السكوت طريق الرقيّ... والتأمل طريق الصواب

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: في محاضرة قيّمة لسماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، حول أثر الصمت في حياة الانسان، يقول فيها، إن (العاقل يفكّر ثم يتكلّم)، ولعلنا نتفق على بلاغة هذا الكلام وقوة تأثيره، على مستوى المعنى والفعل في آن واحد، وقد جاءت تأكيدات سماحة المرجع الشيرازي على قيمة السكوت في حياة الانسان، لتفتح أمام الجميع آفاق التأمل وقدرته على نقل الانسان من حالات التعجّل والتسرع وارتكاب الاخطاء، الى حالات التفكير السليم، وما أحوجنا إليها في حياتنا.

قيمة الوقت بين الصمت والكلام

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي أيضا: (إن السكوت هو الطريق الأفضل والأسرع لرقيّ الإنسان وتكامله؛ لأن الإنسان ميال بطبيعته لأن يقول كلّ ما يشعر به ويعلمه ويعرفه، مع أن معظمه لا يتناسب من حيث القيمة مع ما يصرفه الإنسان من وقت في هذا السبيل، في حين أن التأمل والتفكر يعطي نتائج أفضل. وإذا كان الناس يعظمون المبدعين والمخترعين والمكتشفين فإن الإبداع في كلّ مجالات الحياة يظهر نتيجة التأمل وليس الكلام).

ولكن تبقى الظروف المحيطة بالانسان هي التي تتحكم بأفضلية الصمت أو الكلام، بمعنى هناك مواقف لا يصح معها صمت المؤمن، وهناك مواقف اخرى تتطلب الهدوء والتأمل والصمت لحين الوصول الى القرار الأصح، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (تارة يكون الكلام واجباً، ولاشك أن السكوت غير مفضّل عليه في مثل هذه الحالة، ومثاله الأمر بالمعروف الواجب والنهي عن المنكر الحرام. وتارة يكون السكوت واجباً ويأثم الإنسان بتركه كما لو أدّى الكلام إلى قتل النفس المحترمة، وفي مثل هده الحالة يكون السكوت مفضّلاً بل لا يجوز الكلام. ومن الواضح أن الحديث الشريف غير ناظر لمثل هذه الموارد؛ بل هو يقرر حقيقة أخلاقية مفادها أن السكوت بنفسه ـ إذا لم تكن هناك مرجّحات للكلام ـ خير وأغلى). ويضيف سماحة المرجع قائلا لتوضيح أهمية وطبيعة الموقف الذي قد يتطلب الكلام او الصمت قائلا: (إنّ السكوت النافع أغلى من الكلام النافع، ما لم يكن هناك مرجّح لأحدهما على الآخر).

ويدعم سماحة المرجع الشيرازي آرائه في هذا الصدد بحدث نبوي شريف إذ نقرأ أيضا: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من حسن إسلام المرء تركه الكلام فيما لا يعنيه)-1-.

أي على المرء أن يفكّر في الكلام قبل أن يطلقه، هل يعود عليه بالنفع أم لا، فإن لم يعد عليه بالنفع فليختر السكوت ويتخلى عما كان يريد قوله.

من فوائد الصمت والتأمّل

إن التأمل والصمت رديفان يدعم بعضهما الآخر، فالصمت يتيح لصاحبه عدم التسرع في إطلاق موقف محدد حيال قضية ما، والتأمل يمنح صاحبه فرصة الاستنتاج الامثل، وينطبق هذا في جانبي المادة والفكر او الجانب النظري، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (لو أن شخصاً أراد أن يشتري بضاعة ما، فتأمل قليلاً قبل ذلك، فربما انتهى إلى أن هذه البضاعة يمكن اقتناؤها في أمكنة متعددة، وأن سعرها قد يكون في مكان ما أرخص مع الاحتفاظ بالمواصفات نفسها. وربما اختلفت في المواصفات وانتهى إلى أن من مصلحته أن يشترى نوعية معيّنة بالمواصفات الممتازة بتفاوت أقلّ في السعر.ولو كان هذا الشخص قد بادر إلى شراء البضاعة دون تأمل وتفكر فربما ندم لفوات الأفضل أو الأرخص).

ويضيف سماحته في السياق نفسه: (الحالة نفسها تصدق في المعنويات. فالطالب مثلاً يتأمل ويفكّر في اختيار الدروس وسلوك الطريق الذي يختصر عليه الوقت. والمحاضر يفكر كيف يرفع من مستوى الحاضرين، والداعية يخطط قبل أن يبدأ بهداية الشباب، وهكذا المجاهد والعالم والقائد.. كلٌّ يبحث بالتأمل والتدبر عن أسهل الطرق وأسرعها بلوغاً للهدف. وهذا كلّه لا يأتي إلا بالصمت).

بين العاقل والأحمق

لذا يكمن الفرق بين العاقل والاحمق في طريقة ردود الفعل ازاء المواقف والاحداث، اذا تبدو العجالة واضحة في سلوك ومواقف وكلام الاحمق، بينما يبقى العاقل هادئا متأملا عارفا بما يليق بهذا الوقف او ذاك من مواقف وكلمات، لذا يورد سماحة المرجع الشيرازي تأكيدا لسلامة هذا التصرف قائلا في محاضرته نفسها: (عن الإمام علي سلام الله عليه أنه قال: - لسان العاقل وراء قلبه وقلب الأحمق وراء لسانه-2-، أي أن الأحمق سريع الكلام يطلق القول قبل أن يفكر فيه، خلافاً للعاقل فإنّه يفكر في الكلمة قبل أن يقولها).

وهكذا نفهم بأن الصمت قد يفوق قيمة الكلام اذا لم يكن في محله، وهذه القضية تتطلب نوعا من الذكاء والدربة قد لا يستطيع الجميع من حفظها او العمل بها، لأنها قد تصل الى درجة الملَكَة، حيث ينبغي على الانسان أن يتدرب عليها، من أجل أن يكون دائما في حالة وسط بين وجوب الصمت والتأمل وضرورة النطق والكلام واعلان الموقف الواضح، لذلك ينصح سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا الخصوص:

(فلنقرّر من الآن أن نتعوّد على الصمت والاستفادة من الوقت، وهذا لا يتحقّق دفعة واحدة، بل يأتي عبر المران والترويض ويبدأ بالقليل ثم يزداد شيئاً فشيئاً، وذلك بأن يصمّم المرء أن يكون منتبهاً لنفسه كلّ يوم في ساعة معيّنة فلا يتكلّم إلا بعد أن يتأمّل ويشخّص أنه نافع، ويستمرّ على هذه الحالة لمدّة أسبوع مثلاً، بعد ذلك يزيد المدة إلى ساعتين وهكذا لمدة أسبوعين أو شهر مثلاً، ويستمرّ يزيد عدد الساعات التي يراقب نفسه فيها بمرور الزمن، حتى تصبح الحالة ملكة عنده).

.......................................................

هامش:

1- مستدرك الوسائل:ج 9، ص 34.

2- نهج البلاغة، الكلمات القصار، 40.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/كانون الثاني/2012 - 2 /ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م