أمريكا... استراتيجية الحروب الجديدة ومستنقع الخسائر الباهظة

كتب المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: لا شك ان تجربة الولايات المتحدة الامريكية في حربها على افغانستان والعراق وخوضها تجارب اخرى في مناطق عديدة من العالم وما لاقته من تحديات عسكرية ودبلوماسية عرضت سمعتها للخطر، وفي اطار حربها الأخيرة على العراق وانسحابها منه أحدثت تغييرا في استراتيجيتها وانطلاقا من تلك النظرة ستنشر واشنطن قوات بحرية وجوية وبرية متقدمة في مناطق إستراتيجية من العالم. كما ستحتفظ بصواريخ بالستية عابرة للقارات، برية وفي الغواصات، وقاذفات قنابل إستراتيجية.

كما لن تكون هناك غزوات قصيرة الأجل على شاكلة ما حدث للكويت والعراق، أو عمليات كبيرة وطويلة المدى لإعادة الاستقرار لمناطق في العالم مثلما جرى في العراق وأفغانستان.

وبالتأكيد لن تُشن حرب نووية بعد اليوم كتلك التي شهدتها اليابان، فقد انتقلت إدارة الرئيس باراك أوباما بمفهوم الحرب إلى عصر يعتمد الأقمار الصناعية والطائرات العاملة بدون طيارين للتجسس، وشن هجمات من الجو كالتي نُفِّذت فوق ليبيا.

يقول الصحفي المتخصص في شؤون الأمن القومي والتر بينكوس، إنه لن تكون هناك حروب برية بعد اليوم على غرار الحرب العالمية الثانية أو الحرب الكورية أو حتى حرب فيتنام.

وإذا تطلب الأمر تدخل قوات برية، يمكن حينذاك الاستعانة بقوات محلية أو من الحلفاء أو الأمم المتحدة بمساعدة قوات أميركية خاصة في بعض الأحيان بغرض التدريب أو التوجيه كتلك التي أُرسلت إلى جمهورية أفريقيا الوسطى.

أما إذا اقتضت الضرورة أن تضطلع الولايات المتحدة بالأمر وحدها، فإن الطائرات العاملة بدون طيار كما في حالتي باكستان واليمن، والقوات الخاصة كالتي اغتالت أسامة بن لادن في باكستان، جاهزة للاستخدام.

وقد ظلت قيادة القوات الخاصة سوكوم تشهد تطورا متعاظما منذ عام 2001 حينما منحها الرئيس السابق جورج بوش مسؤولية الاضطلاع بمهام التخطيط وشن عمليات على الإرهاب في أنحاء العالم عقب أحداث 11 سبتمبر بدلا من وزارة الدفاع. وتعمل وحدات تابعة للقوات الأميركية الخاصة اليوم من داخل أكثر من مائة دولة.

وحذر محللين سياسيين من تداعيات خطيرة علی القضايا الأمنية المشتركة التي تربط العراق بدول الجوار بعد اعتراف الرئيس الأميركي أوباما بتحليق طائرات تجسس للولايات المتحدة في سماء العراق؛ فأن هذا الأمر يعد خرقاً أميركياً للسيادة العراقية.

وحول جدوى الحروب الأمريكية اظهرت دراسة نشرتها جامعة براون الاميركية ان الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة اثر هجمات 11 ايلول/ سبتمبر 2001 اسفرت عن ما لا يقل عن 225 الف قتيل وبلغت كلفتها المادية 3700 مليار دولار على الاقل. وفي هذه الدراسة خاض الباحثون في الجامعة، باشراف البروفيسوران بيتا كراوفورد وكاثرين لوتز، في ارقام حربي افغانستان والعراق اضافة الى حملة مكافحة الارهاب التي تشنها الولايات المتحدة في باكستان ولا سيما بواسطة الطائرات من دون طيار وجاء في الدراسة ان حصيلة الضحايا المباشرين لهذه الحروب تقدر في هذه المرحلة، بمنتهى الحذر، ب255 الف قتيل وحوالى 365 الف جريح.

ومن اصل هؤلاء القتلى هناك 31741 جنديا بينهم حوالى ستة الاف جندي اميركي و1200 جندي من القوات الحليفة للولايات المتحدة و9900 جندي عراقي و8800 جندي افغاني و3500 جندي باكستاني و2300 موظف في شركات امنية خاصة.ولكن الفاتورة الاكبر دفعها المدنيون، فالارواح المدنية التي ازهقت في هذه الحرب بلغت 172 الف قتيل موزعة على الشكل الاتي 125 الف قتيل عراقي و35 الف قتيل باكستاني و12 الف قتيل افغاني

بالمقابل فان عدد المتمردين الذين قتلوا في هذه الحرب يتراوح بحسب تقديرات الباحثين بين 20 الفا و51 الفا.من جهتهم قتل 168 صحافيا و266 عامل اغاثة انسانية في هذه البلدان الثلاثة منذ اعلان واشنطن "الحرب على الارهاب. كما ادت هذه الحروب الى تدفقات للاجئين والنازحين باعداد مهولة هربا من اتون النزاع، وقد بلغ عدد هؤلاء اكثر من 7,8 ملايين شخص غالبيتهم في العراق وافغانستان. اما الكلفة المجمعة لهذه الحروب فخيالية بحسب الدراسة ما لا يقل عن 3700 مليار دولار اي حوالى ربع الدين العام الاميركي.

وتتضمن هذه الكلفة الميزانيات المرصودة من قبل البنتاغون للعمليات والنفقات الاضافية لادارة الامن الداخلي والناجمة عن مكافحة الارهاب وحماية الاراضي الاميركية.وهي تتضمن ايضا توقعات المدفوعات الفدرالية حتى العام 2051 لقدامى العسكريين الاميركيين الذين اصيبوا باعاقات من جراء هذه الحروب، كما بميزانيات كل من وزارة الخارجية والوكالة الاميركية للتنمية الدولية، المخصصة لهذه النزاعات.

اما وكالة المخابرات المركزية الأميركية سي آي أي فقد رجح محللون سياسيون ستبقى متواجدة بشكل سري في العراق وأفغانستان لفترة طويلة بعد انسحاب القوات الأميركية من هذين البلدين.

وتقول معلومات أن هذه الخطوة هي جزء من إستراتيجية إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في الاعتماد على مزيج من الجواسيس ومجموعات من القوات الخاصة لحماية المصالح الأميركية في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة طويلة الأجل.

ويقول مسؤولين أميركيين أن مراكز سي آي أي في كابل وبغداد ربما ستبقى الأكبر حجما مقارنة بمراكز سي آي أي خارج الولايات المتحدة، حتى لو نزل عدد الأشخاص العاملين في تلكما المحطتين عن الأرقام القياسية التي كانت عليها في أوقات الأزمات واشتداد العمل المسلح. بحسب صحيفة واشنطن بوست.

وبعد الانسحاب الأميركي من العراق، اتجهت سي آي أي إلى أعمال التجسس التقليدية في مراقبة التطورات وتتبع نشطاء القاعدة ومحاربة توسع النفوذ الإيراني في العراق.

أما في أفغانستان، فإن عملا أشد صعوبة وشراسة ينتظر سي آي أي، حيث يعتقد المسؤولون الأميركيون أن قدرات المخابرات الأميركية في حرب العصابات تعتبر أداة أساسية في إبقاء طالبان في حالة دفاع عن النفس، وحماية الحكومة الأفغانية، وتأمين مهابط الطائرات لطائرات التجسس الأميركية التابعة لسي آي أي لتقوم بتتبع عناصر تنظيم القاعدة في أفغانستان.

واشار مراقبون الى تصريحات الجنرال الأميركي وليام ماكرافين الذي أشرف على عملية اغتيال أسامة بن لادن التي قال فيها ليس لدي أدنى شك بأن قوات العمليات الخاصة سوف تكون آخر من يغادر أفغانستان واعتبرت أن هذه التصريحات دليل على نية الإدارة الأميركية الاعتماد على القوات الخاصة في إدارة مرحلة ما بعد الحرب في أفغانستان.

ولكن مراقبون حذروا من الإفراط في الاعتماد على عناصر سي آي أي، فإن حركتهم ستكون محدودة في المدن بعد مقتل العديد منهم في افغانستان. وقال مسؤول سابق رفيع المستوى في سي آي أي إنها قد تفقد تواجدها في الكثير من المناطق خاصة النائية منها، وإنها قد تضطر إلى زيادة عدد قواتها ربما لتصبح بعدد قوات الجيش الذي سيغادر أفغانستان ولكنه أضاف قد نفقد المناطق الريفية، ولكنني لا أعتقد أننا سنفقد كابل وباغرام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/شباط/2012 - 20/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م