شبكة النبأ: تواجه الصين مجموعة من
التحديات والضغوط فيما يخص سياستها الخارجية تجاه باقي دول العالم
خصوصا بتلك الامور التي تصدر بأجماع دولي من قبل مجلس الامن، فبعد أن
رضخت الصين للضغوط الغربية بشأن ليبيا العام الماضي عرقلت بكين استصدار
قرار من مجلس الامن التابع للأمم المتحدة يدعو الرئيس السوري بشار
الاسد للتنحي مما يكشف عن الصعوبات التي تواجهها في تحديد متى تجاري
المطالب التي تنهال عليها ومتى ترفضها.
ويقول محللون انه بمرور الوقت سيسعى صانعو السياسات في بكين جاهدين
الى الموازنة بين تأكيد وجهات نظرهم على الساحة الدولية ومجاراة
الاخرين خاصة الولايات المتحدة التي تريد الصين عموما تفادي اثارة
غضبها.
وقال كيري براون وهو دبلوماسي بريطاني سابق يدير الان برنامج اسيا
في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية المعنية بالسياسة الخارجية في لندن "على
مدى السنوات العشر الماضية كانوا يصارعون مع قضية دور الصين في العالم
ويحاولون البحث عن سبل للتعبير عنه من قبيل سياسة الصعود السلمي الى
اخر هذا. لكنني أعتقد أن المطالب الان متعاظمة ومتلاحقة." وقال براون "أصبحوا
فجأة لاعبين على الساحة الدولية خلال فترة زمنية قصيرة الى حد كبير
وربما بدون هيكل سياسي متطور." وأضاف "لدينا سيناريو ينطوي على مواجهة
مشاكل كبيرة. لا أعتقد أنهم مستعدون له حقا. فجأة أصبحوا قوة عالمية
ويجب أن يتمتعوا بعقلية عالمية."
وظهرت الاحتياجات المتعارضة التي تؤرق السياسة الخارجية لبكين بعد
أن استخدمت الصين وروسيا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار حول سوريا في
مجلس الامن. والصين واحدة من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن
والتي تتمتع جميعها بحق الفيتو. واعتبرت وسائل الاعلام الصينية الرسمية
أن الفيتو توبيخ للغرب وهي فكرة تحظى بشعبية في صفوف الوطنيين من
الجماهير. على صعيد اخر قال دبلوماسي صيني كبير ان حكومته مستعدة
للوصول الى حل وسط. وقالت وكالة الصين الجديدة للانباء (شينخوا) في
تعليق لها "لا يخفى على أحد أن الغرب يعتبر الحكومة السورية بقيادة
الاسد شوكة في جنبه. وأضافت "اذا نجح الغرب في مسعاه لتغيير النظام في
سوريا فان هذا قد يزيد عزلة ايران وحزب الله (اللبناني) ويمكن القول ان
هذا أقوى دافع للغرب في المسألة السورية."
وتستورد الصين جانبا كبيرا من احتياجاتها النفطية من ايران التي
تواجه تشديدا للعقوبات الدولية بهدف كبح طموحاتها النووية التي تقول
القوى الغربية انها تهدف الى تطوير الوسائل اللازمة لتصنيع أسلحة
نووية. وتنفي ايران اعتزامها امتلاك أسلحة من هذا النوع. وحثت الصين
مرارا على الحوار وعبرت عن قلقها من أن تفكر القوى الغربية او اسرائيل
في القيام بعمل عسكري ضد ايران. لكن نائب وزير الخارجية الصيني كوي
تيان كاي تحدث بلهجة تصالحية فيما يتعلق بالدبلوماسية السورية كما
استقبلت الوزارة ممثلين عن جماعة سورية معارضة. وقال كوي للصحفيين
"الصين حذرة جدا في ممارسة حقها في الفيتو وهذا موقف مسؤول." وأضاف ردا
على سؤال عن سوريا وزيارة نائب الرئيس شي للولايات المتحدة "أعتقد أن
مساحة التعاون في هذه القضية لاتزال قائمة بين الصين والولايات المتحدة
وبين أعضاء مجلس الامن."
وبعرقلة صدور قرار حول سوريا أظهرت الصين أنها مازالت مؤمنة بمبدأ
عدم التدخل في شؤون الدول المضطربة على الرغم من تحذير الحكومات
الغربية من أن انقسام مجلس الامن قد يؤدي الى اراقة المزيد من الدماء
في سوريا. وفي مارس اذار امتنعت الصين وروسيا عن التصويت على مشروع
قرار في مجلس الامن الدولي الذي فوض حلف شمال الاطلسي بشن حملة قصف جوي
على ليبيا حيث كان الزعيم الراحل معمر القذافي يقاتل المعارضة المسلحة
التي أسقطته في نهاية المطاف. لكن الصين تساورها مخاوف عميقة بشأن
التدخل العسكري الغربي. ويقول محللون ان بكين ندمت على امتناعها عن
التصويت على قرار مجلس الامن بشأن حكومة القذافي والذي أدى الى توسيع
الحلف نطاق تدخله مما ساعد في الاطاحة بالزعيم الليبي.
وقالت صحيفة الشعب وهي صحيفة الحزب الشيوعي في تعليق عن سوريا ان
الصين "بحاجة الى اعتياد تسليط الاضواء عليها حديثا" وان العالم ايضا
"بحاجة الى التكيف مع دور الصين الجديد." بحسب رويترز.
وتقول يون سون خبيرة السياسة الخارجية الصينية في واشنطن ان بكين
استخدمت حق الفيتو في الامم المتحدة باعتدال فلجأت اليه ثماني مرات منذ
عام 1971 . وأضافت أن روسيا تضاهيها في استخدام هذا الحق اذ تتفق
رؤيتها مع الصين في أحيان كثيرة على صعيد رفض مطالبات الغرب بالتدخل.
ويقول محللون غربيون ان الصين تواجه ضغوطا من الرأي العام الوطني في
الداخل للوقوف بحزم في وجه المطالب الغربية بالتعاون وتقديم تنازلات.
وقال شي يين هونغ استاذ العلاقات الدولية بجامعة رينمين ان التصويت
لصالح مشروع قرار سوريا كان سيعطي انطباعا بأن "الصين لا تختلف عن اي
من الدول الكبرى الاخرى." وقال نائب وزير الخارجية كوي "بالطبع ستستخدم
الصين الفيتو.. حين يكون ضروريا وحين يكون على الصين الكشف عن أوراقها
فانها ستكشفها. "يجب الا يشك أحد في هذا."
الى جانب ذلك يعُرض انتشار الشركات الصينية في العالم وخصوصا في
افريقيا موظفيها لمخاطر متزايدة كما تدل على ذلك عمليات احتجاز الرهائن
الاخيرة في السودان ومصر، الامر الذي يخل بسياسة عدم التدخل التي
تنتهجها بكين.واكد جوناثان هولسلاغ الباحث في معهد الدراسات حول الصين
في بروكسل في مذكرة نشرت بعد خطف حركة تمرد في ولاية جنوب كردفان
بالسودان 29 عاملا صينيا، ان "في افريقيا بشكل خاص، يترافق تزايد
النشاط الاقتصادي الصيني مع تزايد انعدام الامن". واحتجز بدو مصريون 25
عاملا صينيا قبل الافراج عنهم في اليوم التالي، وذلك للمطالبة بالافراج
عن خمسة من اقربائهم معتقلين لدى الشرطة. وقال هولسلاغ ان في افريقيا
"عصابات مسلحة باتت تعتبر العمال الصينيين اهدافا سهلة لطلب الفدية"،
مشيرا الى تعرضهم لهجمات دامية خلال السنوات الاخيرة في السودان
واثيوبيا وكينيا ونيجيريا بينما تعين اجلاء اخرين من تشاد وشرق
الكونغو. وكثفت الشركات الصينية سواء العامة او الخاصة، كثيرا تواجدها
في الخارج خلال السنوات الاخيرة وخاصة في القارة الافريقية سواء
لاستغلال النفط او المواد الاولية وزراعة الاراضي او بناء المستشفيات
والطرق والسدود. وفي ليبيا قامت الصين السنة الماضية بأكبر عملية اجلاء
اثناء الحرب الاهلية نقلت خلالها 36 الفا من مواطنيها العاملين هناك.
وحتى في زمن السلم تحصل احتكاكات مع السكان المحليين، فالشركات الصينية
غالبا ما تجلب عمالها من الصين او تتهم بسوء معاملة اليد العاملة
المحلية كما حصل في زامبيا حيث تحولت معاداة الصينيين الى موضوع حملة
مايكل ساتا الذي انتخب رئيسا. كما ان العمال الصينيين اصبحوا ضحايا
السياسة الصينية الداعمة للانظمة المحلية لان "حركات التمرد تريد
معاقبة جمهورية الصين الشعبية لدعمها حكومات مطعون في شرعيتها" وفق ما
اضاف هولسلاغ. بحسب فرانس برس.
ومن اجل حماية استثماراتها ومواطنيها في الخارج اصبحت الحكومة
الصينية تتدخل اكثر فاكثر في شؤون الاخرين مجازفة بانتهاك مبدا عدم
التدخل في شؤون الدول الاخرى الذي تدافع عنه بكين بشدة عندما يتعلق
الامر بها. واكد كريستوفر ألدن المتخصص في العلاقات الصينية الافريقية
في المعهد الاقتصادي في لندن ان "هذا المبدا يظل قائما نظريا وسيستمر
كذلك لكن عملياتهم خلال السنوات الاربع والخمس الاخيرة تدل على انهم
مستعدون لتعديله". واضاف ألدن انه اذا كانت حكومة "تعتبر مستقرة، سواء
كانت ديموقراطية او تعسفية فان الصينيين سيدعمونها" لكن اذا لم تستطع
تلك الحكومة "منع حرب اهلية مثلا فانهم يبدون اكثر استعدادا للبحث عن
وسائل اخرى لمعالجة المشكلة". فمثلا تستند الصين حيثما كان ذلك ممكنا
الى المنظمات الدولية والاقليمية. وفي 2007 تفاوضت عبر اللجنة الدولية
للصليب الاحمر من اجل الافراج عن سبعة رهائن صينيين احتجزهم متمردون في
اوغادن في اثيوبيا. واضاف ألدن في اشارة الى الاوضاع في ليبيا ومن ثم
في سوريا، ان "جامعة الدول العربية كانت وستظل فاعلا حاسما بشان مواقف
الصين في ليبيا والان في سوريا".
انتقادات صينية
من جهة اخرى صعدت صحيفة صينية رسمية معارضة بكين لمسعى غربي لتشديد
العقوبات على ايران محذرة من ان التوترات بشان برنامج طهران النووي
تلحق ضررا باسواق الطاقة وقد تخنق الانتعاش الاقتصادي العالمي. وصدرت
انتقادات الصين لتشديد العقوبات على ايران -والذي يستهدف منع طهران من
تطوير سلاح نووي- عن صحيفة الشعب الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم.
وتأتي بعد قيام المستشارة الالمانية انجيلا ميركل بحث بكين على استخدام
نفوذها لاقناع ايران بالتخلي عن برنامجها المزعوم للاسلحة النووية.
وقال تعليق لصحيفة الشعب "الاقتصاد العالمي يمر بانتعاش اقتصادي صعب
وتقليل الصدمات الناتجة عن الشكوك هو مسؤولية مشتركة للدول في ارجاء
العالم." والصين هي ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم وأكبر مشتر للخام
الايراني وتعارض منذ وقت طويل عقوبات منفردة تستهدف قطاع الطاقة
الايراني وتحاول تقليل التوترات التي تهدد امداداتها النفط. وبدا أن
رئيس الوزراء الصيني ون جيا باو يرفض ضغوطا لفرض مزيد من القيود. وقال
ان بكين تعترض على تسييس الدول الغربية "للعلاقة التجارية العادية"
التي تربطها بايران مرددا لهجة استخدمتها الصين من قبل. بحسب رويترز.
وفرضت الولايات المتحدة أقسى عقوبات على ايران عندما وقع الرئيس
باراك اوباما قانونا يفرض عقوبات على الصفقات التي تتضمن البنك المركزي
الايراني في 31 ديسمبر كانون الاول. وفي يناير كانون الثاني فرض
الاتحاد الاوروبي حظرا على استيراد او شراء او نقل النفط الايراني.
وجدد تعليق صحيفة الشعب موقف الصين بأنه ينبغي استخدام الحوار لحل
المسألة النووية الايرانية. وساندت الصين قرارات مجلس الامن الدولي
التي تدعو ايران الي وقف انشطة تخصيب اليورانيوم بينما تسعى لضمان عدم
تعرض روابطها للطاقة مع الجمهورية الاسلامية للتهديد. وفي يناير وجه
رئيس الوزراء الصيني تحذيرا مباشرا الي طهران من أي محاولة لامتلاك
سلاح نووي.
على صعيد متصل اكدت الصين انها "مستعدة للاسهام بشكل اكبر في ايجاد
حل لازمة الديون في اوروبا" التي وافقت من جهتها على تسريع المفاوضات
لمنح بكين وضع اقتصاد السوق. وقد ادلى رئيس الوزراء الصيني وين جياباو
بهذا التصريح حول مسالة الديون في حضور رئيس الاتحاد الاوروبي هرمان
فان رومبوي ورئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو على هامش
القمة الصينية الاوروبية الرابعة عشرة. وفي حين خفضت وكالة موديز
للتصنيف الائتماني تصنيف ست دول ووضعت ثلاث دول اخرى تحت المراقبة مع
توقعات سلبية، فان المسالة تثير قلق الصين بسبب ترابط الاقتصاديات لا
سيما وان اوروبا تعد اول سوق لصادراتها.
وقال فان رومبوي لوين جياباو الذي لم يقدم اي توضيحات بشأن دعم
الصين للاتحاد الاوروبي، انه "يعود الى الصين ان تتخذ قراراتها الخاصة
في ما يتعلق بمساهمتها في استقرار منطقة اليورو". ومن ناحيته اكد
باروزو الذي ابلغ بقلق بكين بشأن الازمة في اوروبا "ان رسالتنا هي ان
اوروبا تفعل ما يتوجب عليها فعله وستستمر في ذلك من اجل اعادة ارساء
الثقة".
وشدد فان رومبوي على ان الاقتصادين "اصبحا مرتبطين بشكل بات لاي
تغيير في نسبة نمو احد الشريكين الاستراتيجين تأثيرا مباشرا وملموسا
على الاخر. واكدت الصين مرارا رغبتها في المشاركة في الصندوق الاوروبي
للاستقرار المالي، ثم في الية الاستقرار الاوروبية التي ستعتمد في
تموز/يوليو. لكن مسؤولي ثاني اقتصاد عالمي الذي يقارب احتياطه من
العملات الصعبة ال3200 مليار دولار لم يلتزموا باي ارقام. بحسب فرنس
برس.
من جهة اخرى كرر فان رومبوي مطلبا معهودا للاتحاد الاوروبي داعيا
بكين الى فتح السوق الصينية بشكل افضل امام الاوروبيين. وقال "من
الضروري ان يكون هناك تكافوء في الفرص، دخول افضل الى السوق (الصينية)
لشركات الاتحاد الاوروبي وحماية افضل لحقوق الملكية الصناعية". واكد
فان رومبوي ايضا لدى افتتاح المحادثات "ان علاقتنا متينة. لقد حققنا
الكثير منذ اقامة الشراكة الاستراتيجية الشاملة في العام 2003 لكن
الامكانات لا تزال هائلة".
واعلن وين جياباو ان الصين "مستعدة لاجراء حوار حول كافة المسائل
بما في ذلك حقوق الانسان" مع الاتحاد الاوروبي.
في السياق ذاته تناقش الولايات المتحدة والصين امكانية رفع القيود
التي تفرضها بكين على الافلام السينمائية الامريكية. وقالت كارول جوثري
وهي متحدثة باسم مكتب التمثيل التجاري الامريكي "بدأت الصين والولايات
المتحدة مناقشات حول الحل الممكن لقضايا تتعلق بالافلام تخص الوسائل
السمعية والبصرية في الصين." ولم تقدم كارول المزيد من التعليقات لان
المحادثات مازالت جارية. ويقول مسؤولون في الحكومة الامريكية وصناعة
السينما ان القيود التي تفرضها الصين على الافلام الامريكية تؤجج الطلب
على أقراص الفيديو الرقمية للافلام التي تتعرض للقرصنة وتنتشر بشكل
كبير في الصين. وحققت الولايات المتحدة ما وصفته بانتصار كبير على
الصين في منظمة التجارة العالمية عام 2009 حين تصدت للقيود التي تفرضها
بكين على استيراد وتوزيع الافلام واقراص الفيديو الرقمية والموسيقى
والكتب والصحف. |