الوعي السياسي كفيل بزوال أنظمة القمع والاستبداد

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: هناك ترابط وثيق بين الفهم والوعي، فكلاهما يدعم الآخر لينمو ويتكامل، وعندما يتحلى الانسان بخاصية الفهم الدقيق للاشياء والامور المتعددة، فإنه سوف يتحلى بدرجة جيدة من الوعي، تساعده بدورها على التعامل مع حاضره ومستقبله بصورة أفضل بكثيرر ممن لا يتحلى بخاصية الفهم، وهي قضية عقلية، تتعلق بجاحة العقل وقدراته ايضا، لكن يبقى الامر متعلقا بسعي الانسان لتطوير قدراته والنهوض بها، من خلال نهل المعرفة من مصادرها الصحيحة.

مفهوم الوعي والفهم

كما ذكرنا أن الوعي والفهم مترابطان مع بعضهما، وثمة علاقة تصاعدية تربط بينهما، في هذا الصدد يذكر لنا الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه الثمين الموسوم بـ (الفهم السياسي): (الفهم، بصورة عامة هو: الإدراك والعلم والمعرفة. وواسطة هذه المعرفة والعلم هي العقل، أي إن الإنسان بواسطة عقله يفهم الأشياء، ومن هذا الباب نجد أن بعض الناس الذين يملكون عقلاً سليماً لهم نبوغ في مختلف مجالات الحياة؛ وذلك لرجاحة عقلهم،وحسن تعاملهم مع القضايا والأحداث،التي تدور حولهم، بينما نجد البعض الآخر لا يمتلك هذه الخاصية، التي هي -الفهم-  أو المعرفة والفطنة، إما لخلل عقلي، وهذا خارج عن إرادة الإنسان وإمكانه عادةً، أو لتقصير منه، وذلك لعدم تحصيله للعلوم والمعارف ومعرفته بالأوضاع التي توصله إلى الفهم والإدراك).

إذن من يتمتع بعقلية راجحة، تجد انه قادر على فهم بواطن الامور وظواهرها معا، ولا يخفى عليه أمر ما، ولا يمكن أن تمرر عليه اهداف مبطّنة أو مغطاة بأساليب المراوغة والخداع، فيكون نبيها وفاهما وواعيا، بسبب رجاحة العقل، التي صقلها ايضا ببحثه الدؤوب عن المعرفة، ولا يتعلق هذا الامر بالمسؤول، او بمن ينتمي الى النخبة حصرا، بل هو أمر مطلوب من الجميع من دون استثناء، لذا يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه المذكور نفسه: (بإمكان الإنسان أن يصبح فاهماً، وبإمكانه أن يكون كثير العلم والإدراك، وذلك بجده واجتهاده، وأيضاً بيده أن يصبح أبلهاً أو بليداً أو شخصاً عادياً لا يهتم ولا يعي لما يجري حوله من القضايا والأحداث، وهذا يعتبر نقصاً للإنسان؛ لأن العلم كمال وتركه نقص).

أهمية الفهم السياسي

كلنا نتفق على أن الفهم بصورة عامة مطلوب من لدن الناس جميعا، على الانسان أن يفهم مجريات الامور كافة، ولكن ثمة أسبقيات في هذا المجال ايضا، بمعنى على الانسان حسب موقعه في المجتمع وحسب مسؤولياته، أن يتقن التعامل مع هذا الامر أو ذاك وأن يفهمه بعمق استنادا الى طبيعة مهامه، فإذا كان يعمل في الحقل السياسي عليه أن يتحلى بالفهم السياسي العميق، ولكن هذا لا يعني أن فهم السياسة محصور بالسياسيين فقط، بل لابد أن تكون هناك درجة من الفهم السياسي يتحلى بها حتى الانسان البسيط في وعيه ومهماته، لسبب واضح أن السياسة تتعلق بحياة الجميع، من هنا يمكن القول أن كل فرد هو سياسي وإن لم يعمل في السياسة، لذا على الجميع أن يفهمها ويتعامل معها بوعي جيد، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إن (السياسة ليست من العلوم الحديثة، بل لعلها وجدت بوجود الإنسان في هذه المعمورة، وبواسطتها ينظم الإنسان حياته، وكل إنسان يحتاج إلى السياسة، وفي جميع المجالات، سياسة مع نفسه، سياسة في تعامله وتعايشه مع عائلته، سياسة مع صديقه، سياسة مع عدوه، وسياسة مع جميع أفراد المجتمع. ومن هذا الباب، فإن أغلب الناس سياسيون، ولكن بدرجات متفاوتة).

ولا يمكن أن يصل الانسان الى درجة وعي وفهم جيدة للسياسة وغوامضها، ما لم يسعى الى فك الألغاز التي تحيط بها، فالسياسة تبدو غامضة في كثير من الاحيان، وكثير من القرارات السياسية قد تبدو متناقضة وغير مفهومة، مثلا يقول احد ساسة الغرب المعروفين بخصوص السياسة (ليست هناك صداقات دائمة، بل هناك مصالح دائمة) وهو قول ذائع الصيت، يجعل الانسان البسيط لا يفهم كيف تتفوق السياسة على العلاقات الانسانية الصادقة، حتى بين الدول والحكومات، بل تنعكس احيانا على علاقات الافراد، لذا يتطلب الامر وعيا عاليا وفهما جيدا للسياسة وأهدافها، يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص: (من أهم مقومات الفهم السياسي هو: التثقيف والتوعية، وهي إحدى الأسس الرئيسية لنهضة الأمة الإسلامية، وترسيخ مبادئها وتطبيقها على أرض الواقع بشكل تام وصحيح).

الجهاد الفكري والعلمي

لن يتحقق فهم السياسة ببساطة لكل من يتمنى ذلك، بل يتطلب الامر سعيا وبحثا ومطالعات واسعة ومتواصلة، للكتب التي تتعلق بهذا الحقل الواسع كالبحر المترامي الاطراف، وبالنتيجة فإن الهدف من تحقيق الفهم السياسي، هو حماية الحقوق الفردية والجماعية معا، فمن يعرف حقوقه سوف يتحرك للدفاع عنها، والمطالبة بها مهما امتد الزمن بوجود القمع والطغيان، لذا يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: (إذا أردنا المعرفة والحصول على الفهم السياسي، فعلينا بالجهاد الفكري والجهاد العلمي ضد الجهل، وبكل الوسائل المتاحة المشروعة، بالقلم واللسان، وبمختلف الوسائل العصرية).

ولا يستثني الامام احدا من هذه المهمة، فالجميع مطالب بتحقيق الفهم السياسي لتقصير أعمار الطغاة، من خلال المطالبة بالحقوق السياسية للجميع، لذا كما يقول الامام الشيرازي: (يلزم على جميع المسلمين وخاصة الحوزات العلمية والعلماء التحلي بالفهم السياسي وذلك للحفاظ على الأمة من الضياع ومن مخططات الأعداء).

ولكن يبقى تحقيق هذا الهدف بحاجة الى مقومات، تتمثل بتحصيل الثقافة الشاملة، أي في جميع مجالات الحياة ولا تنحصر في جانب حياتي معيَّن، إذ يقول الامام بهذا الخصوص: (إن الفهم السياسي بحاجة إلى مقومات عديدة، فالسياسي مثلما يحتاج إلى معرفة الدين يحتاج إلى معرفة الاجتماع، وقد أشرنا إلى لزوم معرفة الإنسان بالدين والاجتماع والتاريخ والاقتصاد، ليكون واعياً في كل جوانب الحياة).

وكما ذكرنا سابقا، إن الغاية من تحقيق هذا الهدف (الفهم السياسي)، هو سرعة القضاء على أنظمة القمع والاستبداد، فكلما كان الانسان أكثر وعيا وفهما لحقوقه السياسية، كلما كان أكثر استعدادا للتضحية، من اجل التحرر والخلاص من انظمة القمع، لذا يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا الصدد بكتابه المذكور نفسه: (على المسلمين إذا أرادوا النهوض والتخلص من هذه الأنظمة القمعية والاستبدادية، إيجاد الوعي العام والفهم التام بكل الجوانب السياسية والإدارية والاقتصادية والدينية).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/شباط/2012 - 20/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م