شبكة النبأ: انقضى الآن أكثر من 15
عاماً على الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا خلال حقبة التسعينات من
القرن الماضي. وأصبح السياح في هذه الدولة، التي تقع شرق إفريقيا،
ينعمون بالسلامة والأمان مرة أخرى، حتى إنه أصبح من الممكن اليوم
القيام بجولات سياحية في المنطقة الحدودية المتنازع عليها سابقاً،
والتي تقع حول براكين فيرونغا. ولا يفوت السائح في هذه المنطقة زيارة
آخر حيوانات الغوريلا الجبلية، التي يتهددها خطر الانقراض بسبب الحرب
الأهلية والصيد الجائر غير المشروع.
وذاعت شهرة الغوريلا الجبلية على مستوى العالم بفضل الفيلم الأميركي
الشهير «غوريلا في الضباب»، المستوحى من حياة وأعمال الباحثة ديان فوسي
المتخصصة في دراسة الحيوانات التي تنتمي إلى رتبة الثدييات العليا مثل
القردة. وجاءت الباحثة الأميركية إلى رواندا في نهاية عقد الستينات من
القرن الماضي لدراسة طباع وخصائص الغوريلا الجبلية وحمايتها من خطر
الانقراض.
يرجع الفضل إلى الباحثة الأميركية في أنه لا تزال هناك حيوانات من
الغوريلا الجبلية تعيش وسط غابات الخيزران المنتشرة حول براكين فيرونغا.
وتعتبر زيارة هذه الحيوانات تجربة فريدة من نوعها تظل عالقة بالذاكرة
إلى الأبد، والتي لابد أن يتضمنها أي برنامج سياحي إلى رواندا، حتى وإن
كانت كلفة هذه الزياة تصل إلى 500 دولار أميركي للفرد. ويتم إنفاق هذه
الأموال بشكل جيد، إذ يتم توجيهها إلى حماية الغوريلا الجبلية من خطر
الانقراض. بحسب الوكالة الألمانية للأنباء.
وتوجد في هذه المنطقة ثماني مجموعات فقط من حيوانات الغوريلا
الجبلية التي اعتادت مشاهدة ومراقبة السياح لها. وحتى لا تتسبب هذه
الزيارات السياحية في إزعاج الحيوانات فإنه لا يُسمح إلا بزيارة واحدة
لكل مجموعة من الحيوانات في اليوم، بحيث لا يزيد عدد السياح على ثمانية
أفراد. ومن الأفضل أن يقوم الأشخاص المهتمون بهذه الزيارة بحجزها
وتنظيمها قبل السفر إلى رواندا، لاسيما أن الحصول على تذكرة قبل زيارة
الغوريلا الجبلية بفترة وجيزة يكون من الأمور الصعبة للغاية أثناء ذروة
الموسم السياحي الذي يمتد من يوليو حتى سبتمبر من كل عام.
نزهة غير مريحة
لا تعتبر زيارة الغوريلا الجبلية نزهة مريحة على الإطلاق؛ لأن هذه
الحيوانات تعيش على ارتفاع 2500 متر فوق مستوى سطح البحر. ويبدأ المسير
في تمام الساعة السابعة صباحاً، حتى يتمكن السياح من الوصول إلى موطن
الغوريلا قبل الظهيرة، وهو وقت تكون فيه الحيوانات في قمة الحيوية
والنشاط، وبالتالي يتمكن السياح من مشاهدتها عن كثب. ويعتبر المركز
السياحي بمنطقة كينيغي هو نقطة التقاء وتجمع السياح للقيام بهذه الجولة
التي لا يطويها النسيان أبداً. ويهرول عشاق التجول لمسافات طويلة في
أحضان الطبيعة وتنتابهم مشاعر وأحاسيس مفعمة بالترقب والإثارة. وفي تلك
الأثناء تلوح في الأفق قمم بركانية تكسر الضباب الذي يكسو الوديان بثوب
ناصع البياض. ويقوم حراس المحمية الطبيعية بإلقاء نظرة فاحصة على
السياح بشكل غير واضح، كما أنه يتم تقسيم الزوار إلى مجموعات. فمَن
يرغب في مشاهدة مجموعة الغوريلا المعروفة باسم «سوسا»، فإنه يتعين عليه
أن ينضم إلى مسيرة شاقة بين الجبال. أما الطريق إلى مجموعة «أماهورو»
يتميز بأنه أقل صعوبة ووعورة.
نصائح
عندما يتم تقسيم السياح إلى مجموعات يقوم الحارس المرافق لكل مجموعة
بتوضيح بعض النصائح والإرشادات المختصرة التي يتعين على الزوار
مراعاتها أثناء مشاهدة الغوريلا الجبلية، ومن بين قواعد السلوك هذه أنه
يجب على السياح العطس في ثنية الكوع فقط عند الاقتراب من الحيوانات،
وذلك للحيلولة دون انتقال الأمراض المعدية من الإنسان إلى الغوريلا
الجبلية. فحتى نزلات البرد والإنفلونزا التي لا تُمثل أية خطورة على
الإنسان، يمكن أن تتسبب في وفاة الغوريلا الجبلية، ولذلك فإنه من
الأفضل للسائح الذي يشعر بأنه ليس على ما يرام أو يشكو من بعض الآلام،
أن يظل في الفندق ولا يخرج لمشاهدة الحيوانات. وفي هذه الحالة فإنه
سيستعيد الأموال التي دفعها من الشركة المنظمة للرحلة السياحية.
وفي البداية يمر الطريق المتجه إلى مجموعة الحيوانات المعروفة باسم
«أماهورو» وسط الحقول الواسعة المزروعة بالأزهار والورود، ويتم قطع هذه
المسافة بواسطة سيارات الدفع الرباعي. وعلى طول الطريق تظهر النساء وهن
يعملن بالفؤوس في هذه الحقول منذ الساعات الأولى من الصباح. ويرى
السياح من وقت إلى آخر بعض النساء يحملن صغارهن على ظهورهن، وفي مشاهد
أخرى يظهر الأطفال يمرحون ويلعبون وسط الحقول والزهور.
وبعد أن يجتاز السياح منطقة الحقول المزهرة تبدأ حدود المحمية
الطبيعية، وعندئذٍ يقوم الحراس بتوزيع العصي الغليظة، التي عادة ما يتم
استعمالها أثناء التجول لمسافات طويلة. ونظراً لأن صعود المرتفعات
الجبلية سيبدأ من هذه النقطة، فإنه يتعين على السياح ارتداء أحذية
سميكة وسراويل بأرجل طويلة وقمصان بأكمام طويلة أيضاً؛ إذ تزخر هذه
المنطقة بالنباتات التي تشبه نبات القراص المزعج، كما تظهر جذوع
الأشجار وأغصان فروع النباتات فجأة أمام السياح أثناء التجول.
رداء الصمت
عندما يصل السياح إلى موطن الغوريلا الجبلية فإن المكان يلفه رداء
من الصمت، ويتعين على السياح أن يتركوا حقائب الظهر وعصي التجول
ويتوجهون بمفردهم وسط الأدغال والشجيرات المتشابكة الأغصان؛ لأن
الغوريلا الجبلية نادراً ما تقف على جانب الطريق مباشرة. وتغطي الأرضية
نباتات السرخس بشكل كثيف، لدرجة أنها تصبح زلقة وتعرض السياح لخطر
الانزلاق، ودائماً ما يضطر الحراس إلى إخلاء الطريق للزوار باستخدام
المناجل الخاصة بهم.
وبعد مرور فترة من الوقت يظهر فجأة أحد حيوانات الغوريلا الجبلية
أمام السياح، وعندئذ يختفي أي نوع من الخوف والرهبة، حيث يجلس عشاق
التجول على الأرض الرطبة، ويشاهدون بإعجاب منقطع النظير الحيوانات التي
يتهددها خطر الانقراض. وحتى من خلال النظر عبر عدسة الكاميرا تبدو
الغوريلا الجبلية كأنها نوع من القرود.
ويسمح الحراس للزوار بالاقتراب من هذه الحيوانات حتى مسافة خمسة
أمتار، ونظراً لأن الغوريلا الجبلية لا تعرف هذه القواعد وبالتالي لا
تلتزم بها، فقد يحدث في بعض المرات أن تقترب الحيوانات أكثر من السياح،
أو يتشبث أحد صغار الغوريلا بساق الزائر، وفي هذه الحالة يتعين على
السائح أن يحتفظ بهدوئه، ويستمع إلى تعليمات حارس المحمية الطبيعية
وينفذها.
ويتاح للزوار ساعة واحدة لمشاهدة حيوانات الغوريلا الجبلية وهي تأكل
وتمرح وتحتضن بعضها بعضاً، وبالطبع فإن هذه اللحظات تظل محفورة في
الذاكرة ولا يمحوها الزمن. وتتشابه الغوريلا مع الإنسان في كثير من
الخصائص والصفات بشكل مدهش. ولكن بعد مرور هذه الساعة يتعين على السياح
أن يقولوا وداعاً لهذه الحيوانات الرائعة، وأن يسلكوا طريق العودة
محملين بذكريات نادراً ما يعايشها المرء في أماكن أخرى من العالم.
وبفعل نشوة هذه المغامرات الساحرة يشعر عشاق التجول بين أحضان الطبيعة
بأن طريق العودة أقل وطأة وصعوبة عما هو في الواقع. |