هل لدينا تمويل اجنبي؟

عباس عبود سالم

عندما قادت الولايات المتحدة حملتها الدولية لمكافحة الارهاب يعد احداث 11 ايلول، ركزت اكثر اهتمامها على الجانب المالي، فتتبعت ارصدة الارهابيين، ومصادر تمويلهم، وطريقة نقلهم للاموال، اكثر مما اهتمت باي جانب ايديولوجي آخر، وكانت سياسة منطقية صائبة، فالتمويل في عصرنا هو من يصنع الولاءات، والتوجهات، وهو القادر على انتاج الجهاديين، والانتحاريين، والمقاومين، وبدون المال لايمكن ان يتحقق حراك سياسي، او ينجح اي برنامج سواء كان تخريبي او اصلاحي.

وما اكد قناعاتي في ذلك هو مايحدث في مصر، في ما عرف بقضية (التمويل الاجنبي) التي احدثت ضجة كبرى مازالت قائمة وانحدرت بمستوى العلاقات المصرية الامريكية الى احط مستوياتها، كون القاهرة وضعت يدها على منابع تمويل امريكي، والماني، ومن دول اوربية، وعربية، لم يتم الكشف عنها، منحت ملايين الدولارات لأحزاب، وحركات، ومنظمات، وفضائيات، وصحف، والغريب ان المعهد الجمهوري الامريكي قدم معونات مالية لأحزاب دينية اخوانية، وسلفية!!

كما بادرت هذه المنظمات الاجنبية الى ادخال مدربين من صربيا، والولايات المتحدة، لتدريب الانصار على كيفية حشد الجماهير في الانتخابات والتظاهرات، واكيد ان مايحصل في مصر هو غيض من فيض ماحصل ويحصل في العراق.

حيث ثبت لي خلال معايشتي وتتبعي لتفاصيل دقيقة من العمل الاعلامي، والسياسي في العراق، كيف تدار الحملات الاعلامية، والسياسية، بهدف اثارة الفوضى، وزعزعة الاستقرار، وكيف تبرز احزاب وقوى وشخصيات الى الواجهة بصورة مفاجئة وتختفي بنفس الطريقة، بفعل عامل خارجي بالطبع.

واضافة الى ذلك كيف ينتقل الاشخاص من خانة الفقر المدقع، الى الثراء الفاحش بسبب دخول العمل السياسي، واذا حاولنا ان نتتبع الذين تلقوا اموالا من الولايات المتحدة، ودول غربية، ودول خليجية، واخرى مجاورة، سوف نعجز عن انجاز مثل هكذا احصائية لسبب بسيط هو اننا نحتاج الى احصاء الذين لم يتقاضوا الاموال من الخارج.

 لان الذين لم يتقاضوا الاموال من الخارج هم الجزء الاقل من النخبة في العراق، وبالتالي لو ارادت الحكومة العراقية ان تضبط منابع التمويل الخارجي وتثير قضية تمويل خارجية سوف لاتقبض على عدة اشخاص غالبيتهم من الاجانب كما حصل في مصر، بل عليها ان تطيح برؤوس كبيرة، وصروح اعلامية وسياسية، وحينها لايمكن للسلطات القضائية، والتنفيذية، ان تنجز عملها، لان الامور سوف تقرأ بصورة مغايرة، وسيتهمون السلطات بالديكتاتورية، وكبت الحريات، والاستبداد، وانتهاك حقوق الانسان وغيرها من التهم التي نسمع بها كثيرا هذه الايام، والغريب ان المجرمين والمدانين والقتلة هم من يرددوها في حين المواطن العراقي البسيط مازال يحتفظ بالصمت والصبر.

واذكر ان مجموعة من الصحفيين العراقيين كانت تتسكع على ابواب المركز الاعلامي للجيش الامريكي، وكانوا قد اسسوا منظمة صحفية وظيفتها نشر اخبار الجيش الامريكي مقابل 10 دولارات للخبر الواحد، والاغرب ان هؤلاء الصحفيين اليوم هم اكثرنا تطرفا في ممانعة الاحتلال والحكومة ايضا، كما اذكر ان عدد من الاسماء والتشكيلات الاعلامية صنعتها ومولتها واشرفت عليها السفارة الامريكية هي اليوم المتصدر في الدفاع عن فقراء العراق ومحروميه وهي الصوت الاعلى في مشاكسة الحكومة بسبب او بدونه، وهي بالطبع ابعد الناس عن الفقراء والمحرومين.

لذلك لم ولن نسمع بان السلطات وضعت يدها على منبع واحد من منابع تمويل المنظمات والاحزاب، والقوى، والشخصيات، هذا اذا وضعنا التنظيمات الارهابية جانبا، لان موضوعها مختلف وحربها مكشوفة.

نعم مخابرات العراق واجهزته الاستخبارية وجهده المعلوماتي لم يوفق لحد الان في العثور على خيوط الخزائن السرية التي جعلت السياسة في العراق تجارة العصر، فمجرد ان يلجها شخص ويختار فلك خارجي للدوران فيه، حتى تنهال عليه ملاييين الدولارات، او الدراهم، اوالريالات، او التومانات، من مصادر مجهولة، يوزع منها مايشاء للصحافة، وللوجهاء، والاتباع، فبالمال يتحول الى شخصية مهمة فاعلة.

وهنا ارى من واجب جهاز المخابرات الوطني العراقي، ووزارة الامن الوطني، والاجهزة الاستخبارية الاخرى ان تفعل، وتنشط عملها الخاص، بتتبع مصادر تمويل الشخصيات، والاحزاب، والفضائيات، والصحف ليس لتحويلها الى القضاء كما حدث في مصر، لاني ادرك ان هذا الامر صعب في مرحلتنا الحالية، ولكن لمعرفة تحركاتها ولابأس من فضحها اعلاميا فالعقاب الاخلاقي مهم لاسيما اذا جاء من الراي العام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/شباط/2012 - 21/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م