فقه الدولة: مسائل في السلطة القضائية

الشيخ فاضل الصفّار

المسألة الاولى: في وجوب استقلال القضاء وجماعية الحكم

الظاهر عدم وجوب الفصل بين السلطات التنفيذية والقضائية الا بالعنوان الثانوي، كما اذا خيف على القضاء من تلاعب السلطات التنفيذية بما يؤدي الى تضييع الحقوق او الظلم والفساد، لكن متولي القضاء هو اما الفقيه الجامع للشرائط المنتخب من قبل الامة، او المنصوب من قبله، لانه اعلى سلطة في الدولة الاسلامية، ويجوز ان يكون التنصيب مع استشارة المجلس او بالتشريك بينهما، بأن يعين الفقيه بعض القضاة وبعضهم المجلس بعد توفر الشرائط، ويكفي في شرعية تنصيب المجلس لهم اذن الفقيه الجامع به، ويجوز أن يتولى القضاء مجلس للمجتهدين، ويكون النظر في حل المنازعات لأكثرية الآراء، وقد ذهب بعض الفقهاء الى امكان جعل القضاء جماعيا، بأن يتعدد القضاة ويحكموا بأكثرية الآراء[1]، ولعله الاقرب لبناء العقلاء وارتكازاتهم في القضايا المهمة والخطيرة، بل والاقرب الى الاحتياط لانه اوثق واضبط في الحكم، حيث ان الشورى قاعدة عقلية قررها الاسلام كتابا وسنة واجماعا، واطلاق ادلة الشورى يشمل المقام، وتؤيده طريقية القضاء الى الواقع في استيفاء الحقوق وحفظها وترك تضييعها مهما امكن[2]، فيحكم العقل بأنه اولى بالاتباع، كما يشمله ايضا المناط في مثل قولهم(عليهم السلام): «إن المجمع عليه لا ريب فيه»[3] فان المراد منه المشهور الذي ذهب اليه الأكثر، بل والمناط والاطلاقات في استشارات الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة(عليهم السلام) [4]، واطلاقات نصوص الشورى[5].

ولا يقال: إن الأخذ بالشورى في القضاء يتنافى مع ادلته القاضية بعدم جواز تولي المقلد الحكم عن تقليد لاشتراطه بالاجتهاد اجماعا[6]، فان لازم المشورة هو اتباع الغير لا الاجتهاد.

لأنه يقال: بعدم المنافاة، لكون الموضوعين من بابين مختلفين، فان بين الاخذ بالشورى وأكثرية الآراء والتقليد العموم من وجه، ومحل المنع صورة التقليد المحض أو الشورى مع التقليد، بأن يتبع الحاكم الأكثرية تقليداَ.

وأما صورة الاتباع عن اجتهاد فلا؛ إذ لا مانع من أن يشاور القاضي المجتهد غيره من المجتهدين، ويلتزم برأي الأكثرية للجهات المتقدمة هذا أولاَ.

وثانيا: أن في الاخذ باكثرية الآراء استناداَ الى الإجتهاد؛ لأن الداخلين فيها مجتهدون ايضا، ولا دليل على تعيين الاخذ برأي أحد منهم لينفي ما عداه، بل الدليل قام على الاخذ بالحكم عن اجتهاد، وهذا من مصاديقه، بل الأكثرية قد توجب تراكم الظنون، وربما الاطمئنان بالحكم عند القاضي، فيكون الاستناد اليها استنادا الى العلم العادي، او استنادا الى دليلها لا لرأيها. نعم قد يقال بعدم جوازه في صورة علمه بالحكم على القول بجواز حكمه بعلمه[7]، فحينئذ يمكن القول بالتخيير، بل ترجيح الاكثرية، لأنه المشهور المأمور باتباعه، والاقرب الى الاحتياط والواقع غالبا، وفيه ان جواز الحكم لا يلازم العزيمة.

وكيف كان، فالممنوع منه في القضاء هو التقليد، لا اختيار القاضي المجتهد افضل الآراء أو اقربها الى الواقع.

ولعل من هنا اتفقت الكلمة على استحباب احضار القاضي اهل العلم مجلس القضاء ليشهدوا حكمه[8]، والمراد بهم المجتهدون في الاحكام والخبراء في الموضوعات[9]، وفي المسالك: ليس المراد ان يقلدهم في المسألة سواء تبين خطؤه ام لا.. بل لأن القضاء مظنة تشعب الخاطر وتقسم الفكر، وجزئيات الاحكام الواردة عليه بعضها يشتمل على دقة وصعوبة مدرك، فربما غفل بواسطة ذلك عن بعض مدارك المسألة، فينبهوه عليه ليعتمد منه ما هو الارجح[10] وقريب منه في مجمع الفائدة[11] والجواهر[12].

وعن ابن الجنيد (رحمه الله): لا بأس بأن يشاور الحاكم غيره فيما اشتبه عليه من الاحكام، فإن خبروه بنص او سنة او اجماع خفي عليه عمل به[13]، وقريب من ذلك ما ذكره الشيخ(رحمه الله) في المبسوط[14]، وهو ظاهر في ان تسويع السؤال ليس للتقليد، بل لتمحيص الرأي وتشخيص الحكم او الموضوع، وبه صرح المقدس الاردبيلي في مجمع الفائدة[15] والسيد الاستاذ اعلى الله مقامه، واضاف الى مشاورة المجتهدين مشاورة اهل الخبرة بالموضوعات[16]، ويدل عليه بالاضافة الى ما تقدم السيرة, فقد كان(صلى الله عليه وآله وسلم) يستشير اصحابه امتثالا لأمر الله تعالى في قوله: {وشاورهم في الامر}[17] مع استغنائه عنها بعلو مقامه وكمال علمه، ولكن اراد ان يستن به الحكام بعده[18]، وقد شاور(صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه في قصة بدر[19] وأساراه[20]، وفي احد في خوض الحرب داخل المدينة او خارجها[21]، وشاور أهل المدينة يوم الخندق[22]، بل كان(صلى الله عليه وآله وسلم) يكثر مشاورتهم في الحرب[23]، وبضميمة اصالة الاسوة ووجوب الاقتداء يثبت علينا أيضا. ولعل من هنا ذكر الشيخ (رحمه الله) في المبسوط عدم الخلاف في لزوم المشاورة في الموضوعات[24]، وهو ظاهر العلامة[25]

والشهيد الثاني[26] وغيرهم [27] قدست اسراهم.

وأما ما روي عن الدعائم عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام): «لا تشاور في القضاء»[28] بعد قوله(عليه السلام): «ولا تجالس في مجلس القضاء غير فقيه»[29] فينساق الى مشاورة غير الفقيه، كما ان قوله(عليه السلام) في ذيله «فإن المشورة في الحرب ومصالح العاجل والدين فليس بالرأي إنما هو الاتباع»[30] بضميمة ما تقدم يفهم منه النهي عن المشورة بعد ظهور الحكم لا قبله.

وأما ما رواه داود بن أبي يزيد عن ابي عبد الله(عليه السلام) قال: «إذا كان الحاكم يقول لمن عن يمينه ولمن عن يساره: ما ترى؟ ما تقول عليه؟ فعلى ذلك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ألا يقوم من مقامه ويجلسهم مكانه»[31] فخارج موضوعا عما نحن فيه؛ لأنه ظاهر كالصريح في عدم علمه بالقضاء، ومن الواضح أن غير العالم لا يجوز له تولي القضاء.

المسألة الثانية: في تعارض الحقوق الخاصة والعامة

التعارض الذي ربما يقع بين القوانين الأولية والقوانين الثانوية يرجع في حقيقته الى التعارض بين حقين لإنسانين أو لجماعتين، و اعطاء الحق الى مستحقه يكون بالقضاء، فتشمله ادلة القضاء؛ ولذا تكون هذه المفاصلات من المهمات القضائية، إذ لا فرق بين الفصل عند منازعة حقين شخصيين وبين الفصل عند منازعة حقين تقمصتهما شخصيتان حقوقيتان، اما لجهة عدم فهم الخصوصية، او لجهة فهم عدم الخصوصية، ومثل ذلك ايضا المنازعة بين مختلف اجهزة الدولة، كما لو طلبت جماعة مثلا فتح ناد في المحل الفلاني واراد وزير الشؤون الخاصة بهذا النادي ذلك استنادا الى قانون الحريات الاسلامية، لكن اراد وزير البلديات مثلا المنع منه استنادا الى قانون لا ضرر، حيث ان ضوضاء النادي يسلب راحة المارة، او لكونه قريبا من الحي السكني فيسلب راحة الجيران، فيتعارض الحكم الاولي وهو الحرية مع الحكم الثانوي وهو الضرر، وهنا صحيح ان الوزيرين يتنازعان في شخصيتهما الحقوقية إلا أن الشخصية الحقوقية راجعة بالنتيجة الى الحق الفردي كما حقق في محله، ولذا ينبغي على السلطة القضائية ان تفصل في مثل هذه الموارد كما عرفت بعض الاشارة اليه فيما تقدم.

المسألة الثالثة: في وجوب حيادية القضاء

يجب على الدولة الاسلامية توفير الضمانات الكافية لاحراز حيادية القضاء واستقلاليته وحصانته من تدخل السلطة التنفيذية، والضمانات في هذا المجال عديدة، لعل من أهمها ما يلي:

الأولى: منع القوة التنفيذية من نقل القضاة من مكان الى مكان الا بحسب قوانين دقيقة، والا لتعرض كل قاض لا يطيع القوة التنفيذية الى النقل او العزل مثلا، فيتخذ حق النقل او العزل سيفا مسلطا على رؤوس القضاة، وبذلك لا يتمكن القاضي من اجراء العدالة في القضايا التي تقع التنفيذية طرفا فيها.

الثانية: توفير المال والمكان والشرائط الملائمة للقضاة، ليتمكنوا من استفراغ وسعهم في تحري الحقائق في كافة القضايا، سواء كانت بين الناس في الامور الشخصية، او بين الناس والدولة، او بين المنظمات والاحزاب، او بين الدولة وبين الاحزاب والمنظمات، او بين الناس والاحزاب والمنظمات، وما اشبه ذلك.

الثالثة: تنفيذ احكام القضاة المتعلقة بفصل المنازعات، فإذا تكاسل بعض موظفي التنفيذية من اجراء هذه الاحكام التي قررها الاسلام والقانون في الدولة الاسلامية وجبت معاقبته تعزيرا او اتخاذ بعض الاجراءات اللازمة في هذا المجال للردع من التهاون في تطبيق العدالة.

الرابعة: منع السلطة التنفيذية من التدخل في شؤون القضاة كاصدار الاوامر والنواهي اليهم، والا كان ذلك نقضا للعدالة وتجميدا لفاعلية القضاء.

الخامسة: تعميم القضاء؛ اذ يجب ان يكون كل افراد الامة بمن فيهم الرئيس الاعلى للدولة خاضعا للقضاء، لان الكل امام القانون سواء، والقوة التنفيذية يجب عليها اطاعة القضاء فيما يأمر بالنسبة الى اي فرد او جماعة في الشؤون الشخصية او في الشؤون الحقوقية، وفي سيرة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ومولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) ـ وكل منهما كان الرئيس الاعلى للدولة- ما يدل على احترام الاسلام للقضاء وخضوع كل الافراد له بما يجب ان يكون قدوة واسوة لغير المعصومين ايضا.

 السادسة: منع السلطة التنفيذية من التدخل في شؤون الناس الشخصية الا بموافقة القضاء؛ اذ التنفيذ بدون القضاء معناه الحكم على احد المتنازعين من دون عدالة، مثلا: اذا اراد الشرطي القاء القبض على انسان فلا يحق له ذلك الا بعد جلب موافقة القضاء، وذلك ان جوهر القضية هو نزاع بين حق الشرطة الموضوعة لحفظ الامن والحقوق وحق ذلك الانسان في حريته وفي فعله واختياره، وتقديم احد الحقين على الآخر بدون الرجوع الى القضاء خرق لقانون العدالة. هذا وقد ذهب بعض فقهاء القانون الى منع القاضي من الانتماء الى الاحزاب او المنظمات السياسية او ما اشبه ذلك امعانا في استقلالية القضاء وحياديته وتحرزا للقاضي من التحيز الموجب لنقض الحياد في القضاء، وربما يوجد لهذا الشرط اصل في الشريعة الاسلامية؛ اذ يمكن ان يستند الى بعض الادلة في بعض الحالات، مثل: اشتراط ان لا يكون الشاهد متهما كما دل عليه النص[32] والاجماع[33]، فانه اذا كان هذا الامر محظورا في الشاهد كان محظورا في القاضي بشكل اولى[34]، وعلى هذا فلمجلس الشورى أن يقرر هذا النظام، ولقاضي القضاة أو وزير العدل أن يراعي هذا الأمر في القضاة الذين يريد توظيفهم.

المسألة الرابعة: في القضاء الرسمي وغير الرسمي

الفقهاء الذين ليسوا بداخلين في الشورى اما لعدم كونهم من المراجع او لغرض انهم من المراجع ولكن لم تنتخبهم الامة فكل مؤهلاتهم في التقليد والقضاء وغيرها باقية على حالها شرعا وعقلا، فللناس التقاضي اليهم وان كان هناك القاضي المنصوب من قبل الدولة الشرعية، كما ان للناس تقليدهم وان لم يكونوا بشهرة الفقهاء الذين هم في الشورى. نعم لا يحق لهم نقض قضاء القاضي المنصوب من قبل الشورى، كما لا يحق لقاضي الشورى نقض قضائهم ايضا بعد توفر الشرائط ومنصوبيتهم من الامام المعصوم(عليه السلام)، ودفعا للفوضى واختلال النظام، وهكذا الامر بين كل قاضيين الا في مسألة التمييز والاستئناف إن قلنا بصحتهما كما لم يستبعده بعض الفقهاء كالسيد الاستاذ أعلى الله مقامه في الفقه[35].

اذ لا يحق للحكومة او القاضي ان يحتكر القضاء او يمنع من له اهلية ذلك منه بعد اعتبار الشارع له. نعم ينبغي وضع ضوابط حكيمة في ذلك للنظم والمنع من وقوع التعارض او النزاع، وعليه فإن الفقهاء طرا بعد جامعيتهم للشرائط سواء دخلوا في الشورى او لم يدخلوا فإن مناصبهم الشرعية كالفتوى والقضاء وما أشبه ذلك باقية على حالها. نعم حيث إن الأمة الإسلامية تنقسم الى طائفتين كبيرتين فاللازم على السلطة القضائية أن تجعل قاضيين في البلاد المختلطة كبغداد وبيروت وكراتشي وما اشبه ذلك، كما انه اذا كان في البلد من اهل الكتاب مثلا فلهم الرجوع الى قاضيهم، كما يحق لهم الرجوع الى قاضي المسلمين، واما المسلمون فلا يحق لهم الرجوع الى قاضي الكفار، ويحق لشورى الفقهاء اذا رأى من الصلاح نصب قاض للكفار أن ينصب لهم من باب قانون الالزام ولو كانوا من غير أهل الكتاب، وذلك إما لأن الاسلام لا يجبر احدا على الاسلام والمحاربة، وإما لأن جبرهم غير ممكن أو غير صالح بحسب العناوين الثانوية على رأي الذين يرون أنهم مخيرون بين أمرين فقط، بينما يخير الكتابي بين ثلاثة أمور على ما ذكره الفقهاء في كتب القضاء[36].

المسألة الخامسة: في وجوب التيسير في القضاء

يجب على القاضي ان يأخذ بالتيسير والتسهيل على المسلمين مهما أمكن، إما للأدلة الأولية حيث قال سبحانه وتعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}[37] وفي الحديث الشريف: بعثني بالحنيفية السهلة السمحة[38] أو بحسب العناوين الثانوية لما ربما يترتب على التشديد من الآثار الضارة، فمثلا: إذا كان التعزير دائرا بين الأقل والأكثر أخذ القاضي بالأقل ما أمكن، وإذا كانت غرامة مخالفة المرور كافية بالأدنى لم يجنح إلى فوق ذلك، وإذا رأى القاضي سجن المتهم بالقتل مثلا سجنا خفيفا كيفا أو قليلا كما يسرع في التحقيق أخذ به حتى لا يضطر إلى الأشد كيفا أو الأكثر كما.

والحاصل: أنه يلزم أن لا يظهر الإسلام في تطبيق القضاء في أعين الناس متشددا بالقياس إلى الأنظمة الأخرى فينفروا منه إلى تلك الأنظمة مهما وجدوا لذلك عذرا، فإن قانون الأهم والمهم يحكم بلزوم تنزيه الإسلام من الشبهات، و بعدم تنفير المسلمين منه، خصوصا في مثل هذه الأعصار والأزمنة التي تحيط بالإسلام والمسلمين الشبهات والدعايات المضادة مع ضعف المسلمين في مواجهة مثل هذه الاساليب بما يدفع الضررعادة.

كما وينبغي للقاضي تحري تخفيف النزاع بين الخصمين مهما أمكن بجعل الصلح بينهما عن رضا، بداهة أنه لو أخذ بما يراه من الحق بدون الإصلاح ربما يبقى التباعد القلبي بينهما لجهة أن كل واحد منهما يرى أن الحق معه، بخلاف ما إذا أوجد حلا وسطا يرضي الاثنين ارضاهما به فانه جدير بحل الخصومة أو التخفيف من شدتها.

المسألة السادسة: في قاضي التمييز

لا يبعد امكان القول بوجود الاستئناف والتمييز في القضاء الإسلامي لإطلاق قوله(عليه السلام): «إني قد جعلته عليكم حاكما»[39] الظاهر في الحاكم الجامع للشرائط مختار في حكمه مادام ملتزما بشرائط وموازين الشرع، وفي رواية أخرى: «جعلته قاضيا»[40] ومن الواضح أن الموضوع يؤخذ من العرف، وحيث إن العرف قد يرى ذلك لما قد يحتاجه من لزوم التمييز أو ضرورة الاستئناف صح ذلك بحسب الشرع أيضا؛ لتبعية الحكم للموضوع. هذا ولا يبعد القول بجوازه من جهة العسر والحرج أيضا لما في القول بعدم التمييز والاستئناف من الحرج على المتهم احيانا، فتأمل.

والظاهر أن ما للقاضي العرفي من الصلاحيات والشؤون يمكن اثباتها للقاضي الشرعي أيضا مع تقييد الأمر بالإطار الذي حدده الشارع، فمثلا اذا راجع القاضي ولد او بنت وذكر ان فلانا الفاسق عمل بهما السوء أو يريد بهما ذلك فإنه لابد وأن يحقق لتشخيص الموضوع كما يحقق القاضي العرفي خصوصا في موارد التهمة، لا أن يقول: إئتيا بالبينة، فإن قالا: لا بينة عندنا حلف المنكر وكفى؛ لأن الفساق مستعدون للحلف ألف مرة في مثل هذه الأزمنة، وكذلك إذا قال الشاكي: سرق مالي وأظن أن فلانا هو السارق، إلى غير ذلك من شؤون القاضي العرفي. صرح بذلك بعضهم[41]، وهو المروي ايضا[42]. نعم، إذا اعترف المشتكى عليه أنه زنى اربع مرات مع تمام شرائط الإقرار أجرى عليه الحد، وإلا فإن وصلت نتيجة التحقيق إلى صدق الشاكية أو الشاكي أدب المشتكى عليه، وهكذا يراقب القاضي مريد الفاحشة أو يأخذ منه كفيلا، وهكذا حال المظنون كونه السارق أو يريد السرقة، فكيفية التحقيق في القاضي الشرعي نفس كيفية التحقيق في القاضي العرفي على ما ذكر[43]، نعم ينبغي تقييده بالموازين الشرعية كما ربما يؤيده قضاء مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام)،وقوله(عليه السلام):«فإذا حكم بحكمنا»[44] فإنه إذا رجع أمره إلى التمييز أو الاستئناف لم ير أنه لم يحكم الحاكم بحكمهم(عليهم السلام)، أو يشك في ذلك، حيث يرى أن الحاكم الأول اشتبه في حكمه، أو يشك في أنه صحيح ما حكم أم لا؛ إذ الرد إنما هو مع تحقق الموضوع حقا، فإذا شك في حكمه كان له حق الاستئناف أو التمييز، وبذلك ظهر أنه لا يشترط أن يكون حاكما التمييز والاستئناف أعلى وأعلم من الأول وإن كان مقتضى العرفية هو أرفعية الثاني عن الأول والثالث عن الثاني كما هو في العرف، وربما يؤيده ما قالوه من مراجعة الحاكم الجديد للسجون، وينظر في موجبات السجن، فإن ثبت له موجب أعاده، وإلا أشاع حاله بحيث لم يظهر له خصم أطلقه كما ذكر في آداب القاضي ومستحبات عمله[45]، كما يؤيده ايضا حكم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في مراجعة ثلاثة من أصحابه في قصة الناقة[46]، الى غير ذلك من شواهد وأدلة[47].

المسألة السابعة: في تصنيف المحاكم

الظاهر أنه لا موجب لتعدد المحاكم وتصنيف القضاء بحسب العنوان الأولي كمحاكم الصلح أو الجزاء أو الجنايات أو الأحوال المدنية ونحوها، وذلك لعدم الحاجة إلى ذلك، ولما يترتب عليها من إرهاق لخزانة الدولة وإجهاد للشعب.

نعم، ربما يحتاج إليها بحسب العنوان الثانوي، كما إذا كان الأمر يحتاج إلى الخبروية والفحص، كما لو وقع نزاع في بعض الشؤون الاقتصادية التي تحتاج الى خبير في الاقتصاد حتى يتميز المحق من المبطل، أو يعرف كيفية تقسيم المال أو تعيين الأسعار أو أما أشبه ذلك بين الشركاء أو بين المتعاملين، وذلك يلزم إما خبروية القاضي بنفسه أو رجوعه إلى خبراء عدول او ثقات يرشدونه إلى ذلك، وكذلك حال سائر ما يحتاج إلى الاختصاص والخبروية وعدم الشرعية بعد تشابك شؤون الحياة في الحال الحاضر بسبب تقدم العلم والاحتياج إلى أكثر مما كان في الحياة البسيطة، وإلا هل يمكن ان يقال في ألوف حوادث المرور التي تقع عادة: إن الأمر لا يحتاج إلى المحققين كما يتعارف الآن في قضايا السياقة وغيرها من شؤون الإقامة والسفر والحضر والزراعة والتجارة وما اشبه ذلك؛ إذ يلزم إحقاق الحق مهما أمكن، مع مراعاة حريات الناس، إذ لا يجوز التضييق عليها إلا بقدر الضرورة، وبضميمة عدم صحة توسع الدوائر، بل عدم جوازه إلا بالقدر المضطر إليه لما فيه من تضييع لأموال المسلمين ولأوقاتهم وجهودهم ومنعهم من التطور والتقدم وغيرها من العناوين المحرمة يستفاد الجواز.

كما ربما يؤيد ذلك ما ذكره السيد الشيرازي(رحمه الله) في الفقه: الدولة الاسلامية تأييداً بحلف الفضول ووجه التأييد: هو أن الحلف المذكور كان لإنصاف المظلوم، فالملاك آت في المقام أيضاً بعد تأييد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتقريره وعمله حجة، وقد ذكر المؤرخون أن عقلاء قريش حينما كثر فيهم الزعماء وانتشرت فيهم الرئاسة وشاهدوا التغالب والتجاذب ورأوا جور الظالم على المظلوم وعدم قدرته على الانتصاف منه عقدوا حلفاً على رد المظالم وإنصاف المظلومين من الظلمة، وقد اجتمعت بطون قريش فتحالفوا في دار عبد الله بن جدعان على رد المظالم بمكة بأن لايظلم أحد أحداً إلا منعوه، وأخذوا للمظلوم بحقه، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ معهم قبل النبوة وهو ابن خمس وعشرين سنه[48]، وفي شرح النهج: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب ان لي به حمر النعم، ولو دعيت به اليوم لأجبت» [49] كناية عن كثرة الثروة والانعام.

وذكر ابن الاثير في نهايته: «شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت»[50] ويريد به حلف الفضول، وفي وجه تسميته بالفضول أقوال:

الأول: ما ذكره ابن الأثير من أنه سمي به تشبيهاً بحلف كان قديماً بمكة أيام جرهم على التناصف والأخذ للضعيف من القوي، وللغريب من القاطن، قام به رجال من جرهم كلهم يسمى الفضل، منهم الفضل بن الحارث والفضل بن وداعة والفضل بن فضالة[51].

 الثاني: ما في تاج العروس من أن هاشماً وزهرة وتيماً دخلوا على عبد الله بن جدعان، فتحالفوا بينهم على دفع الظلم وأخذ الحق من الظالم، سمي بذلك لأنهم تحالفوا أن لايتركوا عند أحد فضلاً يظلمه أحد إلا أخذوه له منه [52].

الثالث: ما قد يظهر من بعض معناه اللغوي وهو فضلات المال الزائدة عن الحاجة[53]، سمي بذلك لأن العمل بالإنصاف ورد ظلامة المظلوم بحاجة إلى المال، وحيث إن المجتمعين في دار ابن جدعان أعطوا فضول أموالهم لتقوية الحلف سمي بحلف الفضول، ولعل هذا الوجه يجمع بين القولين الأولين.

المسألة الثامنة: في استحباب تصدي الحاكم لردع المظالم

يستحب للحاكم الأعلى في الدولة التصدي لردع المظالم، وإقامة حدود الله سبحانه وتعالى فيما وجد لذلك سبيلا، اقتداء بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث كانا يتصديان لذلك ولضمان تطبيق العدالة وللحد من نفوذ الاقوياء في القضاء، وقد أثبت التاريخ موارد كثيرة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا الشان، حيث تدخلا في حلها مباشرة، كما أن هناك إلماعات كثيرة في كتب الفقه إلى لزوم ذلك على الوالي وهو ما يستفاد من طائفة من الأخبار أيضاً.

منها: ما عن مولانا الرضا(عليه السلام) في حكمة جعل الإمام قال: «فجعل عليهم قيما يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام» إلى أن قال: «فيقاتلون به عدوهم، ويقسمون به فيئهم، ويقيم لهم جمعتهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم»[54] والرواية في سياق الحديث عن الإمام الحاكم الأعلى.

وفي خبر مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) عن سليم بن قيس: «يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء والسنة، يجمع أمرهم، ويحكم بينهم، ويأخذ للمظلوم من الظالم حقه، ويحفظ أطرافهم، ويجبي فيئهم، ويقيم حجتهم وجمعتهم، ويجبي صدقاتهم»[55].

وفي كلام مولانا الكاظم(عليه السلام) لهشام بن الحكم: «ويجب على الوالي أن يكون كالراعي، لا يغفل عن رعيته، ولا يتكبر عليهم»[56] ويدل بالدلالة الالتزامية أو التضمنية على لزوم تصديه لذلك أيضا.

وعن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) في كتابه إلى مالك الأشتر: «واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلسا عاما، فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متتعتع ــ كناية عن الخوف والتردد ــ فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في غير موطن: لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع»[57]. وعنه(عليه السلام): «أن للوالي خاصة وبطانة، فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف في معاملة، فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال، ولا تقطعن لأحد من حاشيتك وحامتك قطيعة، ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم، فيكون مهنأ ذلك لهم دونك، وعيبه عليك في الدنيا والآخرة»[58].

إلى غير ذلك من النصوص المتضافرة الدالة على استحباب تصدي الحاكم الأعلى لشؤون الرعية في إقامة الحدود وتطبيق العدالة حتى وإن كان هناك قاض يقضي بين الناس.

المسألة التاسعة: في جواز المعاقبة بالغرامة المالية والسجن

الظاهر جواز أن يجعل الحاكم الغرامة المالية على ارتكاب بعض المحرمات إن لم يتمكن من إجراء الحدود المقررة شرعا؛ وذلك لإطلاق أدلة ردع المنكر الشامل لمثل ذلك، وكذا جواز جعل السجن كعقوبة لبعض الأعمال المحرمة، لكن كلا الأمرين يكون من الحالات الاستثنائية التي لا يصار إليها إلا عند الاضطرار؛ لكونه يسقط التكليف الأولي، وأدلة النهي عن المنكر تثبت حكما استثنائيا قد يراه الحاكم صلاحا، فهو من قبيل أكل الميتة للمضطر وما اشبه ذلك؛ إذ لا يخفى أن الإسلام خال من السجون إلا في موارد نادرة جدا فإن الناس الذين يسجنون تراهم قليلين جدا في الشريعة، كالمرأة المرتدة حتى تتوب، والواجد الذي لا يعطي دينه، وآكل مال اليتيم ظلما، والغاصب المماطل، ونحو ذلك[59].

وعن السيد الأستاذ أعلى الله مقامه في غير موضع من كتبه أن عدد الذين يسجنون في الإسلام لم يتجاوزوا العشرين شخصا بحسب الإحصاء، وكلهم قد أجرموا جرما واقعيا لا جرما قانونيا مخالفا للشرع[60]؛ ولذا لم يعهد في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو سيرة أمير المؤمنين(عليه السلام) أنهما سجنا أحدا إلا نادرا، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسجن من يستحقه في المسجد أو في البيوت[61]، وكان سجن الإمام(عليه السلام) في الكوفة على رغم سعتها واتساع رقعتها من جريد النخل أو القصب، وقد سمّاه بالنافع، وكان ربما يسجن السجين فيه نهارا ويشرد ليلاَ، ثم بنى سجنا بالجص والآجر وقد سمي بالمخيس[62]، وكان ذلك عملا اضطراريا أيضا؛ لأن الكوفة كانت ذات نفوس كثيرة ووقعت في الفوضى والهرج والمرج في أواخر أيام عثمان، مما كان يستلزم الأمر نوعا من التشديد لإرجاع الأمور إلى نصابها. وكيف كان فإن العقوبة المالية أو السجن وما أشبه يعد من العقوبات الاضطرارية، والضرورات التي تقدر بقدرها لا أكثر من ذلك.

المسألة العاشرة: في جواز العفو عن العصاة والمجرمين

ثبت بالأدلة المعتبرة أن الإسلام يجبّ ما قبله، بمعنى أن الكفّار إذا ارتكبوا جنايات قبل الإسلام ثم بعد ذلك دخلوا فيه فإنهم لا يؤاخذون على ما ارتكبوه في حال الكفر، وإطلاق الأدلة يشمل صورة الاستبصار في المذهب من جهة العبادات، حيث حكموا بأنه يجب ما قبله[63] أيضاً، كما وردت في كلا الأمرين الروايات المعمول بها قديماً وحديثاً، وقد ذكر الفقهاء طرفاً من الكلام في ذلك في كتابي الزكاة والحج من الفقه، لكن هل هذا القانون يجري في عموم الناس على ما عملوه فيما سبق قيام الدولة الإسلامية أم لا؟ احتمالات في المسألة:

 الأول: العدم، وذلك لدعوى اختصاص أدلة الجب بمخالفة العقيدة أو المذهب في الأصول، وأما الفروع فلا.

 الثاني: الشمول؛ لوحدة الملاك وفهم عدم الخصوصية، خصوصاً مع اشتراط تطبيق أحكام الإسلام في مثل الحدود والتعزيرات ونحوها بشروط عديدة، كنظافة البيئة الاجتماعية والجو العام من المنكر والفساد، و شيوع الإيمان والالتزام بالأحكام الإسلامية، و سد الحاجات الضرورية في المجتمع، كالنكاح والسكن والعمل وما أشبه ذلك لجهة ان أكثر المعاصي تحصل بسبب عدم الكفاية أو وجود الموانع أمام الحلال، وإلا فإن الإنسان المؤمن بطبعه الأولي يميل إلى الطاعة، و في الأخبار ماربما يشير إلى أن العصيان عادة يقع بسبب الحاجة، لعل منه قول مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص أو لا عهد له بالشبع»[64] كما روى الحر العاملي رضوان الله عليه في الوسائل عن مولانا أبي عبد الله (عليه السلام): «أن أمير المؤمنين أتي برجل عبث بذكره، فضربه حتى احمرّت يده، وزوّجه من بيت المال».[65] ونحو ذلك من الروايات الدالة في مضمونها على أن العصيان استثناء في حياة المسلم يقع فيه عادة بسبب الحاجة أو الغفلة، ومن هنا لايحاسب الإسلام الفرد على مخالفته قبل أن يكفيه مؤونته، ويسد حاجته.

وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يجري العقوبات إلاّ بعد توفر شرائط عديدة قلما تحصل أو تتوفر، كما فصّله الفقهاء في كتابي الحدود والتعزيرات والقضاء.

 الثالث: الرجوع في المسألة إلى الفقيه الجامع للشرائط للحكم فيها بحسب موازين باب التزاحم، وهذا ما اختاره بعض الفقهاء المعاصرين، لوجهين:

 أحدهما: السيرة الثابتة في التاريخ عن عفو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن جملة من الكفار، ومنهم أهل مكة، حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم بعد أن أسرهم:«اذهبوا فأنتم الطلقاء»[66] مع وضوح أن بعضهم لم يسلموا صدقاً، بل خوفاً، بعد أن كانوا أساؤوا إلى المسلمين وإلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقتل والجرح ونهب الأموال والتشريد عن الأوطان، ويمكن الاستناد إليها فيما نحن فيه بضميمة أدلة وجوب الاقتداء. قال سبحانه وتعالى:{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}[67] وحيث إن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) منّ على الكفار كان للفقيه المن أيضاً، كما له الأخذ بالعقوبة عملاً بأدلة العقوبة، فيتخير بينهما بحسب ما يراه من المصلحة للإسلام والمسلمين.

إن قلت: لعلّ ما فعله النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان من باب الولاية الخاصة على الأنفس والأموال التي أعطاه الله عز وجل إياّها وهي لا تشمل الفقيه.

 قلت: هذا احتمال مخالف للأصل في أعماله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ لكون الأصل فيها أنها لبيان الحكم إلا ما خرج بالدليل، فإن الأصل في أعمال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو التأسيس؛ ولذا لم يعد ذلك من اختصاصاته (صلى الله عليه وآله وسلم) وبذلك يظهر أن احتمال كون عفو النبي كان من باب ولايته الحكومية يؤيد صحة ذلك بالنسبة للفقيه أيضاً؛ لأصالة الأسوة وعدم فهم الاختصاص، ويعضد كل ذلك سيرة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في عفوه عمن حاربه في البصرة، مع أنهم نقضوا بيعته، وخرجوا على إمام العدل، وقتلوا، وجرحوا، وفعلوا ما يوجب الحد، إلا أنه (عليه السلام) عفا عنهم.

وفي الروايات الشريفة: «أن عليا (عليه السلام)إنما منّ عليهم كما منّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) على أهل مكة»[68] لا يقال: فلماذا خطب (عليه السلام) بعد مقتل عثمان ووعد بأنه يأخذ قطائع عثمان. قال: «والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الإماء لرددته، فإن العدل في سعة...»[69] لأنه يقال: إن هذا يؤكد المطلب؛ وذلك لأنه إن رأى الصلاح في الاخذ أخذ، وإن رأى الفساد ترك، ولعل سر تفريقه (عليه السلام) هو أن قتل الناس والاقتصاص منهم يثير الناس كثيراً، ويطبع الدولة والحكومة بطابع القسوة والوحشية، مما يسبب زحزحة أصول الحكم، وأما أخذ المال فلا يسبب ذلك؛ ولذا نرى في الحكومات الحاضرة يأخذون أموال العهد المباد التي جمعت من قوت الشعب بينما يتركون غالب الناس إلا المجرمين الذين يحكم عقلاء الناس بلزوم إجراء عقوبة القتل أو القصاص أو السجن بحقهم.[70]

 ثانيهما: دوران الأمر بين الأهم والمهم، حيث إن قتل الناس وسجنهم والقصاص منهم ربما يوجب تشويه سمعة الإسلام وزعزعة كيانه، فلابد للحاكم الإسلامي أن يلاحظ الأهم والمهم من الأمرين، ولا إشكال في أن سمعة الإسلام ونظافة سيرته ونزاهة سياسته من أهم الملاكات الشرعية والعقلائية، و لعل هذا هو أحد الأسباب التي دعت النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عدم التعرض للفارين من الزحف في أحد وحنين وغيرهما من الغزوات، ولا بالرادين لحكمه وحكم الله تبارك وتعالى في أكثر من موضع، مع أنهم كانوا على بعض التقادير فساقاً يستحقون التعزير. هذا كله بالنسبة إلى القتل والقصاص ونحوهما، وأما بالنسبة إلى مرتكبي المنكرات والمعاصي كما إذا أخذ الإسلام بزمام الحكم في بلد وكان قبل ذلك تحت سيطرة القوانين الوضعية والمناهج المخالفة للإسلام أو البعيدة عنه فوقع الناس بسببها بالحرام كالزنا وشرب الخمر وتعاطي الربا ونحو ذلك من المعاصي فذلك أيضاً موكول إلى رئيس الدولة، فيفعل فيه بحسب ما يراه من المصلحة بين العفو وبين العقاب، وربما يدلّ عليه أمران:

 الأول: الأولوية القطعية بعد جواز العفو عن القاتل والجارح ونحوهما.

الثاني: ما ذكر في الدليل الثاني من الأهم والمهم.

وربما يؤيد ذلك ما ورد في الوسائل في باب أن على الإمام أن يزوّج الزانية بزوج يمنعها من الزنا.عن الشيخ بإسناده عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:«قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة زنت وشردت أن يربطها إمام المسلمين بالزوج كما يربط البعير الشارد بالعقال»[71]، وإطلاقها شامل لصورة عدم إقامة الحد.

ولعل من هنا ذهب المشهور من الفقهاء إلى أن الحدود الإسلامية لا تقام في موارد الشبهات؛ للزوم درء الحدود بالشبهات، كما قامت عليه النصوص المعتبرة،[72] وأرسلت عندهم إرسال المسلمات [73]، ويراد بالشبهات الأعم من شبهةالموضوع أو الحكم أو الشاهد أثناء النزاع أو التخاصم،أو شبهة الحاكم،[74] بل وصرح بعضهم بأنه لا يقام حد ما دامت الأجواء الحاكمة على الناس غير إسلامية وغير ملتزمة بنحوٍ عام بأحكام الإسلام في مختلف الجوانب، وفي هذا قال السيد الشيرازي (رحمه الله): في الحكومات التي تسمى باسم الإسلام وهي ليست مسلمة لا تجري الحدود وإن كان المجري مجتهداً، أو كان مأموناً عن الضرر، مثلاً: لا يصح قطع يد السارق وقتل الزاني الغاصب إلى غير ذلك؛ لأنه لا إطلاق للأدلة بحيث يشمل الأمر في ظل غير الحكومة العاملة بالإسلام، فإذا قدر المجتهد بأن يقتل مستحق القتل خفية لا يصح له أن يقتله، إلى غيرها من الحدود،

والقول بإطلاق الأدلة غير تام بعد أن المتيقن أو المنصرف منها ما كان في إجواء إسلامية، فإن الجو الإسلامي يكمل النواقص، ثم يأمر بعقوبة صارمة للمجرم، أما في غير الأجواء الإسلامية فحيث لا تكميل للنواقص فلا يعلم بجريان الأحكام.[75] ولايخفى أن هذا لايعني عدم استخدام وسائل الردع تعزيراً او تأديباً.

المسألة الحادية عشرة: في جواز تحديد حريات الناس

 يجوز للحاكم الإسلامي أحيانا أن يحدد من حريات الناس ويضيق على اختياراتهم ــ في الجملة ــ إذا رأى المصلحة العامة في ذلك، فإن أدلة الولاية والقضاء من العناوين الأولية، كما أن وجوب حفظ النظام ومنع الهرج والمرج وما أشبه ذلك من العناوين الثانوية تحكمان على أدلة سلطنة الناس على أنفسهم وأموالهم،[76] فمثلاً: يجوز للحاكم أن يحدد قانون المرور أو قانون الاستيراد والتصدير وما أشبههما إذا نشأ من عدم التحديد الفوضى والاضطراب وتعريض الأنفس والأموال إلى الخطر.

ومن الواضح أن هذا التقنين وإن استلزم التضييق إلاّ أنه يجوز لأجل أمر أهم كما هو مقتضى باب التزاحم، ومقتضى الولاية المجعولة للحاكم الشرعي من قبل الإمام المعصوم (عليه السلام)، فإن معنى كونه ولياً أن يعمل حسب مصالح الأمة من ناحية الجعل والتشريع، مضافاً إلى الاقتضاء الذاتي، وإلا كان تشريعها منافيا للحكمة، وربما يستدلّ لذلك أيضاً بقاعدة لا ضرر[77]؛ بناءً على شمولها للضرر النوعي أيضا، كما اختاره بعض الفقهاء،[78] إلا أن المشهور بينهم هو عدم الالتزام بالنوعي منه كما حققوه[79]، إلا أن الظاهر ــ كما حققناه في موضعه من القاعدة ــ أن شمولها للنوع غير بعيد،[80] والسر في ذلك أن كل إنسان في مسائل الحكم والقضاء العام يقع في موارد الخطر المحتمل، والواجب على الولي رفع الخطر عن الجميع، سواء كان بالفعل أو بالقوة، فهو من قبيل قواعد المرور وجعل الأنظمة الصحية[81]، فإنه وإن كان تحديداً لحرياتهم لكن احتمال الإصابة بالنسبة إلى بعض الناس يكفي في جواز إلزامهم بالتلقيح دفعاً للضرر الخطير المحتمل؛ لحكومة أدلة رفع الضرر ونحوها على أدلة الحرية الشخصية، ولأن في حماية الناس من الأخطار والأضرار ضماناً للحرية الاجتماعية، والصحة العامة من جهة أخرى.

ومن الواضح أن الحق الاجتماعي أكبر وأهم من الحق الفردي فيتقدم عليه، وإلا لزم اختلال النظام، وعليه فإنه حتى إذا قلنا بمقالة المشهور من أن لا ضرر لا يشمل الأضرار النوعية إلاّ أن ذلك يصح في مثل العبادات والأعمال الشخصية كالطهارة والصلاة والصيام والحج وما أشبه ذلك، وأما الأمور المرتبطة بالصالح العام والتي ترجع إلى مصلحة الأمة ونظام الدولة والحكم فالظاهر أن قاعدة لا ضرر تشملها ولو كانت محتملة؛ لأهمية حفظ حقوق النوع و النظام.

هذا ويتفرع على ذلك أمران:

الأول: في وجوب إطاعة قرارات الحاكم

يجب على الناس الطاعة فيما إذا حكم الحاكم بأمثال هذه الأمور، ويحرم مخالفته؛ وذلك لأن أمره أمر الإمام المعصوم (عليه السلام) كما هو المستفاد من مثل قولهم (عليهم السلام):«فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله، وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله»[82] وقد تقدم تفصيل الكلام في هذه الأدلة.

هذا ووجوب الطاعة عام وشامل للجميع، فلا يختص بمن وصله الحكم أو سمع به أو ارتضاه، بل يجب ذلك على جميع الأمة، كما أنه يجب حتى على من لا يرى وجود الضرر أو لم يحتمله؛ لأن الوجوب هنا متفرع عن النهي الحكمي من مقام الولاية والنيابة عن المعصوم (عليه السلام)، وللأهم والمهم في حفظ النظام، ومنع الوقوع في الأضرار العامة التي تعم الجميع دون استثناء، فتشملها الأدلة بالأولوية القطعية، فهو كما إذا وصل إلى محل الإشارة المرورية وكانت حمراء مثلاً، فإنه لم يجز للسائق أن يتعداها وإن علم بعدم الضرر في تجاوزها، كما لو كان في آخر الليل مثلاً.

لا يقال: فأي فرق بين حاكم الإسلام وحاكم الجور حيث تقولون بجواز المخالفة في الثاني دون الأول؛ لأنه يقال الفرق هو أن الثاني ليس ولياً دون الأول، وغير الولي لاشرعية لحكمه فضلاً عن التفريعات الناشئة منه، ومن الواضح أن فاقد الشرعية في أصل توليه للحكم لا شرعية لأحكامه وتقنيناته أيضاً؛ لأن فاقد الشيء لايعطيه.

الثاني: في جواز المعاقبة بغير الحد والتعزير

حيث إن الناس لا يرتدعون في كثير من الأحيان بسبب الأمر والنهي، كالأمر بالالتزام بقوانين المرور وكالنهي عن استيراد الأطعمة عن البلد الذي اجتاحه الوباء مثلاً، أو التعامل التجاري مع بعض البلدان التي يخاف منها الاستعمار الاقتصادي، وهكذا، فإنه يحق للحاكم الإسلامي أن يجعل غرامة مالية أو نحوها لأجل الردع من مثل هذه المخاوف والأخطار استناداً إلى موازين الأحكام الثانوية، وبعده لا يقال: كيف والحال أن الضرائب الإسلامية محدودة والسجن في الإسلام لأفراد خاصين وليس منهم مخالفو قوانين المرور أومستوردو الأطعمة في أيام الوباء مثلاً. نعم ينبغي أن يلاحظ في العقوبة اليسر والسهولة إن كفت في الردع؛ لكونه أقرب إلى الإنسانية والعدالة، وأوفر للحرية، فهو مقتضى الجمع بين الأدلة والحقوق إذ جاز الردع والعقوبة؛ لأنه ضرورة، ويكتفى باليسير الرادع منها، لأن الضرورات تقدر بقدرها.

إن قلت: فعلى هذا يلزم القولً بأن ما يفعله حكام الجور من السجن وأخذ الغرامات من الناس وتحديد الحريات مشروع وصحيح.

قلت: ليس كذلك؛ إذ مضافاً إلى الإشكال في الأصل يرد الإشكال في الفرع أيضا، فإن الغالب أن حكام الجور يغرقون في الكبت، ويفرطون في التسلط، بما يلازم الظلم والعدوان، بينما الإسلام يحدد الأمر بالضرورات التي تقدر بقدرها، فمثلاً: في بعض البلاد الإسلامية إذا أراد الإنسان أن يعمر داره فإنه يجبر على أخذ موافقة الحكومة على ذلك، ومثله يقال في التجارة والصناعة والزراعة ونحوها، فإن مامن نشاط يريد مباشرته المواطن لابد له من تحصيل موافقة الحكومة مسبقاً، وهذه كلها جعلت في القوانين الوضعية بحسب العنوان الأولي، وهو منافٍ لحريات الناس التي هي عنوان أولي أيضاً، والحال أن ما ذكرناه من باب العنوان الثانوي الحاكم على العنوان الأولي، فينحصر بقدر الضرورة.

ويظهر مما ذكرناه من صلاحية الحاكم الإسلامي للأمور المذكورة عدم الفرق بين أن يكون تحديداً لحرية ذاتية أو تحليلاً لمحرم ذاتي، كما إذا رأى الحاكم الإسلامي أن رفع المكوس من البضائع الأجنبية يوجب تحطيم الصناعة الوطنية، وبالنتيجة يوجب تضرر المسلمين وتأخرهم، أواستعمار الكافر لبلاد المسلمين استعماراً اقتصادياً مثلاً، فإنه يحق له الردع بأي شكل من الأشكال ولو بجعل الضرائب والمكوس إذا لم يكن علاج آخر إلاّ بذلك بعد تشخيص أهل الخبرة، أو كان هو أحد العلاجات الممكنة؛ إذ كما أن الاضطرار يبيح الأمر الواحد إذا اضطر إليه فإنه يبيح أيضاًعدة محرمات ذاتية متساوية؛ لأن حكم الأمثال فيما يجوز ولايجوز واحد، فمثلاً كل من عقوبة السجن وأخذ الغرامة وحرمان المستورد للبضاعة المستوردة محرم ذاتاً، لكن قد تحلل اضطراراً لأمر أهم، فإذا دار الأمر بين العقوبات الثلاث جاز أي منها إذا كانت متساوية في قدر الاضطرار. هذا ولكن ظاهر الفقهاء في كتاب الحدود وغيره أن المخالفة إنما توجب التعزير فقط، فاللازم ملاحظة هذا الأمر بأن يكون الانتقال من التعزير إلى عقاب آخر من باب العنوان الثانوي وقاعدة الأهم والمهم إذا كانت هناك جهة مرجحة لهذا النوع من العقوبات. هذا وربما يمكن أن يستدل لجواز الغرامة والسجن في حال الاضطرار بأمور:

الأول: ما ورد عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهده إلى مالك الأشتر حين ولاه مصر، حيث ورد فيه:«فامنع من الاحتكار»[83] إلى أن قال (عليه السلام):«فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكّل به، وعاقب في غير إسراف»[84] حيث أجاز الإمام (عليه السلام) التنكيل، وقيده بعدم الإسراف، والمراد من التنكيل المعنى اللغوي أي العقوبة،[85] وهي تشمل الغرامة والسجن كما هو مقتضى إطلاقها، لكن حيث إنهما جازا بالعنوان الثانوي من باب الضرورة فإنه لا يجوز له أن يستعملهما في الزائد عن الردع الذي هو قيد الضرورة وقدرها؛ ولذا قال (عليه السلام):«وعاقب من غير إسراف» فإن زيادة العقاب على الاستحقاق ظلم وتجاوز.

الثاني: قوله (عليه السلام):«لي الواجد بالدين يحل عقوبته وسجنه»[86] فإن المدين إذا كان متمكناً من تسديد دينه ويماطل في التسديد يجوزعقوبته وسجنه، وإطلاق العقوبة يشمل الغرامة أيضاً.

الثالث: ما رواه الدعائم عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قضى فيمن قتل دابة عبثاً أو قطع شجراً أو أفسد زرعاً أو هدم بيتاً أو غوّر بئراً أو نهراً أن يغرم قيمة ما أفسد واستهلك، وضرب جلدات نكالاً، وإن أخطأ لم يتعمد ذلك فعليه الغرم، ولا حبس عليه ولا أدب[87]. فهو (عليه السلام) أثبت الغرامة للإفساد، وإطلاق الحديث يشمل حتى ما إذا لم يكن له مالك، كما جعل الحبس له في صورة العمد.

الرابع: ما روي عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام):«أنه كان يحبس في الدين، فإن تبين له إفلاس وحاجة خلى سبيله حتى يستفيد مالاً»[88] وقيل عنه:«كان يحبس في الدين، ثم ينظر، فإن كان له مال أعطى الغرماء، وان لم يكن مال دفعه الى الغرماء، فيقول لهم: اصنعوا به ماشئتم فأجروه، وان شئتم فاستعملوه»[89].

الخامس: ما رواه الشيخ (رحمه الله) بإسناده إلى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:«كان علي (عليه السلام) لا يحبس في الدين إلاّ ثلاثة:الغاصب ومن أكل مال اليتيم ظلماً ومن أؤتمن على أمانة فذهب بها، وإن وجد له شيئا باعه غائباً كان أو شاهداً»[90].

هذا ومن المحتمل أن يراد أنه (عليه السلام) ما كان يحبس حبساً طويلاً إلا الثلاثة الذين استثناهم، كما احتمله الشيخ (رحمه الله) في الاستبصار[91]، والسيد الأستاذ (رحمه الله)في الحكم في الإسلام[92]، والمستفاد من مثل هذه الروايات هو جواز المعاقبة من قبل الحاكم الشرعي ولو بمثل السجن والغرامة.

السادس: ما في بعض الروايات من أن الإمام (عليه السلام) كان يعاقب بغير التعزير، فقد روى الشيخ (رحمه الله) بإسناده عن طلحة، عن جعفر (عليه السلام) عن أبيه(عليه السلام):«أنه رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) رجل وجد تحت فراش امرأة في بيتها، فقال (عليه السلام): هل رأيتم غير ذلك؟ قالوا: لا. قال فانطلقوا به إلى مخروةٍ[93] فمرّخوه عليها ظهراً لبطن ثم خلّوا سبيله»[94].

السابع: ما في بعض الروايات من أنه (عليه السلام) صفع الرجل الذي كان ينظر إلى امرأة في الطواف[95]. وأنه (عليه السلام) صفع ظالماً في الكوفة وقال:«إنه حق السلطان»[96] ومن الواضح أن الصفع غير التعزير الذي هو بالسوط، كما ورد أنه كان يؤدب بالدرّة[97]، وهي غير السوط، مما يكشف عن وجود نوع آخر من العقوبة لا هو حد ولا هو تعزير، وهو ما يراه الحاكم الشرعي من المصلحة لكن بعد توفر الشرائط كما لا يخفى.

الثامن: رواية ابن سنان المروية في الوسائل في باب جواز منع الإمام من الزنا والمحرمات ولو بالحبس والقيد. عن الصادق (عليه السلام) قال:«جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إن أمي لا تدفع يد لامس، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): فاحبسها. قال: قد فعلت. قال: فامنع من يدخل عليها. قال: قد فعلت. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): قيّدها، فإنك لا تبرها بشيء أفضل من أن تمنعها من محارم الله عز وجل»[98].

التاسع: ما في الوسائل من كتاب القضاء في باب من يجوز حبسه عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:«يجب على الإمام أن يحبس الفسّاق من العلماء، والجهّال من الأطباء، والمفاليس من الأكرياء»[99] وواضح أن هذا الوجوب ناشئ من المفاسد والأضرار الكبيرة التي تسببها هذه الفئات الثلاث في المجتمع.

العاشر: ما رواه في الوسائل من كتاب الشهادات في باب شاهد الزور عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام):«أن علياً (عليه السلام) كان إذا أخذ شاهد زور فإن كان غريباً بعث به إلى حيّه، وإن كان سوقياً بعث به إلى سوقه فطيف به، ثم يحبسه أياماً، ثم يخلي سبيله»[100] إلى غير ذلك من الروايات المتفرقة التي ربما يجدها المتتبع في مختلف أبواب الحديث والفقه مما يدل في الجملة على أن التعزير ليس هو العقاب الوحيد للمخالفة في قبال الحد، وإنما هناك عقوبة ثالثة بحسب ما يراها الحاكم الشرعي من المصلحة وإن كانت المسألة بحاجة إلى بعض من التتبع والتأمل[101] ؛ إذ لعل بعض هذه الموارد التي ذكرناها أو أصل الأخذ بالعقوبة الثالثة مما تحتاج إلى عمل من قبل الأصحاب.

المسألة الثانية عشرة: في جواز العقوبة التأديبية

تحصل مما تقدم أن العقوبات على أصناف ثلاثة هي: الحد والتعزير والتأديب، ولا يطبّق الأول والثاني منها إلا في صورة توفر الأجواء الإسلامية الكاملة بحسب النظر العرفي لا الدقي الفلسفي لانصراف الأدلة إليه، لكن عدم توفّر شروط إقامة الحدود والتعزيرات أحيانا لا يمنع الحاكم الإسلامي من الأخذ بالعقوبات من باب التأديب؛ دفعاً للفوضى والفساد والهرج والمرج، وحفظاً لأموال الناس ودمائهم وأعراضهم، والمنع من اختلال النظام كما هو مقتضى الجمع بين الأدلة، فلا يقال: إذا خلت المسلمة من أحكام الإسلام اضطر الناس لفعل المحرمات لحكومة القوانين غير الإسلامية عليهم، وهي عادة تضطرهم إلى فعل المنكر، أو تهيئ الأسباب والوسائل التي توقعهم في فعل المحرمات؛ لأن القوانين غير الإسلامية عادةً تنافي الإسلام، وعليه فإنه إذا كان فاعل المحرمات مضطراً فلا وجه للتأديب أيضاً؛ إذ لا حرام مع الاضطرار لحكومة أدلة الاضطرار[102] على سائر الأدلة الأولية من المحرمات والواجبات، لأنه يقال: إن لارتكاب المنكر ثلاث حالات هي:

1ـ ارتكاب المنكر مع وجود البيئة الإسلامية الصالحة التي طبقت فيها قوانين الإسلام، فهنا تطبق أحكام الحدود والتعزيرات.

2ــ ارتكابه في صورة الاضطرار مطلقاً، كالذي يضطر لشرب الخمرة لأجل العلاج إذا انحصر الدواء به، والمضطر إلى السرقة لإنقاذ نفسه من الموت وهكذا، وهنا لا شيء من العقوبة عليه لشمول أدلة الاضطرار له.

3ـ ارتكابه في حالة ينطبق عليها الاضطرار بعض الشيء وعدمه بعض الشيء، فهنا لا مجال لرفع العقوبة مطلقاً؛ لعدم صدق الاضطرار المطلق في حقه، ولا مجال لتطبيق عقوبات الحدود والتعزيرات لعدم صدق الاختيار المطلق بالنسبة إليه، كما لا يجوز تركه دون عقوبة؛ لأنه فساد كبير، فلا مجال إلا بالالتزام بالتأديب كحل وسط يضمن به ردع فاعل المنكر مع عدم تطبيق أحكام الحدود والتعزيرات المنصرفة إلى صورة الاختيار التام والتي لا يتحقق موضوعها إلا بشرائط خاصة لن تتوفر فيه، وهذا هو مقتضى الجمع بين الدليلين؛ إذ لامجال للترك المطلق ولا الحد المطلق، وإلاّ لزم نقض الغرض في أحكام العقوبات والقضاء في أكثر من جهة، وربما يشهد له مافي متضافر الروايات من:«أن الله قد جعل لكل شيء حدا وجعل لمن تعدى ذلك الحد حدا»[103] بناء على حمل الحد على معناه اللغوي، وهو المنع[104] والفصل بين الشيئين[105] الشامل للأعم من الحد والتعزير، أو إرجاع المعنى المصطلح إليه لمنع الحد من المعاودة في الفصل، أو فصله بين الحلال والحرام، وقوله سبحانه:{تلك حدود الله فلا تعتدوها}[106] يراد بها الأحكام الشرعية، كما يقال: حد الغائط كذا، وحد الوضوء كذا، وحد الصلاة كذا، ومنه قوله (عليه السلام):«للصلاة أربعة آلاف حد»[107] لأنها تمنع من تعديها أو دخول غيرها فيها.

ولعل ماورد عن مولانا الباقر (عليه السلام) من قوله:«إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة إلاّ انزله في كتابه وبيّنه لرسوله، وجعل لكل شيء حدا، وجعل عليه دليلا يدل عليه، وجعل على من تعدى الحد حدا»[108] يعضد ماذكرنا.

وبذلك يظهر أن قول المحقق (رحمه الله) في الشرايع: كل من فعل محرما أو ترك واجبا فللأمام (عليه السلام) تعزيره بما لايبلغ الحد، وتقديره إلى الإمام[109] الظاهر في شموله لكل عقوبة ليست بحد كما صرح به في المسالك[110] والجواهر،[111] وحكي عن كشف اللثام[112] محمول على ماذكرنا، لاماكان مزيجا بين الاختيار والاضطرار، أو العلم والشبهة، كما في مثل أيامنا هذه عادة، ولعل من هنا قيده في الرياض بصورة العلم بهما وبحكمهما[113]، وفي ظاهر الفقه الإجماع عليه[114]. ولعل ما ذهب إليه جمع من الفقهاء[115] من إجازة رفع الخصومات إلى الحكومات الجائرة مع علمهم بأنها لا تطبق أحكام الإسلام أخذ بالميسور من العقوبة للاهم والمهم والاضطرار والسيرة[116] والاولوية المستفادة من مثل قولهم (عليهم السلام): «لابد للناس من امير بر او فاجر»[117]، والوقوف أمام المنكر والنهي عنه بعد تعذر الأخذ بأحكام الإسلام كلا من هذا القبيل، فتأمل.

هذا وقد مثّل بعض الفقهاء لما ذكرناه بما إذا كانت التجارة والزراعة والصناعة وحيازة المباحات وبناء الدور والمصانع في الأراضي الموات مجاناً وسائر الأمور حرة كما منحها الإسلام وعمل كل إنسان عملاً يدر عليه الرزق، وبنى داراً يتمكن من السكنى فيه، وتمكن من الزواج، فلم يحتج إنسان من المال لشبعه أو سكناه حتى يبرر الاحتياج لسرقته، ولم يزن من الفقر الموجب لعدم تمكنه من الزواج وإلى غير ذلك، حق ان يجري عليه الحد. وفي هذه الشروط اذا وقع في المخالفة الموجبة للحد حد، واما في غير ذلك فربما يعزر وربما يؤدب، وإلا فهل يقال بأن الحاكم الإسلامي يحد في كل يوم عشرة آلاف إنسان لأنهم شربوا الخمر مثلاً، أو يجلد المئات أو الآلاف لأنهم ارتكبوا الزنا مثلاً، أو أكلوا الربا، إلى غير ذلك من المنكرات التي يقع فيها الناس عادة بسبب عدم تطبيق أحكام الإسلام. هذا وربما يؤيد ذلك أمران:

الأول: فتوى الفقهاء بعدم جريان أحكام الارتداد فيما إذا أصاب المسلمين فتنة، فارتد جماعة من الناس كما حدث في بعض الأزمنة المتأخرة في فتنة الشيوعيين التي جرفت بعض الشباب والشابات في بعض البلاد الإسلامية[118].

الثاني: سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)وأمير المؤمنين (عليه السلام) في عدم تعزيرالفارين عن الزحف في جملة من حروبه (صلى الله عليه وآله وسلم) [119]، وعدم تطبيق الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حكم الارتداد على أهالي النهروان وغيرهم[120] مع دلالة الاخبار المتواترة على ان محاربي علي (عليه السلام) كفرة[121] ؛ لانهم بغاة، والبغاة كفرة بالاجماع[122] فيستحقون القتل، واما قوله سبحانه: {وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}[123] فاما خارجة موضوعا عن محاربة الامام المعصوم (عليه السلام) ولكونها مسوقة لبيان حكم طائفتين من المؤمنين بغت احداهما على الاخرى لامر دنيوي، واما باعتبار ماكانوا عليه قبل الحرب من الايمان تجوزا، فان المشتق يصدق على مامضى بهذا اللحاظ، والسّر في ذلك: ان من حارب الامام (عليه السلام) كان دافعا لامامته، ودفع الامامة كدفع النبوة كفر؛ ولان لازم المحاربة الجهل والانكار لامامته، وقد تضافر النص الصحيح بطرق الفريقين: «من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية»[124] وميتة الجاهلية هي ميتة الكفر، وقد روى الجمهور عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «ان قتال المسلم كفر»[125] واتفقوا على انه (عليه السلام) المصيب في جميع الحروب؛ لما ثبت من امامته وانعقاد البيعة له[126].

المسألة الثالثة عشرة: في موضوعية العقوبات أو طريقيتها

وتظهر الثمرة بينهما في أنه على الأول يجب تطبيق قانون العقوبات سواء أفاد في ردع المنكر أم لا، وعلى الثاني يجب ما دام لم ينقلع عن المنكر، فإذا انقلع يرتفع موضوعه، وعليه فالتائب قبل العقوبة لا يعاقب بعد ذلك الا اذا دل دليل خاص عليه، فإن النسبة المنطقية بين الردع والعقوبة العموم من وجه؛ إذ قد يرتدع قبل العقوبة، وقد يقام الحد ولا يرتدع، وقد يقام الحد ويرتدع.

 وكيف كان، لو تاب المذنب او الجاني وارتدع قبل إقامة الحد والعقاب، فهل يعاقب أم لا؟.

إحتمالان في المسألة:

الأول: الوجوب، وذلك لوجهين:

 أحدهما: المجازاة ليذوق وبال ما ارتكب؛ ولذا جرت سيرة عقلاء العالم على ذلك؛ فإن من سرق أو قتل عمداً أو ما أشبه سجنوه أو قتلوه أو غرموه وإن تاب وندم على ما فعل، وهو يكشف عن الارتكاز الممضى من قبل الشارع، ويشمله إطلاق الأدلة. هذا بالإضافة إلى حكم العقل بالمنع من المنكر والحد من الفساد الكبير لما في العقوبة من تطويق للجريمة حتى لا ترتكب مرة ثانية.

 وثانيهما: ليكون عبرة لغيره كما قال سبحانه وتعالى: {فشرّد بهم من خلفهم}[127].

الثاني: أن يقال برجوع الأمر إلى الحاكم الشرعي إن شاء عفا وإن شاء عاقب على تفصيل ذكره الفقهاء في كتاب الحدود، خصوصاً وإن الشارع المقدس أراد للناس الهداية والإصلاح، وجعل العقوبة رادعة عن الفساد، ودافعة للناس إلى مزيد من الإصلاح، فإذا وقعوا في الإصلاح وتابوا من المنكر فقد تحقق الغرض، وهذا هو الملاك الأهم عند الشارع.

واليه ذهب جمع من الفقهاء في مثل الزنا، وبضميمة الاطلاق والسكوت في غيره وعدم فهم الخصوصية وعدم وجود دليل خاص يخصصه بالزنا وعدم القول بالفصل يمكن القول بجريانه في غيره ايضا، بل في المسالك: التوبة قبل ثبوت موجب العقوبة عند الحاكم مسقطة للحد مطلقا[128]، وربما يفصل بين ماكانت التوبة قبل الرفع الى الحاكم فيعفى عنه وبعده فيعاقب، اختاره جمع منهم الشيخ (رحمه الله) في النهاية[129]، والمحقق (رحمه الله) في الشرايع[130]، والعلامة (رحمه الله) في المختلف[131]، والشهيد (رحمه الله) في المسالك[132]. دلت على الاول صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «السارق اذا جاء من قبل نفسه تائبا الى الله عزوجل ترد سرقته الى صاحبها ولاقطع عليه»[133] وفي رواية ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) في رجل اقيمت عليه البينة بانه زنى، ثم هرب قبل ان يضرب. قال: «إن تاب فما عليه شيء، وان وقع في يد الامام اقام عليه الحد»[134] وعن امير المؤمنين (عليه السلام): «ماأقبح بالرجل منكم ان ياتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملأ، افلا تاب في بيته؟ فوالله لتوبته فيما بينه وبين الله افضل من اقامتي عليه الحد»[135] وفي النبوي الشريف: «لو استتر ثم تاب كان خيرا له»[136] وانصراف ادلة العقوبات خصوصا التعزيرات عن صورة الاقلاع الا في مواضع مخصوصة.

وعلى الثاني رواية سماعة عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «من اخذ سارقا فعفى عنه فذلك له، فاذا رفع الى الامام قطعه، فان قال الذي سرق له: انا اهبه له لم يدعه الى الامام حتى يقطعه اذا رفعه اليه، وانما الهبة قبل ان يرفع الامام، وذلك قول الله عزوجل: { والحافظون لحدود الله } فاذا انتهى الحد الى الامام فليس لاحد ان يتركه»[137] وغيرها من الاخبار[138].

واختار جمع العفو في الاول والتخيير في الثاني، كما حكي عن المفيد وابي الصلاح قدس سرهما[139]، وصرح به السيد الاستاذ اعلى الله مقامه الشريف في الفقه[140]. والظاهر ثبوت التخيير للحاكم الشرعي الجامع للشرائط النائب عن الامام (عليه السلام) ؛ لظهور الادلة في التخيير في انه حكم شرعي كسائر التخييرات الشرعية، لافرق فيها بين الامام وغيره، فتأمل[141].

المسألة الرابعة عشرة: في سماحة عقوبات الاسلام

لايخفى أن المقصود من الدولة الإسلامية هي الدولة العادلة التي تطبق قوانين الإسلام وتلتزم بأحكامه، لا من تسمي نفسها إسلامية أو ينتحل مسؤولوها الإسلام، فالإشكال على العقوبات الإسلامية بأنها صارمة لوجود بعض التسامح في عقوبات الأنظمة الديمقراطية غير وارد؛ لأنه يقال: إن عقوبات الإسلام ليست صارمة مطلقاً ولا متسامحة مطلقاً، بل هي الحد الوسط الذي يجمع بين ألم العقوبة وفرض الارتداع، وهو أقرب إلى العقل من السجن والتغريم وما أشبه ذلك من العقوبات التي تطبقها القوانين الوضعية؛ وذلك لأن الأمر يحتاج أحياناً إلى الشدة، فكما أن الشدة مطلقاً غير صحيحة عند العقلاء فكذلك اللين، وليست كذلك في عقوبات الأنظمة الديمقراطية لكونها صارمة مطلقاً من هذه الجهة، بل إن عقوبات الإسلام هي التي تتسم بالسماحة والعفو؛ وذلك لوجود مساحات واسعة في تطبيق الأحكام الشرعية يمكن للحاكم الشرعي أن يلتزم فيها باللين والعفو، منها جواز أخذ الحاكم بقانون الأهم والمهم في تخفيف العقوبة أو إسقاطها، ومنها أعطاء الإسلام لصاحب الحق في الحد كالقصاص او العفو أو تبديله بالدية مثلاً. ومنها أنه ألزم في تطبيق الحدود وما أشبه ذلك بلزوم توفر الشروط الصعبة مما يقلل من وقوعها كثيراً، بل يوجب الندرة الكثيرة في تطبيق الحدود، فمثلاً يشترط الإسلام في حد السرقة خمسة وأربعين شرطاً كما ذكره السيد الشيرازي (رحمه الله) في كتابيه الحدود والتعزيرات وممارسة التغيير لانقاذ المسلمين[142]، وفي حد الزنا واللواط اشترط رؤية أربعة عدول كالميل في المكحلة، أو إقرار أربع مرات مع توفر الشروط في الإقرار[143].

ومع كل ذلك يبقى اقامة الحد فرضا نادر الوقوع؛ لندرة توفر شرائطه عادة، او لعدم وقوع مايسببه في المجتمع الإسلامي بعد اصلاحه بتطبيق سائر قوانين الاسلام، كما يجد الإنسان تلك الندرة في زمان حكومة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ومن الواضح أن تطبيق العقوبات بهذه الندرة ليست مبعثاً للقلق والخوف، بل القلق والخوف يتحققان في عدم الحد، حيث لا يأمن الإنسان على ماله ونفسه وعرضه، كما نرى ذلك الخوف والقلق كثيراً في بلدان مثل أوروبا وأمريكا، حيث ذكروا أن القلق والخوف بسبب عدم ارتداع الفاعلين للمنكرات هو الذي يخيم على طائفة كبيرة من المجتمع الذي يعيش في تلك البلدان على تفصيل شهدت به بعض الدراسات والتقارير الاجتماعية.

المسألة الخامسة عشرة: في التعزير على المعاصي

المشهور بين الفقهاء أن كل مرتكب لمحرم وتارك لواجب عليه التعزير لكونه من مراتب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن في كونه واجبا مطلقا أو في بعض الصور احتمالان:

الأول: الوجوب مطلقاً.

الثاني: الوجوب في صورة عدم الارتداع بغيره، والاّ تخير الحاكم بينه وبين غيره مما يرى فيه المصلحة، وهو الظاهر من كلمات جمع منهم.

ففي المبسوط قال الشيخ (رحمه الله): إذا فعل إنسان ما يستحق به التعزير مثل إن قبل امرأة حراماً، أو أتاها فيما دون الفرج، أو أتى غلاماً بين فخذيه عندهم ــ لأن عندنا ذلك لواط ــ أو ضرب إنساناً أو شتمه بغير حق فللإمام تأديبه، فإن رأى أن يوبخه على ذلك ويبكته أو يحبسه فعل، وإن رأى أن يعزره فيضربه ضرباً لا يبلغ به ادنى الحدود، وادناها أربعون جلدة فعل، فإذا فعل فإن سلم منه فلا كلام، وإن تلف منه كان مضموناً عند قوم، وقال قوم: إن علم الإمام أنه لا يردعه إلا التعزير وجب عليه أن يعزره، وإن رأى أنه يرتدع بغيره كان التعزير إليه إن شاء عزره، وإن شاء تركه، فإن فعل ذلك فلا ضمان على الإمام، سواء عزره تعزيراً واجباً أو مباحاً، وهو الذي يقتضيه مذهبنا[144]. واطلاقه يشمل صورة العفو ايضا، كما انه يؤكد ما ذكرناه في المسألة السابقة من عد التأديب من العقوبات في صورة عدم إمكان إقامة الحد أو التعزير.

بل في السرائر: للسلطان ان يعاقب من يقتل العبيد بما ينزجرعنه مثله في المستقبل[145]، ولاخصوصية للعبيد، بل ذلك يجري في غيره من الجنايات والمعاصي لوحدة الملاك.

 وفي القواعد قال العلامة (رحمه الله): وكل من فعل محرماً أو ترك واجباً كان للإمام تعزيره بما لا يبلغ الحد، لكن بما يراه الإمام، ولا يملك حد الحر في الحر ولا حد العبد في العبد[146]. فإن ظاهر كلامه (رحمه الله) أن للإمام ذلك وهو مفوض في تنفيذه لا أنه واجب عليه.

وفي كشف اللثام في شرح عبارة القواعد قال: ثم وجوب التعزير في كل محرم من فعل أو ترك إن لم ينته بالنهي والتوبيخ ونحوهما فهو ظاهر لوجوب إنكار المنكر، وأما إن انتهى بما دون الضرب فلا دليل إلا في مواضع مخصوصة ورد النص فيها بالتأديب أو التعزير، ويمكن تعميم التعزير في كلامه وكلام غيره بما دون الضرب من مراتب الإنكار[147].

وفي الخلاف: التعزير إلى الإمام بلا خلاف إلا أنه إذا علم أنه لا يردعه إلا التعزير لم يجز له تركه، وإن علم أن غيره يقوم مقامه من الكلام والتعنيف كان له أن يعدل إليه، ويجوز له تعزيره، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: هو بالخيار في جميع الأحوال[148]، إلى غير ذلك من عباراتهم. ولعل هذا ما يستظهر أيضاً من كلمات جمع من فقهائنا المتأخرين كما يظهر من الجواهر[149] والفقه[150]، وأما أدلة المشهور على وجوب التعزير فمناقش فيها من حيث الأسانيد والدلالات.[151]

وأما ما اخترناه فتدل عليه النصوص.

 منها: ما رواه في تحف العقول عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) في حديث قال: «وأما الرجل الذي اعترف باللواط فإنه لم تقم عليه بينة، وإنما تطوع بالإقرارمن نفسه، وإذا كان للإمام الذي من الله أن يعاقب عن الله كان له أن يمنّ عن الله،أما سمعت قول الله عز وجل:{هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب}[152]» [153].

ومنها: ما عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:«قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): عليكم بالعفو فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزاً، فتعافوا يعزكم الله»[154].

ومنها: ما عن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الندامة على العفو أفضل وأيسر من الندامة على العقوبة[155].

ومنها: ما عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:«إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتي باليهودية التي سمت الشاة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت: إن كان نبياً لم يضره، وإن كان ملكاً أرحت الناس منه. قال: فعفا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها»[156].

ومنها: ما في نهج البلاغة في كتاب امير المؤمنين (عليه السلام) إلى مالك الأشتر حينما ولاه مصر: «وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاّك- إلى أن قال (عليه السلام) -: ولا تندمن على عفوٍ، ولا تبجحن بعقوبة»[157].

وهو ظاهر في تفويض العفو إلى الحاكم، فيطبقه بما يراه صلاحاً.

ومنها: ما عن علي بن الحسين (عليه السلام):«وأما حق رعيتك بالسلطان فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك، فيجب أن تعدل فيهم، وتكون لهم كالوالد الرحيم، وتغفر لهم جهلهم، ولا تعاجلهم بالعقوبة، وتشكر الله عز وجل على ما آتاك من القوة عليهم».[158]

ومنها: ما عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال:«ثلاثة تجب على السلطان للخاصة والعامة: مكافأة المحسن بالإحسان ليزدادوا رغبة فيه، وتغمّد ذنوب المسيء ليتوب ويرجع عن غيه، وتألفهم جميعاً بالإحسان والإنصاف»[159].

وعنه (عليه السلام):«العفو عند القدرة من سنن المرسلين والمتقين»[160].

ومنها: ما عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام):«عند كمال القدرة تظهر فضيلة العفو»[161].

 ومنها: ما في شرح ابن أبي الحديد المعتزلي لنهج البلاغة: أن علياً (عليه السلام) حاربه أهل البصرة، وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيوف، وشتموه ولعنوه، فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم، ونادى مناديه في أقطار العسكر: ألا لا يتبّع مولٍّ، ولا يجهز على جريح، ولا يقتل مستأسر، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن تحيز إلى عسكر الإمام فهو آمن، ولم يأخذ أثقالهم، ولا سبى ذراريهم، ولا غنم شيئاً من أموالهم، ولو شاء أن يفعل كل ذلك لفعل، ولكنه أبى إلاّ الصفح والعفو، وتقيّل سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم فتح مكة، فإنه عفا والأحقاد لم تبرد، والإساءة لم تنس[162].

أقول: لعل قوله:«تقيّل سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)» بمعنى أشبهه، كما يقال تقيّل فلان أباه أي أشبهه[163]، وعمل عمله [164]، وهذا ما جرت عليه سيرة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) كالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة وغيرهما في موارد العفو مع التمكن من العقوبة حداً أو تعزيراً، وهذا ما دلّ عليه القرآن الكريم في جملة من الآيات، منها: قوله سبحانه وتعالى:{ واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً}[165] وقوله سبحانه: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}[166] وقوله عز وجل: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون}[167] وقال عز وجل: {ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين}[168] وقال عز وجل:{فاصفح الصفح الجميل} [169] وقال تبارك وتعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}[170] إلى غيرها من الآيات والروايات والسيرة الطاهرة.

ولا يقال: أن الأمربالعفو يختص بالسلوك الشخصي في التعامل مع الناس لانصراف مثل هذه الأدلة إليه.

 لأنه يقال: أنه خلاف الظاهر المستفاد منه العموم والإطلاق الآبيان عن الانصراف. هذا أولاً.

 ثانياً: بعضه ورد في نص السلطان والوالي كما في عهد الأشتر النخعي[171]، بل وبعض الآيات فيها خطاب للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الحاكم الأعلى للمسلمين.

 وثالثاً: على فرض التسليم بانصرافه إلى الأمور الشخصية فهذا انصراف بدوي؛ بداهة شموله للأمور العامة بالأولوية القطعية، فإن المندوب شرعاً في الأقل مندوب في الأكثر، بل مناسبة الحكم والموضوع تقتضي الأولوية في الحاكم لترتب الكثير من المصالح الهامة على عفو السلطان ؛ ولذا جرت سيرة العقلاء عليه، واستقلّ العقل بحسنه واستحقاقه للمدح، وبذلك يظهر أن ما يدلّ على حتمية العقوبة إما مطلقاً أو في الجملة هو إلماع إلى الأصل في ثبوت الحق لا إلى عدم اختيار الإمام وتحديد كيفية الأخذ بالعقاب.

إن قلت:إن المتتبع في أدلة العقوبات من الاخبار يجد انها ثلاث طوائف.

 الأولى: ما يدل على حتمية العقوبة.

 الثانية: ما يدل على العفو.

 الثالثة: ما يفصل بين الحد فيلزم والتعزير فيختار.

وبهذه الطائفة الثالثة نجمع بين الإطلاقين في الطائفة الأولى والثانية

 يقال: قد عرفت فيما تقدم أن في نفس الحد هناك مجالا للعفو أيضاً، وبذلك لا يكون الجمع المذكور جمعاً عرفياً، بل هو أقرب إلى التبّرعي لإطلاق أدلة الاختيار. نعم العفو في التعزير أولى والعقوبة في الحد أولى، وبذلك تسقط حجية الجملة الأخيرة في مرسل البرقي بالإضافة إلى ضعف سنده، فعن بعض اصحابه عن بعض الصادقين (عليهم السلام) قال:«جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأقر بالسرقة، فقال له: أتقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم، سورة البقرة، قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة. قال: فقال الأشعث: أتعطل حداً من حدود الله تعالى؟ فقال: و ما يدريك ما هذا؟ إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو، وإذا أقر الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا و ان شاء قطع»[172] ونحوه خبر طلحة بن زيد عن الصادق (عليه السلام) [173].

 ولعل من هنا قال المفيد رضوان الله عليه في المقنعة: من زنى وتاب قبل أن تقوم الشهادة عليه بالزنى درأت عنه التوبة الحد؛ فإن تاب بعد قيام الشهادة عليه كان للإمام الخيار في العفو عنه أو إقامة الحد عليه حسب ما يراه من المصلحة في ذلك له ولأهل الإسلام، فإن لم يتب لم يجز العفو عنه في الحد بحال[174]، وقريباً منه ما قاله أبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في الكافي: فإن تاب الزاني أو الزانية قبل قيام البينة عليه وظهرت توبته وحمدت طريقته سقط عنه الحد، وإن تاب بعد قيام البينة فالإمام العادل مخير بين العفو والإقامة، كذلك لغيره إلا بإذنه، وتوبة المرء سراً أفضل من اقراره ليحد[175].

ومثله ما قاله ابن زهرة رضوان الله عليه في الغنية: وإن تاب بعد ثبوت الزنا عليه فللإمام العفو عنه، وليس ذلك لغيره[176]. وهذا ما اختاره السيد الأستاذ اعلى الله مقامه في كتابه الدولة الإسلامية[177].

المسألة السادسة عشرة: في حرمة التعذيب

لا يجوز ضرب المتهم أو أذاه أو سجنه وما أشبه ذلك من أجل انتزاع إقراره، أو لكشف ما يحتمل أنه مطلع عليه حتى يبينه للحاكم، وعليه الاجماع[178].

وفي الدروس: لافرق بين الاكراه على الاقرار بالحد او الجناية او المال[179]، وكذا لافرق في المكره بين من ضرب حتى الجىء الى الاقرار وبين من هدد عليه في ايقاع مكروه به لايليق بمثله تحمله عادة من ضرب وشتم واخذ مال ونحو ذلك[180] ولعل مستند الاجماع الاخبار.

ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:«قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن أعتى الناس على الله عز وجل من قتل غير قاتله ومن ضرب من لم يضربه»[181].

 ومثله رواية الوشاء عن الرضا (عليه السلام). وفي خبر جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:«لو أن رجلاً ضرب رجلاً سوطاً لضربه الله سوطاً من نار»[182].

وفي خبر السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:«قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن ابغض الناس إلى الله عز وجل رجل جرّد ظهر مسلم بغير حق»[183].

وعن أبي البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام):«أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: من أقر عند تجريد أو تخويف أوحبس أو تهديد فلا حد عليه»[184].

وعن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) أن علياً (عليه السلام) كان يقول:«لا قطع على أحد يخوف من ضرب، ولا قيد ولا سجن ولا تعنيف إلا أن يعترف، فإن اعترف قطع، وإن لم يعترف سقط عنه لمكان التخويف»[185] والظاهر أن قوله(عليه السلام):«وإن لم يعترف» أنه لم يعترف باختياره وإنما كان اعترافه كرهاً.

وعن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل سرق سرقة فكابر عنها فضرب، فجاء بها بعينها، هل يجب عليه القطع؟ قال: «نعم، ولكن لو اعترف ولم يلجأ للسرقة لم تقطع يده لأنه اعترف على العذاب»[186].

وعن دعائم الإسلام عن علي (عليه السلام):«من أقر بحد على تخويف أو حبس أو ضرب لم يجز ذلك عليه، ولا يحد»[187].

وعن علي (عليه السلام) أيضاً:«أنه أتي برجل اتهم بسرقة أظنه خاف عليه أن يكون إذا سأله تهيب بسؤاله فأقر بما لم يفعل، فقال له علي (عليه السلام):«أسرقت؟ قل: لا، إن شئت» فقال: لا، ولم تكن عليه بينة فخلى سبيله[188].

وفي دعائم الاسلام: عن اميرالمؤمنين (عليه السلام) أنه رخص في تقرير المتهم بالقتل والتلطف في استخراج ذلك منه، وقال علي (عليه السلام):«لا يجوز على رجل قود ولا حد بإقرار بتخويف ولا حبس ولا ضرب ولا قيد»[189].

وفي مسند زيد بن علي عن أبيه، عن جده، عن علي (عليهم السلام) قال:«لما كان في ولاية عمر أتي بامرأة حامل فسألها عمر فاعترفت بالفجور، فأمر بها عمر أن ترجم، فلقيها علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ما بال هذه؟ قالوا: أمر بها عمر أن ترجم، فردها علي (عليه السلام) فقال: أمرت بها أن ترجم؟ فقال: نعم، اعترفت عندي بالفجور، فقال علي (عليه السلام): هذا سلطانك عليها، فما سلطانك على ما في بطنها؟ قال: ما علمت أنها حبلى. قال أمير المؤمنين (عليه السلام) إن لم تعلم فاستطرى رحمها، ثم قال (عليه السلام): فلعلك انتهرتها أو أخفتها؟ قال: قد كان ذلك، فقال: أما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا حد على معترف بعد بلاء، إنه من قيدت أو حبست أو تهددت فلا إقرار له. قال: فخلى عمر سبيلها، ثم قال: عجزت النساء أن يلدن مثل علي بن أبي طالب، لولا علي لهلك عمر»[190].

وبذلك ظهر أن ما نسب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من التعذيب باطل لا أساس له، بل القرائن تدل على أنه من الوضاعين ومن جاعلي الأحاديث تزلفاً إلى الأمراء، واستحواذاً على المال الحرام، وتصحيحا لأعمال مثل الحجاج وابن زياد ومن اشبههما، بل على بعضها تظهر أمارة الإسرائيليات فضلا عن منافاتها لضرورة الإسلام وحكم العقل وسمات النبوة، فإنها أدلة ثلاثة قطعية ويقينية تكفينا في إسقاط ما يعارضها.

وكذلك يظهر الإشكال في استدلال بعض المتأخرين على جواز التعذيب بروايتين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعدم تمامية الدلالة فيهما:

الأولى: أنه في بدر أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بغلامين وهو قائم يصلي فقالا: نحن سقاء قريش بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم خبرهما، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان فضربوهما، فلما أذلقوهما[191] قالا: نحن لأبي سفيان فتركوهما، ورفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسجد سجدتيه ثم سلم وقال:«إذا صدقاكم ضربتوهما، وإذا كذباكم تركتوهما؟ صدقا والله إنهما لقريش»[192] وذلك بتقريب تقرير النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لضربهما والسكوت عنه، لكن من الواضح أنه ليس في مثل هذه الرواية شيء من التقرير، بل ظاهرها إنكار الضرب على القوم.

والثانية: ما رواه ابن هشام في سيرته أنه كتب حاطب بن أبي بلتعة من المدينة كتاباً إلى قريش يخبرهم بما أجمع عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأعطاه امرأة تبلغه قريشاً، فجعلته في رأسها، وفتلت عليه قرونها، وأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الخبر من السماء، فبعث (صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب (عليه السلام) والزبير فخرجا فأدركاها فالتمساه في رحلها، فلم يجدا شيئاً، فقال لها علي (عليه السلام): إني أحلف بالله ما كذب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما كذبنا، لتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك، فأخرجت الكتاب[193] بتقريب أن الإمام هددها، والتهديد نوع من التعذيب.

وفيه: أن التهديد غير التعذيب عرفا ولغة، فإن التعذيب ما يشمل التنكيل والضرب والتجريح وما أشبه ذلك. وفي مجمع البحرين: عذبته تعذيبا: عاقبته، والاسم العذاب، وأصله في كلام العرب الضرب، ثم استعمل في كل عقوبة مؤلمة، واستعير للأمور الشاقة[194]، وقريب منه في غيره[195].

وكيف كان، فما ورد تهديد بالكشف حتى يظهر أنه عندها، ويؤيد ما ذكرناه بل يدل عليه ما رواه صاحب البحار عن العلل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:«إن أول ما استحل الأمراء العذاب بكذبة كذبها أنس بن مالك على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سمر يد رجل إلى الحائط، ومن ثم استحل الأمراء العذاب»[196] ومنه يعرف الإشكال في جملة من الروايات التي تنسب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ذلك، وغالباً وردت من قبل الوضاعين لتصحيح أعمال الحكام الظلمة في تعذيب مناوئيهم ومخالفيهم على تفصيل ذكره المؤرخون في كتب التاريخ بما لا يسعنا المجال لبيانه هنا.

المسألة السابعة عشرة: في حرمة حبس المتهم قبل الإدانة

الأصل في الإنسان الحرية، فلا يجوز حبس المتهم قبل الإدانة إطلاقاً إلاّ إذا كان الضرر المحتمل أهم من ضرر الحبس، حيث يجوز الحبس حينئذ لجهة الأهم والمهم من باب الضرورة والتي تقدر بقدرها، كما أنه يجوز الحبس لحفظ المجرم من أيدي المتحفزين عليه[197] لنفس هذا الدليل، كما لو لم يمكن حفظه إلا بذلك، ويدل على المستثنى والمستثنى منه بالإضافة إلى ما ذكرناه بعض الروايات.

منها: ما عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحبس في تهمة الدم ستة أيام فإن جاء أولياء المقتول ببينة،وإلاّ خلى سبيله»[198].

ومنها: ما عن دعائم الإسلام عن علي (عليه السلام) أنه قال:«لا حبس في تهمة إلا في دم، والحبس بعد معرفة الحق ظلم»[199].

ومنها: ما في كتاب الغارات عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «إني لا آخذ على التهمة، ولا أعاقب على الظن، ولا أقاتل إلاّ من خالفني وناصبني وأظهر لي العداوة ».[200]

 وفيه أيضاً في قصة خروج الخريت بن راشد من بني ناجية على أمير المؤمنين (عليه السلام) واعتراض عبد الله بن قعين عليه بعدم استيثاقه. قال: فقلت: يا أمير المؤمنين فلم لا تأخذه الآن فتستوثق منه؟ فقال (عليه السلام): «إنا لو فعلنا هذا لكل من نتهمه من الناس ملأ نا السجون منهم، ولا أراني يسعني الوثوب على الناس والحبس لهم وعقوبتهم حتى يظهروا لنا الخلاف».[201] لكن مقتضى كون الأمر ضرورة أنه إن تمكن من الاستيثاق بغير ذلك مثل أخذ الكفيل أو تجميد رصيده المالي بقدر دين المدعي مثلاً أو ما أشبه ذلك حتى إذا أثبت جعله للمدعي كان مقدماً على الحبس، لكن مع ذلك قال المحقق رضوان الله عليه في الشرائع: إذا اتهم والتمس الولي حبسه حتى يحضر البينة ففي إجابته تردد، ومستند الجواز ما رواه السكوني، وفي السكوني ضعف.[202]

 وفي الجواهر بعد أن ذكر تلك العبارة قال: يمنع من العمل به فيما خالف أصل البراءة وغيره؛ إذ هو تعجيل عقوبة لا مقتضي له، ولذا كان خيرة الحلي والفخر وجده وغيرهم على ما حكي العدم.[203]

وفي المختلف: التحقيق أن نقول: إن حصلت التهمة للحاكم بسبب لزوم الحبس ستة أيام عملاً بالرواية وتحفظاً للنفوس عن الإتلاف وإن حصلت لغيره فلا، عملاً بالأصل.[204]

وقد ذكر السيد الأستاذ رضوان الله عليه في كتابي الحقوق وممارسة التغيير[205] جملة من موارد السجن في الإسلام بما يتوافق مع ما ذهب إليه الأعلام مع بيان العلل والأسباب.

 المسألة الثامنة عشرة:في وجوب اجتناب العقوبة بالسجن

 يجب اجتناب العقوبة بالحبس مهما وجد السبيل إلى ذلك؛ لأن الغرض هو قطع دابر الفساد، فما دام غيره ميسوراً في ذلك لا تصل النوبة إليه؛ لما فيه من الأضرار الكبيرة التي قد تتجاوز مصلحة العقاب، وقد جمعها بعض الفقهاء في أمور:

 الأول: الأضرار الاقتصادية، حيث إن السجين يتوقف عن العمل غالباً، ويحمل خزانة الدولة التي هي خزانة الأمة نفقاته، كما أن إدارة السجن تحمل الأمة نفقاتها، وهي أضرار مضاعفة.

 الثاني: الأضرار الثقافية، لاستلزامه الجهل والتخلف عن ركب الحياة غالبا.

 الثالث: الأضرار السياسية، حيث لا يتمكن أن يشارك في النمو السياسي لنفسه أو لغيره ووطنه.

 الرابع: الأضرار النفسية الاجتماعية،حيث هو في كبت وحرمان، وتبقى عائلته مشردة محطمة نفسياً واجتماعياً، وذلك يوجب أضراراً اجتماعية كثيرة.

 الخامس: الأضرار الأخلاقية لنفسه،حيث يتعقد هو، وذلك يعطي مردوده في السجن وخارجه لتحطم أعصاب السجين وتحطم أعصاب ذويه وأقربائه.

 السادس: الأضرار الأخلاقية لعائلته، حيث إن في بعض الأحيان يوجب السجن انزلاق زوجة السجين أو أولاده في أوحال الرذيلة، بسبب عدم المعيل المراقب لهم، أو بحسب الضغوط الاجتماعية والمهانة التي يشعرون بها من جراء سجن والدهم مثلاً.

 السابع: الأضرار العدوائية، فإن السجين المجرم يعلم سائر السجناء كيفية الجريمة، كما أنه إذا خرج وقد تعلم الجريمة يفشيها في المجتمع أيضاً، وهذه أضرار بليغة ومضاعفة.

 الثامن: الأضرار الاعتبارية، حيث إن الإنسان غالباً يأخذه الحياء في أن يرتكب المنكرات، فإذا سجن علم الناس ذلك منه ورأوه مجرماً، وربما لم يصفحوا عنه أو يغضوا الطرف، وبذلك يقل حياؤه، ولا يرى نفسه مسؤولاً.

ومنها الأضرار العمرانية فيما إذا كان السجين بناء أو مهندساً أو مزارعاً أو ما أشبه،ومنها الأضرار الصحية فيما إذا كان السجين طبيباً ونحو ذلك. ومن هنا يلاحظ بأن الأضرار المترتبة على السجن هي أبلغ وأكبر، وربما تتجاوز حدود العقوبة، وتسبب الظلم والجور على السجين بما لا يحمد عقباه، فيلزم منه نقض الغرض، ولهذا قلنا: ينبغي أن يكون السجن هو آخر إجراءات الحاكم لردع المنكر والفساد مهما أمكن.[206]

المسألة التاسعة عشرة: في حرمة هتك السجين والمحدود وفضحهما

لا يجوز هتك السجين أو المحدود في نفسه أو عائلته أكثر من القدر المقرر في الشريعة؛إذ لا يجوز إهانة المسلم أو إذلاله أو تخويفه أو إراقة ماء وجهه أو ما أشبه. خرج منه ما دلت عليه أدلة العقوبات، فلا وجه للزائد بعد الأصل المذكور حينئذ.

فمثلاً:إذا زنت امرأة وثبت زناها بالإقرار أو البينة بحسب الموازين الشرعية، فإذا صرح بأنها من عائلة فلان أو زوجة فلان أو بنت فلان عند إجراء الحد عليها سبب ذلك فضيحتهم وإسقاط كرامتهم في المجتمع، وهذا عدوان على غير الجاني او على الجاني بأزيد من استحقاقه فلايجوز. قال سبحانه:{ولا تزر وازرة وزر اخرى}[207] بل ربما يسبب ذلك مضاعفة الجريمة بما يترتب على ذلك من الآثار السلبية، وهكذا بالنسبة إلى سائر الجرائم، ومنه يظهر وجه التحريم المشدد في إجراء المقابلة الإذاعية أو التلفزيونية أو النشر في الصحف أو ما أشبه ذلك بالنسبة إلى من ارتكبوا المنكرات أو الجرائم، خصوصاً إذا أخذ الإقرار ونحوه بالإكراه فإنه محرم مشدد، فعن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام):«من كشف حجاب غيره انكشفت عورات نفسه»[208] وعن عبد الله بن سنان قال: قلت له: عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال:«نعم» قلت: تعني سفليه؟ قال: «ليس حيث تذهب إنما هو إذاعة سره»[209] وعن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام):«شر الناس من لا يغفر الزلة، ولا يستر العورة»[210] وعن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:«لا تتبعوا عثرات المسلمين فإنه من تتبع عثرات المسلمين تتبع الله عثرته، ومن تتبع الله عثرته يفضحه»[211] وفي رواية أخرى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم):«قال الله عز وجل: قد نابذني من أذل عبدي المؤمن»[212].

ومن الواضح أن إجراء المقابلات المرئية أو الصحفية وما أشبه ذلك من أجلى مصاديق الإذلال والفضيحة، بل وربما يوجب الكثير من المفاسد في المجتمع مما يسبب نقض الغرض من العقوبة، ومن هنا يقال من الأفضل بالنسبة إلى نفس المجرم ومن رأى الجريمة التستر عليها إلا إذا كانت هناك جهة أهم، ففي خبر أبي العباس قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):«أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل فقال: إني زنيت... إلى أن قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لواستتر ثم تاب كان خيراً له»[213] مما يدل على أن ستر المجرم على جريمته وستر من اطلع على هذه الجريمة من مصاديق الخير.

 وفي حديث الأصبغ بن نباتة أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، إني زنيت فطهرني، فأعرض عنه بوجهه، ثم قال له:«اجلس» فقال:«أيعجز أحدكم إذا قارف هذه السيئة أن يستر على نفسه كما ستر الله عليه» فقام الرجل فقال: يا أمير المؤمنين، إني زنيت فطهرني، فقال:«وما دعاك إلى ما قلت؟» قال: طلب الطهارة. قال:«وأي طهارة أفضل من التوبة؟» ثم أقبل على أصحابه يحدثهم، فقام الرجل فقال: يا أميرالمؤمنين، إني زنيت فطهرني، فقال له:«أتقرأ شيئاً من القرآن؟» قال: نعم. قال:«اقرأ» فقرأ فأصاب، فقال له:«أتعرف ما يلزمك من حقوق الله في صلاتك وزكاتك؟» قال: نعم. فسأله فأصاب، فقال له:«هل بك مرض يعروك أو تجد وجعاً في رأسك أو بدنك؟» قال: لا. قال:«اذهب حتى نسأل عنك في السر كما سألناك في العلانية، فإن لم تعد إلينا لم نطلبك»[214].

 وفي هذه الروايات دلالات قوية على أن الحاكم الشرعي يعفو مادام الغرض محرزا؛ ولذا قد لا يطبق الحدود مالم تكن لذلك ضرورة، كما يظهر من مثل هذا الحديث أن الإمام (عليه السلام) يحاول أن يحاور الرجل بمختلف الطرق، ويفتح عليه أبواب العفولأجل ردع العقوبة عنه ما دام قد تاب ما بينه وبين الله عز وجل، فأراد أن يستر على نفسه ويحفظ عفة المجتمع.

وفي رواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث الزاني الذي أقر أربع مرات أنه قال لقنبر:«احتفظ به» ثم غضب وقال:«ما أقبح الرجل منكم أن يأتي هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملأ، أفلا تاب في بيته؟ فوالله لتوبته فيما بينه وبين الله أفضل من إقامتي عليه الحد»[215] إلى غير ذلك من الروايات.

 نعم، يستثنى من ذلك أمور منها أعمال المحتسب، حيث كان مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) يطوف في الأسواق بنفسه ليرى ويسمع ويأمر وينهي، وإذا رأى منكراً غيّره كما في أحداث متعددة[216]، مثل قضية حبس السارق الذي قطعت يده ورجله، وقضية إرجاع المال إلى الجارية وغيرهما[217].

 وعليه فإن المستفاد من مثلها أن الحاكم الإسلامي يضع المحتسب في الأسواق ونحوها للإشراف على مثل ذلك، فإذا رأى المنكر أخبر الحاكم وعالجه بحسب ما يقرره من موازين، ما كان ذلك مستثنى لأهمية استقامة الأمر في البلاد وشيوع الأمن في المجتمع والدولة التي هي من المصالح العظمى في الموازين الشرعية، لكن هل يشترط في المحتسبين العدالة والعدد حتى إنهم إذا شهدوا عند الحاكم بوقوع بعض المنكرات وقعت بيّنة أم يكفي الوثاقة؟ احتمالان، والظاهر الثاني[218]؛ لإطلاقات الأدلة[219] بل صريحها[220]، ولقوله (عليه السلام):«الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك،أو تقوم به البينة»[221] وخبر الثقة في هذه الموارد من صغريات الاستبانة عرفا، والبينة إنما تكون في المنازعات وفي موارد خاصة من الحدود ذكرها الفقهاء في مظانها. نعم إذا وصل الأمر إلى الحاكم عمل بحسب الموازين ولو كان فيهم العدالة والعدد كان أحوط بلا إشكال.

والفيصل في مثل هذه الأمور هو رأي شورى الفقهاء الذين هم أعلى سلطة في الدولة، فما يقررونه هو الذي تأخذ به السلطات التنفيذية والقضائية.

المسألة العشرون: في لزوم العفو عند الشبهة

وهو مايعبر عنه بدرأ الحدود عند الشبهات، والمراد بالحد هنا ماهو أعم من المعين شرعاً، الشامل لما يصطلح عليه الفقهاء بالتعزير، كما أنه أعمّ من مثل القصاص ونحوه، ودرء الحد بالشبهة على طبق القاعدة؛ لكون الحكم لا يترتب إلا إذا تحقق موضوعه لتبعية الحكم للموضوع تبعية المعلول للعلة.

وعليه فإذا كانت هناك شبهة في أن فلاناً مثلاً سارق أو زان أو قاتل أو ما أشبه كيف يجرى عليه الحد؟ والحال أنه لم يثبت موضوعاً أنه كذلك إلا إذا قلنا بأن الحكم يتكفّل موضوعه، أو أجزنا معاقبة الناس على التهمة والظنة، وكلاهما باطلان شرعاً وعقلاً.

هذا ولا يخفى أن المراد من الشبهة أعمّ من شبهة الحاكم أو الشاهد أو الفاعل حكماً أو موضوعاً، كما إذا لم يدر الحاكم أن زيداً سارق، أو أنه درى بالموضوع ولم يدر بالحكم، أو لم يدر الشاهد أنه سارق أم لا، أو لم يدر السارق أنه أخذ المال سرقة، أو لا يدري بأن السرقة حرام. نعم إذا علم الشاهد بالموضوع ولم يدر الحكم مع توفر سائر الشرائط لم يكن من الشبهة على ما فصّله الفقهاء في كتاب القضاء.

وكيف كان، فإنه لا حد مع الشبهة كما دلّت عليه الأخبار، فعن الصدوق قدس سره كما في الفقيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):«ادرأوا الحدود بالشبهات»[222]، والحديث مشهور في كتب الفقه[223]، بل في الرياض هو نص متواتر[224]، وهو محل نظر؛ لكون الرواية بهذا النص مرسلة في الفقيه[225]، ولم يثبت من الصدوق فيه غير ماكان معتبرا، وهذا أعم من التواتر. نعم لعله أراد تواتره معنى؛ لتواتر المضمون في طرق الفريقين، فإنهم رووا عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلّوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة»[226]، وفي رواية أخرى أنه قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعاً»[227]، هذا مضافا إلى ماورد في طرقنا[228].

ولا يخفى أن الحدود بمعناها الأخص معينة ومقررة شرعاً بحسب النص، فلا يجوز تعديها إلى غير مواضعه حتى في المصداق. أما التعزير ففي الوقوف عنده بحسب المنصوص الذي ينصرف منه إلى كل ما يوجب الألم، أو بحسب ما عمل به الأصحاب في التعميم لغير الألم، أو تجاوزه إلى كل ما يحقق غرض العقوبة احتمالات.

 لم يستبعد جمع من الفقهاء منهم السيد الشيرازي رضوان الله عليه في الفقه الدولة أن يراد به ما يوجب الكف والتأديب والعبرة، سواء كان بالضرب أو الحبس أو النفي أو الحجز في البيت، أو ضرب النطاق الاجتماعي حوله، أو بالتغريم أو بالحرمان عن بعض الحقوق، أو بغير ذلك، كمن يخالف المرور مثلاً يمنع عن السياقة يوماً، أو تؤخذ سيارته إلى مكان مجهول يتعبه الوصول إليها، أو العثور عليها، أو إتلاف ما خالف فيه ككسر آنية الخمر، أو الإلقاء في البحر، أو نحوه كهوّة عميقة، أو قطع الراتب، إلى غير ذلك بحسب ما يراه الأكثرية من شورى الفقهاء الذين هم السلطة العليا في الدولة الإسلامية [229]. وإنما لم يستبعدوا الإطلاق في قبال قول المشهور الذين ذهبوا إلى تقييده بما يوجب خصوص الإيلام لوجوه:

 أحدها: فهم عدم الخصوصية من الموارد المخصوصة المنصوصة.

 وثانيها: التأسي بهم (عليهم السلام) حيث عملوا بمختلف أنواع الردع.

 وثالثها: قانون الأهم والمهم، حيث إن تعزير عشرة آلاف إنسان في كل يوم مثلاً في بلد من البلدان التي يكثر فيها مخالفة المرور يوجب سوء سمعة الإسلام واشمئزاز الناس من الدولة الإسلامية، بخلاف مثل سجن يوم، أو تغريم دينار، أو الحرمان بعض الوقت من السياقة، إلى غير ذلك من الأمثلة والنماذج.

هذا ولعل مما يؤيد ذلك طائفة من الشواهد والنصوص التي ربما يستفاد منها الملاك عرفاً في التوسعة.

 منها: هدم مسجد ضرار وحرقه مع أنه كان مالاً، فقد روى المفسّرون أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) عند قدومه من تبوك وجّه عاصم بن عوف العجلاني ومالك بن الدخشم، فقال لهما: «انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرّقاه»، وفي رواية أخرى «أنه بعث عمار بن ياسر ووحشيا فحرقاه، وأمر بأن يتخذ كناسة تلقى فيه الجيف»[230].

ولعل الجواز نشأ من عدم تحقق عنوان المسجدية الشرعية فيه؛ لكونه بني على أساس من الفساد والنفاق والمؤامرة لهدم الإسلام.

ومنها: تهديد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحرق بيوت بعض المنافقين لتخلفهم عن الصلوات، حيث إنه ورد في بعض الروايات أنه قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «لينتهين أقوام لا يشهدون الصلاة، أو لآمرن مؤذناً يؤذن ثم يقيم، ثم لآمرن رجلاً من أهل بيتي وهو علي بن ابي طالب فليحرقن على أقوام بيوتهم بحزم الحطب لأنهم لا يأتون الصلاة»[231].

 ومن الواضح أن هؤلاء كانوا لا يأتون الصلاة نكاية في الإسلام ونفاقاً، وإلا فإن الحضور إلى صلاة الجماعة أو في المسجد أمر مستحب لا واجب، وكيف كان فإنه إذا لم يكن جائزاً شرعاً لم يكن وجه للتهديد؛ لأنه إخافة وعقوبة ولو مخففة.

وقد ذكر الفقهاء في بعض مباحث الفقه أن تهديدات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وورود بعض الخشونة في الكلام ــ كما قد يظهر من بعض آيات القرآن الحكيم وكلمات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ــ كان لمصلحة أهم، كقوله سبحانه: {عتل بعد ذلك زنيم}[232] وما أشبه؛ وذلك لكونهم كانوا يديرون دولة كبيرة جداً تعادل تسع دول في زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأكثر من أربعين دولة في زمان علي (عليه السلام) بحسب الحدود الزمنية في هذا الزمان، إذا لاحظنا الحدود بالنسبة إلى الخرائط الجغرافية المجعولة الآن[233]، وهل يمكن إدارة مثل هذه الدولة الكبيرة بمثل السيف والسوط وما أشبه؟ وحيث إنهم (عليهم السلام) ما كانوا يريدون الخشونة في العمل اضطروا إلى الكلام الخشن جمعاً بين إدارة الدولة والاضطرار إلى إحدى الخشونتين مما اختاروا أقلهما، ومن هذه النصوص والشواهد ما في كتاب وقعة صفين من أن علياً (عليه السلام) هدم بعض دور المنافقين الذين التحقوا بمعاوية[234].

 ومنها: ما ورد في الكفارات المالية كعتق الرقبة أو التصدق بمال أو إطعام مسكين أو مساكين أو كسوتهم[235]، فإنها جميعاً تصرف في المال، وتتضمن العقوبة تأديبا.

ومنها: ما ورد في ذبح البهيمة الموطوءة وإحراقها بالنار[236]، فإنه نكال بصاحبها.

ولا يقال: إن البهيمة غير مذنبة فلماذا تذبح بجناية صاحبها؟ فإنه يقال: إن ذلك لمصلحة أهم كما إذا تمرّضت مرضاً معدياً يخشى منها على الناس فإن العقلاء يذبحونها او يقتلونها لكيلا تسري العدوى إلى الناس مع أنها ليست مذنبة، ومن الواضح أن الانحرافات الأخلاقية أسوأ من الانحرافات الجسدية بحسب تفاوت الروح والجسد كما هو واضح.

ومنها: ما رواه السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قضى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيمن سرق الثمار في كمّه «فما أكل منه فلا شيء عليه، وما حمل فيعزّر ويغرم قيمته مرتين»[237]، وربما توجه غرامة القيمة مرتين بوجوه:

أحدها: جهة ما أكل وما حمل؛ لأن جواز الأكل مشروط بعدم الحمل.

ثانيها: جهة أن الثمر لم يكن ناضجاً فقيمته حين النضج ضعف قيمته قبله عادةً، فيغرّم الأكثر؛ لأنه معتدٍ.

ثالثها: أنه يغرّم القيمتين لأدلة الضمان في التلف والضرر؛ لأ نه فوّت على المالك القيمة المضاعفة كما يراه العرف كذلك، فمثلاً: إنسان زرع أرضه بما صارت قيمته مائة، وإذا بقي الزرع إلى حين الحصاد صارت قيمته ألفاً، فاذا أساء غاصب وقلع الزرع فلا يمكن الاستفادة من الأرض بعد ذلك، فإنه ينبغي أن يغرم الألف؛ لأنه بالإضافة إلى دليل «من أتلف مال الغير بلا إذن منه فهو له ضامن»[238] الشامل لقيمة الزرع حالاً مشمول لدليل لا ضرر بما فوّت من النفع؛ لأنه عرفاً سبب ضرر التسعمائة عليه.

ومنها: ما رواه مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) رفع إليه رجل عذب عبده حتى مات، فضربه مائة نكالاً، وحبسه سنة، وأغرمه قيمة العبد فتصدّق بها عنه»[239].

ومنها: ماورد عن الصادق (عليه السلام) في رجل قتل مملوكه. قال: «إن كان غير معروف بالقتل ضرب ضرباً شديدا وأخذ منه قيمة العبد، ويدفع إلى بيت مال المسلمين، وإن كان متعودا للقتل قتل به»[240].

ومنها: ما ورد من التبعيد والحلق في الزاني [241].

ومنها: ما ورد في تبعيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحكم ومروان بن الحكم في قصة مشهورة من المدينة [242].

ومنها: ما ورد في الانعتاق بسبب الجناية بالنسبة إلى المملوك، فعن جعفر بن محبوب عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كل عبد مثّل به فهو حرٌّ»[243].

ومنها: ما عن دعائم الإسلام عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «إذا قتل الرجل عبده أدبه السلطان أدباً بليغاً.... فإن مثّل به عوقب به وعتق العبد عليه»[244].

ومنها: ما ورد في التضييق في المأكل والمشرب لمن أجرم ثم فرّ إلى الحرم الشريف[245].

ومنها: ما ورد في وجوب الفصل بين الزوج والزوجة في الحج عقوبة للجماع[246].

ومنها: ما ورد في ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحصار الاجتماعي على الثلاثة الذين خلّفوا[247] كما ذكره القرآن الحكيم.

ومنها:ما ورد في الهجر للمرأة الناشزة في المضجع[248].

ومنها: ما ورد في طواف المجرم في الأسواق والنداء عليه تنكيلاً به، كما كتبه مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى رفاعة قاضيه بالأهواز في ابن هرمة حيث خان خيانة عظيمة[249].

ومنها: التطويف في شاهد الزور، كما روى غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (عليه السلام): «أن علياً (عليه السلام) كان إذا أخذ شاهد زور فإن كان غريباً بعث به إلى حيه، وإن كان سوقياً بعث به إلى سوقه فطيف به، ثم يحبسه أياماً، ثم يخلي سبيله»[250].

ومنها: ماورد في سيرة امير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان:

يحبس جهال الأطباء، ومفاليس الأكرياء، وفسّاق العلماء، حراسة منه للأديان والأبدان والأموال [251]،إلى غير ذلك من الشواهد والأدلة التي ربما تدل على أن التعزير أمره بيد الحاكم يمكنه أن يطبقه على حسب مايراه من المصلحة.

* فصل من كتاب فقه الدولة

وهو بحث مقارن في الدولة ونظام الحكم على ضوء الكتاب والسنة والأنظمة الوضعية

** استاذ البحث الخارج في حوزة كربلاء المقدسة

*** للاطلاع على فصول الكتاب الاخرى

http://www.annabaa.org/news/maqalat/writeres/fadelalsafar.htm

............................................

[1] الفقه كتاب السياسة: ج106 ص26- 27 ؛ وانظر مهذب الاحكام: ج27 ص31 ؛ الشرائع: القسم الرابع ص318؛ مسالك الافهام: ج13 ص300؛ ايضاح الفوائد: ج4 ص300 ؛ الدروس: ج2 ص67 ؛ الجواهر: ج40 ص60.

[2] انظر مهذب الاحكام: ج27 ص39.

[3] الكافي: ج1 ص68 ح10 ؛ التهذيب: ج6 ص302 ح845 ؛ الوسائل: ج27 ص106 ح33334 باب9 من ابواب صفات القاضي وفيه: ينظر الى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما به، المجمع عليه عند اصحابك فيؤخذ به من حكمنا، ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند اصحابك، فان المجمع عليه لا ريب فيه» ؛ وفي عوائد الايام: خذ بما اشتهر بين اصحابك»: ص466.

[4] انظر البحار: ج72 ص101 ح32 وح24 وح25؛و ص103 ح34.

[5] البحار: ج72 ص101 ح26 ؛ وص104 ح38؛ وص105 ح41.

[6] المناهل: القضاء ص696حجري.

[7] انظر المختلف: ج8 ص400- 407 مسألة11.

[8] الشرايع: القسم الرابع ص320 ؛ الدروس: ج2 ص73 ؛ الرياض: ج15 ص38.

[9] الفقهكتاب القضاء: ج84 ص114 ؛ مهذب الاحكام: ج27 ص57.

[10] مسالك الافهام: ج13 ص373.

[11] مجمع الفائدة والبرهان: ج12 ص38.

[12] الجواهر: ج40 ص77- 78.

[13] المختلف: ج8 ص429 ؛ مسالك الافهام: ج13 ص374.

[14] المبسوط: ج8 ص97- 98.

[15] مجمع الفائدة والبرهان: ج12 ص38.

[16] الفقهكتاب القضاء: ج84 ص114.

[17] سورة آل عمران: الآية159.

[18] مسالك الافهام: ج13 ص373.

[19] المغازي: ج1 ص48- 49 وص53 ؛ مناقب آل ابي طالب: ج1 ص187.

[20] المغازي: ج1 ص130- 131 ؛ السيرة النبويةلابن هشام: ج2 ص658.

[21] المغازي: ج1 ص209- 210؛ السيرة النبويةلابن هشام: ج3 ص67 ؛ مناقب آل ابي طالب: ج1 ص191.

[22] مناقب آل ابي طالب: ج1 ص197؛ البحار: ج41 ص88 ح21.

[23] المغازي: ج2 ص440؛ السيرة النبويةلابن هشام: ج3 ص234- 235.

[24] المبسوط: ج8 ص98.

[25] المختلف: ج8 ص430.

[26] مسالك الافهام: ج13ص372.

[27] الفقهكتاب القضاء: ج84 ص114.

[28] مستدرك الوسائل: ج17 ص348 ح21542.

[29] المصدر نفسه.

[30] المصدر نفسه.

[31] الكافي: ج7 ص414 ح6؛ التهذيب: ج6 ص227 ح545 ؛ الفقيه: ج3 ص7 ح2 يجلسهما.

[32] الكافي: ج7 ص395 الاحاديث1- 3 ؛ التهذيب: ج6 ص242- 243 ح602.

[33] مسالك الافهام: ج14 ص190 ؛ الرياض: ج15 ص280 ؛ النهاية ونكتها: ج2 ص53 ؛ الشرايع: القسم الرابع ص374 ؛ الدروس: ج2 ص127 ؛ وانظر الفقهكتاب الشهادات: ج86 ص118- 121.

[34] انظر الفقهكتاب السياسة: ج106 ص29.

[35] الفقهكتاب القضاء: ج84 ص149.

[36] انظر الفقهكتاب الدولة الاسلامية: ج101 ص141- 142.

[37] سورة البقرة: الآية185.

[38] الكافي: ج5 ص494ح1 ؛ الفقيه: ج1 ص9- 10 ح16.

[39] الكافي: ج1 ص67 ح10.

[40] الكافي: ج7 ص412 ح4.

[41] انظر الفقهكتاب القضاء: ج84 ص167.

[42] الوسائل: ج27 ص239ح33678 الباب6 من ابواب كيفية الحكم.

[43] الفقهكتاب الدولة الإسلامية: ج101 ص160- 161.

[44] الكافي: ج1 ص67 ح10؛ الوسائل: ج1 ص34 ح51 باب2 من ابواب مقدمة العبادات.

[45] الشرايع: القسم الرابع ص320 ؛ مسالك الافهام: ج13 ص368- 369 ؛ الدروس: ج2 ص71 ؛ الرياض: ج15 ص28 ؛ الجواهر: ج40 ص74؛ مهذب الاحكام: ج27 ص59 ؛ الفقهكتاب القضاء: ج84 ص112- 113.

[46] الفقيه: ج3 ص61 ح211 ؛ انظر الوسائل: ج27 ص274 ح33759 باب18 من ابواب كيفية الحكم.

[47] انظر الفقيه: ج3 ص62- 63 ح212.

[48] الفقه كتاب الدولة الاسلامية:ج 101 ص163

[49] شرح نهج البلاغة: ج 15 ص245

[50] النهاية في غريب الحديث والاثر: ج3 ص456 فضل

[51] النهاية في غريب لحديث والاثر: ج3 ص456.

[52] تاج العروس ج 8 ص63 فضل؛ وانظر لسان العرب: ج11 ص527 فضل ؛ المعجم الوسيط: ج2 ص693 فضل

[53] اقرب الموارد: ج 4 ص 176.

[54] علل الشرائع: ج1 ص295 ــ 296 ؛ البحار: ج6 ص60 ح1؛ الفقهكتاب الدولة الاسلامية: ج101 ص164.

[55] سليم بن قيس الهلالي: ص752 ح25 ؛ البحار: ج86 ص196 ح43.

[56] تحف العقول: ص290.

[57] نهج البلاغة: ص439 الكتاب53.

[58] نهج البلاغة: ص441 الكتاب53 ؛ البحار: ج75 ص309 ح1.

[59] في رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: كان علي(عليه السلام) يقول: لا يحبسن في السجن إلا ثلاثة: الغاصب، ومن أكل مال اليتيم ظلما، ومن أئتمن على أمانة فذهب بها، وإن وجد شيئا باعه غائبا كان أو شاهدا» الوسائل: ج27 ص295 ح33783 باب26 من أبواب كيفية الحكم. وفي رواية حريز أن أبا عبد الله(عليه السلام) قال: لا يخلد في السجن إلا ثلاثة: الذي يمسك على الموت يحفظه حتى يقتل، والمرأة المرتدة عن الإسلام، والسارق بعد قطع اليد والرجل»؛ الوسائل: ج27 ص300- 301 ح33796 باب 32 من أبواب كيفية الحكم.

وفي رواية غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه: أن عليا(عليه السلام) كان يحبس في الدين، فإذا تبين له حاجة وإفلاس خلى سبيله حتى يستفيد مالا» الوسائل: ج18 ص418 ح23960 باب7 من كتاب الحجر؛ وانظر المصدر نفسه: ص416 ح23958 باب6 من كتاب الحجر.

[60] انظر ممارسة التغيير: ص144 ؛ الفقهكتاب الحقوق: ج100 ص348- 354.

[61] انظر احكام السجون: ص45.

[62] الغارات: ص79 ؛ لسان العرب: ج6 ص74 خيس ؛ احكام السجون: ص46 ــ 47 ؛ ممارسة التغيير: 145.

[63] عوالي اللآلي: ج2 ص54 ح145.

[64] نهج البلاغة: ص418 الكتاب 45.

[65] الوسائل: ج20 ص352 ح25806 باب 28 من ابواب النكاح المحرم وما يناسبه.

[66] البحار: ج21 ص106 وص132 ح22.

[67] سورة الاحزاب: الآية 21.

[68] الوسائل: ج15 ص79 ح 20020باب 25 من ابواب جهاد العدو وما يناسبه؛ البحار: ج32 ص329.

[69] نهج البلاغة: ص57 الخطبة 15.

[70] انظر الفقه كتاب الحكم في الاسلام:ج99ص113 ــ 115بتصرف.

[71]الوسائل: ج28 ص148 ح34436 باب 44 من ابواب حد الزنا.

[72] الوسائل: ج28 ص47 ح34179باب 24 من ابواب مقدمات الحدود.

[73] انظر مهذب الاحكام: ح27 ص226 ؛ الفقه كتاب الحدود والتعزيرات: ج87ص29.

[74] انظر الفقه كتاب القانون: ص317.

[75] الفقه كتاب الحكم في الاسلام: ج99 ص115 ــ 116 بتصرف.

[76] لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): الناس مسلطون على اموالهم» البحار: ج2 ص272 ح7.

[77] الفقيه: ج3 ص147 ح648.

[78] المكاسب: ج2 ص275 ؛ جامع المدارك: ج4 ص162؛ بيان الاصول: ج5 ص67 ــ 68؛ منتهى الدراية: ج6 ص630 ؛ الاصول: ج2 ص260.

[79] انظر القواعد الفقهية: ج1 ص201 ؛ بيان الاصول: ج5 ص608 ؛ منتهى الدراية: ج6 ص629-630.

[80] انظر قاعدة لاضرر ادلتها ومواردها: ص234-238.

[81] كتزريق الناس باللقاحات ضد الأمراض المعدية مثلا.

 

[82] الوسائل: ج27 ص137 ح33416 باب11 من ابواب صفات القاضي.

[83] نهج البلاغة: ص438 الكتاب 53.

[84] المصدر نفسه.

[85] مجمع البحرين: ج5 ص486 نكل ؛ لسان العرب: ج11 ص677 نكل.

[86] الوسائل: ج18 ص334 ح23793 باب8 من ابواب الدين والقرض.

[87] دعائم الاسلام: ج2 ص424 ح 1476.

[88] الاستبصار: ج3 ص47 ح3.

[89] المصدر نفسه: ج3 ص47 ح2.

[90] الاستبصار: ج3 ص47 ح1.

[91] الاستبصار: ج3 ص47-48 ح156.

[92] الفقه كتاب الحكم في الاسلام: ج99 ص121.

[93] المخروّة: موضع الخراء. لسان العرب: ج1 ص65 خرأ.

[94] التهذيب: ج10 ص48 ح175 ؛ الوسائل: ج28 ص145 ح34429 باب40 من ابواب حد الزنا.

[95] الفقه كتاب الحكم في الاسلام: ج99 ص121.

[96] المصدر نفسه.

[97] البحار: ج25 ص175 -176 ح1.

[98] الوسائل: ج28 ص150 ح34442 باب48 من ابواب حد الزنا.

[99] الوسائل: ج27 ص301 ح33798 باب32 من ابواب كيفية الحكم واحكام الدعوة.

[100] الوسائل: ج27 ص334 ح33870 باب15 من كتاب الشهادات.

[101] انظر الفقه كتاب الحكم في الاسلام: ج99 ص121-122.

[102] مثل قوله سبحانه {فمن اضطر غير باغ ولاعاد فلا اثم عيه} سورة البقرة: الآية 173.

[103] الوسائل: ج28 ص14 ــ 16 ح34099 وح 34100 وح34101 باب2 من ابواب مقدمات الحدود.

[104] مجمع البحرين: ج3 ص34 حدد؛ وانظر مجمع البيان: ج1 ص280 ذيل الآية 187 من سورة البقرة.

[105] لسان العرب: ج3 ص140 حدد ؛ وانظر المصباح المنير: ص 124 حدد.

[106] سورة البقرة: الآية 229

[107] مجمع البحرين: ج3 ص34 وفيه: قد حصرها الشهيد الأول في رسالته الفرضية والنفلية بما يبلغ العدد المذكور.

[108] الوسائل:ج28 ص16 ح43103 باب 2 من ابواب مقدمات الحدود.

[109] الشرايع: القسم الثاني ص412.

[110] مسالك الافهام: ج14 ص 457.

[111] الجواهر: ج41 ص448.

[112] المصدر نفسه.

[113] الرياض: ج16 ص62.

[114] الفقه الحدود والتعزيرات: ج87 ص 414.

[115] مهذب الاحكام: ج27 ص26 ؛ الفقه كتاب القضاء: ج84 ص 105 ؛وانظر الكافي في الفقهضمن الينابيع الفقهية كتاب القضاء والشهادات: ص55 – 56.

[116] انظر الفقه كتاب القضاء: ج84 ص105.

[117] نهج البلاغة: ص 82 الخطبة 40.

[118] انظر الفقه كتاب الحدود والتعزيرات: ج88 ص269 – 271.

[119] السيرة الحلبية: ج3 ص504 ؛ اسد الغابة: ج4 ص21؛ مجمع البيان: ج2 ص524 ذيل الآية 155 من سورة ال عمران؛ وتفسير نور الثقلين: ج1 ص479 ح402 وح 403 ؛ الارشاد: ج1 ص82 – 84.

[120] انظر مناقب آل ابي طالب: ج2 ص114 ؛ تلخيص الشافي: ج2 ص274 – 275 ؛ شرح المقاصد: ج5 ص305 – 308.

[121] في المناقب: روى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) المخالف والمؤالف: ياعلي حربك حربي، وسلمك سلمي». ومعلوم انه (صلى الله عليه وآله وسلم)انما اراد ان احكام حربك تماثل احكام حربي، ولم يرد ان احد الحربين هو الاخر؛ لان المعلوم ـ -خلاف ذلك، واذا كان حرب النبي كفرا كان ذلك في حربه (عليه السلام) ايضا. انظر مناقب آل ابي طالب: ج3 ص217 ؛ البحار: ج40 ص177 ح59. وعن ابن مجاهد في التاريخ، والطبري في الولاية، والديلمي في الفردوس، واحمد في الفضائل، والاعمش عن ابي وائل، وعن عطية عن عائشة، وقيس عن ابي حازم عن جرير بن عبد الله قالوا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): علي خير البشر فمن ابى فقد كفر» انظر المصدر نفسه: ص67. وباسانيد عدة: سئل جابر وحذيفة عن علي (عليه السلام) فقالا: علي خير البشر لايشك فيه الا كافر، وروى عطاء عن عائشة مثله، ورواه سالم بن ابي الجعد عن جابر باحد عشر طريقا. المصدر نفسه: ص67، وفي البحار عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): من فارقني فقد فارق الله، ومن فارق عليا فقد فارقني» انظر البحار ج32 ص 326.

[122] انظر تلخيص الشافي: ج2 ص274 ؛ وانظر كشف المراد: ص423.

[123] سورة الحجرات: الآية 9.

[124] الكافي: ج1 ص377 ح3 ؛ وص376 ح1 و ح2 ؛ وانظر صحيح مسلم: ج4 ص 126 ح58 ؛ وص125 ح56 ؛ شرح المقاصد: ج8 ص 239.

[125] شرح المقاصد: ج5 ص306.

[126] المصدر نفسه: ص307 – 308 وقد اختلفوا في حكم محاربيه (عليه السلام): فقال قوم: هم بغاة، وقال قوم: هم فسقة. انظر شرح المواقف: ج8 ص374.

[127] سورة الانفال: الآية 57.

[128] مسالك الافهام: ج14 ص470.

[129] النهاية ونكتها: ج3 ص291.

[130] الشرايع: القسم الثاني ص414 الرابعة.

[131] المختلف: ج9 ص 161.

[132] مسالك الافهام: ج14 ص470.

[133] الوسائل: ج28 ص36 ح34154 باب 16 من ابواب مقدمات الحدود.

[134] المصدر نفسه: ص37 ح34157.

[135] المصدر نفسه: ص36 ح 34155.

[136] المصدر نفسه: ص37 ح34158.

[137] المصدر نفسه: ص39 ح 34162 باب 17 من ابواب مقدمات الحدود.

[138] انظر المصدر نفسه: ص38-39 ح34160 وح34161.

[139] انظر المختلف: ج9 ص162.

[140] الفقه كتاب الحدود والتعزيرات: ج87 ص418.

[141] انظر مهذب الاحكام: ج27 ص257 ؛ السبيل الى انهاض المسلمين: ص212 – 213.

[142] الفقه كتاب الحدود والتعزيرات: ج88 ص 60-91 ؛ ممارسة التغيير ص449 – 451.

[143] انظر السبيل الى انهاض المسلمين: ص262 – 263.

[144] المبسوط: ج8 ص66.

[145] السرائر: ج3 ص354.

[146] القواعد: ج3 ص548.

[147] كشف اللثام: ج3 ص415.

[148] الخلاف: ج5 ص 497.

[149] الجواهر: ج41 ص448 -449.

[150] الفقه كتاب الدولة الاسلامية: ج101 ص182.

[151] انظر الفقه كتاب الدولة الاسلامية: ج101 ص185-186.

[152] سورة ص: الآية 39.

[153] تحف العقول: ص356.

[154] الكافي: ج2 ص108ح5.

[155] الكافي: ج2 ص108 ح6.

[156] الكافي: ج2 ص108 ح9.

[157] نهج البلاغة: ص427-428 الكتاب 53.

[158] الوسائل: ج15 ص174 ح20226 باب 3 من ابواب جهاد النفس.

[159] تحف العقول: ص235 ؛ البحار: ج75ص233ح40.

[160] البحار: ج68 ص423 ح62.

[161] غرر الحكم: ج2 ص31.

[162] شرح نهج البلاغة: ج1 ص23.

[163] لسان العرب: ج11 ص580 قيل.

[164] تاج العروس: ج8 ص92 قيل.

[165] سورة المزمل: الآية 10.

[166] سورة ال عمران: الآية 134.

[167]سورة المؤمنون: الآية 96.

[168] سورة المائدة: الآية 13.

[169] سورة الحجر: الآية 85.

[170] سورة الاعراف: الآية 199.

[171] وهو كتاب امير المؤمنين (عليه السلام) الى واليه مالك الاشتر حين ولاّه على مصر وقد مر علينا فراجع.

[172] عوالي اللآلي: ج2 ص158 ح436 ؛ الاستبصار: ج4 ص252 ح955 ؛ الوسائل: ج28 ص41 ح34165 باب 18 من ابواب مقدمات الحدودواحكامها.

[173] الوسائل: ج28 ص250-251 ح34684 باب 3 من ابواب حد السرقة.

[174] المقنعة: ص777.

[175] الكافي في الفقه: ص407.

[176] الغنية: ص424.

[177] الفقه كتاب الدولة الاسلامية: ج101، ص183.

[178] الرياض: ج13 ص126 ؛ الجواهر: ج35 ص104 ؛ مهذب الاحكام:ج21 ص240 ؛ الفقه كتاب التدبير والمكاتبة: ج73 ص358.

[179] الدروس: ج3 ص128.

[180] مسالك الافهام: ج11 ص89.

[181] الكافي: ج7 ص274 ح2.

[182] الفقيه:ج4 ص67 ح199.

[183] الكافي: ج7 ص260 ح2.

[184] الكافي: ج7 ص261 ح6.

[185] التهذيب: ج10 ص128 ح511.

[186] الكافي: ج7 ص223 -224 ح9.

[187] دعائم الاسلام: ج2 ص466 ح1655.

[188] دعائم الاسلام: ج2 ص469 ح1669.

[189] دعائم الاسلام: ج2 ص408 ح1420؛ مستدرك الوسائل: ج18 ص273 ح22728 باب11 من ابواب دعوى القتل.

[190] مسند زيد بن علي: ص335 ؛ وانظر البحار: ج30 ص679.

[191] أذلقها الصوم: أي جهدها وأذابها وأقلقها، وقال ابن شميل: أذلقها الصوم أحرجها... وفي حديث ايوب (عليه السلام) أنه قال في مناجاته: أذ لقني البلاء فتكلمت، أي جهدني. لسان العرب: ج10 ص111 ذلق.

[192] الفقه كتاب الدولة الاسلامية: ج101 ص196 ؛ البحار: ج19 ص333 ح83.

[193] السيرة النبوية لابن هشام: ج4 ص40-41.

[194] مجمع البحرين: ج2 ص117 عذب.

[195] لسان العرب: ج1 ص585 عذب ؛ مفردات الفاظ القران الكريم: ص555 عذب ؛ تاج العروس: ج1 ص370 عذب.

[196] البحار: ج76 ص203 ح 1.

[197] وقد عبر البعض عنه بالغوغاء، وهو في اللغة السفلى من الناس المتسرعين الى الشر، ويجوز ان يكون من الغوغاء: الصوت والجلبة لكثرة لغطهم وصياحهم انظر لسان العرب: ج8 ص444 غوغ ؛ المعجم الوسيط: ج2 ص666 غوغ.

[198] الكافي: ج7 ص370 ح5.

[199] دعائم الاسلام: ج2 ص539 ح1916.

[200] الغارات: ج1 ص223 ؛ وانظر شرح نهج البلاغة: ج3 ص148.

[201] الغارات: ج1 ص223 ؛ وانظر تاريخ الطبري: ج5 ص131.

[202]الشرائع: القسم الرابع ص469.

[203] الجواهر: ج42 ص277.

[204] المختلف: ج9 ص318 مسألة 24.

[205] الفقه كتاب الحقوق: ج100ص348 ــ 350 ؛ ممارسة التغيير ص143-150.

[206]انظر ممارسة التغيير: ص145-150 بتصرف.

[207] سورة الانعام: الآية 164؛ وانظر مجمع البيان: ج4 ص392 في تفسير الآية؛ تفسير الفخر الرازي: ج14 ص12 في تفسير الآية.

[208] البحار: ج75ص202ح33.

[209] الكافي: ج2 ص358-359 ح2 ؛ معاني الاخبار: ص255ح2.

[210] مستدرك الوسائل: ج12 ص427ح14516 باب 34من ابواب الامر بالمعروف.

[211] الكافي: ج2 ص355 ح4.

[212] الكافي: ج2 ص351-352 ح6.

[213] الكافي: ج7 ص185 ح6.

[214] الوسائل: ج28 ص38 ح34159 باب16 من ابواب مقدمات الحدود.

[215] الكافي: ج7 ص188 ح3؛ الوسائل: ج28 ص36 ح34155 باب16 من ابواب مقدمات الحدود.

[216] دعائم الاسلام: ج2 ص538 ح1913.

[217] المناقب: ج2 ص112.

[218] انظر الفقه كتاب البيع: ج5 ص68 ــ 69؛ المكاسب: ج3 ص565 ــ 566؛ ومهذب الاحكام: ج16 ص381.

[219] الوسائل: ج19 ص422 ح24878 باب88 من احكام الوصايا.

[220] الوسائل: ج19 ص422 ح24879 باب88 من احكام الوصايا.

[221] الكافي: ج5 ص315 ح40.

[222] الفقيه: ج4 ص53 ح190.

[223] انظر الشرايع: القسم الرابع ص415؛ مسالك الافهام: ج14 ص480؛ الجواهر: ج41ص481؛ الروضة البهية: ج3 ص242؛ الرياض: ج16 ص130؛ مهذب الاحكام: ج27 ص226؛ الفقه كتاب الحدود والتعزيرات: ج87 ص373.

[224] الرياض: ج16 ص147.

[225] الفقيه: ج4 ص53 ح190.

[226] نيل الاوطار: ص1472 ح3149.

[227] المصدر نفسه: ح3148 ؛ سنن ابن ماجه: ج2 ص850 ح2545.

[228] انظر الفقيه: ج3 ص6 ح2؛ الفقيه: ج4 ص53 ح15؛ الوسائل: ج28 ص110 وص47 ح34181 باب 26 من ابواب مقدمات الحدود ح34340 و ح34343؛ باب 18 من ابواب حد الزنا.

[229] الفقه كتاب الدولة الاسلامية: ج101 ص204 – 205 بتصرف».

[230] انظر مجمع البيان: ج5 ص 73 تفسير الآية 108 من سورة التوبة؛ تفسير نور الثقلين: ج3 ص172 ــ 173 ح354 ؛ البحار: ج21 ص254 ــ 255.

[231] الوسائل: ج5 ص195 ح6315 باب 2 من ابواب احكام المساجد.

[232] سورة القلم: الآية 13.

[233] انظر تاريخ التمدن الاسلامي: ج1 ص75 – 76 وص80.

[234] الوسائل: ج28 ص329 ح 34877 باب 3 من ابواب حد المرتد.

[235] الروضة البهية: ج2 ص 119 – 120.

[236] الوسائل: ج28 ص 357 ح 34961 باب 1 من ابواب نكاح البهائم ووطء الاموات والاستمناء ؛ الكافي: ج7 ص204 ح3 ؛ التهذيب: ج10 ص60 ح218.

[237] الكافي: ج7 ص230 ح 3.

[238] وهي قاعدة تعد من ضروريات الفقه دلت عليها طائفة من الايات والروايات. انظر سورة الشورى: الآية 40؛ سورة البقرة: الآية 194؛ الوسائل: ج27 ص327 ح33855 باب 11 من ابواب الشهادات؛ وج29 ص243 ــ 244 ح35543 وح 35544 باب 9 من ابواب موجبات الضمان؛ وفي قواعد البجنوردي: ان هذه القاعدة مما اتفق عليها الكل ولاخلاف فيها، بل يمكن ان يفال: انها مسلمة بين جميع فرق المسلمين، وربما يقال: انها من ضروريات الدين، انظر القواعد الفقهية: ج2 ص17.

[239] الكافي: ج7 ص303 ح6.

[240] الكافي: ج7 ص303 ح7.

[241] الوسائل: ج28 ص122 ح 34376 باب 24 من ابواب حد الزنا.

[242] الغدير: ج8 ص243 ؛ انساب الاشراف: ج6 ص255 -256.

[243] الكافي: ج6 ص189 ح1.

[244] دعائم الاسلام: ج2 ص409 ح1427.

[245] الوسائل: ج13 ص225 ح17607 باب 14 من ابواب مقدمات الطواف.

[246] الوسائل:ج13 ص110 ح17360 باب 3 من ابواب كفارات الاستمتاع ؛ انظر جامع مناسك الحج: ص277.

[247] مجمع البيان: ج5 ص80 ذيل الآية 118 من سورة التوبة.

[248] الوسائل: ج21 ص517 ح27733 باب 6 من ابواب النفقات.

[249] دعائم الاسلام: ج2 ص532 ح1892.

[250] الوسائل: ج27 ص334 ح33870 باب 15 من ابواب كتاب الشهادات.

[251] الجامع للشرايع: ص568؛ الوسائل: ج27 ص301 ح33798 باب 32 من ابواب كيفية الحكم. والاكرياء: جمع الكري وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل، يراد به المكتري اي المستاجر ؛ انظر لسان العرب: ج15 ص219 كرى

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/شباط/2012 - 16/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م