
شبكة النبأ: السياسة فن العقل والحكمة
والذكاء في إدارة شؤون الفرد او الجماعة، بالميدان والمكان والوقت
المناسب، فيما يتردد بين غالبية الناس لاسيما البسطاء منهم، بأنها فن
الخداع والحصول على المكاسب بأقصر الطرق وأسرعها، بغض النظر عن القيم
الاخلاقية والمعايير الانسانية الصحيحة، التي ينبغي أن تتدخل في تحصيل
النتائج.
هذا التطيّر من السياسة والسياسيين والعمل السياسي أيضا، منهج حياتي
خاطئ، ونظرة قاصرة، لا يعرف الناس مخاطرها عليهم، ونتائجها السلبية
التي ستطول حياتهم، لذا يدفع هذا التطيّر بمعظم الناس الى ترك العمل
بالميدان السياسي لمن لا يجيد التحرك فيه، أو لمن يستغل عمله السياسي
لتحقيق مصالح فردية او حزبية أو عشائرية وما شابه، لذا من الطبيعي أن
يملأ الميدان السياسي أناس لا يجيدون السياسة، اذا تخلى المجتمع عن
دوره الرقابي المطلوب في هذا المجال.
السياسة ميدان لا يختلف عن الاقتصاد أو التعليم أو سواهما، والمجتمع
من دون اقتصاد سليم لا يمكن أن يعيش حياة عصرية مرفّهة ومستقرة، ترك
الاقتصاد لغير الاقتصاديين سيدمره، وترك التعليم لمن لا يصلح له سيدمره
ايضا، هذه البديهيات تنطبق على السياسة، من هنا تأتي أهمية أن تتدخل
المكونات الاجتماعية المختلفة في مراقبة العمل السياسي ومتابعته.
الشخصيات الواعية في المجتمع وقيادات النخب، يجب أن يكون لها حضورها
في متابعة عمل السياسيين، منظمات المجتمع المدني ينبغي أن تبقى جهات
رقابية ضاغطة بقوة، لفضح الاخطاء والتجاوزات التي تُرتكب في الميدان
السياسي، المرجعيات لها دورها ايضا، المثقفون والمفكرون ايضا، الكل
ينبغي أن يكون دوره حاضرا وفاعلا في العمل السياسي، والتدخل في تحريك
اتجاهاته لصالح المجتمع، وتصويبها دائما عبر وسائل الاعلام او الندوات،
او المؤتمرات التي تشير الى اخطاء السياسيين بالدلائل، وتطرح البدائل
السليمة.
لا يصح قط، أن يُترك العمل في الميدان السياسي، لمن لا يتسم بالقدرة
على هذا العمل، كونه يمس حياة الناس جميعا، وينبغي لمن يعمل في السياسة
أن يتحلى بالنزاهة أولا، ناهيك عن توافره على المؤهلات المناسبة التي
تسمح له بممارسة العمل السياسي.
المجتمع العراقي يخوض عمليات بناء شاملة في عموم مجالات الحياة،
وهذا ينطبق على تجارب البناء الاخرى في العالم العربي أو سواه، مطلوب
من العراقيين الحرص التام على أن تكون عمليات التأسيس صحيحة، ولا يُخفى
أن الكثيرين من غير المناسبين، تسللوا الى الميدان السياسي، والهدف
بالغ الوضوح، هو الحصول على المناصب والمكاسب المادية الكبيرة، مقابل
جهل كبير واستخفاف بالعمل السياسي.
لذا لا يمكن أن ننكر تلكؤ السياسيين في أعمالهم وأفكارهم ايضا،
وتسلل الانتهازيين الى هذا الوسط، بل تسلل المخادعين الذين لا يجيدون
العمل السياسي أصلا، كونهم لم يتعلموا فن السياسة، ناهيك عن افتقادهم
للمؤهلات التي يتطلبها هذا المجال الحيوي، الذي يمس حياة الناس
ومصائرهم، هذا الأمر الواضح للعيان، لا يمكن أن يُغطى بغربال التصريحات
والبيانات وسواها، لذا لا يصح للمجتمع (النخب والافراد) مقت السياسة،
والهروب منها الى مجالات عمل أخرى، بحجة الصراعات والتجاذبات وما شابه،
السياسة تمس حياة الجميع، وليس صحيحا تركها لمن لا يجيد فنها.
لذا ينبغي أن يكون هناك دور سياسي (رقابي) لكل فرد، ولكل نخبة من
موقعها القيادي، حتى يفهم السياسيون أنهم تحت ضوء المجهر الشعبي دائما،
وأن من يتحرك وينشط لصالحه حصرا، سيكون مصيره الخروج الحتمي من هذا
المضمار، وخسارة مستقبله السياسي حتما، من خلال صناديق الاقتراع وأصوات
الناخبين، بالاضافة الى خضوع السياسي المخادع المصلحي للقضاء العادل،
في حالة اكتشاف تجاوزاته على حقوق الشعب بالوثائق والادلة القاطعة.
لهذا لا يجوز للمجتمع بمكوناته كافة مقت العمل السياسي، والتطيّر منه،
وتركه لمن لا يصلح للعمل فيه من الطارئين والانتهازيين، حفاظا على
مصالح المجتمع نفسه أولا وأخيرا. |