النظام البحريني وعقدة الخوف من التغيير

كتب المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: بدأت حلقة جديدة في سلسلة الاحتجاجات في البحرين ضد النظام الحاكم الذي يعمل على معاملة المحتجين بالعنف في وقت اجتاحت بعض بلدان الشرق الأوسط تجربة تهدف الى ارساء الديمقراطية كنموذج للحكم، وفي البحرين بدأت الاحتجاجات مجددا وبشكل متطور، وسط إدانة دولية لقمع المظاهرات السلمية، ودعوات لوقف تزويد البحرين بأدوات القمع من الأسلحة المختلفة.

الإجراءات الصارمة التي تتخذها البحرين ضد المواطنين ستجعلهم أكثر تصميما، ورغم أن الإستراتيجية كانت تنظيم مظاهرة سلمية، فإن الهجوم على النشطاء البحرينيين حطم آمال التوصل إلى اتفاق مع الحكومة.

وبدا الاف البحرينيين اعتصاما يستمر اسبوعا وفق ما هو مخطط له من قبل المعارضة في مدن عديدة  مع اقتراب الذكرى الاولى للانتفاضة ضد الملكية.

ويتزامن الاعتصام مع دعوات وجهها ناشطون للعودة الى دوار اللؤلؤة لاحياء الذكرى الاولى لحركة الاحتجاجات التي يطالب فيها الشعب البحريني باقامة ملكية دستورية في المملكة الخليجية الصغيرة التي تحكمها سلالة آل خليفة وهم من العرب السنة منذ حوالى 250 عاما.

كما تفاقمت أزمة الفصل الوظيفي على اساس الطائفة حتى فصل الكثير من الذين يريدون التغيير السياسي  حتى تم استبدال إلى الشيعة بالسنة، ولاسيما في الوظائف البارزة والمتوسطة.

ويرى مراقبون ان احداث البحرين تمر في هذه الايام بمرحلة جديدة وعاصفة تعكس مدى وعمق ارادة الشعب لمواجهة نظام آل خليفة. ان ثورة البحرين تقترب من عامها الاول في وقت لم تلين فيه ارادة الشعب امام عنف السلطة فحسب بل يصبح يوما بعد اشد عزيمة وارادة وهو يتمسك بمطالبه القانون.

ان الاحداث الدامية في البحرين تظهر ان النظام لم يستطع خلال الاشهر ال11 الماضية، قهر حركة الاحتجاجات العارمة لاغلبية الشعب رغم تمتعه بدعم قوات درع الجزيرة والتواجد الواسع لقوات الجيش السعودي.

وربما لم يكن احد يتصور انه في بلد قليل السكان كالبحرين يستطيع الناس ان يقاوموا كل اساليب الترهيب والقمع والقتل التي مارسها النظام، لكن الشعب اظهر انه لم يتراجع وانه سيواصل انتفاضته حتى تحقيق كامل حقوقه العادلة .

الحركة الشعبية في البحرين والتي انطلقت بهدف تشكيل حكومة منتخبة وبرلمان قائم على الارادة والمطلب الوطنيين، قوبلت بالعنف والقمع بدلا من ان تلقى ردا منطقيا وان دماء ابناء الشعب التحرريين وعلماء الدين البحرييين قد سالت في ازقة وشوارع هذا الارخبيل الصغير.

وفي مقابل كل هذه الجرائم، لم يتخل شعب البحرين تحت اي ظرف من الظروف عن مقاومته وحتى ان تدخل قوات نظام ال سعود وممارسة سياسة القبضة الحديدية وخدعة تغيير الدستور لم تفلح في اعادة الشعب البحريني الى منازله. والملفت في ثورة شعب البحرين هو التواجد الواسع للمراة في الساحة بحيث ان المراة وقفت منذ البداية ولحد الان الى جانب الرجل في كافه الميادين رغم القمع الوحشي الذي يمارسه ال خليفة وال سعود.

ويرى محللون سياسيون على الرغم من ان شعب البحرين قدم خلال الاشهر الاخيرة اكثر من 50 شهيدا ومالا يقل عن 3 الاف سجين ودمرت عشرات المساجد في هذا البلد وهي تعتبر ارقاما كبيرة نظرا الى سكان البحرين البالغ عددهم 700 الف نسمة لكن الظروف الدامية قد اشتدت خلال الاسابيع الاخيرة وحتى ان منظمة العفو الدولية اعلنت ان 13 شخصا من المحتجين استشهدوا خلال الشهر الاخير بسبب تنشقهم الغازات السامة التي استخدمتها قوات الامن البحرينية ضد المشاركين في تشييع جثمان شهداء الثورة .

وعلى الرغم من ان وسائل الاعلام الغربية والعربية تفرض تعتيما ورقابة على الاخبار المتعلقة بالبحرين وتستهدف بالتزامن سورية وتسلط الضوء عليها، الا ان الاخبار الواردة من داخل البحرين ونشرت منظمة العفو الدولية جزء منها فقط تظهر بان قوات امن ال خليفة وال سعود استخدمت مادة سامة التي تعد ضمن الاسلحة الكيماوية والقاتلة في الغازات المسيلة للدموع التي وضعتها اميركا حديثا بتصرف نظام البحرين لمهاجمة مراسم التشييع وتجمعات الناس والمنازل والمساجد.

اليوم يدور جدل في البحرين بين المعارضة والحكومة بشأن تعامل السلطات مع الاحتجاجات المطالبة بإصلاحات سياسية ودستورية.

وانطلق هذا الجدل مع انتهاء المدة التي حددتها اللجنة المعنية لمتابعة توصيات لجنة تقصي الحقائق حول الأحداث التي شهدتها البحرين العام الماضي، حيث يتركز الخلاف على جدية تنفيذ تلك التوصيات.

فالتقرير الذي أعده فريق من المحققين الدوليين يوصي بضرورة حل القضايا التي خلفتها الأحداث، لاسيما حالات الاعتقالات التعسفية والتعذيب والفصل من العمل وطرد الطلاب من الجامعات، إضافة إلى حملات التشويه الإعلامية وهدم بعض المساجد‫ التي اعتبرتها الحكومة غير مرخصة‫.

ورغم إصرار المعارضة على تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق التي ترى فيها المخرج الوحيد لحل هذه الأزمة الحالية، وتأكيد الحكومة من جانبها على التزامها بتنفيذها، فإنه لا يبدو في الأفق ما يوحي بتحسن العلاقة بين الطرفين، مما ينذر بتفاقم الأزمة التي تعيشها البلاد ويعقد المشهد السياسي في البحرين وفق ما يراه سياسيون.

المعارضة من جهتها فقدت الأمل في اللجنة التي تتابع تنفيذ توصيات تقرير تقصي الحقائق رغم التطمينات الحكومية وتعهدها بتنفيذ التوصيات، في حين تؤكد بعض الدول الأجنبية والمنظمات الدولية على ضرورة تنفيذ التوصيات لإنهاء حالة الاحتقان السياسي والتوتر الأمني الذي يسود البلاد‫، مما يجعل الحكومة أمام تحديات عدة.

غير مراقبون أكدوا استمرار حالات القتل والانتهاكات ومحاكمات مئات الناشطين واستدعائهم أمام النيابة العامة، إضافة إلي مصادرة الحريات والتضييق على المسيرات. وأن هذه الممارسات لا توحي أن السلطة لديها نية بتنفيذ التوصيات.

ان موقف الحكومة البحربينية من المعارضة والاحتجاجات لا تخرج من عقدة الخوف التي تعاني منها هذه الدول من انتشار تجربة بعض الدول العربية. في وقت كان من المفترض أن ينهي هذا الفصل عقودا من الحكم الاستبدادي وقانون الطوارئ وقمع النشطاء السياسيين في البحرين.

البحرين كما يبدو أنها لم تستوعب درسي تونس ومصر، وهو أن قمع المتظاهرين ليس في مصلحة أي نظام، وأن هذه الأحداث تشكل نقطة تحول. وبعد ما حدث الآن من الصعب تخيل إمكانية إجراء مفاوضات.

اما على المستوى الدولي فان قمع المظاهرات جذب إدانة عبر العالم. فقد دعا وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ حكومة البحرين إلى ضبط النفس واحترام حقوق الاحتجاج السلمي، وعبرت الإدارة الأميركية عن قلقها من هذه الإجراءات الصارمة.

وأشارت مصادر إلى أن حكومة البحرين سعت لتبرير إجراءاتها، زاعمة أن المتظاهرين كانوا يحملون سيوفا ومسدسات وكانوا يرفعون علم حزب الله اللبناني.

أن الإجراءات الصارمة في البحرين تشكل معضلة للسياسة الدولية، حيث إن هناك 20 سفينة حربية بما في ذلك حاملة طائرات وغواصات متمركزة على مسافة 150 كيلومترا من الساحل الإيراني، و450 كيلومترا من مضيق هرمز. وليست هناك إشارة إلى أن الأسطول الخامس الأميركي على وشك أن يُطرد من البحرين، لكن هذا الأمر يجبر واشنطن على الانحياز إلى أحد الجانبين في مواجهة حاسمة بين النخبة السنية وحركة الاحتجاج التي تحركها غالبية شيعية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/شباط/2012 - 16/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م