المنهج الإنساني... تاج التربية والتعليم

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: التعليم غاية عظمى لدى الشعوب والامم، أو ينبغي أن يُنظر إليها بهذا المنظار، ولكن هناك أهمية قصوى تتعلق بطرائق التعليم، وكيفية توصيل المعلومة الى الطالب، بمعنى ما هو الاسلوب التربوي والتعليمي الذي نتبناه، لكي تكتمل العملية التعليمية على أفضل وجه، هنا لابد من القول أن التعليم غاية سامية، ولكن يجب أن ترافقها طرائق وأساليب تنسجم مع أهدافها الانسانية الراقية، لذا فالتعليم كعملية مجردة ومفصولة عن أهدافها الراقية لا تعنينا، كونها قد تنطوي على أضرار نفسية وتربوية فادحة ترافقها، بسبب الاخطاء التي يرتكبها القائمون على التعليم، وأقصد بهم تحديدا التدريسيين، والمعلمين.

المنهج الانساني في إدامة عملية التعليم يجب أن يتصدر كل جميع مراحل هذه العملية، بكلمة أوضح، لا نريد تعليما من دون إنسانية، لأن الأخيرة هي تاج التعليم، وفقدانها يعني تحوّل العملية التعليمية الى عُقَد وأمراض نفسية، وبالتالي إلحاق أضرار كبيرة بالنشء الجديد، وهم طلاب المراحل الابتدائية تحديدا.

لذا ينبغي أن تتم حيثيات العملية التعليمية بمراحلها كافة لاسيما الابتدائية، وفق منهج انساني يتقدم جميع الاساليب والاهداف الاخرى، فالتعليم بلا انسانية، كمن يقوم بزرع الارض الصالحة ببذور سامّة، وليس ثمة مغالاة في هذا التشبيه، لأن الطالب الصغير عندما يتربى على الضرب والتعنيف والتجاوز باللفظ او الضرب بالعصا، وهو صفحة بيضاء وخامة بشرية صافية، سيتحول الى شخصية عنيفة بالتدريج، أي أن عملية التعليم ستصنع لنا شخصية هدّامة، تسمم المجتمع لاحقا، لأن الطالب المعنّف عندما يصبح مسؤولا مهماً في أحد المناصب الكبيرة، سيطبّق منهج التعليم العنيف على دائرة عمله، بغض النظر عن نوع العمل والمسؤولية المنوطة به، وكلما اتسعت المسؤولية كثرت المخاطر والاضرار، ولنا أن نتصور طالبا معنّفا بقسوة، حينما يصبح رئيسا للدولة، ترى كيف سيقودها؟ إنه حتما سيتحول الى دكتاتور يحيل حياة الناس الى ظلم وقهر وتعنيف لا يتوقف.

تُرى هل يعي المعلمون ممن يؤمنون بالعنف، هذه النتائج المستقبلية لطلابهم، وهل يعي الحكوميون المعنيون في وزارة التربية أو التعليم العالي، خطورة تعنيف الطلاب وضربهم والتجاوز عليهم، بشتى الطرق والاساليب المرفوضة، على أننا يجب أن نقرّ بأن المشكلة تتمثل بقبول ظاهرة الضرب، وجعلها منهجا مقبولا وشائعا بين المعلمين وحتى الطلاب، بل هناك آباء يوصون المعلمين بتأديب أبنائهم بالضرب!!، في حين أن التبريرات كثيرة وكبيرة في هذا الجانب، حيث يقول المعلمون إننا نضطر لضرب الطلاب بسبب تربيتهم الأسرية السيئة، وتجاوزاتهم المستمرة، او كسلهم وعدم اهتمامهم بدروسهم وواجباتهم، أو بسبب زحمة الطلاب في الصف الواحد، وعدم قدرة المعلم السيطرة عليهم، وما شابه من تبريرات وذرائع، لكنها مهما اقتربت من الواقع، فإنها لا ينبغي أن تكون سببا في تهديم الشخصية الانسانية للطالب، ولا يصح ابدا أن تتحول عملية التعليم من اهدافها التي تستحق التعظيم والاحترام، الى عملية لبناء الانسان المعقد والمهزوز والعصابي في كثير من الاحيان.

لقد استمعت على سبيل الصدفة قبل ايام، الى برنامج قانوني في احدى الاذاعات الرسمية، يتحدث عن جواز الضرب قانونيا!!، وقال مقدم البرنامج بما معناه: أن القانون لا يجرّم المعلم الذي يضرب الطالب بالعصا او غيرها، ولكن على أن لا يكون الضرب مبرحا!!، ويحمل البرنامج عنونا مثيرا للدهشة (الثقافة القانونية) ولا اعرف أي نوع من القوانين هذا؟ وكيف يحمل البرنامج مثل هذا الاسم الشريف (ثقافة)، وهو يثقّف ضد الثقافة التعليمية والانسانية الصحيحة، فإذا كان القانون يبيح ضرب الطالب فعلا، فإن مثل هذا القانون مشكوك في أمره، وينبغي على الجهات المعنية إلغاءه فورا، وتشريع القوانين التربوية التي تبني شخصية الطالب من دون تعنيف او ضرب او تجاوز، لأننا نحتاج حاضرا ومستقبلا، الى شخصيات متوازنة، تتميز بالطابع الانساني الرحيم والعادل، إننا نحتاج الانسان الذي لا يسيء للآخرين، من خلال منصبه أو مسؤولياته مهما تعددت وتنوعت.

إذن تبقى الانسانية تاجاً يتربع على قمة العملية التربوية والتعليمية، بتوافق الجميع، أي باتفاق جميع الاطراف التي تدخل في هذه العملية وهم (المعلمون والتدريسيون، والجهات الحكومية والاهلية المعنية بالعملية التعليمية، وكذلك الآباء والامهات) وكل من تهمه هذه العملية التي تتصدر عمليات بناء الانسان والمجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 19/شباط/2012 - 26/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م