{ من أبرز مدلولات العدالة
الاجتماعية هو أن يعايش المواطن الأمن والأمان، المساواة والكرامة،
الرخاء والحياة الكريمة والحرية في النقد والتعبير }
إن المجتمعات التي تئن تحت وطأة الإستبداد والجور والتفاوت
الاجتماعي الفاحش. بالإضافة الى الزيف والتزوير والاستعلاء الزعاماتي
والعائلي يصبح الصدع بقول الحق والحقيقة والصراحة والمباشَرَةِ في
التعبير والنقد والاعتراض عملة نادرة وغالية جدا. وذلك بسبب طغيان
الرعب والخوف والرهاب وشيوعه في المجتمع/المجتمعات من قِبَلِ الأجهزة
الأمنية والمخابراتية والبوليسية والتجسسية لأنظمة القمع والاستبداد.
لذا يضطر بعض الناس الى المعارضة والمجابهة والانتقاد والرفض لهذه
الأوضاع السقيمة عبر الكتابات الإيمائية والصيغ غير المباشِرة، أو عن
طريق ضرب الأمثال والحِكَمِ الفلسفية والسياسية والتاريخية عن السلاطين
المستبدين، وعن ظلمهم وطغيانهم وعدوانهم على المجتمعات، و عن نهبهم
للثروات الوطنية التي هي أساسا ملكا للمجتمعات!.
وقد قلت بعض الناس، لأن الغالبية من أفراد المجتمع، لعوامل مختلفة
وأسبابا متعددة قد لاتشعر بطائلة الجور الاجتماعي، أو انها لاتتحسس
سريعا ثقل الطغيان السلطاني الاستبدادي وكابوسيته. على هذا الأساس نرى
ان سلاطين الاستبداد والقمع والاكتناز الثرواتي يتربعون على كراسي
السلطة والسلطنة القهرية الجبرية لعقود طويلة وكثيرة، حيث هم، كما هو
دينهم وديدنهم لايتزحزحون عن تلكم الكراسي المخضّبة بالدماء والدموع
والآهات والويلات للمواطنين إلاّ الموت. وفي هذه الحال فإن الأبناء قد
تم إعدادهم سلفا لإستلام كراسي السلطة الدموية. وهكذا دواليك...!
ولأجل تعرية دجل وظلم سلاطين الاستبداد وحكام الجور والقهر من
ناحية، ومن ناحية ثانية بهدف بث الوعي في المجتمعات وإيقاظهم من غفلتهم
وغفوتهم، بل إيقاظهم من نومهم التخديري إضطر الكثير من الأنبياء
والمصلحين والمفكرين والثوار الإنسانيين الى الإيثار الشامل، والى
نكران الذات حيث التضحية بأعزِّ مالديهم، وبأغلى مما يملكون. هذا فضلا
عما كانوا ينتظرونه من الحكام الظلمة بسبب كفاحهم كل أنواع المحن، وشتى
أصناف العذاب والتعذيب والتنكيل والتشريد والجوع والظمأ، منهم:
سقراط (399 – 469 ق، م). سقراط هذا الحكيم والفيلسوف اليوناني
الزاهد الي تجرّع سم الشكران في معتقله، فذهب الى ربه شهيدا ثائرا
مظلوما شاكيا جور الأرض وحكامها الطغاة البغاة. ومنهم، رائد الشهداء
والأحرار الامام الحسين (625 – 680 م) الذي ضحى بنفسه وابنائه وإخوانه
وأعز أقربائه وأتباعه كقرابين في درب الحق والحقيقة والحرية
والانسانية، فتم نحر هؤلاء الأحرار الأخيار نحرا من الوريد الى الوريد،
كما تُنْحر الخراف تماما!.
إذن، فالحاكم الذي ينشر الفَزَعَ والرهاب والاستبداد والرعب والكبت
والهلع والإذلال في ربوع البلاد، وذلك من خلال أجهزته القمعية المسماة
بالأمن والمخابرات وفِرَقِ القوات الخاصة، أو العصابات... أو الحاكم
الذي يحكم هو وأفراد عائلته وحاشيته لعقود طويلة، وبالجور والبطش
والنهب الاكتنازي لثروات المجتمع ليس جديرا ولامشروعا أن يستمر في حكمه
وحسب، بل يجب أن يُعْزَلَ ويُخْلَعَ، لا بل على الشعب أن يأخذ
بتلابيبهم الى فضاءات محكمة عادلة لينالوا الجزاء العادل الذي
يستحقونه!
يقول الفيلسوف الفرنسي (إيتين دي لابواسييه / 1530 – 1562) عن أصناف
الحكام المستبدين والسلاطين الطغاة، وذلك في تصنيف بالغ الأهمية: [هناك
ثلاثة أصناف من الطغاة: البعض يمتلك الحكم عن طريق إنتخاب الشعب،
والبعض الآخر بقوة السلاح، والبعض الآخر بالوراثة المحصورة في سلالتهم،
فأما من إنبنى حقهم على الحرب فنعلم جيدا انهم يسلكون، كما نقول، في
أرض محتلة. وأما من ولدوا ملوكا فهم عادة لايفضلون أبدا، لأِنهم قد
ولدوا وأطمعوا على صدر الطغيان، يمتصون جِبِلّةِ الطاغية وهم رُضّع،
وينظرون الى الشعوب الخاضعة لهم نظرتهم الى تَرِكَة من العبيد،
ويَتَصّرفون في شؤون المملكة كما يتصرفون في ميراثهم]. ينظر كتاب
(العبودية المختارة) لمؤلفه لابواسييه، ترجمة الأستاذ مصطفى صفوان، ثم
شرح الكتاب وكتب له المقدمة كل من المفكر المصري الدكتور جمال البنا
والأديب الشاعر هشام علي حافظ والمفكر السوري جودت سعيد والفيلسوف
السوري أيضا الدكتور خالص جلبي، فتم طبع الترجمة العربية والمقدمة
والشروح تحت عنوان { كيف تفقد الشعوب المناعة ضد الاستبداد } ص 63 – 64
لذا فالسلطان المستبد هو السلطان المستبد سواء كان في الماضي أو
الحاضر، ولافرق بينهم على الاطلاق من حيث الدين والمذهب والجنس
والقومية والطائفة والتخوم الأرضية، لأِنهم كلهم غاصبين لسلطات الشعوب
وإرادتها وسيادتها وثرواتها. ثم ان سياساتهم الحقيقية تتمركز في قهر
الناس وإذلالهم وإستعبادهم، وفي دكِّ عزهم وكبريائهم وإنسانيتهم
وحريتهم، وفي كسر هممهم فتخديرهم لكي يغطّوا في نوم عميق، وفي تتعيسهم
وتبئيسهم لكي ينعموا بثرواتهم على حسابهم!!!.
* كاتب بالشؤون الاسلامية والكوردستانية |