أفريقيا... بين زيادة المستهلكين والتفاوت الاقتصادي

شبكة النبأ: في مقهى بأحد مراكز التسوق في نيروبي يرتشف القهوة كينيون أغنياء بينما يتدفق المتسوقون على المراب بسيارات بي.ام.دبليو اكس 5 وتويوتا لاند كروزر ومرسيدس. وفي الشهر الماضي أعلنت دار سينما قريبة عن مجموعة من أفلام هوليوود منها فيلم كرة الاموال ‪ Moneyball للممثل براد بيت.

يقول كيفن اشلي -وهو من كاليفورنيا وشارك في تأسيس هذه السلسلة من المقاهي التي تعرف باسم جافا هاوس والتي تضم 14 مقهى قبل 13 عاما- ان المبيعات في المقهى الواقع على طريق نجونج ارتفعت في العام الماضي. وأصبحت الطبقة الغنية والطبقة المتوسطة الجديدة في كينيا تقبل على مشروب اللاتيه والمثلجات.

وهذه احدى العلامات على أن دولا افريقية مثل كينيا تتغير. فبالرغم من أن الدول الغنية تواجه تباطؤا الا ان اقتصادات افريقيا جنوب الصحراء من المتوقع أن تحقق نموا بنسبة ستة بالمئة في المتوسط في 2012 بحسب توقعات صندوق النقد الدولي. وأشارت دارسة لمؤسسة التمويل الدولية ذراع البنك الدولي الى أن هناك فرصا تنبع من سكان القارة الذين يتجاوز عددهم مليار نسمة والذين ترك الملايين منهم العمل بالزراعة الى وظائف في المدن خلال السنوات العشر الماضية. وساعد هذا الامل في دفع الاستثمار الاجنبي. وشهدت كينيا وحدها تدفقات رأسمالية بمليارات الدولارات في السنوات الاخيرة اذ تظهر أحدث الارقام الرسمية أن 800 مليون دولار تدفقت على البلاد في 2008. بحسب رويترز.

لكن مظاهر الثراء في مركز التسوق لها وجه اخر. فطفرة الاستهلاك تقوم على ائتمان سريع النمو. وفي كينيا وأماكن أخرى أدى هذا الى تدفق الواردات من السيارات والاحذية والملابس والنبيذ والويسكي واتساع عجز ميزان المعاملات الجارية. ويقترب التضخم في كينيا الان من 20 بالمئة. وكالعادة يكون ارتفاع التضخم أشد وطأة على أفقر المواطنين.

ويوظف جافا هاوس 700 عامل ويعتزم فتح مقاه جديدة قريبا لكن اشلي الذي يمتلك جزءا منه قلق بشأن ارتفاع الاسعار. فقد زادت تكلفة السكر والكهرباء والغاز الى المثلين. وأدى تقلب العملة الى ارتفاع أسعار البن التي تدفع الان بالدولار. وتصل كلفة جوال من البن الاخضر الى 500 دولار ارتفاعا من 150-200 دولار للجوال قبل ثلاث سنوات.

ويقول اشلي "مسألة التضخم القائمة حاليا مرحلة خطيرة." وقد يبدأ الناس الذين يذهبون الى العمل بالحافلة في الذهاب سيرا وقد يلجأ أصحاب السيارات الى الذهاب بالحافلة وقد يقرر الذين كانون يأكلون في جافا أن يأخذوا طعاما الى العمل.

ويقول محللون اقتصاديون ان المستهلكين في افريقيا يجنون الثمار قبل أن تكون اقتصاداتهم مهيأة لذلك. وأصبح مزيد من الناس يلحظون اتساع التفاوت وهو ما قد يذكي الاضطرابات.

وقال علي خان ساتشو وهو تاجر مستقل ومحلل مقيم في نيروبي وينتمي للطبقة المتوسطة "أصحاب أدنى الدخول في المراكز الحضرية في شرق افريقيا يواجهون ضغطا غير مسبوق." وأضاف أن التضخم مصدر قلق كبير. وقال "انه يسبب تأثيرا معاكسا لقصة روبن هود حيث يتحمل الفقراء العبء الرئيسي."

وينظر المستثمرون الغربيون الى افريقيا في السنوات الاخيرة على أنها تشهد طفرة. فبعد أن أدى الطلب من أماكن مثل الصين والبرازيل الى ارتفاع أسعار السلع الاولية أصبح الاستثمار يتدفق على القارة. ومنذ الازمة المالية يتوجه المستثمرون الى افريقيا بحثا عن عوائد أعلى.

وفي كينيا توظف الشركات عاملين وترتفع أسعار العقارات بشكل مطرد مما يخلق حالة من الرضا لدى مالكي المنازل لاسيما في البلدات والمدن. وهذا بدوره يقوي الشهية للسلع الاستهلاكية.

وقال ستيفن ميرفي العضو المنتدب لشركة القلعة للاستثمار المباشر خلال مؤتمر في نيروبي في ديسمبر كانون الاول "افريقيا قارة المستهلكين.

لكن هذا النمو ليس محل ترحيب من الجميع. فقد ارتفعت أسعار الغذاء لاسيما اللحوم بنسبة كبيرة. ويمكن للمرء أن يعرف السبب بسهولة في حقل مغمور بمياه الامطار خارج العاصمة الكينية حيث ينشر المزارع جوزيف كياري السماد على محصول الكرنب بيده من دلو بلاستيكي ويقول ان ارتفاع التكاليف خفض أرباحه بمقدار الثلثين في العام الماضي. وقال كياري "كان هذا عاما فظيعا."

وتقول راضية خان رئيسة بحوث افريقيا لدى بنك ستاندرد تشارترد في لندن ان المشكلة قائمة في عموم افريقيا. وتضيف "تسارع النمو كان مصحوبا في معظم الاماكن بارتفاع الواردات لاسيما واردات السلع الرأسمالية المرتبطة بتطوير البنية التحتية."

ومثل دول افريقية أخرى لم تغتنم كينيا التدفقات الرأسمالية على البلاد لتشجع التصنيع. وقال فولفجانج فنجلر كبير الاقتصاديين في مكتب البنك الدولي لكينيا "من المفيد أن يعتقد الناس أن كينيا مكان جيد لتوجيه أموالهم لكن ما تحتاجه كينيا بصورة ماسة هو استثمارات طويلة الاجل تتجه الى صناعات منتجة."

وخلافا لدول مثل غانا ونيجيريا وزامبيا لا تمتلك كينيا موارد كبيرة من المعادن أو النفط. لكن اقتصادها نما بفضل الاستثمار في البنية التحتية ومنها خدمة الانترنت فائق السرعة. ومن شأن هذا أن يسهم في نشر الثروة كما أنه يدفع بالفعل الاف الكينيين المتعلمين المهرة الذين يعمل العديد منهم في القطاع المالي للعودة الى البلاد.

وساتشو المتعامل والمحلل هو أحد هؤلاء. فقد عاد قبل خمسة أعوام بعد أن عمل لدى العديد من البنوك في لندن وكان يدير في السابق ميزانية عمومية تفوق 17 مليار دولار لبنك سوميتومو.

وحين عاد ساتشو توجه مباشرة الى مومباسا المدينة الساحلية الواقعة على المحيط الهندي. وفي حديقة منزله الخلفية ثبت ساتشو برجا طوله 52 مترا للحصول على اتصال سريع بالانترنت والدخول الى بورصة نيويورك التجارية اذ أن السرعات التي تقدمها شركات الانترنت المحلية أقصاها 32 كيلوبايت في الدقيقة. وأصابت الدهشة جاره الذي سأله ان كان ينقب عن النفط.

لكن في عام 2009 جرى ربط كينيا بالشبكة العالمية من خلال كابل بحري فائق السرعة. وبفضل سياسات جديدة لقطاع التكنولوجيا اجتذبت كينيا استثمارات من شركات مثل فودافون البريطانية وفرانس تليكوم وايسار الهندية. وتنمو حاليا تجارة الهواتف المحمولة.

والان انتقل ساتشو الى نيروبي ويتابع الاسواق العالمية من خلال خدمة الجيل الثالث لشبكات المحمول. وقال "لدي اقتناع قوي بأن التقاء افريقيا ببقية العالم قد بدأ لذلك يجب ألا أكون على الشاطئ بل في خضم الاحداث."

ويميل ساتشو الى الاستهلاك بطريقة ذكية. فهو يحب ارتداء سترات كنالي وربطات العنق هيرميس الغالية ويقود سيارة نيسان باترول رباعية الدفع. وقال ساتشو "أفضل قيادة مازيراتي أو سيارة سريعة لكنها ليست عملية على طرقنا" في اشارة الى أحد المشاكل المزمنة في كينيا.

وفي نهاية المطاف قد يسمح له تطور البنية التحتية بقيادة سيارة مازيراتي. وفي الوقت الحالي يساور المحللين قلق بشأن ما اذا كانت القدرة التصديرية لكينيا ستتمكن من مواكبة الواردات.

وقالت راضية خان "في معظم الاسواق الناشئة الجديدة ... لم نر دليلا كافيا على ذلك ... الصادرات ترتفع لكن ليس بالدرجة الكافية بينما ترتفع الورادات لاسيما من السلع الاستهلاكية بوتيرة أعلى."

ومثل هذه الواردات بالاضافة الى ارتفاع أسعار السلع المحلية مثل الغذاء ترفع التضخم. وهذا يثير قلق أشخاص مثل فيمال شاه وهو هندي كيني من الجيل الثالث أتى جده الى مومباسا في البداية للعمل في خط سكة حديدية بين كينيا وأوغندا. وهو الان يدير شركة بيدكو اندستريز التي أسستها عائلته قبل 25 عاما ويبيع 30 اسما تجاريا من الصابون وزيوت الطعام.

وتتخذ بيدكو من بلدة ثيكا مقرا لها وهي بلدة صناعية تبعد مسيرة نصف ساعة بالسيارة من نيروبي وقد صنعت لها اسما في السبعينات لتصبح "برمنجهام كينيا" بفضل ازدهار مصانع المنسوجات والمخابز ومصانع السيارات.

لكنها في بداية العقد الاول من القرن الحادي والعشرين أصبحت رمزا لتراجع كينيا. وأغلقت مصانع وارتفعت البطالة والفقر. واليوم أصبحت تشبه بلدة كينية ريفية حيث الاسواق في الهواء الطلق تمتلا بالكرنب والبطاطس والشوارع مزدحمة بحافلات صغيرة تعرف باسم ماتاتوس.

وتحملت شركة بيدكو تلك الاوقات العصيبة. ويقول شاه انها تصدر 20 بالمئة من انتاجها الى دول افريقية أخرى بقيمة 40 مليون دولار سنويا. ويعتقد شاه وهو أب لطفل واحد أن كينيا ستصبح قادرة على التصدير الى أسواق في شرق وجنوب افريقيا بفضل التكتلات الاقتصادية الاقليمية.

ويرى فنجلر من البنك الدولي أن كينيا يمكن أن تحول مومباسا الى مركز ملاحي لخدمة منطقة شرق افريقيا التي توجد فيها دول حبيسة سريعة النمو مثل أوغندا ورواندا وجنوب السودان. ويقول شاه وهو في غرفة اجتماعات مجلس الادارة المفروشة بمقاعد جلدية مريحة والمعزولة لتخفيف أصوات الماكينات "هذه فرصة حقيقية ... كل ما ينبغي أن نفعله هو التركيز على تكاليف أعمالنا."

ويضيف أن تكاليف الطاقة والنقل والعمالة تؤثر سلبا على التصنيع والصادرات. وقال "تكلفة الكهرباء لدينا اليوم أكثر من 20 سنتا أمريكيا للكيلووات/ساعة. اذا قارنا هذا مع مصر فتكلفتنا أعلى بثمانية أمثال."

ويعتقد شاه أن أهم شيء لكينيا هو تحويل موادها الخام الى أشياء يمكنها بيعها بمقابل أكبر. وقال "لماذا تصدر القطن اذا كان يمكنك أن تصدر قمصانا.. كل الشاي والبن الذي ننتجه .. ينبغي أن نعبئه ونرسله مباشرة الى ستاربكس."

أو ربما الى مقاه كينية مثل جافا هاوس. ولا يبعد هذا المقهى الواقع على طريق نجونج كثيرا عن منطقة كيبيرا أكبر منطقة عشوائية في نيروبي والتي تفتقر الى الخدمات الاساسية مثل الصرف الصحي. ويشعر العديد من سكان كيبيرا وهم مئات الالاف بالغضب لان أسعار الغذاء ترتفع بينما لا ترتفع الاجور. ويقول العديد منهم ان عائلاتهم تضطر الان الى التخلي عن بعض الوجبات.

قبل عام كان يمكن شراء فطور وغداء وعشاء بنحو 300 شلن (3.48 دولار) لكن جين موالوجا وهي أم متزوجة لديها خمسة أولاد تترواح أعمارهم بين ثلاثة أعوام و15 عاما وتسكن بيتا من غرفة واحدة تقول "الان هذا لا يساوي شيئا ... اضطررنا للتخلي عن الغداء هذا العام لذلك نتناول العشاء فقط. الخبز الان أصبح من الكماليات لذلك تخلينا عنه."

ويذهب عدد قليل من سكان كيبيرا الى متاجر في مجمع تجاري قريب لشراء كميات قليلة من الطعام. لكن هذا ليس في متناول معظم السكان. وقالت موالوجا "الحكومة يجب أن تنشئ متاجر للاغنياء ومتاجر لنا لانها قررت أن في الحياة قبيلتين .. الفقراء والاغنياء .. يجب أن يخصصوا لنا متاجر للفقراء."

ويقول كيفن اشلي مؤسس مقاهي جافا هاوس ان الهواتف المحمولة والانترنت تعني أن الشباب في افريقيا يدركون الفرص التي يتمتع بها الناس في الدول الاغنى. وهذا سيزيد الضغط لتصحيح أوضاع الاقتصاد. وأضاف "كصناع قرار وقادة أعمال يتعين علينا أن نتأكد أننا لا نصنع الثروة في القمة فقط ... يجب أن نخلق الكثير من فرص العمل في الاسفل للشبان الذين يدخلون في القوى العاملة."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/شباط/2012 - 13/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م