حضرة السلطان أردوغان والعربان

علاء الخطيب

هلل العرب كثيراً لأردوغان حينما عزف على وتر فلسطين وراحوا يتمايلون طرباً حينما أجاد تمثيل دوره في مسرحيةٍ أمام بيريز في مؤتمر دافوس، وختمها بسفينة المساعدات الى غزة، حينما ضحى بمجموعة من الأتراك المخدوعين به، حينها أثبت أنه عربي للـ(الكشر) ومسلم للـ(الوحة). فأصبح النجم رقم واحد طبعاً هذا بعد الممثل التركي مهند حتى ما يزعل البعض. وانطلت اللعبة على الأغبياء من العرب ولم يفكر أحد في كون ما يقوم به السيد أردوغان مجرد مسرحية محبوكة السيناريو ورصينة الإخراج والمؤثرات الإعلامية. ولم يجهد العرب أنفسهم بتحليل الواقع التركي وإمكانية أردوغان للقفز على كل الثوابت للدولة العلمانية التركية الحليفة للغرب والمرتبطة بالمؤسسة العسكرية العلمانية.

 أردوغان العسلامي ( الاسلامي العلماني) يعلم ان تركيا هي عضو في حلف الناتو ومرتبطة بمنظومة عسكرية أطلسية وهي تحتضن قاعدة أمريكية وتقيم علاقات مميزة مع إسرائيل وتجري معها مناورات وتعاون عسكري وأمني، كيف لها بين ليلة وضحاها أن تكون ضمن محور الدول المعادية لأسرائيل والمناصرة للعرب والمسلمين، والمدافعة عن حماس وحقوق الشعب الفلسطيني، كيف تسمح الدول الغربية والولايات المتحدة لتركيا أن تقوم بهذا الدور المتحدي لسياسة الغرب وإسرائيل، وتركيا تتلقى المساعدات من الغرب ويعتمد دخلها القومي على عائدات العمالة التركية في أوربا، وان تسليح الجيش التركي يعتمد هو الآخر على المنح الأمريكية، فهل من عاقل يصدق هذا التوجه التركي إتجاه حلفاء الأمس؟

 هذا الدور هو مشابه تماماً لما قامت به قناة الجزيرة القطرية حينما كانت الصوت المرتفع لتنظيم القاعدة وكلنا يذكر بيانات اسامة بن لادن وايمن الظواهري التي كانت تبث من على شاشة الجزيرة دون سواها، وبنفس الوقت كانت تسوِّق المسؤولين الإسرائيليين فهي القناة الأولى التي كسرت الحصار العربي على الإسرائيليين ليظهروا بعد ذلك على شاشات الدول العربية ويستسيغ المواطن العربي حديثهم ويألف وجوههم.

ولاستكمال فصول المسرحية قام الأمريكان بضرب مكتب الجزيرة في بغداد، ناهيك عن إعتقال بعض مراسليها المحسوبين على القاعدة ( كتيسير علوني وغيره) والبقية من الإخوان لتظهر أمام الراي العام العربي بأنها تساند الشعوب وانها ضد التوجهات الأمريكية في المنطقة وأنها صوت إسلامي بمرجعها الواعظ القرضاوي.

 ومن أجل زيادة الحبكة راحت بعض الأنظمة الخليجية والعربية بإغلاق مكاتب الجزيرة في عواصمها، وكل ذلك كان صناعة أمريكية إسرائيلية بامتياز، فهل يعقل كذلك أن تكون قطر تلك الدولة الصغيرة نداً للولايات المتحدة وتعمل ضد المصالح الغربية، وهل يسمح لها بذلك؟

 ثم يأتي دور المسلسلات التركية التي غزت الفضائيات العربية والتي مهدت العقل العربي لدخول أردوغان وتركيا اليه. فكان بطل هذا الدخول امير سعودي هو الوليد بن طلال صاحب قنوات العهر العربية.

لقد أوجدت الدراما التركية واقعاً جديداً وهو واقع المسلم الذي لا يقيم وزناً لعقيدته، فقد أظهرت هذا المسلم الذي يعشق الحرام ويشرب ويزني ويصلي على النبي إذا ما ذكُر والمرأة السلمة التي تصوم رمضان و تقيم علاقات غير شرعية وتنجب أطفالاً غير شرعيين، والقائمة تطول. فقد روضت هذه المسلسلات المجتمع العربي لتقبل الإسلام الأوردغاني الجديد.

 وبالفعل نجح المخططون يساعدهم في ذلك غباء العربان فقد انتشرت أحزاب العدالة و... في الدول العربية وراحوا زعماء الأحزاب يقلدون أردوغان، ولم يتعظوا من التاريخ حينما قلدنا كببغاوات الأحزاب التركية مطلع القرن المنصرم، كتركيا الفتاة والإتحاد والترقي وغيرها.

وكأن العقل السياسي العربي قد توقف وجُمد وكان في غيبوبة منذ عقود وعاد ليقلد الأتراك في إبداعاتهم السياسية.

 لقد قام كل من الجزيرة واوردغان بدور خطير ومازالا وهو تمكنهم من إستبدال الصهيونية العدو الأول للعرب سابقاً بالشيعة واستبدال إيران بإسرائيل، والمتابع للإعلام العربي سيجد أن إسرائيل قد نسيت ولا أحد يتكلم عن جرائمها وإنتهاكاتها اليومية بحق الشعب الفلسطيني وكل ذلك بفضل السيد اوردغان والجزيرة.

لذا كان تصريح اوردغان الأخير بمثابة الكشف عن وجهه الطائفي القبيح، فقد أعلن انه سيتدخل في العراق فيما إذا حصل نزاع طائفي، فالرجل جعل من نفسه وصياً على المنطقة والسنة في العالم وهو يحاول إستعادة الدور التركي العثماني المفقود منذ العام 1923م،

 السيد اوردغان ومن خلال تصريحه هذا يستفز ويستنفر المشاعر الطائفية في المنطقة ويفتح الباب للتدخل الأجنبي في العراق وهي دعوى صريحة للحرب الطائفية القادمة، واول الغيث هو تصريح القاعدة بشن حرب في العراق ضد ما أسماه الإحتلال الصفوي.

 فالحرب الطائفية قادمة في منطقتنا لا محالة فيما إذا بقي أمثال اردوغان وحمد بن جاسم وغيرهم يلعبون بمقدرات الشعوب، فمن الأفضل للسيد اردوغان ان ينشغل بتطهير خصومه الداخليين.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/كانون الثاني/2012 - 4/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م