نهاية عصر القمع وتنامي عصر التحرر

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: في جملة من التوجيهات والإرشادات التي وجهها مؤخرا سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) حول الحرية، أكد فيها سماحته على صفات الحاكم في الإسلام، وعاقبة الذين يحكمون الناس بالقمع والاضطهاد والكبت والظلم ويصادرون الحقوق المشروعة وغيرها. وتطرق فيها سماحته الى أهمية الحرية في عالم اليوم، لبناء المجتمع المتوازن والقادر على مواكبة ما يستجد في ساحات العلم والمعرفة، وصنع الحياة الأفضل، لاسيما ما يتعلق بحقوق الشعوب وضرورة مراعاتها من لدن الحكام.

عالم الحرية والانفتاح

يقول سماحة المرجع الشيرازي في جانب من توجيهاته المهمة: (إن عالم اليوم هو عالم الحرية والانفتاح، وإن ممارسات الاضطهاد والكبت من قبل الحكّام تجاه شعوبهم لا طائل لهم منها سوى الفضيحة والندم). وهو ما أفصح عنه واقع الاحداث الاخيرة التي انتهت بإسقاط بعض العروش، التي بنت نفسها على دماء وارواح وحقوق الشعوب، فمع تقدم الوعي واتساع وسائل الاتصال، والانفتاح التام بين امم وشعوب العالم، الامر الذي يتيح مجالا اوسع للحريات والمسارات الصحيحة، لذا اصبح من العسير جدا على الدكتاتوريات، أن تجد لها مكانا في عالم اليوم، حتى لو بذلت قصارى جهدها وأساليبها القمعية المعروفة، وهذا ما يؤكد نهاية عصر القمع، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (إن عالم اليوم وجيل اليوم يبحث عن الحقيقة والسعادة، وهذا لا يتأتى إلاّ في ظل الحرية بما في هذه الكلمة من معنى، وفي إطار العدل بما للكلمة من شمول).

إن نتائج الربيع العربي التي تمخضت عن الانتفاضات والاحتجاجات الكبيرة، أعطت درسا فعليا للقادة المتجبرين، لذا كان على الباقين منهم أن يتعظوا ويفهموا الدرس جيدا، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي: (لو أن الحكّام اليوم يتأمّلون في تاريخ من مضى من الحكّام أمثالهم لأعادوا النظر في تصرّفاتهم وأفعالهم مع شعوبهم، ولما أقدموا على حرق تاريخهم بأيديهم). وهذا ما يؤكد فشل أساليب القمع بكل انواعها وصورها على النجاح في اطفاء جذوة الوعي لدى الغالبية العظمى من الناس حتى بسطائهم، لذلك بات القمع وسيلة للتعجيل بسقوط الانظمة المستبدة وليس حاميا لها، لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في توجيهاته على: (إن الحكومة التي تبتني أساسها على الاستبداد وهضم حقوق الناس المشروعة هي حكومة زائلة وفانية لا محالة).

معادلة القمع وضعف الحكومة

الحكومات القوية تستمد قوتها وثباتها من درجة مشروعيتها المستمدة من رضى الشعب عنها، ومجيئها عبر صناديق الانتخاب، وليس عن طريق القوة الغاشمة، فالحكومات التي تنتهج العنف والقمع سبيلا لتثبيت اركانها، تؤكد ضعفها بهذا الاسلوب وقرب زوالها، وهو أمر تؤكده التجارب التأريخية والوقائع الراهنة ايضا، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (إن استعانة الحكومات بالقمع والسلاح في تعاملها مع الناس الأبرياء والعزل ينبئ عن ضعف تلك الحكومات، وستكون العاقبة للمستضعفين). لذا ليس هناك سبل اخرى أمام الحكام وحكوماتهم، سوى انتهاج مبدأ الشورى والانتخاب وفق الضوابط المعروفة، فالوصول الى كرسي الحكم ينبغي أن يكون باتفاق تام بين ابناء الشعب، على حكومته ويجب أن يتم هذا في اجواء حرية واضحة، أما المطلوب من الحكام هو أن يفهموا بأن عصر القمع قد ولّى، وأن الحرية هي وحدها التي تتيح لهم سبل البقاء في الساحة السياسية وفق مبدأ التنافس الصحيح مع الآخرين لقيادة الشعوب، لذا يحذر سماحة المرجع الشيرازي الحكام قائلا: (على الحكّام أن يكفّوا عن ظلم الأبرياء، وأن لا يلطّخوا أيديهم بدماء المستضعفين، لأنهم سوف لا يجنون من هذه الأفعال إلاّ الغضب والسخط من الله تعالى، فالله تعالى قد خاطب الظالمين بخطاب شديد، حيث قال عزّ من قائل: «وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ»).

الاسلام وحرية الرأي

لقد أكدت مبادئ وتعاليم الاسلام على أهمية الاستشارة في ادارة شؤون الناس، وهذا دليل قاطع على المنظور الاسلامي الراسخ لاهمية الحرية، وجعلها من الاسس القويمة لمواصلة الحياة وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على: (إن حرية الرأي في نظام الإسلام، من الأسس القويمة، فالإسلام يجعل الناس أحرار).

نعم إن الاسلام يحرر الانسان بدءا من الذات عبورا الى الخارج، ويطالب الاسلام بانتهاج الحرية كاسلوب حياة تساعد الناس على اختيار ما يصلح لقيادتهم، بالاضافة الى اختيار السبل السليمة لحياتهم، مع حضور مسؤولية النخب المعنية بزيادة الوعي الجمعي لعموم الناس ومساعدتهم على معرفة ما يصلح لهم في تسيير حياتهم، لذلك فأن الحرية في المنظور الاسلامي تختلف عن سواها من الحريات، كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي حيث يقول: (ان الحرية التي يمنحها الإسلام في مختلف المجالات، ليس لها نظير، ولا شيء يقرب منها في تاريخ العالم، حتى في هذا اليوم المسمّى بعصر الحريّات, والإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في حكومته كان يمنح للناس الحرية في المظاهرات ضد شخصه بدون استمارة وقيود، وكان يلبي مطالبهم).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/شباط/2012 - 16/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م