
شبكة النبأ: على الرغم من نفي العديد
من السياسيين احتمالات عودة الحرب الباردة الى المشهد الدولي بين روسيا
والدول الغربية، الا ان المواقف التي رصدت مؤخرا حول الأزمة السورية
تزيح الستار عن الصراع الخفي القائم بين هذين المحوريين.
فبعد الفيتو الروسي القاتل الذي اتخذته روسيا مع الصين انكشفت
العديد من المواقف الغامضة التي تكتنف الصراع الدولي على الشرق الاوسط
ومناطق النفوذ حول العالم، بين الدول الكبرى.
فروسيا لا تستطيع القبول بأكثر بخسارة تضاف الى ما فرطت به خلال
الحقبة الماضية، خصوصا بعد ان انزوى نفوذها في العديد من الدول العربية
لحساب الدول الغربية سيما في العراق وليبيا ابرز مراكز الطاقة
والاقتصاد في العالم العربي، وتدرك روسيا ان الولايات المتحدة
الامريكية وحليفاتها باتت تسعى الى اسقاط نظام الاسد مهما كانت التكلفة
الانسانية، آخر موطئ قدم لروسيا في المنطقة وحصر امتدادها الى ما وراء
البسفور.
وفيما تبحث ادارة الرئيس الامريكي باراك أوباما أسوأ السيناريوهات
المحتملة في سوريا يبرز أحد هذه السيناريوهات.. حرب أهلية تتطور الى
صراع بالوكالة بين العرب والغرب من جهة وروسيا وايران من جهة أخرى.
وبعد أن فشلت جهود قادتها الولايات المتحدة ودول عربية للتوصل الى
توافق في مجلس الامن يقول بعض المحللين ان مخاطر أن ينقسم المجتمع
الدولي الى فريقين بسبب حرب مثيرة للانقسامات تتزايد. فالعوامل القابلة
للانفجار موجودة بالفعل.
وقال أندرو تابلر خبير الشؤون السورية بمعهد واشنطن لدراسات الشرق
الادنى "هناك خطر بأن يتحول الامر الى صراع بالوكالة. انه يسير في هذا
الاتجاه بالفعل." وأضاف "أعتقد أننا سنرى الان دولا مختلفة بالمنطقة
تراهن على الجيش السوري الحر. الاسلحة تدخل من لبنان بالفعل. وسنرى
الان المزيد يدخل من الاردن وتركيا والعراق او من روسيا. الجميع
سيبدأون العمل في هذا المناخ."
ويقول مسؤولون أمريكيون انهم يركزون على حشد الدعم للمعارضة السورية
المحاصرة وربما توفير الاغاثة الانسانية للاجئين فيما يشتد القتال. من
ناحية أخرى تقول روسيا وايران انهما تحثان دمشق على اجراء اصلاحات.
لكنهما ترفضان ما وصفتاه بمحاولة يشرف عليها الغرب للاطاحة بحكومة
واحدة من أوثق حلفائهما.
ويخشى البعض في واشنطن من أن يتجه الوضع في نهاية المطاف الى حرب
بالوكالة على غرار الحرب الباردة. وقال تابلر "في الوقت الحالي لا تجري
مناقشة هذا الامر... هذا لا يعني أنه لن يطرح في مرحلة ما."
وخلال الحرب الباردة خاضت واشنطن وموسكو حروبا بالوكالة في امريكا
اللاتينية وافريقيا وافغانستان وغيرها فكانتا تسلحان الحكومات
المتحالفة او المتمردين الذين يقاتلونها.
وأحجم الرئيس الامريكي باراك أوباما الذي يخوض انتخابات الرئاسة
لولاية ثانية في نوفمبر تشرين الثاني عن الانخراط بعمق في سوريا التي
هي لغز سياسي معقد قابل للاشتعال يمثل تهديدا محتملا لحلفاء الولايات
المتحدة ومن بينهم اسرائيل وتركيا والاردن.
وقال أوباما لشبكة (ان.بي.سي) "من المهم جدا لنا أن نحاول حل هذا
دون اللجوء لتدخل عسكري خارجي. وأعتقد أن هذا ممكن" مستبعدا احتمال
تكرار الجهود العسكرية الدولية التي أطاحت بالزعيم الليبي الراحل معمر
القذافي العام الماضي.
لكن دمشق التي تواجه أسوأ أزمة تمر بها خلال حكم عائلة الاسد الممتد
منذ أكثر من أربعة عقود تقول انها تقاتل تمردا يقوده اسلاميون متشددون
يموله ويوجهه أعداؤها من دول الخليج المتحالفة مع الولايات المتحدة.
وعبرت تركيا التي لها حدود طويلة مع سوريا عن غضبها من أعمال العنف
وطرحت فكرة انشاء "ممرات انسانية" لحماية النازحين ووقف اراقة الدماء.
وفرضت قوى غربية بينها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي عقوبات
اقتصادية للضغط على الاسد وعزل حكومته. وكان أوباما قد دعا الاسد الى
التنحي.
ولم تظهر روسيا التي تبيع السلاح لسوريا ولها قاعدة عسكرية على
ساحلها المطل على البحر المتوسط اي مؤشرات على التخلي عن حليفتها. وقام
وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بزيارة دمشق وقال ان الاسد ملتزم
بوقف العنف وسيجري قريبا اصلاحات سياسية. وكان الاسد قد وعد بهذه
الاصلاحات فيما مضى لكنه لم ينفذها.
كما تقف ايران بجانب سوريا التي ساعدتها طويلا في دعم حزب الله في
لبنان المجاور واتهمت واشنطن بمحاولة زعزعة استقرار المنطقة. وقال
الزعيم الاعلى الايراني اية الله علي خامنئي اواخر الشهر الماضي "خطط
أمريكا لسوريا واضحة وللاسف بعض الدول الاجنبية ودول المنطقة تشارك في
خطط امريكا."
وتبدو خطط واشنطن بشأن سوريا محدودة حتى الان. وبعد الفيتو المزدوج
لروسيا والصين في مجلس الامن أشارت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري
كلينتون الى أن الولايات المتحدة ستعمل مع حلفائها لتشديد العقوبات
ومساندة التحول الديمقراطي في سوريا دون دعم المجلس الدولي.
لكن الكثير من المحللين يرون أن اتساع نطاق أعمال العنف قد يجبر
واشنطن وحلفاءها في النهاية على بحث اتخاذ خطوات اضافية ربما تكون
محفوفة بمخاطر سياسية حتى اذا لم تشارك قوات أجنبية مشاركة مباشرة.
وقال السناتور الجمهوري جون مكين عضو مجلس الشيوخ الامريكي امس "أعتقد
أن علينا أن نساعدهم وأعتقد أن علينا أن نبحث عن سبل لمساعدتهم" مشيرا
الى أنه على اي مجموعة عمل حول سوريا بحث كل الخيارات بما في ذلك
المساعدة العسكرية. وأضاف "أعتقد أنه يجب أن يكون كل شيء مطروحا على
الطاولة بشأن ماذا ستكون الوسيلة الاكثر فعالية لايقاف هذه المذبحة."
وقالت المتحدثة باسم البيت الابيض فيكتوريا نولاند ان الولايات
المتحدة لا تعتقد أن تسليح المعارضة هو الحل. وأضافت "لا نعتقد أن (ارسال)
المزيد من الاسلحة الى سوريا هو الحل... الحل هو بدء حوار وطني
ديمقراطي حتى يتوقف العنف وتنسحب دبابات النظام من المدن ومن ثم يتمكن
المراقبون من العودة مجددا."
وقال شادي حامد خبير شؤون الشرق الاوسط في مركز بروكنجز الدوحة ان
هذا تفكير ينطوي على مسحة من التمني. وأضاف "لا أتوقع أن يستسلم النظام
السوري. أعتقد أنه سيخوض هذه (المعركة) حتى اخر قطرة دم وهذا لا يشعرني
بالتفاؤل بشأن حل سياسي."
ولا يرى كل المحللين أن نشوب صراع بالوكالة احتمال مرجح ويشيرون الى
المخاطر السياسية التي ينطوي عليها بالنسبة لاوباما والجماهير
الامريكية التي سئمت الصراعين الطويلين في كل من العراق وأفغانستان.
وقد تجد المخاوف الامريكية من التدخل في سوريا صدى في موسكو اذ قد
لا يترجم احباطها أهداف الولايات المتحدة في الامم المتحدة الى دعم
مستديم لحكومة الاسد وفقا لما ذكره انتوني كوردزمان وهو محلل كبير في
مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
وقال كوردزمان "هناك مصالح روسية معرضة للخطر لكنها ليست مصالح
روسية حيوية." وأضاف "من المؤكد أن روسيا ستحاول البحث عن طريقة
لمعالجة هذه القضية التي تظهر أن روسيا تتمتع بنفوذ يكفي لان يكون
عنصرا حاسما. لكنها تريد ايضا أن يتحقق استقرار واسع النطاق."
وقال أيهم كامل المحلل في مجموعة يوراسيا لاستشارات المخاطر "روسيا
تفهم ما يمر به النظام السوري فهو يعاني من عدم القدرة على التكيف
بسرعة." وأضاف "هي تشجع النظام السوري على الاصلاح وليس ازالة كل
الكيانات. الامر يتعلق باعادة الهيكلة لا الازالة."
وقال رامي خوري المحلل المتخصص في شؤون الشرق الاوسط "قد يطلبون
(الروس) منه التحرك بما يكفي لبدء عملية سياسية لكنني لا أرى كيف يمكن
تحقيق هذا الان. المعارضة لن تتحدث معه وهو لن يتفاوض على خروجه."
وفي ظل ضالة احتمالات التوصل الى حل عن طريق التفاوض ربما يتحول
الاهتمام الى توازن القوى بين المعارضة المسلحة وجيش الاسد. ويقول
البعض من المعارضة ان الجيش تصرف بضبط نفس نسبي على الرغم من تزايد
أعداد القتلى ويرون أن أحد أسباب هذا هو الخوف من تمكين ضباط بعيدين
للغاية عن دوائر الحكم.
واقتربت القوات المنشقة - التي لها قائد نظري يقيم في تركيا على
مقربة - من مشارف العاصمة. وأدت حملات عسكرية سابقة شنتها الحكومة الى
انضمام المزيد من الجنود لصفوف القوات المنشقة وربما تجد هذه القوات
الان مزيدا من المؤيدين لقضيتها بما يتيح تزويدها بمزيد من الاسلحة.
وقال هارلينج "اذا كان الكفاح المسلح هو الخيار الوحيد المتبقي على
الطاولة فان هناك فرصة لكي تحقق جماعات المعارضة العمق الاستراتيجي
الذي كان مفقودا."
الا ان وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون تعهدت بتجفيف مصادر
السلاح لسوريا بينما أيدت "خطط المعارضة السلمية من أجل التغيير."
وأشار خوري الى النفوذ الرمزي الذي مارسته السعودية على الانتفاضة
ضد الاسد الذي ينتمي للطائفة العلوية الشيعية بينما المملكة معقل
للمذهب السني.
وتشعر الرياض بالقلق من الاضطرابات السياسية التي تجتاح الشرق
الاوسط وأرسلت قوات الى البحرين التي تحكمها أسرة سنية وأخمدت احتجاجات
تطالب بالديمقراطية العام الماضي. لكن السعودية عبرت بوضوح عن رفضها
لاعمال العنف وسفك الدماء حين شن الاسد حملة على مدن سورية مضطربة في
بداية شهر رمضان.
وتستضيف المملكة رجل الدين السوري الشيخ عدنان العرعور الذي غادر
البلاد حين سحق الرئيس الراحل حافظ الاسد والد بشار انتفاضة مسلحة
قادها اسلاميون وشن حملة على مدينة حماة منذ 30 عاما مما أسفر عن سقوط
عشرة الاف قتيل على الاقل.
وأتيح للشيخ الظهور على قنوات فضائية موالية للسعودية ليندد بحكم
الاسد من زاوية طائفية ودعا في أحيان الى عمليات انتقام جماعي من
الطائفة العلوية التي ينتمي لها الرئيس السوري.
وقال خوري "الجماعات المسلحة التي تقاتل ضدهم (الحكومة) تصعد فيما
يبدو وأعتقد أنك ستجد من يدعمونها في مناطق متفرقة من العالم على أساس
انساني وايضا عسكري." وأضاف "هناك مخاوف من ان تتحول المعارضة الى وكيل
للسعودية وقطر... غير أنه اذا كانت هناك امكانية للاختيار فان معظم
الناس يفضلون سوريا محررة بنفوذ واسع لمجلس التعاون الخليجي على نظام
الاسد."
ويقول بومنصف ان هذا التصعيد سيؤدي حتما الى صراع طويل ودموي وأضاف
"مازال النظام هو الاقوى على الارض ولكن نحن نتجه نحو شيء مثل توازن
القوى.
"عندما يصير منطق الحرب الاهلية بأي منطقة في العالم تفلت من ايدي
الدول الا بتقاسم المصالح لا اكثر ولا اقل وهذا يزيد من تصعيد الصراع
لا يخفف منه ونحن اكثر ناس خبراء به في لبنان. 15 سنة عشنا بهذه
الدوامة."
خروج متفق
الى ذلك يشير بعض المحللين الى احتمال مستبعد يتمثل في سعى روسيا
الى "انهاء متفق عليه" لحكم الرئيس السوري بشار الاسد لانقاذ اخر موقع
قدم رئيسي لها في العالم العربي في مواجهة منافسين غربيين.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف انه توجه الى سوريا ومعه
مدير المخابرات ميخائيل فرادكوف لاجراء محادثات مع الاسد. ولم يكشف
لافروف شيئا بشأن الغرض من الزيارة لكن بيانا من وزارة الخارجية أشار
الى أنه وفرادكوف سيضغطان على الاقل على الاسد الذي استبعد الاستقالة
ووصف معارضيه بأنهم "ارهابيون" لتقديم تنازلات.
وأضافت الوزارة في بيانها أن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أمر
ببدء هذه المهمة لان روسيا "تعتزم السعي بقوة لتحقيق استقرار سريع
للوضع في سوريا على أساس تنفيذ سريع للاصلاحات الديمقراطية التي حان
وقتها."
وربما ترغب موسكو في كسب الوقت من خلال السعي لدعم الاسد الذي تربط
بين حكومته وبين روسيا صفقات بمليارات الدولارات من العقود لشراء
الاسلحة وتستضيف بلاده قاعدة بحرية للصيانة ومنشأة امدادات على ساحلها
المطل على البحر المتوسط وهي القاعدة العسكرية الوحيدة لروسيا خارج دول
الاتحاد السوفيتي السابق.
لكن الكثير من المحللين يقولون ان الدافع وراء الفيتو الذي استخدمته
موسكو لم يكن حبا في الاسد أو املا في عودة الوضع في سوريا الى ما قبل
اندلاع الصراع بقدر ما هو رغبة من رئيس الوزراء فلاديمير بوتين في
اظهار أنه سيتحدى المساعي الغربية لفرض التغيير السياسي على دول ذات
سيادة في مناطق تتنافس فيها القوى الكبرى في الوقت الذي يسعى فيه لخوض
انتخابات الرئاسة في مارس اذار لتولي فترة رئاسية مدتها ست سنوات.
قال شاشانك جوشي الزميل في المعهد الملكي للدراسات الدفاعية
والامنية وهو مركز أبحاث عسكرية في بريطانيا "الهدف الاساسي لروسيا هو
انقاذ شيء من حطام نظام الاسد واحتواء النفوذ الغربي في أهم حليف عربي
لها."
وأضاف جوشي أنه بينما يواجه الاسد ضغوطا متزايدة من الغرب والدول
العربية ومعارضيه في الداخل فان أفضل ما يمكن لموسكو أن ترجوه في حفظ
نفوذها هو "انهاء متفق عليه نوعا ما (لحكم الاسد).. عملية تحول محكومة
لنظام جديد منفصلة عن بشار لكنها ترتكز الى الموالين لعائلة الاسد."
ويرى غسان ابراهيم وهو معارض سوري يرأس الشبكة العربية العالمية
التي تتخذ من لندن مقرا وهي خدمة على الانترنت للاخبار والمعلومات انه
في حالة تأمين روسيا لخروج الاسد وكبار ضباط الجيش وقوات الامن
المتورطين في التعذيب فان السوريين سيعتبرون الدور الروسي مقبولا.
وقال ابراهيم "الروس يعتقدون أن أيام الاسد قد ولت وهم يفكرون بشأن
كيفية ضمان وضعهم في المنطقة... سوريا هي بوابتهم الوحيدة للمنطقة وهي
تعطيهم نفوذا. يحتاجون لحمايتها. لكن هل لديهم ما يكفي من النفوذ
لاقناع الاسد (بالتنحي)؟"
وتحمل مهمة لافروف وفرادكوف أصداء من مهام ماضية قام بها مسؤولون
سوفيت سابقون وروس لحل مشكلات زعماء أجانب يتعرضون لضغوط أو هجوم من
الولايات المتحدة.
فقد سبق أن التقى يفجيني بريماكوف الذي كان مديرا للمخابرات
الخارجية الروسية ووزيرا للخارجية ورئيسا للوزراء بالرئيس العراقي
الراحل صدام حسين في بغداد عام 1991 خلال عملية عاصفة الصحراء وفي 2003
بتكليف من بوتين قبل غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة.
وفي عام 1999 توجه بريماكوف الى بلجراد لمقابلة الزعيم الصربي
سلوبودان ميلوسيفيتش في محاولة لاتخاذ خطوات تؤدي الى انهاء حملة القصف
الجوي التي شنها حلف شمال الاطلسي على يوغوسلافيا خلال صراع كوسوفو.
ولم تسفر تلك المهام عن تنازلات كبرى من مضيفي بريماكوف أو صفقات لتجنب
القتال أو وقفه.
لكن الدعم الدبلوماسي الروسي للاسد يمنح موسكو ثقلا لدى حكومته أكثر
من أغلب الدول الاخرى. وقال نيكولاس فان دام وهو مؤرخ هولندي للسياسة
السورية ودبلوماسي هولندي سابق "الروس هم بين عدد قليل ممن ما زالوا
يجرون حوارا مع السوريين وهم يأخذون النظام على محمل جدي." وأضاف "لذلك
هناك احتمال ان يصغي (السوريون) لهم."
ومضى يقول ان الاسد "سيكون أكثر استعدادا للتنحي لدى التعامل مع طرف
يأخذه على محمل جدي أكثر مما سيكون لدى التعامل مع شخص ينتقده فحسب."
لكن روسيا تقول منذ شهور انها تحث الاسد على تنفيذ الاصلاحات بوتيرة
أسرع. ومع وعد الولايات المتحدة وأوروبا بالضغط أكثر لاقالة الاسد بعد
الفيتو فان المناورة الدبلوماسية لروسيا ربما لا تحقق أهدافها.
قال ديمتري ترينين رئيس مركز أبحاث كارنيجي في موسكو في مؤتمر أمني
بميونيخ "قول لا ليس كافيا." واجتمع في ميونيخ لافروف ووزيرة الخارجية
الامريكية هيلاري كلينتون فيما أسماه مسؤولون أمريكيون محادثات "مكثفة"
قبل ساعات من استخدام روسيا والصين حق النقض بالامم المتحدة.
وأضاف ترينين قوله "كان يتعين على السيد لافروف أن يكون في طريقه
الى دمشق قبل شهور.. وكان يتعين عليه أن يقوم بجولات مكوكية.. وكان
يتعين عليه اشراك الدول المجاورة والعرب والاكراد وكذلك الاعضاء
الاخرين في مجلس الامن التابع للامم المتحدة."
وأشار الفيتو الذي استخدمته روسيا الى أن بوتين -الذي من المرجح أن
يفوز بفترة رئاسية مدتها ست سنوات هذا العام ومن الممكن ان يظل رئيسا
حتى عام 2024- سيبذل قصارى جهده لحماية المصالح الروسية
الجيواستراتيجية ومنع الولايات المتحدة وحلفائها الاوروبيين من فرض
ارادتهم في مناطق لروسيا فيها مصالح اقتصادية. ومن الناحية العملية فان
هذه المساعي ربما تحدث أثرا عكسيا.
اذ يقول الكسندر جولتر المحلل العسكري المقيم في موسكو في مقال على
الانترنت ان الكرملين مصر على صد المساعي المدعومة من الغرب لتغيير
النظام "حتى عندما يتعارض هذا بوضوح مع المصالح الروسية" مضيفا أنه في
حالة تأييد روسيا "للقرار (في مجلس الامن)... كان يمكن أن تبقي على
قاعدتها بل وبعض عقودها في حكومة بسوريا فيما بعد عهد الاسد." وقال
جوشي "روسيا قامرت على الحصان الخطأ." وأضاف أن دول مجلس التعاون
الخليجي وهي المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت وعمان وقطر
والامارات العربية المتحدة مرجحة أكثر للتمتع بنفوذ أقوى في مستقبل
سوريا.
وأردف قائلا "اذا تجنبت سوريا حربا أهلية على غرار الحرب اللبنانية
فان تغيير التحالفات الدبلوماسية لدمشق في نهاية الامر للابتعاد عن
موسكو وبكين وطهران لتتجه نحو مجلس التعاون الخليجي بل وربما الغرب
سيكون الاكثر جذرية."
كانت موسكو تحذر الغرب لشهور من أنها لن تسمح بان يتكرر في سوريا ما
حدث في ليبيا من تدخل أجنبي حيث ساعدت حملة القصف التي شنها حلف شمال
الاطلسي بموجب قرار من الامم المتحدة قوات المعارضة الليبية على
الاطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي.
وكانت موسكو قد سمحت ضمنيا بالعمليات الجوية لحلف شمال الاطلسي من
خلال الامتناع عن التصويت في اقتراع بالامم المتحدة سمح بهذه المهمة
لكنها اتهمت الحلف في ذلك الحين بتجاوز مهمة حماية المدنيين.
وشبه بوتين -الذي اتهم الولايات المتحدة بتشجيع الاحتجاجات ضد حكمه
وتمويل المعارضين- القرار الذي صدر بشأن ليبيا بالدعوة الى "الحملات
الصليبية في العصور الوسطى".
تهديد قطر
من جانب آخر استنكر فيتالي تشوركين مبعوث روسيا في الامم المتحدة
تقريرا أفاد بأنه هدد قطر بالابادة أثناء نقاش مع رئيس وزراء قطر بشأن
مشروع قرار في مجلس الامن التابع للامم المتحدة استخدمت موسكو حق النقض
(الفيتو) لاحباطه. ووصف تشوركين التقرير بأنه أكاذيب.
وقال عن التقرير المتداول من خلال الانترنت "هناك كذبة.. كذبة صارخة.
يتعين على المرء أن يستخدم وصفا مختلفا وأكثر قوة." وتابع في وصف
التقرير قائلا ان التقرير "مضلل وقذر واستفزازي."
ومارست قطر ضغوطا على مجلس الامن الدولي لتبني مشروع قرار أوروبي
وعربي يدعم خطة للجامعة العربية تدعو الرئيس السوري بشار الاسد الى
التنحي.
ونقل التقرير المنشور على الانترنت عن الشيخ حمد بن جاسم رئيس
الوزراء القطري قوله لتشوركين ان الفيتو سيؤدي بروسيا الى "خسارة جميع
الدول العربية" وعن تشوركين أنه رد بأنه اذا تحدث الشيخ حمد معه "بهذه
النبرة مرة أخرى... فلن يكون هناك شئ يسمى قطر بعد اليوم."
واشار التقرير الذي لم يتسن التحقق من مصدره على الفور الى ما قال
انه شريط فيديو يسجل محادثة في الامم المتحدة لكنه لم يوضح المناسبة
التي سجل فيها. وكان الشيخ حمد ألقى كلمة عن سوريا أمام اجتماع لمجلس
الامن بشأن سوريا في 31 من يناير كانون الثاني.
وقال تشوركين لمؤتمر صحفي أعد على عجل بأنه "غمرته مكالمات في
الساعتين الاخيرتين" من بينها مكالمات من موسكو بشأن المحادثة المزعومة.
وقال انه اجتمع مع الشيخ حمد ثلاث مرات في نيويورك كلها في حضور
مسؤولين اخرين. وقال "انت تفهم جيدا أنك ان أردت توجيه تهديدات ومناقشة
مبيعات اسلحة فانك لا تفعل ذلك في حضور 20 شخصا منهم زملاؤك من مجلس
الامن."
وأضاف أنه أقام علاقة طيبة مع الشيخ حمد منذ أن التقى به أول مرة في
عام 2006 وأن توجيه تهديدات "ليس أسلوبي". وأضاف تشوركين قوله "لم يكن
هناك أي تلميح أو أي تهديد أو ترويع من جانبي أو من جانب رئيس وزراء
قطر."
وقال تشوركين ان "شخصا ما" يحاول دق اسفين بين روسيا والعالم العربي
مبرزا حساسية روسيا بشأن ما ذهب اليه البعض من ان استخدام روسيا حق
النقض لاحباط مشروع قرار سوريا ربما أثار بشدة غضب البلدان العربية
التي دافعت موسكو عن قضاياها طويلا.
وقال أنه اذا كان هذا الشخص من العالم العربي فانهم يجب أن يضعوا
نصب أعينهم المثل الروسي القائل "لا تبصق في البئر فقد تحتاج يوما
للشرب منه" وهو ما يعني ان البلدان العربية قد تحتاج الى التأييد
الروسي في المستقبل. |