في الفترة الأخيرة طالعتنا الصحف والمواقع الإليكترونية بكثير من
المقالات بخصوص الندوة الدولية التي أقامها برنامج الخليج العربى
للتنمية "أجفند" بالرياض بعنوان (التمويل الأصغر والأعمال الإجتماعية)
حيث تحدث في تلك الندوة كلاً من الأمير طلال بن عبد العزيز والبروفيسور
محمد يونس ومدير عام صندوق الأوبك ومدراء بنوك الفقراء على مستوى الوطن
العربي موضحين دور بنوك الفقراء والتي أنشأتها مؤسسة أجفند كمبادرة
تنموية خلاقة لمحاربة الفقر في مختلف دول الوطن العربي.
ولكن دعونا بنظرة متمعنة ومحللة نتساءل ونجاوب بالأرقام موضحين
الحقائق بعيد عن هذا الزخم الإعلامي مبينين حقيقة ما تحتاجه صناعة
التمويل الأصغر العربية وحقيقة ما وصل إليه بنوك الفقراء في الوطن
العربي وسوف نجاوب في هذا المقال عن عدة أسئلة من واقع أرقام التقارير
الإقليمية والتي تصدرها المؤسسات المهنية أهمها التقارير الإقليمية
التي تصدرها مؤسسة سنابل – الشبكة العربية للتمويل الأصغر.
والأسئلة التي سوف نطرحها للمناقشة هي:- ماذا حققت بنوك الفقراء
التي أشأتها أجفند في الوطن العربي؟ وما هو مقدار فجوات التغطية في
قطاع التمويل الأصغر العربي وما هو عدد المؤسسات الجديدة التي تحتاجها
الصناعة للدخول في سوقها لإشباع فجوات التغطية؟ وما هو دور الحكومات
والمؤسسات الرسمية في دعم الصناعة؟ وما هو دور البنوك التجارية في
تمويل مؤسسات التمويل الأصغر وهل يتطلب منها التمويل المباشر للعملاء؟
وما هو دور رجال الأعمال والمستثمرين الإجتماعيين العرب في هذا المجال؟
فعن النتائج التي حققتها مبادرة إنشاء بنوك الفقراء في الوطن العربي
أجاب الأستاذ ناصر القحطاني المدير التنفيذي لمؤسسة أجفند بخصوص هذا
الموضوع في حوار له مع موقع البوابة العربية للتمويل الأصغر قائلاً
((النتائج ممتازة بكل المقاييس.. ففضلاً عن الإحصاءات الرقمية عن عدد
القروض، وأعداد المستفيدين: مليون مواطن عربي حتى الآن، فهناك نماذج
نجاح كثيرة لنساء أرامل نفذن مشاريع أخرجتهن من دائرة الفقر، بل بعضهن
أصبحن سيدات أعمال، وليس المستهدفون بالقروض والاستثمارات الصغيرة فقط
من يقدمون نماذج النجاح، ولكن بنوك الفقراء نفسها تستقطب التقدير
العالمي. فقد فاز بنك الفقراء في اليمن (بنك الأمل للإقراض الصغير)
بالعديد من الجوائز منها جائزة التميز من سنابل، المركز الأول في
المسابقة العالمية "تحديات التمويل الإسلامي الأصغر لعام 2010". وهي
المنافسة التي شارك فيها 130 مؤسسة مالية وبنكاً ومؤخراً بجائزة أفضل
ابتكار في منتجات التمويل الأصغر في العالم وذلك على هامش القمة
العالمية السادسة لإنجازات التمويل الأصغر.
الهدف الآن من شقين.. الشق الأول تركيز مقومات النجاح في البنوك
القائمة، والهدف الآخر الاستمرار في التوسع وتأسيس بنوك في الدول التي
اقتنعت، ولديها استعداد للتجاوب مع متطلبات أجفند، وتحسين بيئاتها
القانونية.
وتعقيباً على ما قالة الاستاذ ناصر فإن في اعتقادي الشخصي أن
الأرقام التي حققتها بنوك الفقراء في الوطن العربي مازالت صغيرة إذا ما
قورنت بمقدار حجم الطلب ومقدار فجوات التغطية للصناعة في الوطن العربي
حيث وضحت في مقال سابق لي بعنوان العرب يحتاجون الى 213 بنكاً جديداً
للفقراء فهل من مستثمر(مشمر)؟ قائلاً ((ان فجوة التغطية في صناعة
التمويل الأصغر العربية تقدر بحوالي 19 مليون عميل محتمل قادر على
الحصول على خدمات التمويل الأصغر وغير مخدوم مما يستلزم ضخ 16.6 مليار
دولار أمريكي في محفظة القروض الإجمالية وبحسب تقديرات التقرير العربي
الإقليمي للتمويل الأصغر فإن متوسط عدد المقترضين للمنشآت الأكثر
إنتشاراً في الوطن العربي لعام 2009 هو89 ألف عميل (وبإفتراض أن بنوك
الفقر الجديدة سوف تحقق نفس إنتشار المؤسسات الأكثر إنتشاراً على
المستوي العربي) فإننا نحتاج في مصر الى 54 بنك جديد للفقراء/ مؤسسة
تمويل أصغر حيث ان فجوة التغطية في مصر تقدر بحوالي 4.8 مليون عميل
ونحتاج في السودان 47 بنك جديد للفقراء حيث ان فجوة التغطية في السودان
تقدر بحوالي 4.2 مليون عميل ونحتاج في اليمن 27 بنك جديد للفقراء جديد
حيث ان فجوة التغطية في اليمن تقدر بحوالي 2.4 مليون عميل ونحتاج في
الوطن العربي ككل الى213 بنك جديد للفقراء)).
وعن دور الحكومات والمؤسسات الرسمية في دعم الصناعة قد بينت في
سلسلة مقالات سابقة بعنوان الأطر التشريعية للتمويل الأصغر في البلدان
العربية أن البيئات التشريعية في البلدان العربية من أهم المعوقات التي
تقابل الصناعة وعلى العموم أري أننا في البلدان العربية أصبحنا الآن في
عملية حراك مستمرة لإصلاح البيئة التنظيمية والتشريعية للقطاع حيث أننا
نجد حكومات الدول العربية المختلفة تتخذ القرارات لدعم الصناعة فلقد
نمت الصناعة في الوطن العربي وإستطاعت أن تلفت إليها أنظار تلك
الحكومات فتم وضع قانون خاص بالتمويل الأصغر في سوريا واليمن وقام
البنك السوداني المركزي بإصدار عده لوائح تنظيمية للصناعة وكذلك الحال
في فلسطين وفي مصر وفي تونس تم مؤخراً عقد مؤتمر لمناقشة أهمية حاجة
القطاع التونسي الى إصدار قانون جديد خاص بالتمويل الأصغر كما تعمل عدة
منظمات على الإشتراك في تحسين البيئة القانونية للقطاع في الوطن العربي
منها الشبكة العربية للتمويل الأصغر ومنظمة سيجاب التي تنظم أثناء
المؤتمر السنوي منتدى السياسات وتسعى الى اشراك ممثلي البنوك المركزية
العربية وممثلي وزارات المالية العربية.
إن الأطر التشريعية لصناعة التمويل الأصغر في البلدان العربية تحتاج
لكثير من البناء والإصلاحات وأعتقد أننا نسير بخطى مقبولة للعمل على
تلك الإصلاحات فأتصور أننا في خلال ثلاث سنوات على الأكثر سوف يطبق
قانون خاص بمزاولة التمويل الأصغر في أغلب الدول العربية.
وعن دور البنوك التجارية فلقد جاء بتقرير الاقليمي والذي أصدرته
شبكة سنابل أنه تشير مقاييس الأداء المقارن لعام 2009 أن البنوك
المحلية التجارية في الدول العربية تلعب دوراً مهماً في قطاع التمويل
الأصغر حيث تمول 70 % من أنشطته ومع ذلك مازال نقص التمويل عائقاً يحول
دون التوسع في محافظ القروض بالمؤسسات خاصة المؤسسات المتوسطة والصغيرة
ومن المتوقع أن يلعب التوسع في مصادر التمويل بإضافة الديون شبه
التجارية دوراً حاسماً في المستقبل.
وأتصور أن على البنوك التجارية الإنخراط أكثر في سوق التمويل الأصغر
سواء بزيادة التمويلات الموجهة لمؤسسات التمويل الأصغر أو عن مشاركتها
المباشرة في إقراض العملاء عن طريق أن يكون لكل بنك كيان مؤسسي يقدم
خدمات التمويل الأصغر للعملاء الذين لا يستطيعون الحصول على تمويل من
الجهات المصرفية الرسمية سواء كان هذا الكيان سوف يأخذ شكل شركات تابعة
له أو إدارات ضمن إداراته أو أي شكل يناسب الواقع التشريعي في كل بلد
من البلدان العربية.
أما عن دور رجال الأعمال والمستثمرين الإجتماعيين العرب فلقد تضمنت
مقالة لي من قبل بعنوان صناعة التمويل الأصغر وجذب رؤوس الأموال
العربية الخاصة دعوة لكل رجل أعمال يريد أن يستثمر لتخفيف معاناة
الفقراء بأن يقوم بالإستثمار في مجال التمويل الأصغر موضحاً ما جاء
بتقرير ميكس 2010 أن القطاع هو قطاع واعد يحقق متوسط معدلات عوائد
عالية حيث يحقق القطاع 4.3% كمتوسط عائدات على الموجودات ويحقق عوائد
على المحافظ بنسبة 25% كما أنه يحقق معدلات شطب أقل ما يكون على مستوي
الصناعة في العالم حيث وتمثل 0.28%.
إن ما أريد عرضه هو إظهار الفجوة الكبيرة بين العرض والطلب في صناعة
التمويل الأصغر العربية وتوضيح أن الطلب يفوق الكثير جدا للعرض المطروح
وأيضا أريد حث رؤوس الاموال العربية الخاصة (ملكية عائلات أو اشخاص)
للإستثمار في صناعة التمويل الأصغر لما لها من أهداف إجتماعية جليلة
وهي أيضا صناعة مربحه بلا شك.
الخلاصة:-
على جميع الجهات المعنية أن تتضافر وتضاعف جهودها لعدم صناعة
التمويل الأصغر للأهمية التي تعنيها الصناعة للفقراء فالصناعة تعتبر
مصدر التمويل الأساسي لهؤلاء الفقراء كما أنها قادرة على إحداث التنمية
السريعة لما لها من تعامل مباشر مع تلك الفئات وعلية يجب الآتي:-
1. برغم الجهود التي تقدمها مؤسسة أجفند في إنشاء بنوك الفقراء
فيتطلب منها سرعة الإنتشار حيث أنها تعتبر الجهة الوحيدة المعنية بذلك
ويقع على عاتقها نشر تلك البنوك في الوطن العربي.
2. على جميع الحكومات العربية العمل على تحسين البيئات التشريعية
مما يساعد على ترسيخ أركان الصناعة.
3. على البنوك التجارية تخصيص المزيد من حصص التمويل لمؤسسات
التمويل الأصغر كما يمكنها دخول سوق التمويل الأصغر كمقرض مباشر
للعملاء عن طريق إنشاء كيان مؤسسي خاص بها يناسب البيئة التشريعية
الخاصة بكل بلد عربي.
4. على المستثمرين العرب وبالأخص المستثمرين الإجتماعيين الإنتباه
الى أهمية صناعة التمويل الأصغر والعمل على زيادة استثماراتهم في هذا
المجال.
5. على مؤسسات التمويل الأصغر العربية الكبيرة تقديم الدعم الفني
للمؤسسات الصغيرة والعمل على نقل الخبرات إليها. |