النظام الزراعي وتطوره في المنظور الإسلامي

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: لم يبقِ الاسلام فرعا من فروع الحياة، إلا ووضع له قوانينه في النمو والتطور والازدهار، من خلال التعاليم التي وردت في النصوص القرآنية الكريمة، وأحاديث الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله، حيث تعد هذه القوانين فوق البشرية، حلولاً لا تقبل الفشل في حالة تطبيقها بدقة، كما طبقها قائد الدولة الاسلامية الاول والاعظم الرسول محمد صلى الله عليه وآله.

لهذا فقد اهتم الاسلام بزراعة الارض الصالحة للزراعة، وشرّع جميع القوانين والخطوات التي تزيد من خضرة الارض، وتفرش البساط الاخضر على وجه الطبيعة، كي تتلاءم مع طبيعة الانسان وميوله النفسية التي تفضل اللون الاخضر على سواه، وقد أكد سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى محاضراته القيمة، على ضرورة توجّه المجتمع والدولة، الى الزراعة والى تجميل الارض باللون المفضل للناس جميعا.

أفضلية اللون الأخضر على سواه

وقد قال سماحة المرجع الشيرازي في محاضرته بهذا الخصوص: (كان في انجلترا جسر يسمى بجسر الانتحار، يقصده الشباب الذين سُلبوا العقل والعاطفة ليلقوا بأنفسهم من على مرتفع منه صوب الجهة التي يتدفّق الماء فيه بسرعة وقوّة ليتلقّفهم ويضرب بهم يميناً وشمالاً بالصخور ثم يموتون! عندما لاحظ المفكّرون هناك أنّ معدّلات الانتحار في حالة ارتفاع مستمرّ، فكّروا في إيجاد طريق لتقليله - وهذا هو الفرق بين الإسلام وغيره، فإنّ الإسلام يستأصل المشكلات والأمراض من الجذور، أمّا الأنظمة الأخرى فتفكّر في تقليله، وهي لا تنجح حتى في ذلك. فإنّ الإسلام يطرد الفقر والقلق من حياة الإنسان. أمّا الحضارات الأخرى وبتعبير آخر التفكير البشري، فيحاول تقليلهما ولا ينجح. وبعد أن اجتمع الخبراء والمفكّرون والعلماء وقاموا بتجارب كثيرة اهتدوا إلى شيء خلقه الله عزّ وجلّ منذ آلاف السنين، حيث اكتشفوا أنّ اللون الأخضر أكثر الألوان تأثيراً في مخّ الإنسان، فالخضرة أقوى وأجمل لون يناسب المخّ. فقاموا بصبغ الجسر باللون الأخضر. وكانت النتيجة تدنّي معدلات الانتحار في السنوات القادمة بنسبة ثمانين في المئة.والآن تعال إلى الطبيعة وانظر بأيّ لون كساها الله تعالى، لكي تطرد القلق والسأم عن الإنسان؟ إلاّ اللون الأخضر للأشجار؟).

إن تعامل الاسلام مع موضوع حيوي كالزراعة، كان في غاية الدقة والوضوح، وقد دلّت نتائج هذا المنهج العملي بخصوص الزراعة، على صحة ما جاء به الاسلام في هذا الميدان، ونجاح السبل التي تعامل معها بخصوص تطوير الزراعة في الدولة الاسلامية، والدليل أن الزراعة سابقا كانت أكثر تطورا لدى المسلمين، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (يمرّ اليوم أكثر من أربعة عشر قرناً على صدر الإسلام، وبسبب التطوّر العلمي الحاصل خلال هذه الفترة تطوّرت الزراعة وأساليبها. ولكن مقارنة بين أوضاع الزراعة في العصور الإسلامية وعصرنا الحاضر يكشف لنا بوضوح أنّ الإصلاح الزراعي موجود في الإسلام وليس في التشريعات الأخرى، لأنّ مشرّع الإسلام هو الله سبحانه، وما عداه فهو فكر بشري قاصر لم يحقّق سوى إفساد الزراعة والنظام الزراعي!).

خسائر المسلمين في الميدان الزراعي

لذا فإن الابتعاد عن تعاليم الاسلام، ونظرته نحو التعامل مع الميدان الزراعي، أدّى فعلا الى تدنّي الزراعة وتراجعها في عموم الدول الاسلامية، والسبب هو عدم أخذهم بهذه التعاليم، وهذا المنهج التنظيمي الواضح جدا، وسهل التنفيذ، وقد قال سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (يقول جرجي زيدان -الكاتب العربي المسيحي المعروف- في كتابه «تاريخ التمدّن الإسلامي»: إنّ الأراضي المزروعة في مصر اليوم تبلغ ستة ملايين فدّان. ثم ينقل عن الاصطخري أنّ الأراضي المزروعة في مصر في القرن الرابع الهجري -أي قبل ألف سنة- بلغت ثلاثين مليون فدّان. ثم يذكر نموذجاً آخر عن السدود المنشأة على نهر دجلة في العراق من بداية دخوله عبر تركيا إلى العراق في مدينة الموصل في شمال العراق حتى بغداد في وسط العراق فيقول نقلاً عن الاصطخري أيضاً أنّها كانت تبلغ على هذا النهر في هذه المسافة التي تبلغ حوالي -500كم-زهاء أربعين سدّاً، فيما لا نعلم اليوم بوجود أكثر من سدّين هما سد سامراء وسد الثرثار!!)

لقد تقدمت وسائل الزراعة لاسيما في مجال المكننة، والبذور وطرق السقي الحديثة، عما كانت عليه سابقا، لهذا كان يجب ان تتطور الزراعة في البلاد الاسلامية، بسبب تطور ادوات الزراعة، لكننا مع ذلك نلاحظ حدوث العكس كما يقول سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ المفروض في كمية الأراضي المزروعة في مصر اليوم ـ ومصر نموذج ومثال وإلاّ فهذا حال كلّ العالم الإسلامي ـ أن تكون أضعاف ما كانت عليه في العصر الإسلامي لو أخذنا بنظر الاعتبار التقدّم الحاصل في الآلات والمكائن الزراعية، بل إنّ أكثر الأعمال الزراعية كانت في العصور الإسلامية الأولى باليد. ومع ذلك فإنّ الزراعة كانت تغطّي معظم أراضي مصر حيث تبلغ مساحتها ستّة وثلاثين مليون فدّان فقط. والشيء نفسه يقال بالنسبة للسدود المقامة على نهر دجلة في العراق). ويضيف سماحته قائلا: (وأنا أضيف إليهما مثالاً ثالثاً، وهو السدّ العالي في مصر. فقد أقاموا الدنيا ولم يقعدوها عندما أنشأوا هذا السد، والذين عاصروا تلك الفترة يتذكّرون الضجيج الذي ملأ الآفاق عن السد العالي وأنّه خدمة للبلاد وإنجاز للأمة العربية، وتحدّثتْ الإذاعات وتناقلت الصحف أنباء بنائه، وبالفعل فقد ازدهرت الزراعة في مصر نسبياً فوصلت إلى سبعة ملايين وثمانمئة ألف فدّان، أي لم تبلغ الثمانية ملايين فدّان. أقول مع الأجهزة الحديثة والجرارات والأدوات، ومع السدّ العالي لم تصل نسبة الأراضي المزروعة في مصر إلى ثمانية ملايين فدّان؛ بينما وصلت في العهد الإسلامي رغم بداءة الوسائل إلى ثلاثين مليوناً!).

الزراعة بين الأمس واليوم

لذلك حين نقارن بين زراعة الامس واليوم، سنكتشف التدني الواضح في هذا الميدان الحيوي لديمومة الحياة، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في محاضرته: (عندما نقارن هذه النتائج سنكتشف صلاحية النظام الذي أثمر النتائج الأفضل؟ إنّ هذا دليل على صلاحية الإسلام وأنّه عرَف كيف يصلح الزراعة ويسير بها نحو الأفضل. الإسلام ليس مجرّد نظريات بل كلّه فكر قابل للتطبيق، ولقد طُبّقت تشريعاته في العهود الإسلامية وأعطى نتائج باهرة. ينقل المؤرّخون أنّه كانت توجد في مدينة البصرة أنهار تسير فيها الزوارق؛ بلغ عددها - أي الأنهار - اثني عشر ألفاً!).

لقد تضمت التعاليم الاسلامية بخصوص الزراعة وتطويرها وتحسينها، خطوات بسيطة وسهلة ودقيقة في آن واحد، أي أنها مع دقتها وسهولة تنفيذها تضمن النجاح الاكيد في النتائج، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (كلّ شخص يزرع أرضاً فهي له سواء كان مسلماً أم يهودياً أم نصرانياً أم مشركاً أم عابد وثن. يقول الإسلام: الأرض لله فمن يزرعها فهي له، ولا يسأل عن الزارع بعد ذلك؛ ما دينه؟ وما لونه؟ وما هي جنسيته؟ ومن أيّ منطقة هو؟ وهل هو من أهل البلد أم لا؟ ولا تسأل عن عمره، وعن المادة التي يريد زراعتها. يقول لك الإسلام: ازرع ما شئت ومهما شئت ما لم يكن من الأمور المحرّمة الضارة بالمجتمع فإنّه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام). ثم يضيف سماحته قائلا: (إبحث في كلّ الحضارات المعاصرة والبائدة هل تجد مثل هذه الحرية وهذا التمليك؟ أم ستلاحظ وجود مئات القيود والمواد القانونية التي تحرم الكثيرين من زراعة الأرض وإعمارها؟).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 2/شباط/2012 - 9/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م