المرجع الشيرازي: جرائم ومجازر عالم اليوم من نتائج تحريف الإسلام

النهضة الحسينية هي الحضارة وبثقافتها تسعد البشرية

 

شبكة النبأ: دعا المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله الشباب والمثقّفين الى قراءة سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله لمعرفة ما جرى بعد استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله حيث حرف الإسلام عن مسيرته الحقيقية وقدّم للناس إسلاماً آخر، في حين ان الإسلام الحقيقي هو الإسلام الذي كمل في واقعة الغدير وارتضاه الله سبحانه وتعالى بولاية وخلافة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، لذلك فان كل الجرائم والمجازر والانحرافات التي شهدها ويشهدها العالم اليوم، التي هي من نتائج تحريف الإسلام عن مسيرته الحقيقية. واضاف ان العلماء تقع عليهم اليوم، المسؤولية تجاه ذلك، أي أداء المسؤولية تجاه المظالم التي يتعرّض لها الناس، وشدد سماحته على ضرورة استفادة أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم من التكنولوجيا الحديثة والتعريف بنهضة الإمام الحسين صلوات الله عليه الذي هو الحضارة، وشعائره المقدّسة أهم حضارة، وثقافة عاشوراء أفضل ثقافة في عالم اليوم الذي يجب أن يعرف ناسه ذلك، فالتكنولوجيا الحديثة والإمكانات المتطوّرة متيسرة اليوم ويمكن عبر ذلك أن نعرّف الملايين من الناس على المبادئ التي نهض الإمام الحسين صلوات الله عليها لأجلها، كي يهتدوا إلى نور أهل البيت صلوات الله عليهم، وينالوا السعادة في الدنيا وفي الآخرة.

جاء ذلك في كلمة قيمة القيت في بيت سماحته، بمدينة قم المقدّسة، عصر يوم الأحد الموافق للثامن والعشرين من شهر صفر المظفّر 1433 للهجرة.

في بداية كلمته قدّم سماحته التعازي بمصيبة استشهاد النبي الكريم صلى الله عليه وآله، وبعدها تحدّث عن المقام السامي والرفيع والفريد للنبي الكريم صلى الله عليه وآله، وقال: إن الله تبارك وتعالى بقدرته العظيمة لم يخلق أحداً بمرتبة مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله في الفضل والرفعة، ولن يخلق. وأما الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه فالله تعالى جعله الأفضل من بعد رسوله صلى الله عليه وآله، ووصفه تعالى في كتابه الكريم بأنه نفس النبي صلى الله عليه وآله. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في بيانه مقام الإمام عليّ صلوات الله عليه: (خلقت أنا وعليّ من نور واحد، ... ففي النبوّة وفي عليّ الخلافة).

وفي روايةاُخرى: أنه سئل الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: أنت نبيّ؟ فقال: ويلك إنما أنا عبد من عبيد محمّد.

وقال سماحته: إن ما ذكرته لكم هو بمثابة لمحة بسيطة عن المقام الرفيع والفريد لمولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنه إذا قرّر وعزم العلماء كلّهم والفصحاء، من الشيعة والعامة، ومن المسلمين وغيرهم، على أن يجتمعوا في مكان واحد، ويجمعوا قدراتهم الفكرية والعلمية، ويسعون طوال عمرهم إلى معرفة حقيقة مقام رسول الله صلى الله عليه وآله، فإنهم لن يبلغوا ذلك أبداً. فقد بيّن النبي صلى الله عليه وآله أنه لا أحد يمكنه ذلك إلاّ الله تعالى والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وذلك بقوله صلى الله عليه وآله: (ياعليّ ماعرفني إلاّ الله وأنت).

نعم، إن باقي الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم هم بمرتبة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في مجال معرفة مقام رسول الله صلى الله عليه وآله، كما صرّحت بذلك الروايات المتواترة الموجودة بين أيدينا.

وبيّن سماحته: إنّ مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله استشهد إثر سمّ دسّ له من قبل بعض من كان يسكن معه في بيته صلى الله عليه وآله، وهذا ما بيّنته الأحاديث المعتبرة. وكانت مصيبة استشهاده صلى الله عليه وآله على الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه ثقيلة وعظيمة جدّاً، حيث قال صلوات الله عليه في مضمون حديث له: لو وضعوا الجبال كلّها على قلبي فهي ليست أثقل عليّ من مصيبة فقدان رسول الله صلى الله عليه وآله.

كما أن مولاتنا السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها لها قول شبيه قول الإمام عليّ صلوات الله عليه فيما يخصّ مصيبة فقدان النبيّ صلى الله عليه وآله.

الاطلاع على سيرة رسول الله

وقال سماحته: اوصي الشباب والمثقّفين بأن يقرأوا ويطالعوا سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله، المذكورة في عدّة أجزاء من موسوعة بحار الأنوار، بالأخصّ الجزء (22) الذي يحتوي على الحوادث والوقائع التي رافقت الأيام الأخيرة من حياة رسول الله صلى الله عليه وآله. فاوصيهم جميعاً بأن يطالعوا ذلك بدقّة وتأمّل وتدبّر، في كل كلمة، وإذا وفّق أحدهم بأن اقتدى بخصلة من خصال النبي صلى الله عليه وآله، حتى بنسبة واحد بالمليون، فإنه لاشكّ سينال الوجاهة والدرجة الرفيعة في الدنيا والآخرة. فيجدر بالشباب وغيرهم أن يطالعوا ويحقّقوا بأنفسهم وأن لا يكتفوا بالسماع فقط، فنسبة ما يسمعونه هو واحد بالألف مما هو موجود في بطون الكتب.

وأشار سماحته إلى عظمة استشهاد النبي صلى الله عليه وآله، وقال: إنّ عظمة مصيبة استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله كعظمة شخصيته، أي هي مصيبة عظمى ونازلة كبرى، فلذا ينبغي على الطوائف الدينية والمذهبية، بل والبشريّة كلّها، وليس على المسلمين فقط، أن يحزنوا ويتعزوّا في مصيبة استشهاد النبي صلى الله عليه وآله، لأنه، وكما وصفه الله سبحانه وتعالى، كان: (رحمة للعالمين).

وقال سماحته حول الحوادث التي حدثت بعد استشهاد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله: بعد استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله، حرّفوا الإسلام عن مسيرته الحقيقية، وقدّموا للناس إسلاماً آخر، في حين ان الإسلام الحقيقي هو الإسلام الذي كمل في واقعة الغدير وارتضاه الله سبحانه وتعالى بولاية وخلافة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، وهذا يعني ان الإسلام بدون ولاية الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، هو إسلام ناقص، والدين الناقص ليس إسلاماً.

وفي بيانه تبعات تحريف الإسلام عن مسيرته الحقيقية، ذكر سماحته العبارة التالية من خطبة مولاتنا الزهراء صلوات الله عليها: (ثم احتلبوا ملأ القعب دماً عبيطاً)، وقال: وهذا ما حلّ بالناس ووقعوا فيه بعد ما أقصوا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن الخلافة.

وأضاف سماحته: إنّ استشهاد السيدة الصدّيقة الكبرى، واستشهاد سيّدنا المحسن، واستشهاد الإمام أمير المؤمنين، والإمام الحسن صلوات الله عليهم، وماوقع من الظلم والحيف على الجثمان الطاهر للإمام الحسن صلوات الله عليه، وواقعة كربلاء، وأسر وسبي أهل البيت صلوات الله عليه ومارافق ذلك من الآلام والمآسي والأذى والظلم، إن كلّ ذلك هو من نتائج الإنحراف عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن نتائج إقصاء الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه.

كما إن واقعة الحرّة واقتراف المجازر بحقّ أهل المدينة، ورمي بيت الله الحرام (الكعبة) وضربه بالمنجنيق، هو من نتائج تحريف الإسلام عن واقعه وحقيقته أيضاً، ومن نتائج تسليط أمثال معاوية ويزيد والحجّاج على الناس وإقصاء أهل البيت صلوات الله عليهم.

وعقّب سماحته مشيراً إلى الجرائم التي ترتكب اليوم بحقّ أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم، بالأخصّ في عراق المقدّسات، وقال: إن أتباع الانحراف الذي أسّسه بنو أمية وبنو العباس، هم الذين يرتكبون اليوم جرائم قتل زوّار الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه وقتل أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم، بشتى الأسلحة، كالعبوات اللاصقة والمفخّخات والأحزمة الناسفة.

هنا أرى من الضروري أن أذكر لكم مشهداً جميلاً من مشاهد الزيارة الأربعينية والزائرين الحسينيين المشاة، الذي نقله لي أحد المؤمنين من كربلاء بقوله: قال لي أحد الزائرين المشاة: كان لي ستة أولاد، استشهد خمسة منهم في هذا الطريق، أي في طريق زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه، واليوم أتيت بالسادس كي اقدّمه للإمام الحسين صلوات الله عليه.

وفي جانب آخر من حديثه، قال سماحته: إنّ كل الجرائم والمجازر والانحرافات التي شهدها ويشهدها العالم اليوم، التي هي من نتائج تحريف الإسلام عن مسيرته الحقيقية، إنّ كل ذلك سينتهي في يوم الظهور الشريف لمولانا الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف. ولكن نحن العلماء تقع علينا اليوم، المسؤولية تجاه ذلك، أي أداء المسؤولية تجاه المظالم التي يتعرّض لها الناس. فقد أكّد مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله بأن العلماء الذين لا يعملون بمسؤوليتهم هم أول من ينالوا ـ من الله تعالى ـ أسوء العذاب وأشدّه، ومن بعدهم في العذاب حكّام البلاد الإسلامية الذين تركوا مسؤوليتهم واهتمامهم بالناس واستبدلوهما بالجور على الناس وظلمهم، ويأتي بعدهم غيرهم. فلذا يجب علينا جميعاً، بالأخصّ العلماء، أن نسير على خطى رسول الله وأهل البيت صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.

وذكر سماحته قول الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (إنّ الله فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس، كي لا يتبيّغ الفقير فقره)، وأردف قائلاً: إنّ قول الإمام صلوات الله عليه: (أئمة العدل) يصدق على العلماء غير المعصومين ويشملهم أيضاً. فإذا انتهج الحاكم أو العالم غير ما بيّنه الإمام صلوات الله عليه، فهو حاكم ضال وعالم ضال.

قمر صناعي شيعي

وفي جانب آخر من حديثه أشار سماحته إلى ضرورة استفادة أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم من التكنولوجيا الحديثة، وشدّد بقوله: أنتم أيها الحاضرون الأعزّاء وباقي الأعزّاء الذين يسمعون كلامي، لكم القدرة على أن تسعوا إلى امتلاك (قمر صناعي شيعي) تقومون عبره بتعريف رسول الله وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليه وعليهم، بالخصوص مولانا الإمام سيد الشهداء وشعائره المقدّسة، إلى العالمين كافّة، دون أن يعرقلكم أحد.

وعقّب سماحته: إنّ الإمام الحسين صلوات الله عليه هو الحضارة، وشعائره المقدّسة أهم حضارة، وثقافة عاشوراء أفضل ثقافة في عالم اليوم الذي يجب أن يعرف ناسه ذلك.

إذن يجب تبيين أهداف النهضة الحسينية المقدّسة إلى البشرية كافّة، وهذا لا يمكن إلاّ بمساعيكم أنتم يا أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم، وعبر الفضائيات التي تغطّي العالم كلّه ببثّها.

وأكّد سماحته: إن التكنولوجيا الحديثة والإمكانات المتطوّرة متيسرة اليوم، ولله الحمد، ويمكن عبر ذلك أن نعرّف الملايين من الناس على المبادئ التي نهض الإمام الحسين صلوات الله عليها لأجلها، كي يهتدوا إلى نور أهل البيت صلوات الله عليهم، وينالوا السعادة في الدنيا وفي الآخرة.

إذاً يجدر بكم ياشباب الشيعة أن تتوكّلوا على الله تعالى وتطلبوا العون والمدد منه، والرعاية من أهل البيت صلوات الله عليهم، وأن تتآلفوا وتتعاونوا مع باقي المؤمنين في العمل على امتلاك قمر صناعي خاص بالشيعة، وتقوموا عبره بتعريف الناس في العالم كلّه على ما كان رسول الله وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم يريدون تحقيقه. واعلموا أن هذا العمل منكم سيكون مثمراً، وستؤجرون عليه من الله عزّ وجلّ.

وختم سماحة المرجع الشيرازي دام ظله كلمته القيّمة بقوله: لقد انتهى شهر محرّم الحرام، وشارف شهر صفر على الانتهاء، أسأل الله تعالى أن يتقبّل أعمالكم وزحماتكم، وأن نسعى نحن وأنتم إلى إداء مسؤوليتنا بأفضل مايمكن. وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/شباط/2012 - 8/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م