مصر... ثورة منقوصة وسلطة مفقودة

كتب المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: تعكس الأحداث في مصر تصاعدًا في وتيرة أعمال العنف بما يهدد الاوضاع التي اتخذتها مصر بالتراجع السياسي والأمني فأن ما كان يميز الأحداث التي راح فيها العشرات من القتلى في إستاد بورسعيد هو وجود اعتقاد بأن هذا العنف كان مخططا له وهناك أدلة تدعم تلك الرؤية وهي أن بوابات خروج الاستاد الذي تم تهريب السكاكين والسيوف إليه، كانت مغلقة، أما بوابات الدخول فبقيت مفتوحة، ولم تحرك قوات الشغب ساكنا على نحو غير معهود.

على الرغم من انتخاب أول برلمان مصري غير أن أعمال القتل والعنف تعطي صورة مصغرة عن موجة جديدة من جرائم مختلفة شهدتها مصر بصورة متكررة مؤخرًا مثل حوادث السطو المسلح على البنوك والمحال التجارية وحادثة خطف سائحتين أمريكتين ومرشدهما السياحي، والذين تم إطلاق سراحهم بعد ساعات من اختطافهم بسيناء.

وفي سياق سياسي على نطاق أوسع تأتي تلك الأحداث بعد أسبوع من رفع حالة الطوارئ في البلاد.

ويرى مراقبون ان الصراع الذي حدث مخطط له وهناك من اطلق سراح المجرمين وهؤلاء نفسهم هم الذين روعوا الطبقة الوسطى في المجتمع المصري بعد ان احتجوا سابقا على استقالة او تنحي مبارك  كما انهم عملوا من قبل على اطلاق النار على الأقباط لإذكاء الصراع الطائفي.

الأحداث في مصر فجرت يومين من العنف وجددت المطالب بنقل فوري للسلطة من العسكر إلى الحكم المدني، مشيرة إلى أن الاختلاف هذه المرة يكمن في أن ثمة برلمانا وأن هذه التجربة هي الأولى بالنسبة له.

ويرى خبراء في صحيفة ذي غارديان البريطانية أن الفوضى التي وقعت أخيرا في مصر أكدت أن الانتفاضة الشعبية لم تكمل مهمتها، لا سيما أن الربيع العربي ما زال في منتصف الشتاء، وأصبحت خيبة الأمل سيدة الموقف، وأن اقتصاد البلاد حيث يعيش 40% من الناس تحت خط الفقر، يجثو على ركبتيه. إلى ضرورة تسليم السلطة إلى المدنيين، وقالت إن مهمة الانتفاضة الشعبية لم تنته بعد.

إن أعمال الشغب التي أسفرت عن 74 قتيلا في مدينة بورسعيد، والمظاهرات الحاشدة خارج مقر وزارة الداخلية، واختطاف سائحتين أميركيتين في سيناء، كلها أحداث توحي بأن الأوضاع في مصر بدأت تخرج سريعا عن السيطرة.

وبعد عام من الثورة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك وعززت الآمال بربيع من الحرية عبر الوطن العربي، ما لبث أن استبد الغضب والتوجس في أنحاء القاهرة. فقد اطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع وبنادق الرش باتجاه المتظاهرين مع استمرار الصدامات لليوم الثالث في القاهرة على خلفية تصاعد الغضب ازاء المجلس العسكري بعد احداث الشغف في استاد بور سعيد وأن رجال الشرطة ردوا على عشرات المتظاهرين الذين رشقوا الحجارة باتجاه الافراد والضباط الذين يحرسون مبنى وزارة الداخلية على بعد مئات الامتار من ميدان التحرير، وذلك قبل أن يتدخل بعض المتظاهرين للفصل بين الجانبين.

ودعا عدد من التيارات والائتلافات السياسية الى تنظيم تظاهرات حاشدة حتى الحادي عشر من هذا الشهر، على أن تتم الدعوة في الحادي عشر من فبراير الموافق ليوم تنحي مبارك  لاضراب عام في قطاعات الدولة كافة لاسقاط المجلس العسكري ونقل السلطة لرئيس مدني منتخب.

ويرى مراقبون أن الإحباط متوقع تماما، فبعد الآمال غير الواقعية بانتهاء عهد الفساد ومع ارتفاع الأسعار واستشراء الفقر المدقع الذي أصاب أكثر من نصف السكان، انتاب فقراء مصر الغضب وخيبة الأمل وضاق صدرهم بما يجري.

فقد تردت أحوالهم بدلا من أن تتحسن العام الماضي، حيث انخفض معدل نمو الاقتصاد المصري من 5% إلى 1%، وتدنت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بشكل مريع من 6.4 مليار دولار أميركي في 2010 إلى 500 مليون دولار في 2011.

وتقلصت احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية من 36 مليار دولار إلى 10 مليارات دولار. وتواجه مصر حاليا أزمة مالية حيث بلغ عجز الموازنة 10% من إجمالي الناتج المحلي. ولعل مبعث القلق الأكبر أن السياحة التي تُعد قوام الحياة بالنسبة للعديد من صغار التجار ومقدمي الخدمات، بدأت تتوارى سريعا.

ويرى مراقبون في قالت صحيفة تايمز البريطانية إن مسؤولية ما جرى تقع رسميا على عاتق رئيس المجلس العسكري الأعلى المشير محمد حسين طنطاوي، الذي بشخصيته المتحفظة وافتقاره لسمات القيادة أقنع الكثيرين بأن هدفه الوحيد هو إبقاء السلطة المطلقة في يد العسكر.

ولم يتضح بعد متى وكيف ستشكل حكومة جديدة بقيادة جماعة الإخوان المسلمين التي فازت بالانتخابات التشريعية الأخيرة، ولا متى وكيف ستضع خطةً للتصدي لمشكلات مصر الاقتصادية المتفاقمة والاضطرابات السياسية.

ولا يملك الغرب من النفوذ ما يحول دون أن تفضي خيبات الأمل إلى استفزاز العسكر لقمع الاحتجاجات أو إلى دفع أي حكومة إسلامية قد تُشكل إلى الحد من جملة من الحقوق والحريات وذلك من منطلق التعصب الديني.

على الغرب أن يصون مساعداته وتجارته، وأن يبقى في حوار وثيق مع العسكر والقادة السياسيين الصاعدين وينصحهم بالاعتدال.

وفوق هذا وذاك ينبغي على الغرب إقناع من تظاهروا في ميدان التحرير العام المنصرم بأن تطلعاتهم لن تذهب أدراج الرياح، وأن توقهم للعدالة لن يطويه النسيان.

ويرى محللون سياسيون إن استمرار العنف في الشوارع المصرية، يعد فشلا ذريعا للحكم العسكري في مصر. وهناك لوم على المجلس العسكري، لعدم معاقبة المسئولين والاكتفاء بإلقاء اللوم على طرف ثالث غير معلوم والحديث دائمًا عن وجود مؤامرة ضد مصر من أجل تخريب البلاد وقتل الأبرياء، الذين يزداد عددهم يومًا بعد يوم في مصر، إلى درجة أن المصريين باتوا يتساءلون كيف لنظام عجز عن تأمين مباراة كرة قدم أن يحكم بلدًا يصل تعدادها إلى أكثر من 80 مليون شخص.

أن مصر تعيش دون سلطة في الوقت الحالي ودون قائد، وما حدث على ملعب بورسعيد كارثة بشرية نادرة، لا تحدث إلا في وجود الإهمال والتقصير والتعمد.

وبحسب محللين أن الخضوع للإرادة العسكرية في حصولها على امتيازات خاصة وعدم مساءلتها القانونية أو البرلمانية  بنص من الدستور  ينطوي على مخاطر كثيرة، مشددة على ضرورة مساءلة السلطات المدنية المنتخبة للجيش، وسحق النفوذ السياسي للجيش سريًّا وعلنيًّا، حتى يزدهر المجتمع المدني دون قيود.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/شباط/2012 - 14/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م