في مثل هذه الأيام من السنة الماضية سقطت الشلة الحاكمة في مصر تحت
أصوات ميدان التحرير المنادية بـ «الشعب يريد إسقاط النظام». اليوم،
وبعد سنة كاملة، لا يزال المستقبل مجهولاً حول صبغة النظام المقبل في
ظل تمسك القوات المسلحة بإدارة البلاد، وفي ظل تحالفات قديمة جديدة بين
أصحاب السلطة وأصحاب المال.
فبينما تخشى قوى الشباب من سرقة ثورتهم، تدعي أحزاب وتيارات قديمة
وجديدة تبنيها لمطالب الشباب الذين هالهم حجم وأعداد الأحزاب والشخصيات
الداخلين على خط الثورة من كل حدب وصوب حتى اختلط الحابل بالنابل وما
عادوا يميزون بين الصالح والأصلح من بين كل هؤلاء المتلبسين بالثورة
والثوريين.
مصر هي بوصلة العالم العربي. تفعل وتتفاعل. تتأثر وتؤثر. تستقبل
التطورات بكيمياء تفاعلية فترسل نتائجها إلى محيطها. هكذا كانت وستبقى
. عندما وصلت رياح الربيع العربي إليها خشي البعض عليها بينما فرح
آخرون لها. ما بين الخشية والفرح لا تزال إرهاصات الأحداث في مصر
متقلبة بين طموحات الشارع المصري وبقايا المتمسكين بروح النظام السابق
وتبعاته الدستورية والأمنية والعسكرية.
المصريون الذين يخشون على مصر يحذرون من الفوضى والانفلات الأمني
ويؤكدون على أهمية الاستقرار وكأن الديكتاتورية الجالبة للاستقرار أهم
من الديمقراطية المحققة للعدالة الاجتماعية. والفرحون منهم لمصر
يطالبون بالحرية والكرامة وكأن الديمقراطية أهم من الأمن ولقمة العيش
للناس.
ما بين تلك الخشية وذاك الفرح يكمن المسار الذي سيحدد مستقبل أم
الدنيا. مسار سينتصر فيه الخاشون على الفرحين، أو ينتصر فيه الفرحون
على الخاشين. وصول الإسلاميين إلى البرلمان المصري لا يعني انتصاراً
لهذا أو ذاك. لذا لا غرابة أن نرى لهذا الوصول انطباعات متباينة، فقد
زادت خشية الخاشين لأن وصول الإسلاميين هي عودة إلى الخلف في نظرهم،
واتسع فرح الفرحين لأن وصول الإسلاميين هو مؤشر على الديمقراطية
الجديدة في نظرهم، وما هذا التباين إلا دليل على أن مستقبل مصر يزداد
غموضاً يوماً بعد آخر، ولن تتوقف العملية السياسية وتستقر بتفعيل
البرلمان وتشكيل الحكومة، لأن جولات التفاعل ما بين الخاشين والفرحين
لم تنته بعد.
لحالتي الخشية والفرح انعكاس على بلدان الربيع العربي الأخرى. لأن
مستقبل الربيع المصري هو معيار لصورة مستقبل الربيع العربي. وهناك شبه
إجماع بين المحللين والمتابعين الغربيين على «ان مستقبل الربيع العربي
معلق إلى حد كبير على مدى نجاح أو تعثر الثورة فى مصر. ذلك أن الربيع
سيبلغ ذروته إذا نجحت، وسيتحول إلى كابوس ثقيل إذا فشلت».
الثقل الجغرافي والسياسي لمصر يجعلها عرضة للتجاذبات الإقليمية
والدولية، ناهيك عن تجاذبات وتحالفات داخلية تتداخل فيها المصالح
وتتقاطع فيها الأهداف، ولا يعرف أحد حدودها وتعدادها وماهيتها، نتيجتها
ما يجري على الأرض من أحداث متوالية ومتسارعة لتأخذها ذات اليمين وذات
الشمال. فرح قوى شباب الثورة يستبطن خشية عليها، وخشية القادرين
والماسكين بزمام النظام تستبطن فرحهم بمحاولة فرض الأمر الواقع على
الشارع والثورة.
وما نشاهده من تكالب أقطاب ما يسمى بمحور الممانعة في المنطقة،
وأيضاً أقطاب ما يسمى بمحور الاعتدال على مصر ورموزها، القدماء منهم
والجدد، إلا تأكيد على أهمية مصر كشعب ودولة، وأن في مصر يوجد مفتاح
وقفل الربيع العربي. فإما أن تصبح مصر مفتاحاً منعشاً ومبشراً ببلدان
ربيع أخرى، وبالتالي علينا انتظار تحولات عربية جديدة، أو تكون مصر
قفلاً يتوقف عندها ما يعرف بـقطار «الربيع العربي».
www.aldaronline.com |