الزهايمر في العقل السياسي العربي؟!

غريبي مراد

لعل القراءة الدقيقة لما يجري في الوطن العربي عامة وبالخليج خاصة، تتحدد في عنصرين مهمين لنضوج أي مجتمع إنساني ووصوله إلى مستوى من الوعي السياسي أقل ما يوصف به هذا الوعي بأنه انتقال جوهري في المنظومة الثقافية، العنصر الأول هو التحدي الحداثي والعنصر الثاني هو التكلس السياسي...

بصراحة: العنصر الأول يمكننا اعتباره كمؤثر خارجي واضح، أما الثاني فهو مهدد داخلي لمستقبل هذه المجتمعات بالنظر لتسونامي الحداثة العولمية التي بلغت أدق خصوصيات هذه الأمة، ولا ريب أن كلا العنصرين متداخلان مع بعض بحيث لا يمكننا فك مدى الارتباط بينهما وفق المنطق السياسي العام، ولكن الاستبانة البسيطة عبر التحليل التاريخي للعلاقة بين الدولة العربية الحديثة وعلاقتها بالقوى الكبرى في الغرب، تؤكد أن هذا من ذاك، مما يجعلنا أمام معاملين مركزيين في عملية البحث عن معادلة استراتيجية للتغيير في الوطن العربي، وهذا يعني أن كل الثورات الجارية والنائمة والمكبوتة على طول خط طنجة-مسقط وليس الخليج فقط، ماهي سوى أساليب تعبير عن رهاب اجتماعي(تعبير للمفكر مالك بن نبي) يسعى للارتفاع إلى مستوى الفاعلية الاجتماعية المنظمة للشأن السياسي في الوطن العربي وفق منظومة معرفية ثقافية جديدة قد يمكن التعبير عنها بالمواطنة لكنها تبقى بحاجة لتأسيس فلسفي سياسي دقيق بالنظر للأبعاد النفسية والاجتماعية والتاريخية للمجتمعات الخليجية خاصة والعربية عامة...

ببساطة: هذه المرحلة التي تبدو للعديد من جهابذة الفن السياسي العربي كـ«رد فعل عابر»، قد تكون كذلك لكن القانون العام يقول بإمكان رد الفعل أن يصبح فعلا على مستوى مغاير للأول في حال اكتملت محدداته وطاقاته الكامنة لتتجه نحو الهدف، لأنه فلسفيا رد الفعل الخلاق هو القادر على إيجاد التغيير في قوة الفعل، يعني الثورة القادرة على تجاوز التكلس المستشري في العقل السياسي العربي، واستخدامي لمصطلح التكلس جوهري ودقيق لأنه المصدر الأساسي لأكثر من نصف الأمراض المسببة للموت البطيء...

وأحد هذه الأمراض هو الزهايمر، هذا المرض المعاصر والكاسح للقارات الخمس، والذي يصيب الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 65 سنة لكن حضوره بالوطن العربي مستعص أكثر، لأن نسبته على مستوى الاجتماع السياسي أكبر وأخطر، كون غالبية السكان العرب شبابا وتقل أعمارهم عن 60 سنة لكن الأنظمة كلها طاعنة في الوقف السياسي، مما يؤشر بمستقبل سياسي خطير للمجتمعات العربية، والدليل على ذلك، درجة النسيان الطافحة على غالبية أنظمتنا السياسية بخصوص الحريات والمواطنة والتنمية والعزة والكرامة لشعوبها، بالإضافة إلى الخلط بين الأولويات السياسية والكماليات الاقتصادية وفقدان الاستراتيجيات المستقبلية...

بكلمة: العقل السياسي العربي قد بلغ مبلغا من الشيخوخة ما يستدعي مراجعة كل منابع شرايينه الرئيسية سياسيا وتنظيف سراديبه التاريخية من أدواء الحشائش الضارة المضرة، حيث أقصد بمعضلة الزهايمر في السياسة أساسا أنها خرف يطغى على النظام السياسي، بحيث هذا الأخير يتجمد في تعامله مع الواقع والمتغيرات من حوله وينأى بمقوماته عن التجديد والإصلاح كما يتناسى جرائمه وانحرافاته وأخطاءه تجاه شعبه وأول مؤشراته هو التفكير الخاطئ، ثم يتفاقم لمستوى النسيان إلا النزر اليسير من الإنجازات الثورية أو المواقف البطولية التي هي في الأصل من صنيع الشعب عليه، والفارق في الزهايمر السياسي العربي أنه يعصف بكل مناطق العقل الحساسة إلا منطقة الحاشية والخواجة...!!

النظام السياسي العربي دخل مرحلة الشيخوخة وعقيدته السياسية تفسخت منذ نكسة 1967، ثم استفحل الانحلال الأيديولوجي خلال حروب الخليج الثلاثة، حيث ظهر في الواجهة التحدي والتكلس كواقع حي لا مفر منه...و عليه العقل السياسي العربي الآن في حالة موت إكلينيكي، إما يعود مرة أخرى للمستشفى الغربي كما فعلها ما بعد الموحدين، أو يجن فيهلك بجنونه الحرث والنسل ويكرس واقعا نظرية القابلية للاستعمار التي نبه إليها المفكر مالك بن نبي قبل نصف قرن، أو يثير دفينته ليستعيد حيويته من خلال التفكر السياسي السليم الذي يعيد للأمة ما لها فلا يستأثر الحاكم رغم استيقانه بأن السلطة لو دامت لمن قبله لما وصلت إليه، والعبرة حية وعظيمة في صدام وبن علي وحسني والقذافي حيث نبشر كل من أبى واستكبر بأن القائمة مفتوحة لاحتضانه، ومن وصل للحكم بالمكر والكيد والطغيان فكذلك سيُدَانْ، لأن الله يمهل ولا يهمل والعزة له تعالى جميعا... والله من وراء القصد.

www.aldaronline.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/شباط/2012 - 16/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م