الانتحار حرقاً... جملة مستحدثة في قاموس السياسة الدولية!!

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: لا تزال النار مصدر من مصادر الطاقة المهمة التي يهتم بها الانسان لكونها تدخل في الكثير من مجالات الحياة، ذلك المصدر القيم تحول اليوم الى ظاهرة غريبة يلجأ اليها البعض للتعبير عن رفضهم واحتجاهم على بعض القرارات والامور التي تمس حياتهم اليومية من خلال الانتحار(حرقا) كما فعل الشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي اقدم على احراق نفسة امام مقر ولاية سيدي بوزيد (وسط غرب تونس) في رد فعل على اهانته من قبل الشرطة، تلك الحادثة التي كانت السبب المباشر بالإطاحة بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وكانت ايضا الشرارة الاولى لإشعال ثورات الربيع العربي في باقي بلدان المنطقة.

البوعزيزي لم يكن الوحيد الذي اقدم على مثل هكذا احتجاج فقد اعلن مصدر طبي ان التونسي عمار غرسلة الذي احرق نفسه امام محافظة قفصة وسط غرب تونس التي تعاني من نسبة بطالة مرتفعة، توفي متأثرا بحروقه. وقال المشرف في مستشفى الحروق الخطيرة في بن عروس في ضاحية تونس الجنوبية شكري الحسناوي ان "عمار غرسلة توفي الاثنين وتم نقله الى قسم الطب الشرعي في مستشفى شارنيكول في العاصمة تونس".واحرق غرسلة وهو اربعيني وله ثلاثة ابناء نفسه بعد ظهر امام مبنى محافظة قفصة فيما كان ثلاثة وزراء من الحكومة التونسية الجديدة يزورون المنطقة.

وافادت مصادر محلية ان الرجل كان ينفذ مع عاطلين عن العمل آخرين اعتصاما امام مبنى المحافظ منذ ايام مطالبين بلقاء الوزراء. وتعد قفصة التي يعيش سكانها على العمل في مناجم الفوسفات من اكثر مناطق تونس فقرا.

نيران البطالة

في سياق متصل توفي اردني يبلغ من العمر 52 عاما ليل بعد ان اضرم النار في نفسه بوسط عمان بسبب ظروفه الاقتصادية السيئة التي يعانيها، وهو الحادث الاول من نوعه في الاردن. وذكر المكتب الاعلامي في مديرية الامن العام في بيان ان احمد المطارنة "كان قد شوهد وهو يقوم باضرام النار بنفسه في منطقة وسط البلد وتم نقله الى المستشفى من اجل تقديم العلاج اللازم". وقال مصدر امني انه توفي في مستشفى البشير في عمان متأثرا بحروقه".

وحسب تصريحات اعضاء من عائلته فان المطارنة موظف سابق في امانة عمان حيث عمل 22 عاما واحيل على الاستيداع (نهاية الخدمة) في الاول من تموز/يوليو الماضي، ويعاني من ظروف اقتصادية صعبة حيث كان يعيل عائلة كبيرة مكونة من 15 فردا واوضحوا انه حاول الانتحار مرتين في السابق امام امانة عمان والديوان الملكي.

من جهتها اعربت امانة عمان عن "اسفها لوقوع هذا الحادث"، مشيرة الى انه "حصل على مبلغ تعويض من صندوق الضمان الخاص بموظفي الامانة بلغ ثمانية آلاف دينار (11260 دولار) حال تركه الخدمة". ولفتت الامانة الى ان "المذكور راجعها مطلع العام الماضي 2011 شارحا ظروفه المادية وطالبا منحه قرض الاسكان لموظفي الامانة بالسرعة الممكنة مما استدعى ادارة الامانة الى النظر في طلبه من منظور انساني حيث تم منحه مبلغ 30 الف دينار (42 الف دولار) واعطائه الاولوية قبل العديد من زملائه لظروف انسانية". وبحسب العائلة فأن هذه النقود نفدت بسبب "تراكم الديون".

فيما قضى مواطن اردني اخر بعد ان اضرم النار في نفسه في العاصمة عمان وفق ما علم من مصدر امني طلب عدم كشف هويته اشار الى ان المنتحر "يعاني من مرض نفسي". واوضح المصدر ان المواطن يدعى ياسين فلاح (54 عاما) وقد اضرم النار في جسده في حي نزال شرق عمان. وقال المصدر انه "يعاني من مرض نفسي ووصل متوفى الى مستشفى البشير". بحسب فرنس برس.

ويشهد الاردن، الذي يعاني من اوضاع اقتصادية صعبة، منذ نحو عام تظاهرات تطالب باصلاحات سياسية واقتصادية ومكافحة الفساد.

من جانب اخر توفي احد خريجي الجامعة العاطلين عن العمل اللذين اضرما النار في نفسيهما في الرباط، حسبما اعلن طبيب في مستشفى ابن رشد في الدار البيضاء. وصرح الطبيب الذي رفض الكشف عن هويته ان "عبد الوهاب زيدون توفي متاثرا بجروحه". وكان الشاب البالغ من العمر 27 عاما حاول احراق نفسه بعد ان سكب وقودا على نفسه في العاصمة. ونقل بعد اصابته بحروق من الدرجة الثانية الى مستشفى في الدار البيضاء (80 كلم جنوب الرباط) لتلقي العلاج في وحدة متخصصة. وكان زيدون الحائز دبلوما في التوثيق من جامعة فاس ضمن مجموعة من خريجي الجامعات يشاركون في اعتصام في مبنى تابع لوزارة التربية في الرباط للمطالبة بوظائف في القطاع العام.

وقالت الطالبة اسماء متحدثة باسم مجموعة الخريجين "نحن تحت الصدمة ولا نعرف ماذا سنفعل. حاليا سنواصل اعتصامنا". واضافت ان عشرات من خريجي الجامعات توجهوا الى الدار البيضاء بعد اعلان وفاة الشاب، للتجمع امام مستشفى ابن رشد.

واظهر تسجيل فيديو عرض على الانترنت والشبكات الاجتماعية خمسة رجال يسكبون الوقود على انفسهم خلال الاعتصام الا ان السائل لم يشتعل الا على اثنين منهم. ويتظاهر الاف المغاربة حائزي الشهادات الجامعية والعاطلين عن العمل بشكل شبه يومي منذ سنوات للمطالبة بوظائف في القطاع العام.

حاول شابان مغربيان عاطلان عن العمل ايضا احرق نفسيهما في الرباط وهما يتلقيان العلاج في المستشفى في الدار البيضاء، الا ان وضعهما "خارج دائرة الخطر"، على ما افاد مصدر استشفائي. وقال ممرض في المستشفى "الرجلان، لا يزالات يتلقيان العلاج في المستشفى الا ان حياتهما خارج دائرة الخطر". بحسب فرانس برس.

الانتحار جماعي

في السياق ذاته قال مسؤولون محليون ان نحو 70 مغربيا من العاطلين عن العمل هددوا "بالانتحار الجماعي" عندما حاولوا القيام بمسيرة الى محاجر فوسفات تعج بالمواد المتفجرة ما لم يتم تعيينهم في شركة الفوسفات التي تديرها الحكومة. وأضاف المسؤولون ان الشرطة تدخلت بقوة لفض الاحتجاج قرب مدينة بن كرير واعتقلت ستة للاشتباه في قيامهم باعمال التحريض. وكان اربعة خريجين من العاطلين اضرموا النار في انفسهم يوم باستخدام البنزين في قلب العاصمة الرباط . وقالت وسائل الاعلام المغربية ان هؤلاء الاشخاص اصيبوا بحروق لكنهم نجوا من الموت خلال احتجاج قاموا به للضغط على السلطات كي توفر لهم ولزملائهم الخريجين وظائف بالقطاع العام.

واصدرت محكمة في مدينة اسفي الواقعة على ساحل المحيط الاطلسي احكاما على عشرة اشخاص بالسجن لمدة اربعة اعوام وغرامة كبيرة لقيامهم باحراق ممتلكات عامة ومهاجمة الشرطة خلال اعمال شغب احتجاجا على البطالة. ومن بين هؤلاء العشرة الناشط المحلي عبد الجليل اكاضيل الذي قالت الجمعية المغربية لحقوق الانسان انه تعرض للتعذيب بعد اعتقاله لاجباره على الاعتراف بضلوعه في اعمال الشغب. وقضت المحكمة بسجن ستة اخرين اربعة اشهر لاشتراكهم في اعمال الشغب. وطبقا للبيانات الرسمية فان مدينتي اسفي وبن كرير تقعان في منطقة بها ثاني ادنى نصيب للفرد من الناتج المحلي الاجمالي واعلى نسبة للفقر وأوسع تفاوت للدخل. بحسب رويترز.

هذا وذكرت الصحف الجزائرية، أن شاباً جزائرياً في الثالثة والعشرين من عمره، توفي بعدما اضرم النار في جسده، بوسط مدينة أوقاس بولاية بجاية شرق الجزائر العاصمة. وقالت بعض المصادر، إن انتحار الشاب، سببه البطالة. وأكدت صحيفة ، أن الشاب الذي لم تذكر اسمه "صب على نفسه خمس لترات من البنزين وأضرم النار في نفسه". وقد حاول العديد من الأشخاص الذين كانوا بالقرب منه، إخماد النيران التي اشتعلت بجسده، الا أنهم لم يتمكنوا من ذلك. وبعد وصول الاسعافات، نقل إلى مستشفى أوقاس، لتلقي الاسعافات الأولية، قبل تحويله إلى مصلحة معالجة الحروق بالمستشفى الجامعي في سطيف، "إلا أنه فارق الحياة قبل إتمام الإجراءات الإدارية". وأكد المصدر، أن أهل الضحية أكدوا عدم معاناته من أي اضطراب نفسي، لكن أصدقاءه قالوا إن السبب وراء انتحاره يعود إلى البطالة. بحسب فرانس برس.

وحادثة اضرام النار في النفس هي الأولى من نوعها ببجاية، رغم أن المدينة الواقعة في منطقة القبائل تصنف الأولى في الجزائر من حيث عدد حالات الانتحار.

وذكر تقرير نشر سنة 2008، أعدته الحماية المدنية، أن بجاية، احتلت المرتبة الأولى في عدد حالات الانتحار بثلاثين حالة من بين 267، تليها الجزائر العاصمة بواحد وعشرين حالة.

وأحصت صحيفة الوطن في يوليو ستين محاولة انتحار باضرام النار في الجسم منذ ناير الماضي، من دون أن تحدد عدد الذين قضوا جراء ذلك.

حوادث المماثلة

الى جانب ذلك قالت شرطة نيبال ان رجلا من التبت مقيم في نيبال أشعل النار في نفسه في أحدث واقعة في موجة من احراق أبناء التبت لانفسهم خاصة في الصين احتجاجا على القيود التي تفرضها بكين على دينهم وثقافتهم. وقال ضابط الشرطة شيام لال جياوالي ان المحتج الذي لم يعرف اسمه كان يحمل علم التبت وهتف قائلا "عاش التبت" قبل أن يشعل النار في ملابسه في ضاحية بالعاصمة كاتمندو. وقال دهواس تامانج حارس امن خاص شاهد الحادث "رأيت ملابسه تشتعل لكن سرعان ما سيطر عليه رجال اخرون من التبت شاهدوه وأطفأوا النار وأخذوه بعيدا." وذكر الشاهدان أن الرجل لم تلحق به اصابات بالغة. وأضرم 11 على الاقل من أبناء التبت النار في أنفسهم هذا العام في اقليم سيشوان بجنوب غرب الصين الذي أصبح محورا لتحدي الحكم الصيني. بحسب رويترز.

وألقت الصين باللوم على الدلاي لاما الزعيم الروحي للتبت الحائز على جائزة نوبل للسلام والذي فر من التبت عام 1959 الى الهند بعد انتفاضة فاشلة على الحكم الصيني واتهمته بالتحريض على مثل هذه الحوادث. وقال هونغ لي المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في افادة صحفية يومية "هذه الممارسات تمثل تحديا للضمير الانساني والاسس الاخلاقية... مثل هذه الخطط لن تفلح." وتتعرض نيبال التي يسكنها 20 ألفا من ابناء التبت لضغط من بكين شريكتها التجارية ومانحتها الرئيسية لقمع أي أنشطة "مناهضة للصين" يقوم بها أبناء التبت.

من جانب اخر اعلن اتحاد عمال شركة هيونداي موتور الكورية الجنوبية لصناعة السيارات ان العمال في مصنع للمحركات بالشركة علقوا الانتاج هناك بعد ان اشعل موظف النار في نفسه احتجاجا على وقف الشركة المزعوم للانشطة النقابية.

وقال اتحاد عمال هيونداي انه عثر على هذا العامل واسمه العائلي شين وقد اشتعلت النار فيه في المصنع الواقع في بلدة اولسان بجنوب شرق كوريا الجنوبية ويرقد الان في حالة حرجة في مستشفى في بوسان القريبة. وقال مسؤول نقابي "علقنا الانتاج في مصنع المحركات بعد وقوع الحادث. الوضع خطير وقد يكون هذا التعليق مطولا اذا لم تقبل الشركة طلباتنا ومن بينها منع حدوث قمع للأنشطة النقابية مرة اخرى. "وقال متحدث باسم الشركة ان هذه الخطوة قد لا تؤثر على انتاج المحركات لان المصنع الذي ينتج محركات ديزل لمركبات فيراكروز التي تنتجها هيونداي صغير نسبيا ويمكن لمخزونات ومصانع اخرى ان تعوض وقف الانتاج.

ومن المعروف ان اغلب الديانات السماوية ترفض مبدا ايذاء النفس والانتحار الا ان ظاهرة الانتحار اصبحت سمه من سمات الاحتجاج والتعبير عن الرفض لدى بعض الشباب في السنوات الاخيرة، ومن المتوقع ان تجرى بعض الدراسات بهذا الشأن لغرض تحديد الاسباب والعوامل مع ايجاد الحلول المناسبة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/كانون الثاني/2012 - 5/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م