عنف الملاعب والربيع العربي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كيف يمكن النظر الى ما حدث في مباراة الأهلي والمصري في دوري الكرة المصرية بعد مرور عام واحد على الربيع الثوري فيها؟

تعددت التوصيفات لما حدث، فهي مؤامرة من قبل بقايا النظام السابق، وهي حرب شوارع، وهي حرب أهلية، وهي انعدام للأمن.. كل توصيف يمكن ان يحتمل بعض الصحة او كلها اذا اخذ بمعزل عن الدوافع السياسية او الاجتماعية او الاقتصادية التي توجد أرضيتها في مصر منذ عقود او دوافع أخرى قد تتشابه مع ما يحدث في ملاعب اخرى عربية، الا انها قد تتفوق عليها في مجال عدد الضحايا وكيفية الفعل.

حركة الدستور الثقافى وصفت ما جرى (بمجزرة الأربعاء الأسود)، وقالت الحركة فى بيانها (هى مجزرة تفضح ملامح مؤامرة مدبرة، تتصل بمسلسل المؤامرات التى استهدفت قوى ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة).

ويعدها البعض جزءا من مسلسل العنف الذي يجتاح البلاد منذ سقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك في فبراير/شباط 2011. بينما يعتبرها كثير من الناشطين السياسيين مؤامرة مدبرة للانتقام من مشجعي النادي الأهلي أو ما يطلق عليهم (الألتراس) للدور الفعال الذي قاموا به في الثورة من حماية للمتظاهرين في ميدان التحرير من هجمات أنصار النظام السابق.

الدكتور عبد الله الأشعل، أستاذ القانون الدولي والمرشح المحتمل لانتخابات رئاسة الجمهورية، يقول إنها مؤامرة أعد لها بإحكام وتم تسليح المتآمرين لتنفيذ جريمتهم على مرأى ومسمع من قوات الأمن التي لم تتدخل للحؤول دون تدهور الوضع.

محمد أبو تريكة، لاعب النادى الأهلى، قال إن ما حدث فى ملعب المصرى البورسعيدى أشبه بـ (حرب الشوارع)، مؤكداً أنه توجد العديد من الوفيات بين جماهير الأهلى، وأنه رأى بعينه أحد المشجعين ينطق الشهادتين، ولم نتمكن من إنقاذه.

صحيفة (التليجراف)، البريطانية أشارت إلى أن أحداث بورسعيد تدل على انعدام الأمن فى مصر منذ اندلاع ثورة 25 يناير، العام الماضى، والتى أطاحت بنظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، مشيرة إلى الشرطة لم تعد إلى ممارسة عملها بالشكل المطلوب منذ ذلك الوقت.

وأبرزت الصحيفة التصريح الذى أدلى به محمد أبوتريكة، نجم النادى الأهلى لقناة النادى، والتى قال فيها ما حدث فى ملعب المصرى البورسعيدى أشبه بـ(حرب الشوارع).

جماهير النادى المصرى اتهمت جمهور النادى الأهلى بأنه تسبب فى أحداث الشغب بعدما رفعوا لافتة مكتوب عليها (بلد البالة مفيهاش رجالة).. جماهير المصرى أكدوا ايضا أن جمهور الأهلى أطلق عليهم صواريخ وألعاب نارية عقب نزولهم أرض الملعب بعد انتهاء المباراة فى وقت نزلوا من أجل الإحتفال بالفوز.

بعيدا عن تلك التوصيفات فان ماحدث ينضوي تحديدا تحت لافتة عنف الملاعب الذي لايقتصر على دولة معينة سواءا كانت من الصف الاول المتقدم او من الصفوف الاخيرة.

في العام 2008 انطلقت بطولة امم اوروبا، وفد لاحظ عدد من المتابعين والباحثين ظهور كلمات كثيرة ترافقت مع انطلاف مباريات البطولة، منها: (الهوية، والنزعة القومية، والعنف، والعائلة، والمشجعين، والعنصرية، والديمقراطية).

كيف يمكن لمثل مبارة كرة قدم ان تتحول الى بؤرة تتكثف فيها التعبيرات القومية لدى جمهور المتفرجين؟

يرى بابلو آلابارسيس، عالم إجتماع أرجنتيني متخصص في الثقافات الشعبية في احد لقاءاته الصحفية: أصبحت النزعة القومية لدى الجمهور الرياضي تتركز على المستويين المحلي والجهوي أكثر منه على المستوى الوطني. وفي إيطاليا مثلا، تُعد المقابلات الكروية بين مدن ومناطق الشمال من ناحية ومدن ومناطق الجنوب من ناحية أخرى "أكثر أهمية" من مباريات الفريق الوطني.

ويمكن ذكر حالة سكوتلاندا أيضا، والتي يحلو للبعض وصفها (بوطنية التسعين دقيقة)، أي الوطنية التي لا تظهر إلا خلال المباريات الرياضية. والحال أيضا في إسبانيا، إذ يشجع الجمهور الفريق الوطني، ولكن في الواقع، يظل التجاذب أقوى وأهم بين الباسكيين، والكتلان والفالنسيين، والغاليسيين والأستوريين.

وفي المناطق التي تشهد انتشارا حادا للنزعات القومية، يمكن أن تلعب رياضة كرة القدم دور المحفّز للروح الوطنية. ونجد هذا في أوروبا الشرقية وفي منطقة البلقان، وتحديدا بين الصرب والبوسنيين، وأيضا الكروات، وإن كان بدرجة أقل حدة. وفي هذه المناطق بالذات، لا تزال النزعات القومية قوية جدا، وتلعب الرياضة في هذا المستوى دور "المحرك".

ويرى بابلو آلابارسيس ان العنف الموجود في مباريات كرة القدم عنف مطلوب لذاته، ولا تُرجى منه منفعة بعينها. فالمسألة لا تشبه في شيء ظاهرة "barras bravas" الأرجنتينية (مجموعة من المشجعين يهدفون من خلال العنف إلى تحقيق أرباح اقتصادية)، بل هم أشخاص يحققون متعة قصوي من خلال أعمال العنف التي يقترفونها.

ويرى ن العنف في الحالة الأوروبية، غالبا ما يكون له بعد سياسي، وهنا تتدخل العنصرية. وفي أوروبا، ونجد العنف الذي يمارسه اليمين المتطرف، ويغذيه خطاب متشدد، ومعاد للأجانب، ولأصحاب البشرة السوداء... والعنف الذي تشهده الملاعب الأوروبية في بعض الأحيان يطغى عليه الطابع السياسي. وأوضح مثال على ذلك وأشهره في إيطاليا، التعارض بين مشجعي فريق لاتزيو، المتبنين لنزعة فاشية موسيلينية، ومشجعو فريق ليفورنو، المتبنين لنزعة شيوعية ستالينية.

ويعتبر الشغب والعنف الرياضي من المفاهيم الأكثر شيوعا في الوقت الحاضر، وهو ظاهرة من الظواهر الإجتماعية، النفسية والأمنية التي بدأت تظهر في العديد من المجتمعات المعاصرة، حيث أصبحت تشكل خطرا على الأرواح والممتلكات من خلال الإخلال بالنظام العام والمساس به بسبب السلوك العدواني للاعبين، الإداريين، الحكام، والمشجعين والأنصار قبل، أثناء و بعد المنافسات الرياضية.

العنف (Violence) يشبه العدوان (Agression) ولكنه يشير إلى أشكال قاسية من الاعتداء البدني التي تظهر بين الأفراد و في حياة الجماعات على السواء.

وتشير معظم الدراسات السيكولوجية لظاهرة العنف في الملاعب الرياضية إلى أنه شكل من أشكال الانفعال الرياضي الذي يظهر على شكل المهاجمة بقصد إلحاق الأذى أو الضرر بالآخرين، إذ أن المتتبع للتاريخ الرياضي يجده حافلا بالعديد من الوقائع والأحداث الجسيمة والمأساوية، التي تصنف على أنها نوع من أنواع العنف والشغب الرياضي، الذي تحتفظ كرة القدم الصدارة فيه.

ومن زاوية أخرى للتحليل، ينظر إلى هذه الأفعال والسلوكيات العدوانية على أنها غير مقبولة رياضيا، دينيا، إجتماعيا وخلقيا، لأنها تؤدي إلى تحطيم القيم التربوية والتنافسية الشريفة التي تعمل الرياضة على تلقينها للفرد. والعنف بمناسبة التظاهرات الرياضية يحدث في الأماكن التالية قبل الدخول إلى الملعب:

* الازدحام والتدافع بمداخل الملعب

* الاعتداءات المختلفة بالطريق العام والساحات المحاذية للملعب بين الأنصار

* الاعتداءات بالرشق بالحجارة على الحافلة التي تقل الفريق الزائر

وتعد حالة العنف وأعمال الشغب، التي حدثت في ملعب غلاسكو سنة 1920 أثناء مباراة أنجلترا واسكتلندا والتي راح ضحيتها 40 قتيلا و500 جريح، أول حالة عنف في الملاعب الرياضية في العصر الحديث، بينما أعتبرت مباراة البيرو والأرجنتين خلال تصفيات الألعاب الأولمبية بطوكيو سنة 1964، من أكبر الكوارث الرياضية، حيث توفي أكثر من 300 شخص وجرح أكثر من 400 مناصر.

من جهة أخرى و على الرغم من أن عنف الملاعب الرياضية لغة عالمية، إلا أنه اقترن بالمشجعين الأنجليز، الذين يعرفون بالهوليغنز (Hooliganisme)، إذ تعد ظاهرة العنف والشغب من أخطر الظواهر التي يواجهها المجتمع الإنجليزي، بحيث أشتقت كلمة هوليغان (Hooligan) من إسم إحدى العائلات الإيرلندية (Hooligan) التي عاشت في لندن واشتهرت بشغبها ومشاكستها.

في الوقت الحاضر، أصبح لجماهير العنف في الأندية الرياضية أمثال نادي (ويست هام يونايتد)، (تشيلسي) و(ليفربول) وغيرهم، رابطة مشجعين محصورة على بعض الفئات و تتمتع بسلسلة هرمية ذات سلطة خاصة تساعد في معظم الأحيان على تنظيم وإحداث العنف، قبل أن تمتد هذه الظاهرة إلى ملاعب الدول الأوربية، بحث كانت كل من ألمانيا، هولندا، بلجيكا و إيطاليا الأكثر تضررا من غيرها جراء انتشارها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/شباط/2012 - 12/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م