزراء من قبل الأمير وبالتالي جعلها من صلاحيات مجلس الأمة من خلال استخدام آلية الاستجوابات والتي ينتج عنها عادة استقالة الحكومة أو حل المجلس أو الاثنين معاً.

ثانياً: استمرار عدم الثقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في ظل التشكيك الذي يقوم به التيار المتشدد لأية حكومة كويتية معتدلة تضمن للمواطن الكويتي حقوقه الدينية والمدنية.

ثالثاً: مع إن استجواب الحكومة من قبل البرلمان يمثل حالة صحية في الديمقراطيات الناشئة إلا أن كثرة الاستجواب للحكومة والتشكيك بنزاهتها في جميع المحافل يفقد الحكومة هيبتها وبالتالي هيبة أمير البلاد كونه هو من يمنح الثقة لرئيس الحكومة، وهذا ما يسعى له التيار المتشدد لجعل سلطة الأمير شكلية ليس إلا.

رابعاً: الأسرة الحاكمة سوف تواجه أزمة كفاءات تضاف إلى أزمة الانقسامات الداخلية التي أعلن عنها بأشكال مختلفة مما يعني أن الأمير يواجه مشكلة في إيجاد شخصية مناسبة لمنصب رئيس الوزراء تكون في الوقت ذاته مقبولة داخل أوساط الأسرة المختلفة، خصوصاً ان بعض المتشددين في مجلس الأمة لهم علاقة مصالح مع بعض الشيوخ من الأسرة الحاكمة.

خامساً: إشغال وقت المجلس والحكومة في مناقشة قضاياً جانبية من شأنها شق الصف الوطني وتعطيل حركة التنمية وخلق الأزمات مع دول الجوار.

 إن خروج المرأة من المشهد السياسي وتعزيز وجود الإخوان والسلفيين هو ليست علامة تعافي لمجلس عانى من الضعف بسبب مجموعة من النواب، بل قد يكون نذير شؤم على الحياة المدنية التي عاشها الكويتيون في السنين الماضية، كما إنها قد تجر إلى تقويض المشهد الديمقراطي الذي عاشته الكويت في ظل احترام للحقوق والحريات العامة الدينية والمدنية.

 وفي حال أرادت الكويت حكومة وشعباً تجنب مأساة التطرف السياسي وإبعاد البلد عن مخاطر الأزمات السياسية، فمن الأفضل أن تراعي ما يلي:

1- إحترام الدستور والاحتكام لنصوصه وعدم السماح بتشريع ما يحث على التطرف وشق الصف الوطني.

2- الالتزام بالعمل الديمقراطي المبني على أسس صحيحة والتي من شانها أن تحفظ للكويت وحدته واستقلاله.

3- محاربة التطرف بجميع أنواعه وعدم السماح للمؤسسات والشخصيات التي تستخدم أو تلوح أو تحث على العنف كنهج في حشدها السياسي أو حركتها الانتخابية، وعدم تكرار تجربة اقتحام مبنى مجلس الأمة.

4- الحفاظ على استقلال السلطات الثلاثة بصورة متوازنة وعدم السماح لإستفحال سلطة على أخرى أو التداخل في الصلاحيات وبالخصوص السلطة التشريعية على حساب السلطتين التنفيذية والقضائية إلا في الإطار الذي يسمح به الدستور.

5- جعل المواطنة هي الأساس في الحقوق والواجبات والابتعاد عن تصنيف المجتمع إلى درجات، والتي من شانها أن تظهر التطرف بين صفوف المهمشين في البلاد أو إجبارهم بالالتفاف حول شخصيات متطرفة تستغلهم لأغراض سياسية.

6- عدم المساس بالحقوق والحريات العامة وحرية المعتقد والتعبير عن الرأي كما هو منصوص عليه في المادة 35 من الدستور، ووضع ضمانات حقيقية بذلك.

ان مستقبل الكويت اليوم مرهون بالقرارات التي سيتخذها نواب مجلس الامة حيث ان صوت الاعتدال سيقود البلاد نحو الحياة المدنية والاستقرار والتنمية، ولكن مع ارتفاع اصوات التطرف والتشدد والشحن الطائفي فان الكويت ستسير نحو نفق مظلم تسيطر عليه الازمات والانشقاقات والتصدعات.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com/index.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 22/شباط/2012 - 29/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م