اصدارات جديدة: السياسة الأمريكية لمائة عام قادمة

 

 

 

 

 

الكتاب: الفوضى الخلاقة

الكاتب: بهاء الدين الخاقاني

الناشر: دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع

عرض: الدكتور دوني جورج يوخنا

 

 

 

 

شبكة النبأ: عندما وجدت نفسي أكتب هذه المقدمة، كنت أفرض على نفسي البعد عن وجهة النظر السياسية وقد كنت موفقا في ذلك لما عرفته من التاريخ أن السياسة لا يمكنها أن تكون عبرة للتأريخ لأنها أبدا لم تعتبر بالتاريخ الا نادرا ومجرد أشارات في كتب المنظرين ولكن عند التطبيق تشعر أن الحياة تلد من جديد بغباء وانها تلد في الضحالات وليس من تأريخ مملوء بالعبر والاساطير والحكايات.

على هذا الاعتبار وجدت نفسي أيضا في هذه المقدمة بعيدا عن السياسة وقريبا من التاريخ، لأن في فكرة هذا الكتاب رؤية اسطورية للسياسة وفي نفس وقت استنتاج سياسي للتأريخ لأول مرة أتلمسه في كتاب ما، وان كان الموضوع عن اطروحة معاصرة هي الفوضى الخلاقة والتي ظهرت بوضوح أكثر بكثير من اطروحة العولمة التي ما زالت تتلمس الخطى لاثبات وجودها، ولم تجد لنفسها وجودا الا بالانرنت وحقيقة القرية الصغيرة.

عرفت بهاء الدين الخاقاني من خلال أبيه والصديق والعلامة الاديب البارز رحمه الله، وحسب اهتماهات المرحوم الاستاذ الاديب ضياء الدين الخاقاني بتاريخ العيلامين والمشعشعيين والكعبيين ودولة كندة بحكم اختصاصه والتنسيق مع اتحاد المؤرخين العرب تمتنت علاقتي بالعزيز بهاء الدين وكان يتابع هذه الاهتمامات ويؤرشف التواريخ والقطع الأثرية ولكن ما أحكم العلاقة اهتمامه بالدراسات المسيحية والكتاب المقدس وما يمكن أن يستدل بها من الآثار من القيم لشرائع السماء، وأتمنى ان ما جمعه يرى النور. وهكذا استمرت العلاقة ضمن لقاءاتنا المتوالية في كلية الاداب وكلية اللغات فيما بعد، وهو يكمل قسم الاعلام في الآداب لأرى لديه اندفاعات في تحليل الأحداث المعاصرة برؤى تاريخية وان لم يكن التاريخ اختصاصه فقد كان أقرب الى الاعلام والأدب وكنت انتظر صدور ديوان له أو رواية قبل كل شيء، ولكن كانت حواراته وأسئلته تثير المتلقي وتتعبني شخصيا بالبحث، ورغم التغرب والمهجر والبعد وعدم اللقاء فأن العلاقة لم تنقطع بين أونة وأخرى.

ان هذا التأليف الذي بين أيدينا فيه مجرى المقالات وقد أثري بوجهات النظر التي تتصارع مع الواقع، بل والواقع أحيانا يرفضها ووجدت فيه من رؤى تأخذ مأخذ النظريات وتدعم حوار الحضارات وما يشبه الرد ضد أطروحات صدام الحضارات وكذلك اطروحات نهاية التاريخ، بما يشبه معالجة حكيمة لمفهوم الارهاب. وكأن عزيزي الأستاذ بهاء الدين الخاقاني يدفع الزمن الذي تجمد ثقافيا على فكرة الصراعات والارهاب بنقطة الصفر الى أمام ولو بدرجات، منقذا المؤيد لهما والمعارض من فخ فكري ذكي بالوقوع هذه الجهة أو تلك في فخ الاتجاه الذي عارضته أو أيدته، ومحفز المهتم للتوقف في فكرة الانسانية أكثر من فكرة اليأس التي افتقدت التحليل واكتفت بالكسل، محاولا ايقاف الارتداد الفكري الذي تفرضه الادعاءات والشعارات، وكأن هذا الارتداد قدر فكري علينا دوما الخوض فيه دون الاهتمام بمستقبل انساني نعيشه بسلام وتكافل عالمي ينقذ البشرية من أزماتها فضلا عن قمع الحداثة وهي سنة تأريخية لأي أمة تريد النهوض، فضلا عن ناحية ثقافية سلبية وهي تفرض على الفكر البشري التسلية بالحلقات المفقودة، وهي ثقافة اختلقها الانسان لتبرير عجزه والعيش في منطقة الفراغ كلما افتقد الجواب أو أرعبه المجهول وعدم الحصول على الاجابة من أسئلة هي في الحقيقة مادة التاريخ وصناعته وسبب وجوده ووجود قيمة الانسان وقد أوجدها الله سبحانه هذه الاسئلة للتطور وليس للارعاب.

وشعرت بحكم خبرتي أن مثل هذه النظريات بين طيات مقالات الكتاب ستجد النور في تحليلها والتفكير بها لتكون البعض أو الكثير منها نظريات أتمنى أن أجد بلدي العراق يأخذ بها وأن تكون هناك مراكز دراسات تشعرنا بأهمية العراق التاريخية والعالمية، وهو هكذا بالفعل.

تبرهن الأحداث، ان اللحظة دوما هي لحظة رعب من الجديد، ففي الوقت الذي هناك تنصل من الارهاب ولكن هناك دعم ممن يتنصل ليوقف عجلة تقدم شعب عظيم كالعراق. ان الظواهر مع الأسف خلاف للتاريخ تتحكم بالتطبيقات ولكن هناك ضحالة في مناهج تطبيق الحقائق، مع غلو واضح نحو التطرف والتعصب والمأساة اذا ما اتصفت بالتحريف الفكري وهو يؤدلج من أجل الاستقواء وظهور الذات دون الوعي بها مع الافراط مع الأسف بالأنوية وكأنها غول عملاق في الثقافة والتنظير والفكر عموما، مع تأثر واضح لمناهج توحدت للقريب وللبعيد في أدلجة احتقان تاريخي ضدنا واثاره في التاريخ مثبتة.فانعكس ذلك على التطبيقات لنرى على أرض الواقع من ان الموقع المناسب يفتقد الانسان المناسب وبالأخص في بلداننا الا ما ندر، عندما نفتقد الى أفق يبشرنا بعصر للتعايش والتفاهم والسلام، وعندما يفتقد الزمن كفالته بأن يأتي بمثل هذه الأيام، وعندما نفتقد لمراكز ومؤسسات للدراسات والبحث للارتقاء بشعوبنا وبلداننا.

ان العودة التي يدفعنا بها هذا الكتاب الى التاريخ واللغة هي نوع أيضا من الارتداد ولكن الايجابي لتأسيس قواعد تنظيرات أخرى للعلاقات الثقافية والحضارية والانسانية، أي أن الافكار تقربنا من أحضان أمّنا وهي حضارة العراق وأديانه وعباقرته، حيث يدفعنا الكاتب العزيز الى صلب السنن في الكون من أجل الاحتفاظ بمهد الفكرة الاولى وهو العراق والكلمة الاولى المنزلة قبل الفكر كيما يكون للفكر معنى، وكيما يستوعب المهتم والمفكر المتغيرات المتوثبة أما لتثبيتنا ان كنا واعين أو الغائنا ان افتقدنا الوعي لأسباب وجودنا في هذا الكم المتلاطم من الثقافات وهجوماته المتوالية عبر سيد التقنية المعاصر الانترنت.

ان الكتاب وخزة لا يمكن أن لا تدمينا، فان كانت قطرة دمنا عزيزة لفهم بنية العلم والاقدار من جهة ومن جهة أخرى بنية البيئة والمحيط لندرك من نحن والا لم نكن شيئا مذكورا عندما نتعامل بلا أبالية مع تلك الوخزة فنمتص قطرة الدم التي نبعت بسببها وكأنه لم يكن للأمر أهمية على أجسادنا فكيف بأرواحنا، لنبقى نتصارع ضمن عقدة الدونكيشوت مع طواحين الهواء دون أن نفهم مدى سخرية الموقف، والنتيجة من كل ذلك هو تسائل علينا أن ندركه من الكتاب وهو أين كل ذلك من التيار العلمي ووعي ضرورة رفض الخيارات القصوى التي يراد منها أن تكون عقيدة مفروضة للتاريخ البشري الى جانب ذلك الوهم الذي يريد أن يلغي أهمية التلاقح والتفاعل بحجة الاصطدام والنهايات.

ان هذا الكتاب هو تحفيز لتحريك التفكير بمنطقة اللا تفكير بالأشياء، اما ما تم التفكير به فقد تم التفكير به وحصل التوضيح فيه، لتخرج الافكار والتنظيرات من مجرد رؤى للتحليل الى فهمها من انها مشاريع خطط واعمال ومناهج للتفكير المستقبلي، حيث أن الكاتب يرفض أي انزواء حضاري وتعصب تاريخي على بلده وأمته ولغته ودينه لتسهل لديه شريعة يتلمسها من السماء بالتفاعل مع الآخر والحوار معه وتقبل أي أمر ايجابي منه، وان كان في مواجهة التناقض والأخطاء كي لا يقع مفكرونا في سبات ضمني وشكلي بنيوي وانغلاق قاتل على النفس فيكون ضحية الخلل الحضاري الدولي ولتأتي النتيجة بضحيتها الأكبر وهو الشعب وبالأخص اذا انتجت الضحايا سيادات مستبدة، لأن الفكرة هي القطيعة مع التاريخ كوننا لم نعتبر منه، ولأن أولى الاعتبارات في التاريخ لا تؤسس للأكراه ولا تؤيد الظلم ولأن التاريخ يمارس الحرية التامة، فانه الوجه الآخر لمبادىء السماء عندما يمارس النقد من خلال العبر والسنن، حيث ينتقد ما يعاكس كل طرح سلبي معروف ليأتي بالخبر اليقين من الأخطاء البشرية المعروفة بسلوكيات معهودة فيعطي حلا دائما من خلال فكرة من انه لابد من ترويض ارادات السيطرة المانعة من الاتجاه نحو الحرية الأخلاقية من جهة ومن جهة اخرى معالجة التغريب من أنه هناك لا تغريب وهذا من صنع وهم الانسان لأن الانسان أخ الانسان ولا يوجد بديل لهذه الفكرة أبدا، ولا يمكن اعتبارهما نوازع نعاني منها بل انها أمراض تاريخية نفسية ان تخلف الشعب او استبد الحاكم. ان الكتاب رؤية حكيمة تدعو لكي يتصالح الانسان أولا مع نفسه ويؤسس لقاعدة من التكافل الثقافي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/شباط/2012 - 16/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م