الاردن... بين ضغوط الإسلاميين ومراوغة الملك

عبدالأمير رويح

 

شبكة النبأ: يشهد الاردن منذ نحو عام مجموعة من الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية المستمرة التي نظمتها بعض الأحزاب والنقابات والحركات الاسلامية، للمطالبة بإجراء بإصلاحات اقتصادية وسياسية عاجلة منها اتحات حرية التعبير وايجاد فرص عمل لتحديد تفاقم نسبة البطالة هذا بالإضافة لاتخاذ بعض القرارات الجديدة لغرض دعم المواطن وانعاش الاقتصاد الاردني.

ويرى بعض المحللين ان مثل هكذا تظاهرات يمكن ان تدخل البلاد في ازمة من الصراعات الداخلية قد تفضي الى اعمال عنف في هذا البلد المستقر امنين خصوصا مع وجود بعض الحركات المتطرفة وايجاد قوانين صارمه.

فقد اصدرت محكمة امن الدولة الاردنية حكما بالسجن سنتين بحق ناشط شاب احرق صورة للعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، على ما افاد مصدر قضائي، وقال المصدر ان "المحكمة ادانت عدي ابو عيسى (18 عاما)، الذي احرق صورة الملك في مبنى بلدية مادبا (33 كلم جنوبي عمان) ، بتهمة القيام بأعمال من شأنها المس بكرامة الملك واصدرت بحقه حكما بالسجن لسنتين".

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش للدفاع عن حقوق الانسان حضت الاردن على سحب تهمة "المس بكرامة الملك" الموجهة لابو عيسى. واعتبرت ان "تجريم الاهانات المنسوبة لرئيس الدولة لا تستقيم مع معايير القانون الدولي لحقوق الانسان التي تحمي حرية التعبير عن الرأي". واشارت المنظمة الى انها وثقت "حالات ملاحقات قضائية على خلفية المس بالذات الملكية ضد افراد عبروا عن اراء قيل انها مهينة للملك منها اراء تم التعبير عنها في دكان حلاقة واثناء حملة دعاية انتخابية ومن شخص لزميله وفي قصيدة نشرت على موقع فيسبوك وفي مواقع انترنت اخرى".

 وقال كريستوف ويلكي الباحث في قسم الشرق الأوسط في المنظمة، ان "احراق صورة ملكية كموقف سياسي امر يجب الا يلاحق جنائيا"، معتبرا ان "مقاضاة الافراد على مثل هذا العمل يعني توجيه رسالة تخويف مفادها انه لا يمكن اطلاقا انتقاد الملك". ودعا ويلكي الاردن الى "التخلص من الاتهامات الجنائية التي تقيد حرية التعبير". بحسب فرانس برس.

وقد افاد ابو عيسى خلال التحقيق معه بانه احرق صورة الملك احتجاجا على حرق الاردني احمد المطارنة (52 عاما) نفسه في عمان بسبب ظروفه الاقتصادية. وقدم ابو عيسى الموقوف اعتذارا للملك عن تصرفه الذي وصفه ب"الاندفاعي"، في رسالة نقلها محاميه.

يواجه العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني تحديات داخلية تتصدرها مطالب الاصلاح التي تصاعدت وتيرتها تأثرا بالربيع العربي. وحكم الملك عبد الله الذي تولى عرش المملكة في السابع من شباط/فبراير من عام 1999 لم يكن سهلا لأسباب كثيرة منها على وجه الخصوص تداعيات هجمات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001 على المنطقة والغزو الاميركي للعراق عام 2003 واخيرا الاوضاع في الاراضي الفلسطينية وتأثيرها على المملكة التي يشكل الاردنيون من اصول فلسطينية نحو نصف عدد سكانها. ثم جاء "الربيع العربي" وتداعياته على الاردن ليشكل التحدي الابرز للملك.

ويرى محمد المصري الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية انه "للمرة الاولى يواجه الملك تحديات داخلية، بالتالي فان قدرته على المناورة (اصبحت) اقل في مواجهة التحديات الخارجية". ويضيف المصري ان "الاشياء تغيرت، وبالمقارنة فأن تونس ومصر تجاوزتا حاليا المملكة في طريق الديمقراطية. ومن اولويات مطالب الاردنيين تعزيز الاجراءات الحازمة حيال مكافحة الفساد واجراء الاصلاحات السياسية الجوهرية".

ويتمتع الاردن منذ مدة طويلة بسمعة طيبة في مجال الامن والاستقرار بالاضافة الى انفتاح نسبي وهو ما كان يميزه دائما عن الكثير من الدول العربية خاصة دول الجوار، لكن الربيع العربي جاء ليخلط الاوراق.

وقالت منظمة "مراسلون بلا حدود" ان المملكة خسرت ثماني نقاط في تصنيفها لحرية الصحافة في العام 2011 وحلت في المرتبة 128. واصدرت محكمة امن الدولة الاردنية حكما بالسجن سنتين بحق ناشط شاب احرق صورة للعاهل الاردني. بحسب فرنس برس.

وتشهد المملكة دعوات واسعة لمحاكمة مسؤولين متهمين باختلاس مليارات الدولارات في اطار خطة التحول الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، حيث بلغ الدين العام 18 مليار دولار، اي ما يزيد على 65% من اجمالي الناتج المحلي الذي بلغ عام 1999 سبعة مليارات دولار.

ويقول علي الحباشنة رئيس اللجنة الوطنية العليا للمتقاعدين العسكريين، الذي حزبا سياسيا، سيكون في حال الترخيص به اول حزب منبثق عن الحراك الشعبي، "يجب على الملك ان يعلن بكل وضوح وصراحة ارادته الحقيقية بفتح تحقيق في كل قضايا الفساد بغض النظر عن الصداقة او صلة القرابة منه". ودعا الحباشنة الملك الى "الاقتداء بأجداده وان يعلن تبرعه بأمواله المنقولة وغير المنقولة لصالح خزينة المملكة وان يدعو الامراء الى الاقتداء بهذه الخطوة"، التي رأى انها "ستغلق افواه كثيرة".

وكان العاهل الاردني الذي دعا السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في البلاد الى التحرك وبسرعة حيال ملفات الفساد، اعلن عبر بيان اصدره الديوان الملكي انه للفترة من 2000-2003 تم تسجيل 4827 دونما (الدونم الواحد يساوي 1000 متر مربع) من اراضي الخزينة باسم الملك مشيرا الى ان هذا التسجيل كان لاغراض تنموية ووطنية ولم يتم بيع اي شيء من هذه الاراضي.

وبالنسبة لزكي بني ارشيد رئيس المكتب السياسي في حزب جبهة العمل الاسلامي، الذراع السياسية للاخوان المسلمين وابرز احزاب المعارضة في الاردن، فانه "حتى اللحظة لا يوجد ما يبشر بانتهاج سياسة جادة في معالجة الأزمات". ويضيف "لذلك نرى ان الشعب الاردني يعبر عن عدم رضاه عن هذه الاوضاع باشكال متعددة ومتفاوتة منها على سبيل المثال الحراك الشعبي المستمر منذ اكثر من سنة والاعتصامات والاضرابات والاحتجاجات والمظاهر التي بدأنا نلمسها مؤخرا باقدام بعض المواطنين على حرق انفسهم". واوضح بني ارشيد ان "هذه كلها عبارة عن نواقيس خطر تدق سمع صاحب القرار في الاردن". ورأى ان "المخرج الحقيقي هو في الاستئناف السريع للاصلاحات الدستورية والذهاب بشكل مبكر الى انتخابات برلمانية وفقا لقانون انتخابي ديمقراطي جديد، واجراء انتخابات خالية من التزوير والفساد الذي اتسمت به الانتخابات السابقة".

وبالنسبة للباحث محمد المصري فأن امام الملك "فرصة تاريخية لتقديم نموذج للديمقراطية من خلال عملية سلمية وتدريجية دون مخاطر من شأنها ان تسمح للجميع بالشعور بالرضا".

واوضح ان "الامر لايتعلق باتخاذ قرارات تصحيحية هنا وهناك ولكن باقامة ديمقراطية حقيقية ستكون مصدر شرعية جديدة للنظام وضمانة للامن والاستقرار في البلاد"

تحذير الحركة الاسلامية

في سياق متصل حذرت صحيفة "الرأي" الحكومية الاردنية الحركة الاسلامية المعارضة من خطورة "التلويح بالعمل الميليشياوي" و"العصيان المدني"، وذلك بعد مظاهرة نظمتها الحركة تقدمتها مجموعات من الشباب معصوبي الرؤوس بشارات خضراء تحمل عبارة "طفح الكيل". وقالت الصحيفة في مقال افتتاحي تحت عنوان "الى اين يأخذون الاردن؟"، انه "آن الاوان لان يدرك قادة الحركة الاسلامية ان الظروف الراهنة في المنطقة لا تسمح بالمغامرات أو تعريض أمن بلدهم وشعبهم للخطر". واضافت "قبل كل شيء عليهم ان يسألوا أنفسهم ان كانوا يشكلون أقلية أم أغلبية بين صفوف هذا الشعب وكيف يمكن ضمان حق الجميع في التعبير عن آرائهم بشكل سلمي وليس باستدعاء التوتر والمواجهات والتخريب والاستقواء بالخارج أو اللعب بورقة العشائر وهي الطريق الى فتنة كبرى لن تكون الحركة الاسلامية في منأى عنها ولن يغفر لهم الاردنيون". واوضحت الصحيفة ان "حكاية الاعتصامات الطويلة والتلويح بالعمل الميليشياوي والعصيان المدني وغيرها من الافعال والممارسات التي تندرج في خانة الاستقواء، فلن يقبلها أحد لا نها خارجة عن القانون وعمل من اعمال التمرد الذي يضع مرتكبيه تمت المسؤولية الجنائية واستدراج الفتن، وليس السياسية لان اعمالا كهذه لا علاقة لها بالسياسية".

من جانبه، قال غيث القضاة رئيس اللجنة الشبابية في حزب جبهة العمل الاسلامي، الذراع السياسية للإخوان المسلمين وابرز احزاب المعارضة، ان "قرار ظهور شباب الحركة بهذا الشكل في المسيرة تم أخذه من قبل الشباب أنفسهم ولا يقصد منه استفزاز اي جهة كانت". واضاف في تصريحات نشرها موقع الاخوان الالكتروني ، ان "الفكرة جاءت لتبين للجميع مدى مقدرة شباب الحركة على تنظيم أنفسهم بشكل جيد، ومقدرتهم ايضا على حماية انفسهم في حال عجز اي طرف عن حمايتهم". من جهته، اكد امين عام حزب جبهة العمل الاسلامي الشيخ حمزة منصور ان "اساليب الحركة الاسلامية معروفة لدى الجميع بحيث تتمسك بسلمية حراكها"، مشيرا الى ان "الحديث عن استعراضات عسكرية لشباب الحركة ما هو الا اصطياد في الماء العكر ويراد منه البحث عن شماعة لتعليق الفشل في تحقيق المطالب الاصلاحية".

وكانت الشرطة الاردنية استخدمت الغاز المسيل للدموع لفض اشتباكات وقعت بين متظاهرين اسلاميين واخرين موالين للحكومة. وادت تلك الاشتباكات، بحسب الامن العام، الى اصابة تسعة اشخاص بينهم اربعة من رجال الشرطة، فيما يقول الاسلاميون انها ادت الى اصابة العشرات واحراق مقر جماعة الاخوان المسلمين ومقر حزب جبهة العمل الاسلامي. وقال وزير الدولة الاردني لشؤون الاعلام والاتصال الناطق باسم الحكومة راكان المجالي ان الحكومة فتحت تحقيقا بالحادث، مشددا ان ما حدث "غير مقبول"، وان "الحكومة ستتعقب المتسببين به وتحاسبهم". بحسب فرنس برس.

واستهجن مجلس النواب الاردني "استعراض" الحركة الاسلامية، وقال المجلس في بيان نشرته وكالة الانباء الاردنية الرسمية ان "هذا العرض المستنكر والمدان قد حول الحراك المطالب بالإصلاح من حراك شعبي سلمي الى حراك فئوي عسكري بعيد كل البعد عن المطالبة بالإصلاح السلمي القائم على الحوار واحترام الرأي والرأي الاخر". واعتبر المجلس ان "العرض العسكري لا يقرأ سوى أنه فرض للعضلات وتحويل الحراك السلمي الى حراك ميليشيات عسكرية، اذ تم استبعاد العلم الاردني وتم رفع الرايات الخضراء وارتدى المشاركون عصبا خضراء في اشارة الى الاستعراضات العسكرية التي دأبت تنفيذها بعض الحركات في بعض الدول".

ودعا المجلس الحركة الاسلامية الى "خيار المشاركة الفاعلة في العملية السياسية والانضمام الى مسيرة الاصلاح الشاملة والابتعاد عن لغة الوعيد والتصعيد والاستعلاء والابتزاز واللجوء الى الترهيب والاستعراض العسكري". واكد ان "الاوطان تبنى بالمشاركة والحوار وليس بالمغالبة والفوضى والميليشيات فقد جرت هذه في اوطان كثيرة وادت الى خراب ودمار تلك الاوطان".

محافظ الجديد

من جهة اخرى قال مصرفيون ومحللون إن زياد فريز المحافظ الجديد للبنك المركزي الاردني والذي أشرف على تحول البلاد الى اقتصاد السوق بانه يملك المؤهلات اللازمة لادارة البنك في ظل تحديات متنامية ونمو بطيء للاقتصاد المعتمد على المساعدات. وتلقى فريز الذي تسلم مهام منصبه مؤخرا تعليمه في بريطانيا وهو اصلاحي نال تقدير صندوق النقد والبنك الدوليين والدوائر المصرفية في الداخل والخارج أثناء توليه عدة مناصب اقتصادية رئيسية.

والى جانب عمله بمواقع مصرفية رفيعة شغل فريز من قبل منصب وزير التخطيط ومحافظ البنك المركزي ووزير المالية خلال فترة عقدين شهدت تحرير القطاع المالي واستثمارات أجنبية بمليارات الدولارات وعمليات خصخصة بارزة جعلت الاردن من أكثر الاقتصادات انفتاحا في الشرق الاوسط. بحسب رويترز.

وتباطأ النمو الاقتصادي للأردن الى حوالي اثنين بالمئة سنويا في المتوسط منذ 2009 بعد نحو عقدين من نمو سنوي كان يبلغ ستة بالمئة في المتوسط ومع نمو في الصادرات وتدفقات رأسمالية غير مسبوقة واستثمارات خاصة. وحددت المملكة هدفا للنمو عند حوالي ثلاثة بالمئة في 2012 بعد أن سجلت نموا بنسبة 2.3 بالمئة العام الماضي.

وقال المصرفيون ان أولى مهام فريز هي المحافظة على الاستقرار المالي وسط مناخ اقليمي مضطرب واتخاذ خطوات لاستعادة الثقة في اقتصاد يعاني من ضعف النمو وتفاقم عجز الميزانية. وتأمل الحكومة في خفض عجز الميزانية الى 4.6 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي هذا العام من خلال وسائل من بينها قصر دعم الوقود على أصحاب الدخل المنخفض. ورغم قيام الاردن بتحرير أسعار الطاقة منذ عدة سنوات الا أنه أبقى على دعم وقود التدفئة وثبت أسعار البنزين.

وتتسبب واردات البلاد من النفط والتي ارتفعت لاكثر من 2.6 مليار دولار العام الماضي في مزيد من الارباك للميزانية. ويستورد الاردن معظم حاجاته من الطاقة بالاسعار التجارية. ودفعت زيادة الانفاق على أجور موظفي الجهاز الحكومي ومعاشات التقاعد وتثبيت أسعار البنزين العام الماضي عجز ميزانية 2011 الى 6.2 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي.

كان فريز استقال من منصب وزير المالية في 2007 بعد منعه من رفع أسعار البنزين وحذر من أنه بدون زيادة الاسعار فان العجز المالي سيبلغ نحو مثلي الهدف الاصلي. ومن المتوقع أيضا أن يعمل فريز على استعادة الثقة في استقلالية البنك المركزي واتباع سياسة نقدية تهدف الى تحقيق الاستقرار في العملة المحلية الدينار عن طريق زيادة جاذبية الاصول المقومة بها لتعزيز الاحتياطيات الاجنبية.

وتراجعت الاحتياطيات 15 بالمئة العام الماضي لتصل الى 10.5 مليار دولار في نهاية ديسمبر كانون الاول وهو ما يكفي لتغطية واردات سبعة أشهر تقريبا وذلك بسبب تراجع الاستثمارات الاجنبية من جراء عدم التيقن السياسي.

من جهة اخرى، اعلن صندوق النقد الدولي في بيان ان مديرته العامة كريستين لاغارد استقبلت العاهل الاردني في واشنطن. والاردن احدى الدول العربية التي يبدي الصندوق استعداده لمساعدتها ماليا. والاردن يستفيد كثيرا من المساعدة الاميركية العامة، لكن ارقام الامم المتحدة تشير الى ان تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة الى هذا البلد في 2008 كانت بريطانية (29%) واماراتية (26%) وكويتية (16%) وسعودية (11%).

ووقعت الولايات المتحدة مع الاردن معاهدة للتبادل الحر في العام 2000. وبحسب وزارة التجارة الخارجية، فان هذا الاتفاق طبق بالكامل في الاول من كانون الثاني/يناير 2010.

اصلاحات جديدة ستقدم عليها الحكومة الاردنية تلبية لمطالب المحتجين ربما ستسهم بتقليل حدة استهجان الشارع الاردني الامر الذي يصفه البعض بانه الفرصة الذهبية التي يجب ان تستغلها بعض الاحزاب والحركات الاسلامية كوسيلة ضغط من اجل الحصول على تنازلات حكومية يمكن ان تستفيد منها على المدى البعيد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31/كانون الثاني/2012 - 7/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م