الكويت بين قوسين... أزمات داخلية وتحديات خارجية

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: تستمر الدعوات والمناشدات في الكويت لأبعاد البلاد من مخاطر نشوب ازمات سياسية جديدة، بسبب الدعوات المستمرة من قبل المعارضة لأجراء اصلاحات مع مطالبتها المستمرة لاستجواب الحكومة الامر الذي ترفضه اسرة الصباح الحاكمة، وقد اسفرت تلك الازمات السياسية المتتالية ولاسيما الخلافات بين البرلمان والحكومة الى حل العديد من البرلمانات في هذه البلاد وتشكيل اكثر من حكومة كان اخرها انتخابات شباط فبراير والتي حققت فيه المعارضة فوز كبير على حساب باقي الاطراف ودعا امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح نواب البرلمان الجديد الذي تسيطر عليه المعارضة بقيادة الاسلاميين، الى التعاون مع الحكومة من اجل انهاء الازمات في البلاد، فيما انتخب النواب البرلماني المعارض المخضرم احمد السعدون رئيسا جديدا للمجلس.

وحذر امير الكويت في كلمة افتتح بها الدورة الجديدة للبرلمان الكويتي الذي انتخب في الثاني من شباط/فبراير، من المخاطر التي تواجه البلاد داعيا الى نبذ الفتنة "والفرقة"، وذلك بعد ان تصاعدت مؤخرا التوترات السنية الشيعية، والحضرية القبلية. كما اعلن الامير الدعوة الى مؤتمر شبابي وطني، وهي دعوة تأتي في اعقاب حراك سياسي شبابي غير مسبوق. وقال الامير متوجها الى النواب "ندعوكم أن تقوموا بدور ايجابي فعال لمسؤولية التشريع لها والرقابة الجادة على تنفيذها متعاونين مع اخوانكم في السلطة التنفيذية مخلصين التفكير والعمل لمصلحة الكويت تحترمون الدستور والقانون وتحافظون على المال العام وتقبلون حق الاختلاف وتفضلون قوة الحجة على علو الصوت بعيدين عن الشطط والانفعال والتوتر والشخصانية".

كما دعا امير البلاد النواب الى "التركيز على رعاية الشباب وتوفير فرص العمل واسباب الحياة الكريمة لهم وتفعيل مشاركتهم الايجابية ودورهم البناء في خدمة المجتمع". واشار الى انه طلب من الديوان الاميركي عقد "مؤتمر وطني للشباب يتوج مساعي الشباب وهم يعدون وثيقة وطنية لتمكينهم من تسخير طاقاتهم الخلاقة والاستفادة منها في خدمة وطنهم". وتأتي هذه الدعوة بعد حركة الاحتجاجات غير المسبوقة التي قادها الشباب والتي ادت في النهاية الى استقالة رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح في تشرين الثاني/نوفمبر. ونزل عشرات الاف الشباب للتظاهر في الكويت للمطالبة بمكافحة الفساد وبإصلاحات سياسية جذرية في البلاد.

وركزت ايضا على ضرورة التكاتف بين السلطات الثلاث في البلاد من أجل مصلحة الشعب الكويتي. وقال الصباح "إن الكويت تعرضت في الآونة الأخيرة إلى أعمال غير مسبوقة لا تمت للحرية أو الديمقراطية بصلة، ولكنها تشكل انتهاكا صارخا للقانون". وأكد أن بلاده ستظل دولة قانون ومؤسسات، قضاؤها مشهود له بالنزاهة والعدل وأضاف " نحن نرفض المس بكرامة المواطنين أو الإساءة إليهم". وقال الصباح إنه أرسل توجيهات إلى الحكومة لاتخاذ الاستعدادات والتدابير اللازمة كافة للحفاظ على أمن الوطن. بحسب فرنس برس.

واشار الشيخ صباح في كلمته في البرلمان الى ان الكويت تواجه "جملة من التحديات الداخلية والاخطار الخارجية التي تعرقل مسيرته" ودعا الى ان يهتم النواب في "اصلاح الخلل في هيكل الاقتصاد الوطني وذلك بتنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل منتجة لأبنائنا". كما اعتبر ان "التصدي لهذه التحديات والاخطار يجب ان يتصدر اولويات اعمالكم (النواب) ويأخذ جل اهتمامكم فالوحدة الوطنية وتعزيزها وترسيخ مقوماتها ومحاربة الفتنة والفرقة وتسخير وسائل الاعلام المختلفة للقيام برسالتها السامية بدون انحراف او تأجيج مع الحرص على عدم المساس بالحقوق الاساسية والحريات العامة يجب ان يكون شغلكم الشاغل على الدوام". كما دعا الامير النواب الى التاكيد على "حرمة المال العام ومبدأ النزاهة والامانة والشفافية ومكافحة الفساد" مع العلم ان الانتخابات الاخيرة خاضتها المعرضة تحت شعار مكافحة الفساد.

وفاز السعدون برئاسة مجلس الامة في اشارة واضحة على تصميم المعارضة على الامساك تماما بمجلس الامة. وحصل السعدون على 38 صوتا مقابل 18 لمنافسه الوحيد محمد الصقر الذي يمثل التيار الليبرالي. وعلا التصفيق في قاعة البرلمان عندما اعلن النائب خالد السلطان الذي كان يرأس الجلسة نتيجة الاقتراع. والسلطان الذي ينتمي للتيار السلفي انتخب نائبا لرئيس المجلس فيما فازت المعارضة بمعظم اللجان البرلمانية. والسعدون (78 عاما) هو اقدم البرلمانيين الكويتيين اذ انه عضو في المجلس منذ 1975 وقد فاز في كل انتخابات نظمت في الكويت منذ تلك السنة. وانتخب السعدون رئيسا للمجلس للمرة الاولى في 1985، الا ان هذا المجلس تم حله بعد سنة. وانتخب مجددا على رأس مجلس الامة في 1992 و1996. الا ان رجل الاعمال جاسم الخرافي فاز على السعدون في 1999 وجلس على كرسي رئاسة مجلس الامة حتى العام الماضي حين اعلن نيته عدم الترشح مجددا لعضوية البرلمان.

وقد اسفرت الازمات السياسية المتتالية ولاسيما الخلافات بين البرلمان والحكومة منذ العام 2006 الى حل البرلمان اكثر من مره وتشكيل ثماني حكومات مختلفة. وحصل الإسلاميون المنتمون إلى المذهب السني على 23 مقعدا، بينما كان الليبراليون أكبر الخاسرين، إذ لم يتمكنوا إلا من الحصول على مقعدين فقط. أما الأقلية الشيعية التي تشكل نحو 30 في المئة من السكان الأصليين، فقد تقلص تمثيلها في المجلس الجديد المنتخب إلى 7 مقاعد فقط بدلا من 9 في المجلس السابق، من بينهم أربعة ينتمون إلى الجماعات الإسلامية.

تشكيلة حكومية جديدة

في سياق متصل فشلت الاغلبية المعارضة في البرلمان الكويتي الجديد في التوصل لاتفاق مع الاسرة الحاكمة للحصول على نصيب كبير من المناصب الوزارية الامر الذي يمهد الساحة لمزيد من الخلاف السياسي الذي يعطل الاصلاحات الديمقراطية ومشروعات التنمية. وضمت الحكومة الجديدة ممثلا رمزيا واحدا للمعارضة التي حصلت على أغلبية في الانتخابات هذا الشهر. وتولى هاني حسين الرئيس السابق لمؤسسة البترول الكويتية وزارة النفط في حين تولى الشيخ احمد الخالد الصباح رئيس الاركان السابق وزارة الدفاع. واحتفظ الشيخ أحمد الحمود الصباح بمنصبه وزيرا للداخلية وكذلك مصطفى الشمالي وزير المالية. وعينت الحكومة السابقة اواخر العام الماضي اثر استقالة الحكومة وسط أزمة سياسية جمدت الاصلاحات ومشروعات التنمية في البلاد. وطبقا للدستور يتعين تشكيل حكومة خلال اسبوعين من الانتخابات قبل انعقاد الجلسة الاولى لمجلس الامة المنتخب. وكان المتوقع ان يشرك حكام الكويت عددا أكبر من النواب في الحكومة في محاولة لنزع فتيل مواجهة حادة وطويلة بين مجلس الامة ومجلس الوزراء لكنهم لم يتمكنوا من التوصل الى اتفاق مع نواب المعارضة المنتخبين حديثا. وقالت صحيفة القبس الكويتية ان أربعة مناصب عرضت على نواب المعارضة من بين 16 منصبا حكوميا محتملا لكنهم اصروا على تولي تسعة مناصب. ويشارك في الحكومة الجديدة وزير واحد من أعضاء المجلس المنتخب أي الحد الادنى طبقا للدستور وهو شعيب شباب المويزري وزير الدولة لشؤون الاسكان ووزير الدولة لشؤون مجلس الامة. ولا يضم مجلس الوزراء الجديد أي نساء للمرة الاولى منذ 2006 كما لم تفز اي امرأة بمقعد في البرلمان. وكان البرلمان السابق يضم اربع نائبات. ويلوح في الافق مزيد من الخلافات بين الحكومة والبرلمان. بحسب رويترز.

و تحدد تشكيلة هذه الحكومة ولو جزئيا مدى النجاح الذي ستحققه في حل الازمة السياسية التي تشل الكويت. وقال عبد الله الشايجي رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت ان البلاد الان بحاجة الى صيغة سحرية لاسترضاء الجميع وضمان الا يبدأ هذا البرلمان المشاحنات والعراك مع الحكومة من اليوم الاول. ويجب أن تفسح التشكيلة الجديدة المجال لتغيير في ميزان القوى وهو ما يمكن أن يعني تعيين المزيد من الاعضاء من المجلس المنتخب. وبموجب الدستور الكويتي يجب أن يمنح نائب منتخب واحد على الاقل منصبا وزاريا. وفي الحكومة السابقة تم اختيار برلماني واحد. وقال غانم النجار استاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت ان الاهم من البرلمان هو تشكيلة الحكومة. وفي غياب عدو قد تضطر المعارضة الى الانضمام للحكومة على نفس الطاولة بدلا من أن تتحداها. ويرى محللون أن المعارضة لا يوحد بينها اكثر من العداء للحكومة في ظل حظر الاحزاب السياسية. غير أنه لا توجد مؤشرات على أن المعارضة تميل لتقديم تنازلات في ظل التفويض الذي فازت به مؤخرا.

وتقول مصادر مطلعة ان الخلاف على مسألة اي فرع من عائلة الصباح يتولى الحكم تسبب في تفاقم الوضع اذ يدعم شيوخ متناحرون من الاسرة الحاكمة نوابا مختلفين لأضعاف خصومهم.

تاريخيا تبادل فرعا السالم والجابر من العائلة لقب ولي العهد. لكن الشيخ صباح الاحمد الصباح الامير الحالي وهو من فرع الجابر تولى القيادة عام 2006 بعد أن حكم الامير السابق المريض وهو من فرع السالم لتسعة ايام فقط مما يعني أن فرع الجابر يشغل المنصب منذ عام 1977 .

وقال الشايجي انه لابد من عقد هدنة داخل الاسرة الحاكمة حتى تستطيع هذه الحكومة العمل بطريقة ملائمة بعيدا عن الشد والجذب. حتى الان لايزال السجل غير مشجع.

وعينت سبع حكومات واستقالت في الاعوام الخمسة الماضية ويحدث هذا عادة لتفادي الاستجوابات المحرجة في مجلس الامة. وحاول برلمانيون اخضاع وزراء لاستجوابات قاسية بشأن كل شيء بدءا من اهدار المال العام وانتهاء بالسماح ببث برنامج (ستار أكاديمي) وهو برنامج عربي لاكتشاف المواهب على شاشات التلفزيون الكويتية.

وقال جاسم القاسم الذي أدار حملة انتخاب النائبة الليبرالية اسيل العوضي لفترة ثانية ان النتائج كانت متوقعة بسبب حالة الاستقطاب التي عاشها الكويتيون في ظل البرلمان السابق. واعتبر ناخبون أن الكثير ممن لم يحالفهم الحظ في الانتخابات مثل مرشحين ليبراليين وشيعة كانوا متساهلين اكثر من اللازم مع رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح الذي اتهموه بالكسب غير المشروع. وحقق مرشحون اسلاميون مكاسب بسبب موقفهم القوي من الشيخ ناصر وليس لمرجعيتهم الدينية.

نتائج الازمات

في سياق متصل ونتيجة لهذه الازمة فقد تعطلت اصلاحات ووصل مستوى الاستثمار الاجنبي المباشر في البلاد الى أدنى مستوى بالمنطقة. وفي السنوات العشر الماضية استقطبت الكويت استثمارات اجنبية قيمتها 1.5 مليار دولار او 0.5 في المئة من مجمل التدفقات على منطقة الخليج بينما استقطب اليمن الفقير استثمارات قدرها 3.5 مليار دولار. ونما الاقتصاد الكويتي بنسبة 5.7 في المئة عام 2011 مقابل 6.5 في المئة للسعودية و 18.75 في المئة في قطر وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي. وعلى الرغم من أن الحكومة لديها فائض في الميزانية يبلغ نحو 24 في المئة وهو الاعلى في الخليج وفقا لما يقوله صندوق النقد الدولي فان الاموال الاضافية لم تترجم بعد الى تحسن في البنية الاساسية.

وقال فاروق سوسة كبير الاقتصاديين بمجموعة "سيتي بنك" في الشرق الاوسط ان الكويت قد تدخل مرحلة تشهد فيها الساحة السياسية مزيدا من الفوضى حيث تستمر الازمة السياسية في جعل المستثمرين يحجمون عن الاستثمار في البلاد وتتعطل مشاريع التنمية الاقتصادية الكبيرة.

وقال مسؤول كبير في بنك خاص انه تلقى اتصالا من عميل مهم في الكويت طلب منه استثمار المزيد من الاموال خارج البلاد بعد أن سمع بنتائج الانتخابات. ومن بين الاصلاحات السياسية التي يطالب بها الساسة المعارضون والجماعات الشبابية استقلال القضاء وانهاء حظر الاحزاب السياسية وأن يتم اختيار رئيس الوزراء بالانتخاب. وحذرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني من أن استمرار "الخلاف" داخل الحكومة الكويتية سيستمر في التأثير على الاصلاحات وعرقلة الفعالية السياسية. وقال عدنان عبد الله وهو مواطن كويتي كان مارا من امام البورصة "النخبة تتشاحن ولا ننال الا البطالة وارتفاع الاسعار المخيف والاحباط... هذه المشاكل لن تحل على المدى القريب او المتوسط."

الى جانب ذلك ذكرت صحيفة القبس ان محافظ المصرف المركزي الكويتي الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح استقال من منصبه الذي يشغله منذ اكثر من ربع قرن احتجاجا على الافراط في الانفاق و"الهدر" في الميزانية. واكدت الصحيفة ان الشيخ سالم (61 عاما) استقال لاسباب تعود "لاعتراضه على الاتجاهات والتطورات السلبية للسياسة المالية في الدولة وتداعياتها المستقبلية الخطرة على الاقتصاد الوطني". وبحسب الصحيفة فان المحافظ الذي كان خلف قرار ربط الدينار بسلة عملات بدلا من الدولار حصرا في 2007 للحد من التضخم، "حذر من التمادي في سياسة الانفاق التي أصبحت غير قابلة للاستمرار على المديين المتوسط والطويل". وحذر المحافظ مرارا الحكومة الكويتية من السياسات المالية التوسعية والتصاعد السريع في الانفاق الذي يرى انه لا يمكن استدامته خصوصا في حال انخفاض اسعار النفط الذي يؤمن للكويت السواد الاعظم من دخلها العام. ورفعت الكويت حجم الانفاق ثلاثة اضعاف خلال السنوات الست الاخيرة من 23 مليار دولار الى 70 مليار دولار، وذلك بشكل اساسي من خلال رفع الاجور والهبات والدعم. ويأتي ذلك في خضم تسجيل الكويت فوائض تراكمية ضخمة على مدى 12 سنة متتالية. بحسب فرنس برس.

ويحذر الخبراء من ان الكويت التي تملك حوالى عشر الاحتياطات النفطية العالمية وتضخ حاليا حوالى ثلاثة ملايين من الخام يوميا، لن تتمكن من الاستمرار في زيادة الانفاق اذا ما انخفضت اسعار النفط. وتؤمن الحكومة الكويتية لمواطنيها البالغ عددهم 1,17 مليون نسمة نظام رعاية كاملة من المهد الى اللحد، اذ توفر لهم مجانا او بشكل شبه مجاني كافة خدمات التعليم والطبابة اضافة الى دعم قوي للأسعار وفي ظل غياب للضرائب.

ويرى العديد من المراقبين ان تستمر المعارضة بالاستمرار بنهجها المعروف ومطالباتها المستمرة بمسيرة الاستجوابات لغرض اثبات الوجود واحراج الاسرة الحاكمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/شباط/2012 - 28/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م