أوباما وإيران... وصارم المكررة؟!

شبكة النبأ: للرئيس باراك أوباما وصف جديد مفضل لوصف العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ففي جهد واضح لإسكات أي مشككين في التزام إدارته نحو إسرائيل فإنه قد استخدم كلمة "صارم" ليس مرة بل مرتين في فقرة رئيسية من خطابه عن "حالة الاتحاد" في كانون الثاني/يناير.

يقول روبرت ساتلوف في تحليله المنشور مؤخرا في معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى: بوسع المرء أن يتخيل آيات الله في طهران وهم يرفعون أيديهم في حالة يأس حالما يسمعون كلمة "صارم" للمرة الثانية، أو شيئاً من هذا القبيل: "محمود! دعك من صنع القنبلة الذرية. لقد تكررت كلمة 'صارم' مرتين يجب أن يكون أوباما جاد حقاً!"

لكن قبل أن يضع حكام ايران خططهم للتخصيب جانباً بصورة طوعية ربما يريدون أن يطرحوا بضعة أسئلة أساسية: ما معنى كلمة صارم؟ كيف استخدم الرؤساء هذا المصطلح في الماضي؟ والى أي حد تكون قوة تعبير "التزام صارم" في الواقع؟

يقول روبرت ساتلوف: كلمة "صارم ironclad" كما هو معروف تعود إلى بناء السفن في منتصف القرن التاسع عشر عندما أدى ضعف السفن الخشبية إلى انطلاق سباق بين القوى الأوروبية لتطوير هياكل سفن يمكن أن تصمد أمام أعتى الأسلحة في ذلك العصر الصناعي. وأول هذه السفن الجديدة المحمية جيداً كانت قوارب قديمة ذات صفائح معدنية مثبتة على أجسامها [مدرعة] ومن هنا جاءت كلمة "مكسوة بالحديد" أو "iron clad". وبوسع الفرنسيين أن يقولوا إنهم أول من صنعوا تلك الصفائح المثبتة على الأجسام لكن الحقيقة أن البريطانيين هم من برعوا في تصميم نسخ سريعة وقوية من هذا النوع الجديد من السفن، وسرعان ما حوّلوا أسطولهم الكامل إلى سفن مدرعة.

ويضيف: مع ذلك ما تزال كلمة "صارم" وللأبد مرتبطة بالولايات المتحدة التي هي موطن أول معركة بحرية وقعت بين مثل هذه السفن -- وهي اشتباك "الحرب الأهلية" الأسطوري بين سفينتي "مونيتور الاتحاد" و "فرجينيا الكونفدرالية" ("ميريماك" سابقاً). وذلك كان سياق أول استخدام رئاسي لمصطلح "صارم" أو "ironclad" من بين 52 استخدام -- وفقاً للأمر التنفيذي من قبل إبراهام لينكولن الصادر في 5 نيسان/أبريل عام 1862 والذي يؤكد ثناء وزير الحرب على "التحركات الماهرة والباسلة" لقوات "الاتحاد" وجنود البحرية والذي أدى إلى "تدمير باخرة المتمردين المدرعة «ميريماك»." (البيانات المستخدمة في هذه المقالة مستقاة من "مشروع الرئاسة الأمريكي الذي لا غنى عنه من "جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا".)

ويشير روبرت ساتلوف: للسنوات الـ 67 التالية استخدم الرؤساء المتعاقبون مصطلح "الصارم" دائماً بالطريقة التي استخدمه بها لينكولن وذلك للإشارة إلى نوع السفينة. لكن في السنوات الأولى من القرن العشرين وحيث أفسحت هذه السفن الطريق للمدرعات البحرية تم فك المصطلح من جذوره البحرية وتطور إلى وصف عام لشيء صلب وقوي.

وفي عام 1929، وبعد أسابيع من "الانهيار العظيم" عرض هربرت هوفر أول استخدام رئاسي غير بحري للمصطلح عندما أشار إلى "المقترحات الصارمة الدقيقة" لتحسينات النظام القضائي. وباستثناء إشارة عابرة من عضو طاقم الغواصات البحرية السابق جيمي كارتر لم يستعمل أي رئيس كلمة "الصارمة" مرة ثانية للإشارة إلى قارب.

لكن الكثير من الرؤساء الأمريكيين قد أحبوا الصورة التي تستحضرها كلمة "الصارم" -- كأنها شيء تشكل في صورة حجر. وقد كان هاري ترومان فخوراً بــ "ميزانيته الصارمة" العصية على التلاعب بها. وأراد دوايت آيزنهاور التفاوض على اتفاقيات "صارمة" للسيطرة على الأسلحة ومعاهدات متينة تكون "ذاتية التطبيق." كما أن جيرالد فورد عارض الحظر الكلي على الإجهاض،... "[لا أتفق مع أولئك الذين ينادون بإجراء تعديل من شأنه أن يكون] صارماً إلى درجة بحيث لا يمكنك بأي حال من الأحوال إجراء (عملية الإجهاض)."

ويتابع: غير أن فكرة "الالتزام الصارم" نحو دولة أجنبية - اصطلاح أوباما - هي ظاهرة أكثر حداثة حيث يعود تاريخها فقط إلى زمن رونالد ريغان. وعلى الرغم من تشكيل تحالفات عظمى لمحاربة الفاشية في أوروبا وآسيا والتوسعية في شبه الجزيرة الكورية والشيوعية عبر أنحاء العالم، إلا أنه لم يحدث قط من قبل أن يصف الرؤساء الضمانات الأمريكية لحلفاء الولايات المتحدة بأنها "صارمة." لكن حالما استخدم الكلمة "المُحاور العظيم" [ريغان] في عام 1982 فإنها قد أحدثت نغمة قوية بحيث سرعان ما أصبحت الكلمة الأكثر شيوعاً في الاستخدام الرئاسي للمصطلح. ومن بين المرات الأربع والعشرين التي قال فيها الرؤساء كلمة "صارم" على مدى السنوات الثلاثين الماضية كان نصفها تقريباً في سياق "الالتزام الصارم" نحو دولة أجنبية.

ورغم ذلك فإن ثلاث دول فقط قد كسبت التزامات رئاسية "صارمة" -- ولا بد وأنها ستكون الفائزة في إحدى الأيام على سؤال ضمن البرنامج التلفزيوني المشهور في الولايات المتحدة "فاينال جيپوردي"!

وتأتي أفغانستان وبولندا في المكان الثاني والثالث على التوالي. فقد استخدم جورج دبليو بوش هذه الصيغة مرتين فيما يتعلق بالحكومة التي حلت محل طالبان واعداً الأفغان بــ "شراكة صارمة ودائمة" في عام 2003 و "التزام صارم بمساعدة أفغانستان على تحقيق النجاح والازدهار" في عام 2004. وأثناء زيارة إلى وارسو في عام 2011 وصف أوباما التحالف الأمريكي البولندي بأنه "مترسخ من خلال حلف شمال الأطلسي والالتزام الصارم الذي تمثله المادة الخامسة من حلف «الناتو»" -- وهو ضمان الدفاع [والأمن] المشترك.

ويرى روبرت ساتلوف: في المقام الأول فإن أسبق الدول لكسب منزلة "صارم" هي إسرائيل. فقد وعد رؤساء أمريكيون بــ "التزامات صارمة" للدولة اليهودية بما لا يقل عن سبع مرات. وجاء الاستخدام من كلا الحزبين حيث كان ريغان أول من استخدمه موظِّفاً المصطلح في خطابه الفاصل في 1 أيلول/سبتمبر 1982 الذي طرح فيه "خطة ريغان" للسلام في الشرق الأوسط، في حين كان بيل كلينتون هو الأكثر تكراراً للمصطلح واعداً بــ "التزام صارم بأمن إسرائيل" في أربع من ثماني سنوات رئاسته. ومن المثير للإنتباه أنه على ما يبدو لا أحد من الرئيسين من عائلة بوش - لا بوش الأب الذي خسر أصواتاً بسبب شدة انتقاده لإسرائيل ولا الابن الذي أظهر نفسه كأفضل صديق لإسرائيل - قد استخدم قط هذا التعبير في سياق الدولة اليهودية.

وعلى مدى عقود كان رؤساء كلا الحزبين قد أدلوا بتصريحات قوية وواسعة عن الصداقة والدعم لإسرائيل. ويُعتبر التحالف الأمريكي الإسرائيلي بحقٍّ على أنه عنصر حيوي لرادع إسرائيل الاستراتيجي. لكن عندما يسمع الإسرائيليون مصطلح "التزام صارم" هل يجدر بهم أن يشعروا بالرضا؟ لا حقاً.

أولاً، وبدون أي تقليل من شأن الأفغان أو البولنديين نقول إن إسرائيل لا تجد نفسها بذلك ضمن كوكبة عظيمة. ورغم الوعود الرئاسية يبدو أن أغلب الأمريكيين متلهفون إلى إبعاد التجربة الأفغانية إلى ركن قصيٍّ من التاريخ ذلك أنه من الصعب تصور منح معونة اقتصادية أمريكية - ناهيك عن التزام عسكري أمريكي موثوق - إلى أفغانستان بعد عقدٍ من الآن. وحتى في ظل التزام "المادة الخامسة" الصارم من جانب حلف شمال الأطلسي فإن سجل بولندا الضعيف في كونها قد اختُطفت من قبل النازيين ثم السوفييت رغم وعود "القوة العظمى" لا يبعث تماماً على الثقة.

ثانياً، كان هناك دوماً شيء شَرْطي - غير معلن عنه لكنه ما يزال فعلياً - فيما يخص "التزام أمريكا الصارم" بأمن إسرائيل. فعندما قدم ريغان هذا التعبير كان الغرض منه جعل فكرة الانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية - التي كانت ما تزال توصف في ذلك الحين بأنها "حكم ذاتي" فلسطيني - أكثر استساغة لدى حكومة بقيادة حزب الليكود. كما أن رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت مناحيم بيغن لم يكن متحمساً، حيث كما هو معروف أنه رفض خطة ريغان للسلام وذلك من خلال خطبة "جمهورية الموز" اللاذعة التي قالها لسفير الولايات المتحدة حينئذ صمويل دبليو لويس.

ويؤكد روبرت ساتلوف: إن استخدام أوباما لتعبير "التزام صارم" كان الغرض منه، مثل هدف ريغان، هو الحد من مخاوف حكومة الليكود حول تفضيلات السياسة الأمريكية في الدبلوماسية الإسرائيلية الفلسطينية. وقد استخدم أوباما التعبير لأول مرة بعد يومين فقط من إدلاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لنسخته الخاصة من توبيخ "جمهورية الموز" اللاذع عندما أنَّب الرئيس - في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، تخيل! - لدعوته إسرائيل إلى قبول مفاوضات قائمة على حدود عام 1967. وحتى الآن لا يبدو أن استخدام أوباما للتعبير قد حقق أي نجاح أكبر مما حققه ريغان.

ويشير روبرت ساتلوف: ثم هناك عوائق أساسية في الكناية داخل لفظ "صارم" نفسه، ذلك أن القوارب المصفحة بأشرعة من الحديد أو الصلب كانت تكتيكاً نجاح لوقت محدود ثم جرفته موجة التغيير. وما بدا على أنه لا يُقهر لم يعد كذلك، حيث غرقت تلك السفن، ولهذا السبب لم يقم أي شخص بصنعها منذ ذلك الحين.

ولو أراد رؤساء الولايات المتحدة الإشارة إلى قوة الالتزام الأمريكي نحو إسرائيل فينبغي أن يفكروا في ترك الكلمة "صارم" ويتخلوا عن دلالتها التي تلتصق بالقرن الماضي ويستخدموا بدلاً منها مصطلحات غير مرتبطة بالزمن بحيث تؤكد على غايات السياسة لا وسائلها. وثمة ثلاث كلمات [باللغة الانكليزية] لطالما كانت مفضلة لدى الرؤساء في إشارتهم إلى قوة هذه الغاية وثباتها وهي "غير قابلة للإنفصال" (92 استخدام رئاسي) و"غير قابلة للاهتزاز" (226 استخدام) و "لا تتزعزع" (312 استخدام) -- كما في قول جيمي كارتر "علاقات صداقة مع شاه إيران غير قابلة للإنفصال" وأهزوجة هاري ترومان لــ "وحدة" الأمم المتحدة الـ "غير قابلة للاهتزاز" والتزام ليندون جونسون الذي "لا يتزعزع" نحو فيتنام. لكن تلك كانت قصة مختلفة.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/شباط/2012 - 16/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م