قطر وثياب الأمير الفضفاضة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: من أين تستمد الدولة، اي دولة مكانتها السياسية وثقلها في الخريطة السياسية العالمية؟

استقراءا لمسيرة التاريخ السياسي وأوضاع الشخصيات التي مثلت هذه المسيرة منذ عرف الإنسان فن السياسة واصبحت علمه، واستقراءا لتاريخ الإمبراطوريات والدول قديما وحديثا في صعودها وانحدارها، يمكن تحديد مجموعة من العناصر، عناصر القوة لتحديد ثقل الدولة وقوتها في مجال العلاقات الدولية:

1- العناصر الثابتة: وتمثلها (الموقع الجغراقي – التاريخ – عدد السكان – الثقافة).

2- العناصر المتغيرة: وتمثلها (الاقتصاد – التكنولوجيا – القدرة العسكرية).

فيما يتعلق بالعناصر الثابتة ولو اخذنا كل واحدة منها على حده نجد ان الكثير من الدول تستمد مكانتها السياسية من خلال موقعها الجغرافي الذي يكون عادة محكوما بجملة من الاشتراطات الموضوعية التي تحددها مجالات التنافس او الصراع بين دولة او اكثر من الدول المحيطة او المجاورة كما في حالة الهند وباكستان او الكوريتين او تركيا وايران وغيرها كثير من الامثلة.. او الموقع الجغرافي المتحكم بطرق المواصلات كما في طريق الحرير الشهير او الطريق القديم للملاحة المار براس الرجاء الصالح.

لكن الموقع الجغرافي ثابت طبيعي لا يتحرك من مكانه لكنه قد يضمحل دوره بين فترة واخرى. ان العناصر الثابتة لا يمكن لارادة الدولة ان تغيرها على المدى المتوسط والبعيد ضمن المقاييس الموجودة.. لكن بطبيعة الحال لا يعني ان ثقل هذه العناصر ثابت لا يتغير في معادلة القوة للدولة، بل ان الوضع الدولي المتغير يفتح المجال امام تغير الثقل النوعي للعناصر الثابتة المذكورة الموجودة ضمن توازنات القوى لأية دولة.

لو اخذنا امثلة لتلك المتغيرات، تحضر الى الذهن حالة البرتغال او ايطاليا او هولندا والتي كانت من الدول الاستعمارية الاولى واضمحل دورها تدريجيا وبالتالي تراجعت مكانتها السياسية، كانت بلدان غزو وفتوحات عسكرية.

فيما يتعلق بالتاريخ، لدى الكثير من الدول ثقلها التاريخي الذي صنعه اشخاص منها وراكمه الآخرون على مدار قرون طويلة، مثال على ذلك، العراق – ايران – تركيا – سوريا – مصر – بريطانيا – فرنسا – المانيا – الهند – الصين، ودول اخرى فد تفترب من هذا الثقل التاريخي او تبتعد عنه بمسافة قليلة، الا انها في تطلعها الى المستقبل تكون محكومة بهذا الاطار النظري للتاريخ والذي يجعلها تستشعر بمكانتها الضاربة عميقا في جذور الانسانية.

العنصر الثالث وهو عدد السكان في الدولة والذي قد يكون عنصرا مخاتلا في حالات كثيرة ويصبح عبئا وليس ميزة فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية كما في حالة السودان ومصر.

الثقافة تلعب دورا كبيرا ايضا فيما يتعلق بمكانة الدولة.. وهو ما يؤدي الى تكوين انماط ثقافية تهيمن على ثقافات العالم مثل الثقافة الامريكية.

بالنسبة للعناصر المتغيرة لبلد ما نقصد بها العناصر التي يمكن تفعيلها في المدى القريب والمتوسط وهي العناصر التي تعكس مدى قدرة الدولة على استخدام القوى الكامنة فيها.

وتعتبر كل من الموارد الاقتصادية للدولة وبينها التحتية التكنولوجية والتراكم العسكري لديها عناصر متغيرة في معادلة القوة للدولة.. ويؤدي استخدام هذه العناصر المتغيرة بشكل منسق ومثمر في بناء السياسة الخارجية الى ازدياد ثقل الدولة في توزازنات القوى الدولية، وبالمقابل فان الدول التي لا تستطيع اعادة بناء تلك العناصر بشكل منظم وفعال تصاب بضعف في قوتها المؤثرة في علاقاتها الدولية.

ما الذي تمتلكه قطر من هذه العناصر؟

انها لا تمتلك الموقع الجغرافي ولا التاريخ ولا عدد السكان الكبير ولا الثقافة الفاعلة، هذا بالنسبة للعناصر الثابتة.. وهي ايضا تعدم العناصر المتغيرة والتي تمثلها التكنولوجيا والقدرة العسكرية، انها فقط تمتلك اقتصاديات الغاز الطبيعي ولا شيء اخر غيره، فهي تحتل المرتبة الثانية بين دول العالم من حيث احتياطي الغاز الطبيعي.

بانعدام هذه العناصر كيف استطاعت قطر ان تكون بهذ المكانة رغم انعدام العناصر الاخرى؟

انها القاعدة العسكرية الامريكية الموجودة في السيلية من الجزيرة القطرية.. وهي القاعدة التي تضم اكبر تجمع للعسكرية الامريكية في منطقة الشرق الاوسط، مما جعل من قطر هراوة غليظة لأمريكا يخشاها الكثير من الدول في المنطقة وهي ليست خشية من قدرات قطر بل من الحامي الامريكي لها.

لا يمكن اعتبار قناة الجزيرة الفضائية او صادرات الغاز الطبيعي هما العاملان الرئيسيان لهذه المكانة التي صعدت اليها قطر بل يمكن النظر الى مجموعة من العوامل الدولية التي ساهمت في هذا الصعود، مثل تراجع مكانة السعودية عند الراعي الامريكي بعد احداث 11 سبتمبر 2001، وتحطيم العراق وقدراته العسكرية، وتراجع مكانة مصر في الصراع العربي الاسرائيلي، كل هذا اعطى الضوء الاخضر لقطر ان تتقدم الصفوف في الكثير من الازمات السياسية التي يمر بها العالم العربي منذ تاريخ غزوة نيويورك لتنظيم القاعدة والذي ينتمي الكثير من المشاركين فيها الى السعودية.

هل سيبقى هذا الدور لقطر بعد عقود؟

تشير الكثير من التقارير المرموقة الخارجة من مراكز الابحاث والدراسات الامريكية ان السعودية سوف تضم قطر والبحرين اليها في العام 2040 وربما ايضا سيتم ضم الكويت الى العراق والامارات الى ايران ومضيق هرمز الى سلطنة عمان... لاشي الان غير ثياب الأمير الفضفاضة تغطي عورات الدور القطري الذي نراه في الوقت الحاضر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 12/شباط/2012 - 19/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م