أنا مهم جدا جدا..

هادي جلو مرعي

في البلاد المتخلفة كالعراق هناك أسباب عديدة تدفع بالفرد ليكون مهما، وخاصة في زمن الفوضى. ومن بين أهم مقومات الشعور بالأهمية الحصول على منصب رفيع، أو وظيفة محترمة، وحتى وظيفة شرطي قد تكون ذات جدوى حين يتمكن من التسلط على رقاب المساكين والفقراء والمحرومين.

يدخل الهاتف النقال في دائرة شعور الفرد بأهميته، وضرورات المحافظة عليها. فتكرار محاولات البعض الإتصال بأشخاص معينين بينما لا يرد هؤلاء على الإتصالات المتكررة يدل على أهمية فائقة لهم. فإذا كنت ترد على إي إتصال عبر الهاتف يرد إليك من أحد فمعنى ذلك إنك شخص قليل الحظ، ولست مهماً.

جربت ذلك كثيرا فأنا أتعمد الرد على أي إتصال، وإذا ما وجدت مكالمة فائتة فأني أسارع للإتصال بمن حاول أن يتصل بي. أولا شعورا مني بإحتمال وجود أمر هام، أو حالة طارئة أو حاجة تستدعي التواصل مع الآخر. وفي حالات لا يكون هاتفي مكتفيا بالرصيد أضطر لأترك المحاولة.

في مرات أتصل بزملاء صحفيين وأكاديميين وسياسيين ونواب في البرلمان ولأسباب مختلفة في غالبها حاجات للعامة من الناس أحاول قضائها، ومن هؤلاء من يرد بيسر وبعضهم أضطر لأبعث برسالة إليه عبر الموبايل أعلمه فيها إني (هادي جلو مرعي) وأجده يتصل لإعتبارات منها أني صحفي وكاتب، وربما أحتفظ بقدر من الأهمية في ظنه.

أقارن بين حال هؤلاء الذين لا يردون على الإتصالات بيسر، وحالي أنا الذي أرد على أي إتصال يردني فأعرف أني لست مهما على الإطلاق، ولو كنت مهما لتعمدت تجاهل الإتصالات تلك ولا أرد إلا على الذين أعرفهم من خلال وجود أرقامهم مسجلة لدي في ذاكرة الهاتف.

أنا لست مهما لأني أرد على إتصال أكثر من واحد عملوا معي من عاملي التنظيف والشاي ومضوا لكنهم يحتفظون برقم هاتفي وأرد على أي سياسي وأي أكاديمي وأي صحفي وأي عامل وأي صديق وأي واحد من أبناء قريتي، وأشعر أن الوزير مهم جدا، وعامل الشاي مهم جدا، وكذلك الموظف والصحفي والصديق وصاحب الدكان ومحل الحلاقة وكل من لديه وظيفة وكل عاطل عن العمل وباحث عنه.

وأعتمد المقولة المأثورة: لا تحتقرن أحدا من الناس فقد يكون ولياً لله ولا تعرفه. ويكفي أن علماء كبارا مسلمين تعلموا العرفان من بقالين وأصحاب دكاكين صغيرة.

تأكد لي بمرور الوقت إن الموضوع ليس متصلا بفكرة (الأهمية) بل بعقد النقص عند البعض، والتعالي والكبر عند البعض والذين يقسمون الناس ويصنفونهم بحسب المصلحة وبحسب المنصب والحضور الوظيفي والعائلي والوجاهة التي يمتلكون. أما من إمتلأ فكراً وعلماً وخلقاً وشبعاً فلا يفرق بين الناس على أساس ما يملكون من مناصب ووجاهات.

وبرغم تفاهة هذا المثل إلا إنه يتماثل وحال تكاثر المزابل في بلادنا وحول مدننا فقد قالوا :لا تكبر سوى المزبلة! المزبلة تكبر بمرور الوقت وبمقدار ما يرمي الناس فيها من بقايا الطعام والفضلات والأغراض الزائدة عن الحاجة.

الناس تكبر بالفضائل.. يا ناس بالفضائل فقط..

[email protected]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/شباط/2012 - 15/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م