الريال في مواجهة الدولار... حرب في داخل إيران

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: يمر الاقتصاد الايراني بمنعطف خطير بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضت على هذا البلد مؤخرا، والتي جاءت على خلفية البرنامج النووي له، الذي تعارضه الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة الدول الغربية بشكل قاطع، في سياق جهود تلك الدول في الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة والعالم، حسب زعمها.

ويرى بعض المراقبين ان مثل هكذا عقوبات يمكن ان تزيد من صعوبة تحصيل ايران قيمة صادراتها ولاسيما النفط، باعتباره المصدر الرئيسي والحيوي للعملة الصعبة في إيران خامس أكبر الدولة مصدرة للنفط في العالم، مما قد تتسبب إسقاطاته بتفاقم المشاكل داخلية، خصوصا مع ارتفاع معدلات التضخم وازدياد نسب البطالة، الى جانب الكثير من التعقيدات الاقتصادية الأخرى.

وبعد تلك العقوبات الاقتصادية شهدت سوق الصرف في طهران تقلبات قوية بعد تدخل البنك المركزي لرفع قيمة الريال ازاء الدولار بحسب ما افادت وسائل الاعلام ومتعاملون. وضعفت العملة الايرانية من جراء العقوبات الاميركية الجديدة المرتبطة بالبرنامج النووي الايراني المثير للجدل والتهديدات بإجراءاته اضافية من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية. فقد اورد موقع متخصص ان الريال ارتفع بنسبة 21% امام الدولار ليصل الى 14 الف ريال للدولار فيما اعطت وسائل الاعلام ومتعاملون في الصرف ارقاما مختلفة. وبحسب وكالة الانباء الايرانية الرسمية فانه كان يجري التداول بالدولار لقاء 15600 ريال. وكان وزير الصناعة والتجارة والمناجم مهدي غضنفري اعلن ان الحكومة طلبت من البنك المركزي "ضخ دولارات في السوق" مضيفة انه "وعد بالقيام بذلك". بحسب فرنس برس.

وقال رئيس البنك المركزي الايراني محمود بهماني في تصريحات نقلتها وكالة الانباء الطلابية ان "ارتفاع سعر الدولار ناجم عن عوامل نفسية وستلاحظون انخفاض سعر الدولار" في الايام المقبلة. واضاف ان "الحكومة تعتزم القيام بسلسلة اجراءات لضبط سوق الصرف". وقال بهماني "اؤكد ان العقوبات الدولية لا تخلق اي مشكلة اقتصادية للبلاد. الاعداء يعرفون ذلك ويسعون لاثارة توتر نفسي لكن علينا الا ندخل في لعبتهم". ونصح الايرانيين بالامتناع عن شراء الدولار. وتؤمن الصادرات النفطية ثمانين بالمئة من العملات الاجنبية لإيران ثاني دولة منتجة للنفط في منظمة البلدان المصدرة للنفط (اوبك)، اي حوالى مئة مليار دولار للسنة. و قد احتسبت ميزانية ايران على اساس الدولار ب10500 ريال. الامر الذي قد يحرج الحكومة الايرانية في بعض التزامتها اذا ما شددت تلك العقوبات.

وكان الرئيس الاميركي باراك اوباما وقع على قانون يشدد العقوبات على القطاع المالي الايراني بهدف حث طهران على التخلي عن برنامجها النووي المثير للجدل. وتنص الاجراءات الجديدة على السماح لاوباما بتجميد ارصدة اي مؤسسة مالية تتعامل مع البنك المركزي الايراني في قطاع النفط.

الامر الذي لقي معارضة شديدة من جانب الصين الحليف الاقتصادي الاول لإيران والتي طلبت عدم فرض "عقوبات احادية" ضد طهران. من جانبها فقد هددت ايران بإغلاق هذا المضيق في حال فرض عقوبات دولية جديدة عليها ما حمل واشنطن على توجيه تحذير شديد اللهجة.

الى جانب ذلك فقد اتخذت الحومة الايرانية مجموعة من الاجراءات لغرض الحفاظ على سعر صرف الريال وسعت الى رفع اسعار الصرف في المصارف ومكاتب الصرف. لكن عددا من مكاتب الصرف رفض شراء او بيع الدولارات بالسعر المحدد واستمر الصيارفة بالتعامل في السوق السوداء رغم مراقبة الشرطة.

وذكرت وسائل اعلام أن الحكومة الايرانية اتخذت بعض القوانين الرادعة وان السلطات ستلقي القبض على من يتاجرون في العملات الاجنبية في السوق السوداء في أحدث محاولة لوقف تراجع العملة المحلية والذي يرجع جزئيا على الأقل لعقوبات اقتصادية غربية جديدة. ونقلت صحيفة ابتكار عن نائب محافظ البنك المركزي الايراني ابراهيم درويش "حيازة عملات أجنبية بدون ايصال من منفذ رسمي عمل غير قانوني وعقوبته غرامة تعادل مثلي المبلغ (المضبوط)." وقال درويش "سيحاكم المتعاملون في السوق السوداء وسيقبض على من يحملون عملات أجنبية بدون ايصال."وهبط الريال الايراني لمستويات قياسية مقابل الدولار بعد أن وقع الرئيس الامريكي باراك أوباما مشروع قانون يقر عقوبات على البنك المركزي الايراني مما دفع المواطنين للتهافت على شراء العملات الصعبة التي أصبحت أكثر ندرة. بحسب رويترز.

هذا وهونت ايران من تداعيات تلك العقوبات وقالت انه ما من نقص في الدولارات وحمل مسؤولون المضاربين مسؤولية ارتفاع سعر الدولار وأبدوا أملهم في أن توقف الاجراءات الجديدة الايرانيين الذي يسعون لتحقيق مكاسب سريعة نتيجة تراجع الريال الايراني. هذا وقد وتردد أن البنك المركزي قد ضخ 200 مليون دولار في السوق كخطوة مضادة لرفع قيمة الريال الايراني بعد أن دفعت العقوبات بعض الايرانيين لتحويل الريالات الى عملة صعبة مما أدى لتسارع صعود الدولار في السوق المفتوحة.

وأعلن المركزي الايراني أنه سيتحرك لتحقيق الاستقرار في سعر العملة وفرض سعرا رسميا هو 14 ألف ريال للدولار الذي شهد ارتفاعا قياسية لكن العديد من مكاتب الصرافة تحجم عن البيع بهذا السعر. وارتفع سعر الدولار الى حوالي 17 الف ريال حسبما ذكرت مكاتب صرافة بزيادة 50 بالمئة عن "السعر المرجعي" للبنك المركزي البالغ 11240 ريالا.

وذكرت بعض مكاتب صرافة في ايران أنها أوقفت مبيعات الدولار كليا لان البنك المركزي أصدر تعليمات بألا تبيع بسعر أعلى من 14 ألف ريال. وهي تعرض شراء الدولار بسعر 13900 ريال ولكنه لا يلقى قبولا بعد بعد ما شهده السوق من ارتفاع وصل الى ما بين 16 و17 ألف ريال. فقد قال حميد بخشي "يتغير السعر كل ثانية... لا نستبدل أي ريالات بالدولار او أي عملة أخرى." فيما قالت زهرة غبادي ربة منزل تقف في طابور طويل في البنك "ادخر مبلغا في حسابي... أحاول سحبه وتحويله الى دولارات." وذكر احد الوسطاء رفض الكشف عن اسمه ان "ممثلين عن البنك المركزي منعوا بيع الدولار بأكثر من 14 الف ريال". وفي الشارع كان يتم شراء الدولار ب15600 ريال وبيعه ب 15700 ريال.

اجراءات اكثر حزم

هذا وتسعى السلطات الايراني الى فرض اجراءات جديدة من اجل الاستقرار الاقتصادي في البلاد وفي مؤشر على حساسية القضية من الناحية السياسية يقول ايرانيون اعتادوا القيود على الانترنت والاتصالات عبر الهاتف المحمول انهم لم يتمكنوا من ارسال رسائل نصية تتضمن كلمة "دولار". وقال مالك وهو موظف حكومي في طهران عمره 45 عاما "حاولت انا وزملائي تبادل رسائل نصية داخل المكتب ولدهشتنا وجدنا ان الرسائل التي تتضمن كلمات مثل 'دولار' و'عملة أجنبية' لا تصل." وتحدثت الصحف عن المشكلة مضيفة أن مسؤولين نفوا حجب رسائل وقال ايرانيون ينتابهم القلق بشأن الاقتصاد انه جرى على ما يبدو حجب رسائل نصية عبر الهاتف المحمول تتضمن كلمة "دولار".. بحسب رويترز.

ويمثل انخفاض العملة خطرا كبيرا على أسعار المستهلكين في بلد يحوم فيه معدل التضخم حول 20 بالمئة بالفعل ويواصل الارتفاع.

اوباما والفوضى

الى جانب ذلك دافع الرئيس الاميركي باراك اوباما بقوة عن سياسته حول الملف النووي الايراني مشددا على ان الاقتصاد الايراني "تعمه الفوضى" نتيجة العقوبات، وذلك ردا على انتقادات حادة من قبل منافسيه الجمهوريين. وكان اوباما مترددا في السابق في الرد على هجمات الجمهوريين حول جهوده لوضع حد للبرنامج النووي الايراني الا انه تناول الموضوع خلال اجتماع لجمع اموال في نيويورك من اجل الانتخابات الرئاسية.

وقال ان الولايات المتحدة قامت بتعبئة العالم لفرض عقوبات "لا سابق لها" على طهران لتوجيه "رسالة واضحة وهي اننا لن نقبل بان يمتلك النظام الايراني السلاح النووي". واضاف اوباما "لقد تمكنا من كسب تاييد الصين وروسيا اللتان لم تنضما ابدا من قبل" الى مثل هذه العقوبات في مجلس الامن الدولي". وتابع ان هذه العقوبات "كانت فعالة الى حد ان الايرانيين انفسهم اقروا بانها احدثت فوضى في اقتصادهم". ومضى يقول "عندما تسلمت السلطة، كانت ايران موحدة بينما العالم منقسم. اما اليوم، فهناك اسرة دولية موحدة تقول لايران ان عليها ان تغير موقفها".

الا ان اوباما اقر بان ايران لم تقرر بعد السماح للاسرة الدولية بتفتيش برنامجها النووي مما يمكن ان يساعد في خروجها من عزلتها.

مزيد من المشاكل

وفي السياق ذاته نشرت صحيفة الديلي تليغراف تقريرا مطولا كتبه ثلاثة من صحفييها تحدثوا فيه عن المشاكل الاقتصادية الكبيرة التي تواجه ايران حيث فقدت العملة الايرانية، الريال الكثير من قيمتها مؤخرا وبات سعر صرفها يتذبذب ويختلف من ساعة الى اخرى مما ارغم التجار الايرانيين على استخدام الذهب في ابرام صفقاتهم. وتنقل الصحيفة عن احد تجار العاصمة طهران قوله لا يمكننا ابرام اي صفقة مع الشركات الاخرى لان الاسعار تتغير كل ساعة والحكومة قيدت استخدام العملات الصعبة وبالتالي لم يعد امام التجار سوى اللجوء الى الذهب.

وتقول الصحيفة إن الثمن الذي ستدفعه طهران بسبب اصرارها على المضي في برنامجها النووي سيكون مرتفعا للغاية. واشارت الصحيفة الى ان الريال الايراني قد تراجع مما حدا بالعديد من الايرانيين الى اللجوء الى العملات الاجنبية والذهب.

وقد ادت الازمة التي تعيشها ايران حتى الان الى افلاس نصف الشركات العاملة في احدى اكبر المناطق الصناعية في العاصمة طهران حسبما نقلت الصحيفة عن وكالات انباء الايرانية.

وتوضح الصحيفة ان الحكومة تحمل العقوبات الدولية المسؤولية عن الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد بينما يرى العديد من الايرانيين ان هذه الازمة نتيجة سوء الادارة والفساد.

ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية ووجود اغلب زعماء المعارضة في السجون او ممنوعين من المشاركة فيها، فأن الخطر الاكبر على حكومة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد مصدره التيار المحافظ وخاصة المرشد الاعلى علي خامينئي، اذ يتهم نجاد مساعدي خامينئي بتصعيد المواجهة مع الغرب مما يؤدي الى تشديد العقوبات على ايران وتدمير الاقتصاد ومصداقيته امام الشارع الايراني.

ايقاف التعامل بالتومان

وعلى صعيد متصل أوقف غالبية التجار وأصحاب المحال التجارية في مدينتي النجف وكربلاء العراقيتين العمل بعملة التومان الإيراني، مبررين ذلك بانخفاض قيمة التومان الى ما يقارب أكثر من نصف قيمة الدينار العراقي. وقال صاحب شركة صيرفة حول هذا الموضوع إن "قيمة التومان الإيراني هبطت إلى مستويات منخفضة جدا إذ وصلت قيمته أمام الدينار العراقي خمسمئة دينار بينما كانت قيمته أكثر من ألف دينار. مضيفا "هذا الانخفاض جعل التجار وأصحاب المحال التجارية يوقفون التعامل به ويشترطون التعامل بالدينار العراقي أو الدولار الأميركي. مشيرا إلى ان أسواق النجف وكربلاء تشهد عرضا كبيرا لعملة التومان وهذا دليل على انخفاض قيمته. من جهته قال صاحب محل لبيع الملابس إن نزول قيمة التومان الإيراني حدت من إقبال الزوار الإيرانيين على شراء الهدايا أو التبضع من الأسواق العراقية. بحسب اذاعة الهدى.

الى ذلك قال رئيس غرفة تجارة النجف زهير شربة إن "انخفاض قيمته التومان الإيراني تساعد على زيادة القدرة الشرائية للتاجر العراقي، الفتا الى انه في حال تحولت العملة من التومان الى الدينار العراقي سينخفض عدد الزوار الإيرانيين بسبب تضاعف السعر، مبينا أنه اذا بقي التومان على هذا النزول سوف يضطر التجار وأصحاب المحال التجارية للتعامل بالدينار العراقي فقط.

وهذه ومن المفترض ان تسعى السلطات الايرانية لإيجاد خطط بديلة تساعد في رفع خطر تلك المشاكل الاقتصادية التي تهددها من خلال الاعتماد على تجارب المماثلة مرت ببعض بلدان المنطقة والاستفادة من تلك التجارب، خصوصا ان التجربة ذاتها مرت بالنظام الديكتاتوري السابق في العراق، قبل ان تهيئ الولايات المتحدة وحليفاتها الغربية معركة اجتياحه عام 2003.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/كانون الثاني/2012 - 2 /ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م