سئل الإمام مالك:" يا أبا عبد الله استوى على العرش، كيف استوى؟ قال
الراوي: فما رأيت مالكا وجد من شيء كموجدته من مقالته وعلاه الرحضاء
يعني العرق وأطرق القوم. قال: فسري عن مالك فقال: الكيف غير معقول،
والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإني
أخاف أن تكون ضالا، وأمر به فأخرج".
تعرق الإمام مالك فأخذته الحيرة وشله العجز عن الإجابة، فما وجد
مخرجا من المأزق سوى الاستواء معلوم الذي يدل على اللفظ الحسي فيكون
تشبيها وتجسيما، الكيف غير معقول بمعنى استواء الله تعالى غير استواء
المخلوقين أي هروب من المثلية ووقوع في التشبيه، والإيمان به واجب من
المسلمات، والسؤال عنه بدعة، وهنا لماذا السؤال بدعة؟!، وهل الجٌرم أن
يٌستفسر عن آية قرآنية !، ولماذا التشكيك والظن؟؟ (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ
الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12])، والعرش جاء ذكره العديد من المرات في
القرآن الكريم، والقرآن الكريم يدعوا إلى تدبره (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ
الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24])، فهل العجز عن
الجواب يعطي الحق في تعطيل العلم وقتل روح البحث، وعلى أي أساس حكم على
السائل بالضلال، أم تفرس فيه الرفض والجهمية !!، أين أنت يا مالك من
أمير الموحدين علي عليه السلام الذي قال وقال سلوني قبل أن تفقدوني.
على فرض استفزازية السؤال وسوء النية أليس من الحكمة التحلي بروح
القرآن الكريم (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ
رَبَّكَ هُو أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُو أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ [النحل: 125])، (وَلَو كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ
لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ
وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ
إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159])، وما غاب عن
مالك هو جهله بالتوحيد عمود الدين ورأس الهرم الذي بصلاحه تبنى المسائل
الفقهية على أساس متين، فمثلا لو سٌئِل عن الآية الكريمة (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُو
أَخْبَارَكُمْ [محمد: 31])، لفهم من ظاهر الآية أن الله تعالى لم يكن
يعلم المجاهدين والصابرين، وما تحقق له العلم إلا بعد الابتلاء !!،
ويلزمه لدفع هذه الشبهة أن يفهم الآية الكريمة (الرَّحْمَنُ عَلَى
الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5]).
كانت للخليفة الثاني شطحات منها الحمارية التي جعلها أصحاب المذاهب
السلطوية مرجعية في الاستنباط الفقهي !، وها هي شطحة مالك مع العرش
تصبح ملهما في فهم التوحيد وقدسية ما قاله السلف الصالح !!.
يقول ابن خلدون رغم كونه مالكيا:" وأيضاً فالبداوة كانت غالبة على
أهل المغرب والأندلس ولم يكونوا يعانون الحضارة التي لأهل العراق،
فكانوا إلى أهل الحجاز أميل لمناسبة البداوة، ولهذا لم يزل المذهب
المالكي غضاً عندهم لم يأخذه تنقيح الحضارة وتهذيبها ". وهذا ما يثبته
الإستقراء التاريخي فالمعز لدين الله الفاطمي لم يهنأ له بال حتى فتح
له جوهر الصقلي مصر، فبعده الاستراتيجي علِم أن الدولة الفاطمية لا
يمكن لها أن تصنع مجدا تتباهى به أمام الدولة العباسية إلا بالإنعتاق
من الأرض التي ينعدم فيها الحس الحضاري، وبذهابه إلى مصر تمرد
الصنهاجيون فأخمد خطرهم باللعب على قانون التناسبية وذلك بإرسال الفلول
الهلالية، فكان له ما أراد، تركيبة قبلية همها الكلأ والمرعى حينا،
والغارات والسطو حينا آخر.
استمد مالك روح مذهبه من عبد الله بن عمر بأمر من جعفر المنصور الذي
ألزمه بعبد الله بن عمر ولو خالف عبد الله بن عباس!!، وعبد الله بن عمر
محدث وليس بفقيه، ويكفي شاهدا جهله تطليق زوجته !!، وعند دراسة
الأحاديث المروية عن عبد الله بن عمر نجدها خالية من التوحيد والعدل
الإلهي وكيفية تسيير شؤون الأمة، ونجده أسهب وأكثر في فروع مناسك الحج
وتفاصيله دون أن ننسى آداب الخلاء، في صحيح البخاري – باب الوضوء- عن
عبد الله بن عمر قال:" ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي فرأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام "،
فضول ابن عمر في معرفة آداب الخلاء سببه القصور الفكري الذي أسقطه في
شرك انعدام الحياء !!، من عرف حقيقة التوحيد سقي شراب الطهارة
(وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً [الإنسان: 21])، وترفع عن
عالم السفلية والدونية.
يقول أحمد بن حنبل: " والقرآن كلام الله تكلم به، ليس بمخلوق ومن
زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أنّ القرآن كلام الله
ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من قول الأول، ومن زعم أنّ ألفاظنا
به، وتلاوتنا له مخلوقة، والقرآن كلام الله فهو جهمي، ومن لم يكفر
هؤلاء القوم فهو مثلهم ".
مجرد الاختلاف مع شيخ الحنابلة في مسألة كلامية تستوجب الخروج عن
الدين والكفر !!، والغريب من أين له سلطة التكفير والقتل أهي العصمة
!!، فالرجل محدث وليس بالفقيه بشهادة الطبري حيث يقول ابن الأثير: "
وإنّما بعض الحنابلة تعصّبوا عليه، ووقعوا فيه، فتبعهم غيرهم، ولذلك
سبَب، وهو أنّ الطبريّ جمع كتاباً ذكر فيه اختلاف الفقهاء، لم يصنف
مثله، ولم يذكر فيه أحمد بن حَنبَل، فقيل له في ذلك، فقال: لم يكن
فقيهاً، وإنّما كان محدّثاً ". ويقول الحافظ ابن كثير عن الطبري: "
دُفن في داره لأن بعض عوام الحنابلة ورعاعهم منعوا من دفنه نهارا،
ونسبوه إلى الرفض، ومن الجهلة من رماه بالإلحاد، وحاشاه من ذلك كله ".
إن مسألة خلق القرآن كلامية، وابن حنبل نقلي جاهل بعلم الكلام، فمن
تتويجات مذهبه ابن تيمية الذي وصلت به المعارف التوحيدية في بيان تلبيس
الجهمية إلى التجسيم والتشبيه" ولوقد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت
به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم أكبر من السموات والأرض،
فكيف تنكر أيها النفاج أن عرشه يقله "، ونسبة الحركة لله تعالى حيث
يقول في كتابه موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول " وأئمة السنة
والحديث على إثبات النوعين وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم كحرب
الكرماني وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما، بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة،
وأن ذلك هو مذهب أئمة السنة والحديث من المتقدمين والمتأخرين "، فهذا
مبلغ العلم الذي وصل إلى ابن تيمية من شيوخه الحنابلة ومن جملة:
"الاستواء معلوم".
لقد عانت الأمة كثيرا من مذاهب البداوة في الغلو والتكفير والإبادة،
والحركة الوهابية الإرهابية التي لم تعرف بيئة تعشش فيها سوى البداوة
(الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ
يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 97])، وما انتشارها ما كان إلا بسحر الدولار
والدعاية في ظل غياب العقل، فماذا جنت الأمة من هذه السلفية الهدامة
غير التفجيرات والقتل بالمئات والالاف للأبرياء من أمة محمد صلى الله
عليه وسلم وآله، فهذا بن لادن وذاك الزرقاوي يحصدون الملايين من أرواح
الأبرياء في العراق، والإخوان المسلمون يغرقون سوريا بالمرتزقة ليعيثوا
في الأرض فسادا من قتل وتمثيل بالجثث !!!، ولا عملية واحدة ضد الكيان
الصهيوني، وغزة بالجوار !!، والأغرب التنسيق مع الإسرائيليين
والمخابرات الأمريكية بقيادة هنري برنارد ليفي على طاولة واحدة بشرعية
استنبطها عالم البلاط القطري من القرآن !!، ويبقى السؤال بعلامة
استفهام كبيرة لأتباع المذاهب السلطوية الذين ينعقون في ظل التعصب
المذهبي الأحمق (أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ [هود: 78])؟. |