شبكة النبأ: تباينت التحليلات
السياسية حول المصالحة الاخيرة التي اعلنت بين حركتي فتح وحماس برعاية
امير قطر، خصوصا ان الكثير من المتابعين يرون ان التوافق بين الحركتين
لن يكتب لها النجاح في ظل التقاطعات المتبعة لدى كل فريق.
فيما يؤكد آخرون على ان القيادات الفلسطينية ستعمل على انجاح
الاتفاق نظرا لحساسية الوضع الحالي في العالم العربي عموما والداخل
الفلسطيني خصوصا، وما ترتب على ذلك من استحقاقات، يضاف اليها تحديات
التعنت الاسرائيلي المستمر المتمثل بسياسة التوسع على حساب الارض
والانسان في الاراضي المحتلة.
فقد وجد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن الفرصة المتاحة له لتحقيق
المصالحة مع حركة المقاومة الاسلامية (حماس) اكبر من تلك المتاحة
لتوقيع معاهدة مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو. قد يخدم
هذا مصالح كل من عباس ونتنياهو على المدى القريب على الاقل. وقد يفتح
الباب بالمثل لهيمنة حماس على السياسة الفلسطينية بعد صعود الحركات
الاسلامية للحكم من خلال الانتخابات التي أجريت اثر الانتفاضات التي
اجتاحت عددا من الدول العربية. ووقع عباس وخالد مشعل رئيس المكتب
السياسي لحماس اتفاقا في قطر لتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى الاعداد
لانتخابات في وقت لاحق من العام الحالي بعد ان تأجلت طويلا. وعلى الرغم
من أن هذه الاتفاقات أثبتت عدم جدواها فيما سبق فان الاوضاع ربما تكون
مختلفة الان.
ومن شأن المصالحة مع حماس التي ترفضها اسرائيل والغرب بسبب عدم
تخليها عن المقاومة المسلحة أن توقف عملية السلام بالشرق الاوسط. لكن
عباس (76 عاما) يعتقد أنه لن يحرز أي تقدم على كل الاحوال وبالتالي قد
تبدو اعادة توحيد الحركة الوطنية الفلسطينية التي تعاني انقسامات عميقة
افضل رهان لديه حتى يخلف من ورائه تركة مشرفة. ولم يتحدث الفلسطينيون
بصوت واحد لخمسة أعوام منذ طرد مسلحون تابعون لحماس حركة فتح التي
يتزعمها عباس من قطاع غزة عام 2007 . وهو يتعشم أن يتمكن من خلال رأب
الصدع من تحسين فرص محاولته الحصول على اعتراف بدولة فلسطينية من اكبر
عدد ممكن من الدول بغض النظر عن عدم تحقيق السلام مع اسرائيل. لكن هناك
عقبات كبيرة يجب التغلب عليها أهمها أن ميثاق حماس مازال ينص رسميا على
تدمير اسرائيل بينما تعترف منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح والسلطة
الفلسطينية بإسرائيل ووقعت معها اتفاقات "خارطة الطريق" المؤقتة. ويرأس
عباس الثلاثة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية فيكتوريا
نولاند "على أي حكومة فلسطينية الالتزام باللاعنف بوضوح لا لبس فيه."
وأضافت "يجب أن تعترف بدولة اسرائيل. ويجب أن تقبل بالاتفاقيات
والالتزامات السابقة بين الاطراف بما في ذلك خارطة الطريق... خطوطنا
الحمراء لاتزال كما هي." بحسب رويترز.
وسيتطلب هذا تحولا ثوريا من جانب حماس وهو أمر غير مرجح فيما يبدو.
لكن حماس كانت قد عرضت هدنة طويلة الامد مقابل اقامة دولة لها نفس
الحدود التي يسعى عباس الى اقامة دولة بداخلها. وهي تحاول التكيف مع
الخريطة السياسية الجديدة للشرق الاوسط التي نتجت عن انتفاضات الربيع
العربي. وقدم مشعل تنازلات لعباس اكثر من تلك التي يتقبلها المحافظون
داخل الحركة. وقد فوجئوا واستاءوا من اتفاق الوحدة الذي جعل عباس رئيس
وزراء جديدا على رأس حكومة مؤقتة من التكنوقراط لا تضم ايا من أعضاء
حركة حماس.
ويتحدث محللون عن انقسام في حماس بين من سيطروا على قطاع غزة الذي
تحاصره اسرائيل على مدى الاعوام الخمسة الماضية ومشعل رئيس المكتب
السياسي للحركة الذي يعيش في المنفى والذي كان مقيما في سوريا حتى وقت
قريب لكنه يبحث الان عن مكان جديد للاقامة هربا من الازمة التي تحاصر
دمشق.
وقال سمير عوض استاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت في الضفة
الغربية "هذه الاتفاقية راح تزيد التمزق والانقسام." وأضاف "اعتقد ان
هذه الاتفاقية لن يكتب لها النجاح للاسف الشديد لان خالد مشعل والمكتب
السياسي لحماس في الخارج بدو يدفع ثمنا معينا للوحدة مع فتح واطراف
منظمة التحرير وهذا الثمن غير مقبول من قبل غزة." ويعتقد محللون أن
مشعل المولود في الضفة الغربية يراهن على اقناع أغلبية قيادات حركة
حماس بمساندته في انتخابات داخلية تجري في مارس اذار. كما يقامر عباس
بسمعته كصانع للسلام من خلال التقارب مع حماس.
وقال نتنياهو انه اذا نفذ عباس اتفاق الدوحة "فقد اختار التخلي عن
طريق السلام واختار حماس... لا يمكن الجمع بين النقيضين." وكان رئيس
الوزراء الاسرائيلي قد حث عباس على مواصلة المحادثات التي تهدف الى
احياء مفاوضات السلام التي علقت منذ 15 شهرا لكن عباس قال ان نتنياهو
غير مستعد بصدق لمنح الفلسطينيين دولة ذات سيادة وقابلة للحياة.
وقال شمويل ساندلر الاستاذ بمركز بيجن السادات للدراسات
الاستراتيجية بجامعة بار ايلان ان عباس مثل مشعل اضطر "لمجاراة الاتجاه
الاسلامي المتزايد في العالم العربي." وأضاف "ستتصادم الحركتان في
نهاية المطاف لان كلا منهما تسيطر على أراض منفصلة ولن يفيدهما وجود
اسرائيل بين هذين الجزأين من الاراضي." وفيما يخص نتنياهو قد يخفف هذا
الضغط عنه على المدى القريب في الداخل والخارج ويسمح له بالقاء اللوم
في احتضار عملية السلام على الفلسطينيين. وقال ساندلر "في الوقت الحالي
هو اكثر انشغالا بكثير بالمسألة الايرانية" مشيرا الى جهود اسرائيل
لتعطيل برنامج طهران النووي.
ويرى نصر عبد الكريم المحلل الاقتصادي أن الاتفاق على أن يرأس عباس
حكومة الوحدة المقترحة خطوة ذكية لطمأنة القوى الخارجية التي تمد
السلطة الفلسطينية بالمساعدات اللازمة لاستمرارها. وقال "هذا يعني ان
السياسة العامة للحكومة ستنسجم مع سياسية الرئيس عباس ومنظمة التحرير
التي وقعت اتفاق اوسلو وتفاوض اسرائيل بالتالي هذه رسالة تطمين سياسية
وأمنية موجودة بمجرد تولي ابو مازن (عباس) رئاسة الحكومة وبالتالي هذا
القلق سيزول." واستطرد قائلا "المهم في اتفاق الدوحة والذي لم يعلن هو
انه قطر يبدو قررت بالتعاون مع دول الخليج العربي ان تحتضن الاتفاق
اقتصاديا وربما هي تعهدت بان تسوق الاتفاق الى المجتمع الدولي."
وقال دبلوماسي في المنطقة طلب عدم نشر اسمه ان "القرارات الاحادية"
التي يتخذها مشعل تعرضه لمجازفة لكنها قد تعود بمنافع كبيرة اذا انتصر
في صراع داخل حماس. وأضاف "بدأ جدل حاد داخل حماس حتى من قبل توقيع
مشعل وعباس ما وقعاه." وقال "بدأ حين تم الاعلان عن اجتماع الاثنين في
الدوحة في غياب التنسيق الكامل مع قيادات غزة. اذا أفلت مشعل بهذا فقد
يصبح زعيم حماس بلا منازع."
وعامل الزمن في صالح مشعل الذي يبلغ من العمر 55 عاما. وليس لعباس
الذي يقترب من السابعة والسبعين من العمر خليفة واضح. ويقول ماتي
ستاينبرج وهو اسرائيلي من جامعة حيفا مهتم بمتابعة شؤون حماس ان هدف
مشعل هو أن يصبح الزعيم الفلسطيني. وأضاف "انه يكيف أوضاعه مع جماعة
الاخوان المسلمين في مصر" مشيرا الى حصول الحركة التي تعد مرشدا روحيا
وسياسيا لحماس على اكبر عدد من المقاعد في مجلس الشعب المصري. ومن غير
المرجح أن تؤيد جماعة الاخوان تجدد أعمال العنف الى الشمال من حدود مصر.
وقال ستاينبرج "لا يريدون اي مشاكل مع اسرائيل مصدرها غزة."
معارضو حماس
في سياق متصل عارضت قيادة حركة حماس في قطاع غزة اتفاق المصالحة
الفلسطينية الذي وقعه رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل والرئيس
محمود عباس. واعترضت كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية التابعة للحركة
في غزة على بند رئيسي في الاتفاق سيتولى بموجبه عباس الرئاسة ورئاسة
الحكومة المستقبلية مما أبرز الانقسامات داخل حماس. وتضم الكتلة
البرلمانية القياديين الكبيرين في حماس في قطاع غزة اسماعيل هنية
ومحمود الزهار اللذين لم يحضرا مراسم توقيع الاتفاق في قطر. ويتحدث
محللون منذ فترة طويلة عن انقسام داخل حماس بين قادتها في قطاع غزة
ومشعل المقيم في دمشق.
وقالت الكتلة البرلمانية في بيان "بعد التدقيق في قضية جمع السيد
محمود عباس بين رئاسة السلطة ورئاسة الحكومة المزمع تشكيلها وبعد تفحص
مواد القانون الاساسي واستشاره خبراء القانون نؤكد على أن هذا الامر
مخالف للقانون الاساسي باعتباره الدستور المؤقت الناظم لعمل السلطة
الفلسطينية والمحدد لمكوناتها الذي ينص على الفصل بين المنصبين. وأضاف
البيان "ندعو جميع الاطراف الموقعة والراعية للمصالحة الفلسطينية
لاعادة النظر في هذا الموضوع وضرورة احترام القانون الاساسي وعدم
تجاوزه في أي اتفاق يتم انجازه." ويهدف الاتفاق الى اعادة توحيد الحركة
الوطنية الفلسطينية التي تعاني من انقسام عميق بعدما فشلت اتفاقات
سابقة اعقبت سيطرة حماس على القطاع في 2007 في تجاوز الخلافات بشأن من
يرأس الحكومة الجديدة. ويقاطع الغرب حماس لرفضها الاعتراف باسرائيل
ونبذ العنف وقبول اتفاقات السلام المؤقتة بين الفلسطينيين
والاسرائيليين. ومن المرجح فيما يبدو ان يؤدي تشكيل حكومة وحدة الى
توقف جهود السلام المتعثرة منذ فترة طويلة. بحسب رويترز.
وقال خليل شاهين وهو محلل سياسي في الضفة الغربية ان مسؤولي حماس في
غزة ينظرون الى قبول عباس رئيسا للوزراء على انه إحراج سياسي لهم خاصة
في ظل تغلب حماس على فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني في الانتخابات
التشريعية التي أُجريت عام 2006. وقال شاهين "حماس يمكن ان تتجاوز هذا
الخلاف إما بترتيبات داخلية تعيد ترتيب مراكز القوة والنفوذ على
المستوى القيادي لديها يأخذ بعين الاعتبار التوازنات بين قطاع غزة
والضفة الغربية وإما ان يؤدي استمرار ذلك الخلاف الداخلي في حماس الى
تعطيل تنفيذ الاتفاق من خلال المماطلة."
ودافع عضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة فتح عبد الله عبد الله
عن اتفاق الدوحة قائلا انه لا يوجد بند في القانون الفلسطيني يمنع عباس
من تولي الرئاسة ورئاسة الوزراء. واضاف "واضح ان هنالك أُناسا لديهم
مصالح ذاتية وليست وطنية لذلك يبحثون عن اي ذريعة يحاولون الاستناد
اليها لتعطيل مثل هذه الخطوة نحن غير معنيين بافساح المجال لهم قطعيا
نحن نصر على إنجاح هذه الخطوة التي تفتح المجال لانهاء الانقسام لان
ذلك فيه خلاص لشعبنا كله." ومن المفترض ان يفتح الاتفاق الطريق أمام
إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية ربما في وقت لاحق هذا
العام واعادة بناء قطاع غزة في اعقاب الهجوم الاسرائيلي عليه في اواخر
2008 وبداية 2009.
حوار بين حماس والجهاد الاسلامي
من جهته دعا اسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة الى
اندماج بين حركته حركة المقاومة الاسلامية (حماس) وحركة الجهاد
الاسلامي ، واكدت حركة الجهاد بدء هذا الحوار. وقال بيان من مكتب هنية
ان هذا القيادي البارز في حركة حماس دعا خلال لقائه مع وفد من قيادة
الجهاد الاسلامي في مكتبه بغزة الى "فتح حوار معمق بين حركتي حماس
والجهاد الاسلامي من اجل تحقيق الوحدة الاندماجية التامة بين
الحركتين". واوضح البيان ان هنية والوفد القيادي من الجهاد تناولا
مناقشة "اخر المستجدات السياسية واخر تطورات عملية المصالحة ونتائج
الثورات العربية والعلاقات الثنائية بين حماس والجهاد الاسلامي". واكد
داود شهاب الناطق باسم الجهاد الاسلامي ان حماس والجهاد "بدأتا فعليا
حوارا معمقا في الداخل والخارج من اجل تحقيق الوحدة" مشيرا الى ان
محاولات عديدة حصلت للحوار في السابق لكنها توقفت. واوضح ان هذا الحوار
يجري في "لقاءات وحوارات معمقة لتحقيق اعلى مستوى من الوحدة بما يعود
بالنفع على القضية الفلسطينية ومستقبل حركة التحرر الفلسطيني خاصة في
ظل الربيع العربي وكيف يمكن الاستفادة منه (الربيع العربي)". حسب فرنس
برس.
وقال ان وحدة حركته مع حماس "ستشكل نواة لوحدة الحركة الاسلامية في
العالم" مبينا ان اللقاءات "تتم في الداخل والخارج والسجون الاسرائيلية
ايضا وتجري على اعلى مستوى قيادي" في الحركتين. وهذه المرة الاولى التي
يعلن رسميا عن بدء حوار معمق بهدف الاندماج بين الحركتين الاسلاميتين
سيما ان ثمة اختلافات في المواقف خصوصا ما يتعلق بالمشاركة في
الانتخابات والحكومة. |