أميّون... بلاحدود!!

عبد الرزاق الربيعي

حين قرأنا قصيدة الشاعر نزار قباني "أمية الشفتين " توقفنا عند العنوان الذي يصف به حبيبته التي تجهل كل ماله علاقة بالحب كما هو واضح من الأبيات الأولى من قصيدته التي نشرها في دواوينه الأولى:

أمية الشفتين.. لا تتبرمي

إني أتيتك هاديا ومبشرا

حتى أعلمك الهوى.. فتعلمي

أصغي إلي.. فإن وقتي ضيق

والقمح ينبت مرة في الموسم

خليك عاقلة.. ولا تستقبلي

مطر الربيع.. بوجهك المتجهم

كوني كما كل النساء.. فإنني

لا أعرف امرأة سواك بلا فم

ووجه الغرابة أننا كنا لا نعرف من الأمية الا نوعا واحدا وهو ما يتصل بالقراءة والكتابة فالأمي، ضمن هذا السياق، هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، وخلال السبعينيات ظهر مشروع محو الأمية من خلال تعليم الكبار، وكان الأمر في بداية ظهوره بالعراق اختياريا لكنه في نهاية السبعينيات صار إلزاميا وصار من المألوف أن تجد امرأة كبيرة في السن أو رجلا أشيب يحمل دفاتره وكتبه ليلتحق بمدارس تعليم الكبار ليتعلم القراءة والكتابة والحساب!

ولسان حاله يردد "بعد أن شاب أرسلوه للكتّاب"

وقد بذلت بعض الحكومات العربية،آنذاك مجهودا كبيرا من أجل تطبيق هذا البرنامج وأعطت حوافز للملتحقين به، بل وصارت أية معاملة تتطلب شهادة من هذه المراكز تؤكد أن حاملها التحق بهذا المشروع وبعد عقود من ذلك التاريخ.

تطور مفهوم الأمية في العالم فظهرت الأمية الإلكترونية حيث وصف الذين لايجيدون التعامل مع جهاز الحاسوب بالأميين الكترونيا وقرأت قبل أيام خبرا عن مشروع تقوم به دائرة البرامج التعليمية بمحافظة البريمي يسمى مشروع محو أمية لغة الإشارة حيث يهدف هذا المشروع الى نشر لغة الإشارة وزيادة توعية المجتمع بأهميتها وتشجيع المجتمع على التواصل مع ذوي الإعاقة السمعية.

ورغم تعدد المشاريع لكننا في المنطقة العربية لازلنا نعاني من انتشار النوع الكلاسيكي من الأمية أعني أمية القراءة والكتابة، حيث يشكل الأميون نسبة كبيرة في العالم العربي بسبب تعطل برنامج محو الأمية وإذا كان الأميون في السبعينيات من كبار السن والشباب الذين يقيمون في القرى النائية البعيدة عن مراكز التعلم فإن الأميون حاليا من مختلف الأعمار لكثرة التسرب من المدارس وهذا راجع لتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مناطق كثيرة من عالمنا العربي، ورغم كل الجهود التي تبذل من قبل الحكومات الا أن الأمية ظلت منتشرة والمسألة لاتتوقف عند التعليم بل تتعدى الى أمور كثيرة تتصل بحياة الإنسان الجاهل لذا فإن الأمين العام للأمم المتحدة، بان - كي مون قال برسالته التي وجهها بمناسبة اليوم الدولي لمحو الأمية الذي يوافق 8 سبتمبر من كل عام "يشكل الاحتفال باليوم الدولي لمحو الأمية في إطار موضوع ”محو الأمية والسلام“ تذكيرا مهما بأن المهام الحيوية المتمثلة في منع العنف وتخفيف حدة التوترات ووضع حد للنزاعات يتطلب جميعها إيلاء اهتمام لهذا الجانب الأساسي من كرامة الإنسان"

وبالوقت الذي تطالب به الشعوب العربية حكوماتها بالنهج الديمقراطي بعد استفحال ظاهرة الربيع العربي تظل الأمية عائقا كبيرا في ذلك إذ ليس من العدالة مساواة صوت المتعلم مع صوت الجاهل، لذا أرى من الضرورة العودة الى نقطة الصفر ووضع حلول لمشكلة الأمية، ومطالبة الشعوب بالتوجه الى مراكز التعلم والنهوض بعقول أبنائها تأهيلا لنفسها كي تستطيع أن تحكم نفسها وتدير شؤونها،كما ينص النهج الديمقراطي، وأنا هنا لا أطالب المجتمع بأن يكون متساويا في مستوى التعليم كي يتمتع بالديمقراطية، كما علق الصديق الشاعر فضل خلف جبر حين طرحت عليه الفكرة، حيث أكد من واقع اقامته في أمريكا أن هذا ما لم يحصل حتى في الدول الغربية، فالديمقراطية تأتي من القمة وتمارسها القاعدة تماما مثل الديكتاتورية وليس مثل ديمقراطية البروليتاريا التي تقود الى الفوضى لأنها تأتي من القاعدة وتفرض على القمة وهنا للجهل والأمية دوره في تسيير عجلة الأمور.

والذي نطالب به ليس تجنب الخيار الديمقراطي بل الإرتقاء بمستوى عامة الناس، ثقافيا، فليس من المعقول أن تجعل المجتمعات العربية الديمقراطية خيارا لها والأمية تشكل نسبة كبيرة من بنية هذه المجتمعات، فهذا يعني أن الأمية ستجد طريقا لها في الحكم كما هو واضح من سير اتجاه عواصف الربيع العربي!!

razaq61@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31/كانون الثاني/2012 - 7/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م